في اليوم الموالي، ارتدت زينة، أجمل ما لديها من ألبسة، وتعطرت بعطر فرنسي من طراز رفيع واتجهت صوب قصر الصنوبر عندما اختفت الشمس من كبد السماء.. كانت تقود سيارتها لوحدها وسط تلك الزحمة الخانقة المثيرة للأعصاب. عند مدخل قصر الصنوبر أوقفها أحد رجال الدرك، وهو ينظر إلى شعرها الحالك المتدلي على كتفيها وشفتيها الرقيقتين، أجابت وهي تبتسم بتغنج خفي وكأنها لازالت تقاوم الزمن الذي راح يقطف منها سنواتها الحلوة "عند مدير التلفزيون، موسيو خلادي..." رجاها رجل الدرك ذو الوجه المدور والأنف المعقوف، أن توقف السيارة جانبا، ووجهها إلى مركز الدرك لتستلم الباج وتدع بطاقة هويتها إلا أنها اعترضت عليه بابتسامة شبه آمرة، قائلة "من الأفضل أن تتصل بموسيو خلادي.." فهم رجل الدرك أنها لا تريد الإنصياع، وأنها من الشخصيات ذوات النفوذ، فتريث قليلا، ثم اتجه نحو زميله ثم رجع بعد وقت وجيز وسألها إذا ماكانت تعرف رقم الفيلة، فأجابت بالإيماء.. دخلت سيارتها قصر الصنوبر بينما كانت نسمة باردة تلفح وجهها وهي تتسرب من النافذة الأمامية المفتوحة... توقفت غير بعيد عن فيللا السيد، مدير التلفزيون خلادي، دقت على الجرس، وإذا برجل قصير القامة، نحاسي الوجه، ويعلق على شفتيه ابتسامة مليئة بالمكر، يرتدي لباسا عاديا، تقدم وهو يلأم باحتضانها كعلامة على الترحيب.. كان الصالون عامرا بالضيوف.. وكانت المناسبة التي اخترعها السيد خلادي عيد ميلاد صديقه حميد، رئيس تحرير الجريدة الإلكترونية، تي أس آ ...(كل شيء عن الجزائر) وجوه كثيرة كانت هناك.. وكانت زينة تعرف بعضها جيدا، إعلاميون، رجال أعمال وسياسيون.. كانت الموسيقى الخافتة تضفي على الصالون جوا شاعريا يذكرك بأجواء الحفلات الفرنسية التي يلتقيها مختلف وجوه النخب السياسية والمالية والثقافية.. وكان حياة التصنع والتنكر تبدو لأول وهلة عابرة على مختلف ملامح الضيوف.. ما إن تقدمت إلى داخل الصالون، حتى هتف وزير الإعلام السابق ذو الجثة المترهلة في وجهها ومحتضنا إياها، ثم قادها من يدها بينما كان يحمل السيڤار باليد الأخرى، على صديقه الدبلوماسي المتقاعد والذي خاطبهم "ها هي زينة صاحبة القلم الخطير" مدت زينة يدها إلى الدبلوماسي المتأنق والذي كان هو الآخر يدخن السيڤار، قدم هذا الأخير نفسه بفرنسية ذات لكنة باريسية "بن كلفاط" فقالت زينة وهي تبتسم "زينة صحفية" فرد الدبلوماسي المتقاعد، "طبعا، طبعا، ومن ومن لا يعرف زينة الصحفية اللامعة.. في الحقيقة أنا من قرائك ومن المعجبين بكتاباتك، فقالت وبينما كان احمرار على وجنتيها "العفو.. العفو" عرض عليها وزير الإعلام السابق عصير برتقال، إلا أنها فضلت تناول كأس ويسكي بدون ثلج.. وهنا ابتسم الوزير السابق قائلا لها: "آه، للأسف لقد توقفت عن تناول الويسكي" فقالت زينة "أعرف أعرف" فقال الوزير السابق كالمتأسف "الله غالب منذ عودتي من الحج أخذت عهدا على نفسي أن أتوقف عن شرب الويسكي"، ثم أضاف لكن حضوري رفقة أصدقائي وصديقاتي القدامى من حين إلى آخر يغريني بتناول كأس أو كأسين لكن إلى حد الآن أنا ملتزم.. وهنا قهقه الدبلوماسي المتقاعد وهو يقول "آه يا صديقي، لقد شربت في حياتك الطويلة ما يكفي من الويسكي". اقترب رئيس تحرير تي آس آ من الصحفية المخضرمة وهو يقول لها: "آه أين اختفيت يا زينة؟ فقالت زينة "عام سعيد يا حميد وطبعت على خده قبلة فشكرها حميد وقال "لأكون صريحا معك لم أفكر أبدا بهذا الاحتفال بعيد ميلادي إن خلادي هو من فاجأني بهذا الاحتفال.. انصرف حميد باتجاه ضيوف آخرين كانوا يطرحون عليها أسئلة عديدة حول خفايا بعض الأخبار التي كانت تتسرب إلى الجريدة الإلكترونية.. كانت زينة تصغي الى الدبلوماسي المعجب بكتاباتها وهي تحاول أن تضع على وجهها قناع التواضع والعفوية والوقار.. في أعماقها كانت تشعر بغبطة لإطراءات ذلك الدبلوماسي المتقاعد والذي كان يتكلم بدون أن يضع فاصلة لعباراته الطويلة. سألته زينة عن مساره فقال لها إنه تقاعد منذ عامين وأنه تعرف على صديقه الوزير السابق في الولاياتالمتحدةالأمريكية رفقة نور الدين زرهوني، ضابط المخابرات السابق ووزير بوتفليقة للداخلية سابقا.. كانت زينة وهي تتظاهر بالاصغاء تتصفح الوجوه وترد بالابتسامات المفتعلة على التحيات لكنها كانت تردد بينها وبين نفسها "لكن أين هو السعيد بوتفليقة؟".