رغم مرور 35 عاما على رحيل الرئيس هواري بومدين، إلا أنه لا يزال يعتبر زعيما وطنيا ورمزا من رموز تاريخ الجزائر، بفضل مبادئه الوطنية وانجازاته التاريخية في شتى الميادين وهذا رغم بعض الأخطاء في سياسته الإصلاحية خاصة فيما يتعلق بالثورة الزراعية أو بما يتعلق بالحريات والتعددية السياسية والإعلامية، وتوجهاته الاشتراكية وميله نحو المعسكر الاشتراكي أو بما يعرف بالقطب الشرقي. إلا أن الإيجابيات الكثيرة في سياسته العامة للبلاد تغطي على بعض السلبيات، وكثرة الانجازات الباهرة التي حققها في فترة وجيزة خاصة فيما يتعلق بتأميم المصادر المنجمية سنة 1966 وتدشين مركب الحجار للحديد والصلب سنة 1969 إلى غاية تأميم المحروقات وتأميم الشركات الأجنبية التي تدخل ضمن المخطط الرباعي لسنة 1970 فيما عرف بالصناعة المصنعة وكذلك إنشاء البنوك وتطبيق الطب المجاني في الفاتح جانفي 1974 وغيرها من انجازات ثورة البناء والتشييد. ضف إلى ذلك السياسة الخارجية التي عرفت عصرها الذهبي في عهده بفضل بعد نظره وحنكته الدبلوماسية، التي بدأها بالجلاء الفرنسي التام عن قاعدة المرسى الكبير بوهران سنة 1968 إلى الإعلان عن الجمهورية العربية الصحراوية المطالبة بحق تقرير المصير، كذلك انعقاد مؤتمر القمة الرابع لدول عدم الانحياز سنة 1973، وإرسال قوات إلى قناة السويس الفرقة الثامنة المدرعة للاشتراك في عملية تحرير الأراضي العربية المحتلة وقيام الجزائر بوساطة ناجحة بين العراق وإيران لتسوية الخلاف حول شط العرب وكذلك إدراج القضية الفلسطينية في هيئة الأممالمتحدة، هذه بعض المحطات البارزة في سياسة بومدين دون أن ننسى بداية النجاحات الرياضية مع بومدين، التي جاءت نتيجة الإصلاح الرياضي كما كان للثقافة نصيبها من النجاح، بحيث نظمت الجزائر في عهد بومدين المهرجان الإفريقي الأول سنة 1969 وكذلك فوز المخرج الأخضر حامينا بالسعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي سنة 1975 عن فيلمه "سنوات الجمر". ضف إلى ذلك الانجازات في إصلاح التعليم العالي ووضع حجر الأساس لجامعة باب الزوار وغيرها من الإصلاحات التي أعطت الحق لكل جزائري في التعلم. هذا جزء قليل من أبرز محطات الرئيس هواري بومدين الحافلة بالإنجازات التي لا زال يفتخر بها كل جزائري غيور على وطنه، والمدهش أن جيلا جديدا لم يعاصر ولم يعش فترة بومدين ولم يعش زمن الحلم القومي وزمن العزة والكرامة والرأس المرفوع كل هذا جعل من بومدين رمزا وطنيا وزعيما تاريخيا لدى جيل ولد بعد وفاة بومدين وهذا ما يجعلنا نتساءل ألم يجد هذا الجيل في من تعاقبوا على كرسي المرادية من يملأ فراغ بومدين وهذا بالرغم مما تعرض له بومدين بعد مماته من نكران للجميل وطمس لتاريخه الناصع بالإنجازات؟ وما التفاف الشعب حول الرئيس بوتفليقة في بداية عهدته لأنه يمثل نظام بومدين أو أنه جزء من تاريخ بومدين الذي أسس دولة جعل لها شعار "الدولة لا تزول بزوال الرجال" لكن للأسف مظاهر زوال الدولة بدأت تظهر مع رحيل بومدين، وكل ما قيل ويقال عن بومدين يبقى رمزا خالدا في تاريخ الجزائر لا زال جزءا من الشعب الجزائري يبكيه إلى يومنا هذا.