يجب أن نعترف للدكتور محمد العربي الزبيري، المؤرخ النبيه، والمثقف الملتزم، والمناضل الشرس في جبهة التحرير أنه فعلا مثقف عفوي بالمعنى الغرامشي، فهو برغم تبوئه لعدة مناصب داخل جهاز حزب جبهة التحرير فإنه ظل محافظا على حيويته واستقامة مواقفه حتى وإن اختلفت معه أشد الاختلاف.. ففي كتابه حول خلفيات وخفايا أحداث أكتوبر 88، قدم لنا تحليلا مثيرا ومواقف لا غبار عليها بالرغم أنه كان يدرك أنه يسير عكس التيار.. إنه يرى في مساره، أنه ابن مسار الإتجاه الوطني الثوري. المتشبع بروح ايديولوجيا الحركة الوطنية وثورة نوفمبر من خلال مرجعها الأساسي وهو بيان 54.. ومن هنا كانت مواقفه كلها على هذا الأساس... وحتى إن كنا لا نقاسمه الرأي في عدة قضايا أساسية تتعلق بالمسألة الديمقراطية وعلاقتها بالمسألة الوطنية إلا أننا نعتبره من العقول الجزائرية التي ظلت تدافع عن قلعة الوطنية، وفي الوقت ذاته تكشف الإنحرافات سواء كانت داخل السلطة أو داخل حزب جبهة التحرير الوطني.. وكتابه الأخير "حزب جبهة التحرير الوطني من الشرف إلى العلف" كان مثالا ومصداقا لمثل هذا المسار الشريف للرجل الأفالاني، وهو بهذا لم يقطع فقط خيط الصمت وعدم الانخراط في الصراع، وعندما نقول الصراع نعني بذلك الصراع السياسي والإيديولوجي الرفيع، لا الصراعات المنحطة والمتدنية التي أصبحنا نراها اليوم داخل الأفالان، لكن أيضا على الساحة السياسية بمختلف مشارب فاعليها.. الكتاب يعد صرخة في وجه الرداءة، لكن أيضا إدانة لكل الخيانات الصغيرة والكبرى التي ستظل بمثابة العار على جبين الثقافة السياسية والوطنية في جزائر 2014.