محمد خوان يتحادث مع رئيس الوفد الإيراني    هذه توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة    النفقان الأرضيان يوضعان حيز الخدمة    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في إفريقيا    مشاهد مرعبة من قلب جحيم غزّة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    على فرنسا الاعتراف بجرائمها منذ 1830    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    الخضر أبطال إفريقيا    ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    "ترقية حقوق المرأة الريفية" محور يوم دراسي    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)        مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تطيح السيرة بالسيرة الذاتية.. مالكولْم، مجهول المولد والمبعَث

قطع فن السيرة أو البيوغرافيا في الغرب أشواطاً بعيدة مستعيناً مستفيداً من حرية البحث والنشر ومختلف العلوم وبروح المنافسة والتقاليد الأكاديمية؛ ويعرف هذا الفن انتشارا مذهلا في الصحافة والأدب وفي الوسائل السمعية البصرية. وفي هذه الدراسة القيمة تتحدث الكاتبة والناقدة والمؤرخة الأمريكية "أليس كابلان" (الحائزة على جائزة "نيوريورك تايمز" لأفضل كتاب، في سنة 2000، عن تجربة مثيرة في هذا الصدد قام بها المؤرخ الأمريكي الراحل "مانينغ مارابل"؛ إذ تقوم السيرة أو الترجمة الحياتية بتحطيم ما تبنيه السيرة الذاتية التي "تنمق" الواقع. وتخص هذه المقارنة سيرة المناضل الأمريكي الزنجي "مالكوم إكس"، الذي سبق له أن اعتنق الإسلام. والملفت للانتباه أن هذه "السيرة المضادة" اقتضت من المؤرخ المذكور بحثا دام عشر سنوات مستعينا بعشرين متعاونا جامعيا. وقد نشرت هذه في مجلة "كريتيك" الفرنسية (عدد 781 782 جوان وجويلية 2012).
يمكن لكل أمريكي، أسود كان أم أبيض، أن يتصوَّر الرَّجُليْن: رجُل الجنوب بوجهه ذي الخدين المنتفخين والقلب الحار، ابن الطبقة الوسطى، الداعي إلى الاندماج في مستقبل سينتصر على الألم؛ والرجل الطويل "هيبْست"، الناشئ في أحياء الشمال الحضرية وفي السجن، والداعي إلى الانفصال، وإلى فضيلة الصراع وحقيقة الغضب. إنهما "مارتان لوثر كينْغ" و "مالكولم إكْس" اللذين يمثلان "سيزير" و«فانون"، و«كامو" و"سارتر" داخلَ نقاشٍ دائمٍ حول العِرْق ووضْع السود في أمريكا القرن العشرين.
ويمكن الذهاب إلى حد القول إن "مالْكولْم"، وهو شخصية معروفة قليلاً، في فرنسا مقارنة ب "مارتانْ لُوثرْ كينغْ"، يبقى جدُّ حاضر في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما توقفت معرفة أمريكا له: إن "مالكوم"، وليس "كينْغ"، هو فيلسوف الهوية الزنجية، الذي يُوظَّف، اليومَ، كمرجعٍ لفناني ال "هيب هوب"، والشعراء وللرؤساء. ويعودُ هذا، في الجزء الغالب منه، إلى أنه كان قبل موته، كاتب سيرته الذاتية حتى وإن تبقى سيرة ذاتية تقريبية مثلما سنرى ذلك. وهذا ما تكشفه سيرة (أو ترجمة حياتية أو بيوغرافيا) ظهرت مؤخراً، وهي ثمرة سنوات من البحث لمؤلفها المؤرخ "مانينْغْ مارابْل".
إنَّ كتاب "مانينْغْ مارابْل" (Manning Marable. Malcolm X. A Life of Reinvention) هو تفكيكٌ، في 600 صفحة، ل " السيرة الذاتية لمالكولم إكس"، وما يعنيه "مارابل" بالتفكيك هو الذي يهمني هنا. ما الذي يعنيه انطلاق سيرة من سيرة ذاتية، وهو وجود كاتِب السيرة الذاتية وكاتِب السيرة ليس مثل الشريكيْن في فهم شخصٍ استثنائي، وإنما مثل المتنافسيْن في معركة من أجل الحقيقة؟ وكيف يمكن لسرد بضمير الغائب أنْ يُنافس سردَ سيرةٍ ذاتية بضمير المتكلم؟ "وحتى يكتب" سيرة "مالكولم إكس"، لم يكتف "ماربْل" بمواجهة ضرورة تقديم رواية مختلفة للأحداث فقط بل توجب عليه مواجهة قوة صوت "مالكولم" نفسه. ومن خلال تحدِّيه ل "السيرة الذاتية"، كلَّف "مارابل" نفسه عناءَ ثقلِ مهمة جعْل حضور "مالكولم" في كلمته الخاصة، في موضع التساؤل.
من "مالكولم ليتل" إلى "مالكوم إكس"
ولد "ملكولم إكس" باسم "مالكولم ليتل" في "أوماها"، في ولاية نيبراسكا، في سنة 1925. وقد التقى أبواه لويز، اِمرأة من جزر الأنتيل، ذات سحنة صافية، و«إيرْل"، اِبن مزارع من جورجيا أثناء نضالهما في الحركة الإفريقية التي كان يقودها "ماركوس غارفيْ". ولم يكنْ أتباع "غارفي" إصلاحيين ولا متسامحين مع العنصرية الأمريكية؛ لقد كانوا يرون أنفسهم أرستقراطية إفريقية في المنفى ولا يهم، مثلما يوضح "مارابل" إن لم يكن للحركة أي تأثير سياسي في القارة الإفريقية. فحتى "غارفي" نفسه، كان مركزاَ على طموحاته الثقافية وعلى شركاته الخارقة، مثل ال "بلاك ستار لاين"، وهي شركة بحرية تابعة لآلاف المستثمرين بمبالغ تتراوح بين خمسة وعشرة دولارات. وعلى سبيل المثال، فقد كان ل "غارفي" مليون مساهم عبر العالم، في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.
لقد كانت أطروحات "غارفي" حول ضرورة العودة إلى إفريقيا مُعاصِرة للتَّنامي الجديد الذي عرفه الشعور الاِنفصالي الأبيض، في عشرينيات القرن الماضي. وظهرت من جديد حركة ال "كُوكْلوكْسْ كْلانْ" وميليشياتها، مُوسِّعةً من قواعدها في "الميدوسيت" إلى غاية نيبراسكا، حيث كان يعيش والدا "مالكوم": " وخلال سفر [والده]، في شتاء 1925، قصد رجال ملثمون من ال "كلانْ"، على خيول، بيت عائلة "ليتلْ"، في منتصف الليل"، وقد توجب على أمه أن تصمد أمامهم". هذا ما رواه "مالكوم إكس" إلى "أليكس هالي"، في سلسلة الاستجوابات التي أصبحت فيما بعد "السيرة الذاتية لمالكوم إكس". وبعد ست سنوات من ذلك، عندما دهَس "ترامواي"، والِدَ "مالكولم"، في "ميشيغان"، شكَّتْ العائلة في أن الحادث عملٌ إجرامي أقدمت عليه منظمة عنصرية أخرى، حتى وإن لم يتم، إطلاقاً، تقديم أدلة على حقيقة الجريمة.
وبعد موت زوجها، تعرضت "لويز"، أم مالكوم، إلى اِنهيار عصبي وجرى وضعها في مصحة عقلية. وقد تربى "مالكوم" في عائلة أخرى آوته. وفي المدرسة، حيث تألق في الدراسة، قال له أستاذ بأنَّ طموحَه في أن يصبح مُحامياً هو طموحٌ سخيف: "لا يمكن للزنوج أن يصبحوا محامين". وقد أثارت فيه هذه الشتيمة رغبة في الدراسة والعمل لم تكف عن التنامي مع مرور السنين. فقرأ مالكولم "هيرودوتْ"، و«شوبنْهاور" و«كانْط" و«ميلْتونْ"، و كان يعتبر نفسه فقيها هاويا في اللغة. و كان يحلو له القول إن إحدى قراءاته المفضلة هي قراءة كتاب "The Loom of Language"، ويحدث أنه ينعزل في عِزِّ الصراع السياسي ليلتجئ إلى متحف التاريخ الطبيعي والتأمل في حيوان خنزير الأرض.
ولكن الجرائم الصغيرة وحياة الجنوح، وليس الكتب، هي التي استحوذت على وقته في بداية الأمر؛ فبعد حبْس والدتِه في المصحة العقلية، تفكَّكت عائلة "ليتلْ" وغطَس "مالكولم" في التشرد، في شوارع "ديترويت"، و"بوسطون" و"هارليم"، إلى غاية تغلب القانون عليه. بعد الحكم عليه بثمانية إلى عشرة أعوام حبس في سجن "نورفولك ماساشوسيتس" وبتأثير ساعات طويلة من الدراسة في مكتبة السجن، اِنضم إلى "أمة الإسلام"، التي يرأسها "أليجه محمد"، الذي سبق له أن ضمَّ إليه عددا من أخوانه وأخواته، في شيكاغو". ولقد وصف المؤرخ "دافيد غارووْ" تنظيم "أمة الإسلام" بالخليط الغريب بين وطينة سوداء وعلم الخيال كوني وليس له سوى صلة ضئيلة بالإيمان الإسلامي"؛ فمِنْ بين معتقدات هذا التنظيم، يبرز معتقد يقول بوجود عالِم دين مجنون باسم "جاكوب"، منفي في مكة، يكون قد خلق عرقاً من الشياطين ذوي البشرة البيضاء، بفعل زرع أعضاء ... وتحت قيادة "إليجه" محمد، غيَّر "مالكولم ليتلْ"، المدعو سابقاً "ديترويت ريد"، اسمه إلى "مالكولم إكْس" ("إكس" لتمييز أصله المفقود، ولرفض الاسم الذي أبقى أجداده في العبودية. وباسم "مالكوم إكسْ"، أصبح مسؤولا على المسجد رقم 7 في حي "هارليم"، وكان مسوؤلا كاريزماتياً وزاهداً لا يتناول سوى وجبة غذاء واحدة في اليوم ويذرع البلد في سيارة قديمة زرقاء، ليقنع المئات من الناس بتبني معتقده.
وعما قريب سيُعرف "ماكولم إكسْ" بخطبه الآسِرة؛ وتفوق هذا الرَّاسِب في التعليم العمومي وعصامي السجون على المثقف الأسود الكبير"بايار روستان"، في نقاش حول المقارنة بين فضائل الاندماج والانفصال. وكان يجد نفسه في موقف مريح، سواء في "ها فارد"، أو في حي "هارليم". وإذا كان "أليجه محمد" يدعو إلى الانضباط والامتناع السياسي، فإن "مالكولم"، الذي يسمي نفسه "أكثر رجال أمريكا غضباً"، أصبح، أكثر فأكثر، رجل سياسياً مع مرور السنين. وقد أقدم على بعض الخطوات الأسطورية الخاطئة: كما جرى في اليوم الذي كان يشرح فيه كارثة جوية هلك فيها مائة وعشرون شخصاً من "أطلنطا"، في فرنسا، بالقول إنها هِبَة من الله؛ أو لمَّا فسَّر اغتيال كينيدي بأنه مآل طبيعي للأشياء: "Chikens coming home to roost". وحسب رواية "مارابل"، فإن حياته الزوجية، مع "بيتي الشبَّاز"، التي أنجب منها ستة أطفال، بقيت باردة وجافة، وكانت المراسلة بين الزوجين قائمة على اللوم المتبادل والنقد اللاذع.
ومن جهته، وبعد أن أخذته الغيرة المتزايدة من خطيبه المتميز، قرَّرَ "أليجه محمد" وقف "مالكولم" عن الخطبة في مسجده، بعد الملاحظة التي أبداها بشأن اغتيال كينيدي. ولكن "مالكولم إكس" كان قد أبعدَ كلَّ أوهامه بخصوص مُرشِدِه، المنشغل بقضايا الزنا وبأطفال غير شرعيين وبالرشوة. ومع ذلك، فقد فتحت له هذه القطيعة جد المقلقة إمكانية رفض النهج غير السياسي ل "أمة الإسلام" والإقدام على تحوُّل جديد ليصبح مناضلا أممياً ومسلماً تقليدياً. ويمعن "مارابل" بانتباه أكبر من ذلك الذي ورد "السيرة الذاتية"، في السَّفريْن الأساسيين اللذين قام بهما "ملكولم" وراء البحر؛ وقد كان السفر الأول في عام 1959، لحساب "أمة الإسلام" (مصر، السودان، غانا)؛ والسفر الثاني، للحج إلى مكة، في 1964، متبوعاً برحلة عبر أوروبا وإفريقيا. وقد استقبله رؤساء الدول مثلما تستقبل الشخصيات السامية. وحسب عدة مصادر، فقد كان هذان السفران، خارج الولايات المتحدة، أسعد فترات حياته.
ويؤكد "مارابل" بأن بعد اعتناقه الإسلام السُّني، أصبح "مالكولم" يُسمى "الحاج مالك الشبَّاز" وتخلى عن عقيدته المتعلقة بضرورة انفصال السود. وبدأ يرسخ فلسفة جديدة خاصة للأخوة الإسلامية، يكون فيها لون البشرة غير ذي أهمية أمام الإيمان الديني. وفي السنتيْن الأخيرتيْن من حياته، وأمام التهديدات بالموت وقد جرى تدمير منزله آنذاك، بتفجير ، أنشأ منظمتيْن وهما "موسليم موسكي أنترناشيونال"، التي كانت تقيم صلات مع الإسلام السني المتشدد وجماعة سياسية غير دينية سميت ب "أورغانزايشن أو أفرو أماريكان يونيتي". ولم تبق أيا منهما حية بعد اختفائه.
وفي 21 فيفري 1965، قدم "مالكوم إكس" محاضرة في قاعة الحفلات"ودابان" بحي"هارليم". وفي هذا اليوم، غابتْ الشرطة التي كان من المفروض أنها تحرسه. وقد قُتِل "مالكوم"، يومها، بنيران كثيفة أطلقت من عدة اتجاهات. وكثيراً ما جرى اتهام رجال "إليجه محمد" بهذا الاغتيال، ولكن "مارابل" كشف عن دلائل تؤكد أن مكتب التحقيقات الفيدرالية
(الأف. بي. أي) وحتى وكالة الاستخبارات الأمريكية (السي. أي. إ ) كانا متورطين في ذلك، بدافع الإهمال في أدنى الأحوال. وهناك كشْفٌ آخرٌ مثيرٌ للدهشة؛ ويتمثل في أن الرجل الذي كان مسلحا ببندقية مقطوعة الماسورة، الذي كان أول من أطلق النار عليه، يعيش، اليومَ، حياةً هادئة، في "نيووارك"، دون أن تزعجه العدالة. إنه لمن الملاحظ أن ليس في مقدور الكثير من كتاب السِّير إعادة فتح تحقيق قضائي يعود إلى خمس وأربعين سنة.
ولتلخيص مسار"مالكولم إكس"، يستحضر"مانينغ مارابل" صورة تجمع الجانبين التقليديين للبطل الإفريقي الأمريكي: hulster / trickster و preacher / minister، الحكيم الذكي الذي يغيِّر اسمه وشكله. وكتب "باراك أوباما" في "أحلام أبي"، بخصوص قراءته للسيرة الذاتية لمالكوم إكس"، يقول: "His repeated acts of self - creation spoke to me". ويعتبر رئيسنا "في مرحلة ما بعد العنصرية"، الذي دشن حياته هو الآخر بسيرة ذاتية، بأن رواية "مالكولم" هي نموذج ليقظة وعيه الخاص ومصدراً مكَّنه من اكتشاف شخصيته الحقيقية. إن إرث "مالكولم إكس" عميق الارتباط بكتاب سيرته الذاتية بحيث يصعب على المرء تصور تذكره في غياب هذا النص. إذن، من الصعب إنجاز سيرة ل "مالكولم إكس" دون الاحتكاك بهذه الوثيقة، خاصة وأن قصة نشوء هذا الكتاب هي في حد ذاتها عنصر أساسي في حياة "مالكولم".
في سنة 1962، اتصل الكاتب والصحفي الأمريكي الأسود "أليكس هالي" بمالكولم إكس"، لكي ينجز، في بداية الأمر، مقالاً عن تنظيم "أمة الإسلام". وفيما بعد قدَّم له اقتراحاً: هل سيقبل "مالكولم" بكتابه سيرة حياته ب "مساعدة" من "هالي" ؟ وبعد ثلاث سنوات، كانت السيرة الذاتية جاهزة للطبع، و«مالكولم" قد مات، أما صلته ب "أمة الإسلام" فقد انقطعتْ إلى الأبد. وبعد رفضها من طرف الناشر "دوبْل دايْ"، الذي تفاوض مع "هالي" حول العقد، تمَّ شراء "السيرة الذاتية لمالكولم إكس" من طرف "بارناي روسيت"، الناشر الذي اشتٌهر بنشر كتب "آلان روب غرييه" و«بيكيت" لدى دار "غروف بريس".
وقد بيعت ستة ملايين نسخة من الكتاب، خلال عشرين سنة، وعرف بيعها صعوداً خارقاً مع ظهور فيلم المخرج "سبايْكْ لي" الذي يحمل عنوان "مالكولم إكس"، في 1992. وقد أُدْرِجَتْ" السيرة الذاتية لمالكولم إكس" في برنامج المئات من المعاهد التعليمية الثانوية والإعدادية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ أما في المجال الجامعي، فإنها مَمَرٌّ إجباري في الدراسات الإفريقية الأمريكية؛ لقد جعل منها المدرسون في الأحياء الأكثر فقراً كتاباً أساسياً، و دليلاً على أنه يمكن للمرء أن يولد في "غيتوه" أو ينشأ في عائلة مفككة إلا أنه يستطيع مع ذلك أن يصبح رجلاً عظيماً.
السيرة تفكيك للسيرة الذاتية
كان "هالي" و«مالكولم" يشكلان ثنائياً غريباً، إذ كان كل واحد منهما يسعى إلى نتيجة مخالفة، يمكن لأي منهما الحصول عليها من خلال نفس الكتاب.
ف "هالي"، الضابط المتقاعد في البحرية ذو الطموحات التجارية والأدبية، يريد "بيست سيلر"، إنه لا يتعامل مع أفكار "مالكولم إكس" من باب التضامن الثوري مثلما كان حال "إليزابيث بورغوس" التي تلقَّتْ شهادة "ريغوبيرتا مونشو"، في كتاب "أنا ريغوبيرتا مونشو"، ذلك لأنَّ "هالي" كان مشمئزاً من تنظيم "أمة الإسلام"، فهذا الجمهوري الأسود، يعتقد أن "أمَّة الإسلام " تُهدِّد الأمَّة الأمريكية ويرى فيها مظهراً من مظاهر فشل الإندماج، ولكنه كان يشعر بأنَّ في قصة هذا الشاب المنحرف الذي عرف التطَّهُر، بفضل إيمانه، قصة ستدهش وتأسر القراء في نفس الوقت الذي تُخيفُهم، أما "مالكولم" فقد كان يريد، هو الآخر، مشاطرة جمهور واسع حكايته، ولكنَّه كان، وعلى الأقل في البداية، إنفصاليا بقدر ما كان "هالي" إندماجياً.
هكذا بدأ عمل هذا الثنائي المتنافر إيديولوجياً، وقد كان "مالكولم إكس" يقضي ساعاتٍ في شقة "هالي"، في غرينويتش فيلاج، كانا يتناقشان بينما كان "مالكولم" يخربش أفكاره في قطع أوراق، وبعد ذهابه، يجمع"هالي" هذه الأوراق المُكوَّرة قصْد تغذية نصِّه ببذْرة صوت "مالكولم".
ويروي "هالي"، في الخاتمة التي كتبها للسيرة الذاتية، بداياتِ تعاونُهما، ففي البداية، كانا لا يتفقان على شيء: و يتذكر بأن كل واحد منهما يرى الآخر"عصبياً" مثيراً للقلق مثل الشَّبَح، وكانت الخطوة الأولى في مساءٍ قدم فيه "مالكولم" منهكاً بعد يوم عمل، و قد اِستسلم دفاعه، وفجأة طلب منه "هالي" الحديث عن أمِّه، فسالتْ "الحقيقة" دافقة... وبعد أشهر من ذلك، قال "مالكولم" ل«هالي" بأنه ذهب رفقة إخوانه وأخواته "إلى المصحة العقلية حيث كانت والدته محبوسة منذ خمسة وعشرين عاما و/أنهم/ أخرجوها منها"، وقد نشعر، عند قراءة السيرة الذاتية، بأن عمل "مالكولم" مع "هالي" هو علاج نفساني ناجح، وهو، أيضاً، قضية إشراقة واِفتداء.
إن "مانينغ مارابل" مستعد للإعتراف بأن العمل الذي تم مع "هالي" كان مفيداً ل "مالكولم"، ولكنه عَلِمَ الكثير من خلال أرشيف "هالي" مما يمنعه من تصور علاقتهما بشكل إيجابي، إنه يعلم، بالخصوص، بأنه لمَّا كان"أليكسْ هالي" و معاوُنه الأبيض"ألفريد بالْك" يكتبان أول مقال لهما عن "أمة الإسلام"، يتضمَّن بورتريه "مالكولم"، لصحيفة "ساتورداي يفنينغ بوست"، توجَّه "بالْك" إلى مكتب التحقيقات الفيدرالية ووعد موظفيه بأن يقدم لهم معلومات، مقابل معلومات يلتزم بأن لا يكشف عنها، ولم يجد "مارابل" أيَّ دليل على أنَّ "هالي" نفسه كان قد اِلتقى أعوان مكتب التحقيقات الفيدرالية، ولكنه ختم اِستجوابا مع تلفزيون أمريكي بهذه الكلمات: "يمكننا أن نتصور أن (هالي) كان يعرف ذلك، لأن (هالي) و(بالْك) حرَّرا المقال، وسافرا معا عبر الولايات المتحدة لجمع المواد لإنجاز مقالٍ مُوقَّع مِنَ الإثنيْن، والإحتمال ضعيف في أن لا يكون (هالي) قد عرف ذلك".
ألم يكن "هالي" خبيرا نفسانيا وإنما واشياً؟ وهل جرى تحرير السيرة الذاتية الأكثر إثارة للإعجاب في الأدب المعاصر، إنطلاقا من خيانة؟ إن الصلة بمكتب التحقيقات الفدرالية واردة بشكل أوضح في المقال المعني والمعنون ب "باعةُ حقدٍ سود"، والذي نُشر في ال " ساتورداي يفنينغ بوست": "ولإنجاز هذا الريبورتاج إستجوبنا دزينات من الموظفين الحكوميين، وممثلي القانون مِنَ العِرْقيْن الأبيض والأسود".
وليس من الصعب تصور أن المعتدل "هالي"، المدفوع بوطنيته كعسكري وبحقده على نظرة "أمة الإسلام" العنصرية، إستطاع أن يرى أن تعاوناً مع مكتب التحقيقات الفيدرالية لا يشكل خيانة وليس بها، في حد ذاته، ما يُبرِّر الفضيحة.
ولكن ومهما كان سُخط "هالي"، على مذهب "أمَّة الإسلام"، فإنَّه ككاتب، كان يَودُّ أن يبقى "مالكولم" وفيًّا لهذا التنظيم، ذلك لأن القطيعة الفجائية مع "محمد أليجه" ستزرع الفوضى في مخططه السردي.
و هنا، يتبنى"هالي" مسعى قليل التوافق مع القواعد الأخلاقية ل "الكاتِب العَبْد": إذْ يتدخَّل مباشرة، في حياة "مالكولم". ففي ديسمبر 1963، إلتقى ب "أليجه محمد" قصد السَّعي لإدماج "مالكولم" في "أمَّة الإسلام"، و يصف له الكتاب، فصلا بفصل، طامحا في إثارة حماسه، وحسب "مارابْل"، فإن "هالي" كان يعتقد، جازماً، بأنَّ بَرَكَة "أمة الإسلام" لا غنى عنها للنجاح التجاري للكتاب.
ولكن الأمور لم تحدث، تماماً، مثلما كان يرغب فيها "هالي" ذلك لأن موضوعه لم يكف عن التطور، فكيف كان بإمكانه، في البداية، تخيُّل، أن "مالكوم" سينفصل عن "أمة الإسلام"؟ وعندئذ، كان يتوجب على "هالي" إقناع "مالكولم" بأن لا يطالب بإعادة كتابة الفصول الأولى على ضوء خيبته في "أليجه"، وإنما يبقيها حتى تبدو القطيعة مع "أمة الإسلام" أكثر دراماتيكية.
وهنا، فإن اغتيال "مالكولم" هو الذي يقدم ل "هالي" عنصر فك العقدة: وعندئذ، يمكن للسيرة الذاتية أن تأخذ شكل قصة مشكوك فيها لإبن "إيرْل ليتلْ" الذي كان يعرف، دائماً، أنه سيموت هو الآخر، موتة عنيفة.
لقد قال "مالكولم إكس" إلى "أليكس هالي"، في وقت التوقيع على العقد مع الناشر "دوبْل داي": "أنا أريد كاتبا وليس مُؤوِّلاً" (السيرة الذاتية لمالكوم إكس، الخاتمة، ص 496 ). ولكن "هالي" بقي مؤولُّه، فيما يخص المحتوى والشكل، فيضع قصة مالكولم بين "نصيْن جانبييْن"، وهما مقدمة كتبها "م.س.هاندلر"، الصحفي بجريدة ال "نيو يورك تايمز"، الذي يدرج قصة "مالكولم" في التقليد الكبير للقصص الأمريكية الخاصة بال«سيلف ماد مان"، وخاتمة طويلة كتبها "هالي" يوضح فيها نشأة الكتاب ويسرد فيها الإغتيال.
وينتهي الكتاب، بتأبين جنائزي قرأه الممثل الأسود "أوسي ديفيس" خلال الجنازة في "هارليم": "He was our own black shining prince" (لقد كان أميرنا الأسود المضيء).
ويبقى ثمة أمر غريب: وهو إلغاء ثلاثة فصول من المخطوط النهائي للكتاب. و يزْعَم "هالي" أنَّ "مالكولم" هو الذي أراد ذلك، ذلك لأن هذه الفصول لم تعد تتوافق مع نظرته السياسية بعد قطيعته مع "أمَّة الإسلام"، وهذا أمر لن يعرف، إطلاقاً. وهذه الفصول الثلاثة هي ملك لأحد المحامين إشتراها خلال بيع بالمزاد العلني، وقد سمح ل«مارابْل" بالإطلاع عليها، لمدة ربع ساعة، في مطعم، وهذا حتى يمكنه أن يُعايِن أن "مالكولم" كان يتوجه نحو إئتلاف طامح للمناضلين السود من مختلف الاإتجاهات وإلى الِتزام "أمة الإسلام" بالإنخراط في الحياة المدنية.
إن أخطر مأخذ ل«مارابْل" إزاء "هالي" هو إقدامه على إخفاء تلك الفصول من السيرة الذاتية، مُقلِّصا بذلك من البُعد السياسي لحياة تبدو فيها الضرورة السياسية أكثر من غيرها ومُجَرِّدًا "مالكوم إكس" من وصيته السياسية.
ليس من واجب سيرة ذاتية أن تشمل كل حياة صاحبها، إذ يمكن أن تكون عدواً سريعاً.
و لكن السيرة هي، بشكل لا فكاك منه، "ماراتون" ملائم لعدَّاء المسافات الطويلة، لقد بنى "مانينغ مارابل" سيرته لحياة "مالكولم إكس"، خلال عشر سنوات، وصارع خلالها مرضاً خطيراً وأجرى زراعة رئة مزدوجة، ومات عشية نشر كتابه.
ولمَّا صدرت "سيرة مالكوم إكس بعنوان.. Malcolm X. A Life of Reinvention"، في أفريل 2011، أصبح "زاهر علي"، أحد مساعديه الأساسيين في أبحاثه، الناطقَ الرسمي باِسم مجموعة البحث، وقد أوضح لصحيفة "نيو يورك تايمز" قائلاً: "لقد شعر الأستاذ مارابل بأنه من أجل كتابه قصة حياة، على كل كاتب سيرة مواجهة السيرة الذاتية، ذلك لأنها صوتٌ بالغ القوة، إذ تَجِبُ مواجهتها والحديثُ معها، وتأويلُ صمتها، ومساءلةُ تناقضاتها، إنَّ المرءَ لا يستطيع بناء حياة مالكولم قبل أن تفكك سيرتِه الذاتية".
وبالفعل، فقد اِنطلق "مارابل" في "مالكولم بروجيكت"، في عام 2001، مع عشرين مساعداً أعدوا موقعا إلكترونيا خاصاً ب "السيرة الذاتية لمالكوم إكس"، وبسبب فشله في الحصول على حقوق الموقع، أصبح بإمكان طلبة جامعة كولمبيا، حيث يدرِّس ويديرُ معهداً للدراسات الإفريقية الأمريكية، الدخول إلى ذلك الموقع باِستعمال كلمة سر، و يسمح النَّقْرُ على أية جملة من السيرة الذاتية بالإطلاع على حال البحث الوثائقي للفريق في كل موضوع، و من خلال تنظيم المعطيات التي تزايدت مع مرور الوقت والسماح بالوصول إليها، لعب هذا الموقع دور المُسْودَّة للبيوغرافيا المُراجِعة التي شرع فيها "مارابل".
ولكن روح "التفكيك" التي تحدث عنها "زاهر علي" ليست قضية منهجية بقدر ما هي قضية مشروع: إذ، قبل كل شيء، كان الأمر يتعلق بتفادي السقوط في وَهَمِ الأصالة في مواجهة صوت "مالكولم" البيوغرافي، وعدم اِعتبار "مالكولم" الذي يمثله "هالي" كراوية وفيٍّ لسيرة حياته الشخصية. إن نص الكتاب يقدم لنا حقيقة أخرى، فلما يصف "مالكولم" مغامرة جنسية لصديقه "رودي" مع ثري أبيض من "بوسطن"، يفهم "مارابل" أن "رودي" هو مالكولم نفسه: يقصد "رودي"، مرة في الأسبوع، غنيا عجوزا أرستقراطيا، وهو أحد أعمدة المجتمع في بوسطن، لقد كان "رودي" مأجوراً لكي يُجرِّدَه من ثيابه ثم ينْزع ثيابه هو الآخر، ويلتقط العجوز مثل عُلبة، ويضعه فوق السرير، وبعدها يذر عليه بودْرة "الطالك" من قدميه إلى غاية رأسه. وكان "رودي" يقول بأن ذلك كان يُمَّتِع العجوز ("السيرة الذاتية لمالكولم إكس"، ص. 115)، وتقدم الأحاديث مع أصدقاء "مالكولم"، خلال سنوات عيشه في بوسطن، الدليل على أنه عملا قيِّماً لأحد الأغنياء و يسمى "لينون" وهو ما يمثل، في نظر "مارابل" قرينة قوية بأن الأمر هنا يخص تجربة مُعاشة، نُقِلَتْ على ضمير الغائب. وإجمالاً، فقد قال "مالكولم" أشياء كثيرة عن نفسه دون يستعمل ضمير ال "أنا".
وفي صراعه مع هذا الصوت الصادر من البطن، بقي "مارابل" رصينا، وبهذا الخصوص، يجب التمَّعُن في النص وفي الهوامش، لاِكتشاف صلات "بالك"، وبالتالي صلات "هالي"، بمكتب التحقيقات الفدرالية، ونفس الشيء مع اِغتيال مالكولم: إن الجزئية جد ساحقة، والإستنتاجات بالغة الإعتدال، تجعلنا نتأكد، بسرعة، بأن ثمة كشْف ونشعر بأن "مارابل" بقي حذراً، ربما خوفا من دعوى قضائية.
ولكن "مارابل" لم يكن مجردا من شغفه الذاتي، خاصة في خلاصته، حيث يقول بوضوح، ما يحبه في "مالكولم"، الوجه غير مكتمل الملامح والمُحرِّر في التاريخ الأمريكي، لقد جعل منه "هالي" كائنا ذرائعياً أكثر منه كائناً ثورياً: إنها قصة النجاح السياسي على طريقة "هوراسيو ألجيي"، ل«رجل كان بإمكانه فعل كل شيء".
ومن خلال تصوُّره لِما كان سيصبح عليه "مالكولم"، لو بقي على قيد الحياة، أسبغ "هالي" على هذه القصة نهاية إيديولوجية سعيدة لطائفة سوداء مُندمِجة في عالم البيض.
أما "مالكولم" الذي رسمه "مانينغ ماربل" فهو راديكالي ذو نزعة إنسانية، مناضل من أجل حقوق الإنسان على المستوى العالمي، قبل انجلاء الأمور، و يذكرنا بأن "مالكولم إكس" كان يريد إحالة الولايات المتحدة الأمريكية أمام منظمة الأمم المتحدة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كما أن "مارابل" كان يريد إنقاذ "مالكوم إكس" من استغلاله من طرف تنظيم "القاعدة " التي ردَّدَ رقمها الثاني، الظواهري، في سنة 2008، إحدى الشتائم الشهيرة عن "مالكولم إكس" التي أطلقها ضد السود الذي حالفهم النجاح، وهذا ليسخر من "هاوس سلاف باراك أوباما" العبد في البيت الأبيض.
ويتساءل "مارابل" هو الآخر، عما سيكونه "مالكولم"، وعن نظرته غير البعيدة جداً عن نظرة "دانييل غيران"، الذي حرَّر مقدمة الطبعة الفرنسية ل "السيرة الذاتية"، في 1966، والذي كان يري أن "مالكوم إكس"، في لحظة موته، كان يسير نحو "توليفة مصاغة بقدر مُعيَّن، بين الوطنية السوداء وبين موقف تظهر فيه، وراء نوع من الغموض في ذهنه، ميول ثورية أممية ومناهضة للرأسمالية، ومعادية للإمبريالية..." (مقدمة "السيرة الذاتية لمالكوم إكس"، ص. 13).
وبالنسبة لمؤرخ الأدب، وللطالب الدارس للتفكيك، فإن ما يثير الدهشة، أكثر من غيره، في كتاب "مارابْل"، هو التأويل الحازم الذي يتطلبه من أي قارئ في المستقبل للسيرة الذاتية، فليست هناك إمكانية لأن تعتبر "السيرة الذاتية لمالكولم إكس" كما لو أنها صادرة من صوت أصيل من أصوات "مالكولم إكس"، ولا أن يُنظًر إلى "مالكولم إكس" على أنه مماثل، تماما، للشخصية المقدمة في سيرته الذاتية.
ومن خلال إسقاطها من عليائها، بِفضْل "مانينغ ماربل"، أصبحت "السيرة الذاتية لمالكولم إكس"، صورةً رائعة عن الفكر النقدي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.