تستمر تظاهرة أيام الفيلم الأوربي بالجزائر، في جذب المشاهدين لقاعة "محمد زينات" برياض الفتح، حيث حصدت ألمانيا بفيلمها "باربارا" من إخراج "كريستيان بيتزولد" عددا لا يستهان به من الجمهور الذي أبدى تأثره وإعجابه بالفيلم الطويل. يبدو أن التاريخ الأوربي الحافل بالعلاقات السياسية المتوترة وانعكاساتها على الأفراد في المجتمع، مثّل منبعا قصدته العديد من الأفلام المشاركة في التظاهرة الثقافية "أيام الفيلم الأوربي بالجزائر"، لبناء مواضيعها، فعلى غرار بعض الدول المشاركة، ها هي ألمانيا تقدم ميلودراما إنسانية معقدة، تدور أحداثها في زمن التوتر وانقسام ألمانيا إلى جزئين شرقية وغربية. تدور أحداث فيلم "باربارا" للمخرج "كريستيان بيتزولد" في صيف 1980 بألمانيا الشرقية، بطلة الفيلم "باربارا" جراحة في مستشفى ببرلين الشرقية، تتعرض لمضايقات من الحكومة التي لا يكف أفرادها عن إغاراتهم المفاجئة على بيتها المتواضع لتفتيشها والبحث في حاجياتها، على أمل العثور على دليل يدينها ويكشف طموحها في الهرب إلى الناحية الغربية. تتعايش باربارا مع محيطها الخانق، في أمل انتظار حبيبها "يورغ" أن يجهز لطريقة هربها إلى الناحية الغربية... إليه. تحتمل العيش في شقة متداعية بعمارة أقل ما يمكن القول عنها أنها قديمة جدا في حي ناء، شقة تتكون من غرفتين وحمام، يتوسطها بيانو بني يقاسم البطلة همومها ويعبر عن مشاعرها وصرخاتها المكبوتة بصوته الغاضب والثائر كلما داعبته أنامل أصابعها. تحاول بطلة الفيلم، التي أبدعت في تقمص شخصيتها الممثلة "نينا هوس" التأقلم في المستشفى الذي يشبه السجن بالنسبة لها، تمضي وقتها وتهدئ قلقها عبر نفث دخان سجائرها الرفيعة التي لا تكاد تفارق أصابعها في جميع مشاهد العرض السينمائي، تتعامل مع الجميع ببرودة واقتضاب، إلا أن رئيس الأطباء "أندريه" من تمثيل "رونال زهرفيلد" ينجح في التقرب إليها وإقناعها بالتخلص من البرودة التي تواجه بها الجميع، الأمر الذي يبقي البطلة في شك دائم حول كون رئيسها صديقا يسعى لكسب ودها، أم جاسوسا من قبل الحكومة يهدف لكشف سرها. يتناول الفيلم سيكولوجيا تعدد الشخصيات للفرد الواحد، فباربارا المزاجية والباردة مع باقي الأطباء تتحول إلى أم حنون مع المرضى، وخاصة مع "ستيلا" إحدى الأسيرات في مخيمات "تارغاو" الشرقية، يتفنن الجنود في ضربها وتوجيهها للقيام بالأعمال الشاقة رفقة زميلاتها، مما يجعل البطلة تعتني بها، تقرأ لها قصص "هاكلبيري فين"، وتدبر لرحيلها للجهة الغربية متخلية لها عن فرصتها التي انتظرتها لمدة طويلة وعانت الأمرين للحصول عليها. العرض السينمائي "باربارا" للمخرج "كريستيان بيتزولد" هو قصة صراع إمرأة وكيفية صمودها لتحقيق أحلامها، هو رحلة لاكتشاف الذات والغير، تعمق فيها كاتب السيناريو "هارون فاروقي" رفقة المخرج، في خبايا النفس الإنسانية ليصورا لنا الصراع بين الخير والشر، بين الإيثار وحب الذات، لتسمو صفة التضحية الإنسانية عندما تتخلى باربارا عن فرصة حياتها من أجل الطفلة المفجوعة.