ما أجمل أن يصادفك مقال جميل، أو كتاب بهيج، يهز مشاعرك، يحرك مخيالك، ويثير الأسئلة الواحد تلو الآخر فيك.. القراءة ليست مجرد تلق، بل هي فعل خلاق، منتج عندما تكون أرضها فيها بذور حقيقية.. لماذا أقول مثل هذه الخواطر يا إلهي؟! ربما لأنني قرأت خلال هذه الأسابيع كتابات عزيزة أسماء أصحابها علي.. قرأتها بشكل خضع أكثر للصدفة منها إلى التخطيط المسبق، في الخميس انتهيت من قراءة كتاب مؤثر، لكاتب لم يكف إعجابي به، هو الكاتب الفرنسي، موروا، وصاحب الأجزاء الشهيرة لبلوك نوت، وكانت هذه الأجزاء هي ملهمتي في التوجه نحو كتابة اليوميات منذ أكثر من عشر سنوات عندما كنت مدير تحرير بجريدة اليوم.. الكتاب الذي اشتريته بالساحة القريبة من البريد المركزي، لم يكن جزءا من أعمال بلوك نوت، بل كان كتاب مذكرات حميمية، تناول فيها موروا، تلك اللحظات الخاصة التي كان يستغرق فيها لقراءة كتابه المفضلين الذين ظل يعود إليهم بشكل مستمر طيلة سنوات عمره... كتاب كلاسيك ظلوا يحتفظون بوهجهم ونصهم المتجدد كلما أعدت قراءته، تحدث موروا، عن قراءته المتجددة لبالزاك هذا الروائي المثير الذي عرف كيف يخلد الحياة الباريسية في القرن التاسع عشر عبر كوميدياه البشرية.. لكن النص الذي أثارني في كتاب موروا، هو كتابته عن ليون تروتسكي، يقول، أخذ من بين الكتب التي أخذها معه إلى الريف لقضاء وقت عزلة واستراحة، عددا من الكتب، من بينها كتاب لم يكن متحمسا له كثيرا، لكن الفضول دفعه إلى ذلك، بحكم الأفكار المسبقة التي تسكن رأس موروا، عن تروتسكي، رجل ثورة 1505، ورجل أكتوبر 1917، ورجل الجيش الأحمر والرجل الذي غادر بعد انتصار الثورة الروسية بلده بعد أن صعد ستالين إلى الحكم، وتحول إلى حاكم دكتاتور رهيب.. ويكشف لنا موروا، ذلك العالم الدفين، الحميم للسيرة الذاتية لليون تروتسكي أو برنشتاتين، اسمه الحقيقي.. ويقول موروا، إنه اكتشف عبر السيرة الذاتية والضخمة التي كتبها تروتسكي.. كتابا كبيرا، صاحب موهبة لا تضاهى، لا تقل قيمة عن موهبة الكاتب الروسي مكسيم غوركي، أو دوستويفسكي.. لكن السياسة وانخراطه في الثورة جعلا الأدب العالمي يفتقد مثل تروتسكي.. أحسست بالسعادة وأنا أقرأ ما يقول موروا عن تروتسكي، لأني أول ما اكتشفت تروتسكي كمفكر ومنظر ماركسي، كان السبب هو كتابته المتميزة، وحياته الأقرب إلى المبدع منه إلى السياسي على صعيد الداخلي والنظرة الإنسانية التي تجوب روح فكره الثوري.. كتابه المؤلف من جزئين حول الثورة الروسية، يعد إبداعا أدبيا قبل أن يكون مجرد كتابة تاريخية توثق للثورة الروسية ومآلها على يد ستالين... والمحزن أيضا في كتاب موروا، عندما يحدثنا عن النهاية المأساوية لتروتسكي على يد أحد مريديه وأصدقائه وأحد الأوفياء الذين كانت تثق فيهم عائلة تروتسكي .. إن القاتل قاتل تروتسكي، عميل ستالين، كان من أقرب المقربين إلى قلب تروتسكي.. أية مأساة.. وأية بشاعة يعبر عنها غالبا هؤلاء الأفراد المسيئون إلى إنسانيتهم...