...(تابع) .. كنت أعيش في قصر أبي الملك.. الذي امتدت سيطرته إلى كل بقاع الأرض ..وكان الرومان كلهم قد بايعوه ملكا عليهم وسيدا حاكما على مملكتهم فأكنوا له المحبة و الولاء .. وكان الآمر ..الناهي .ولكن أمور المملكة وشؤونها لم تشغله عن عائلته أبدا فبعيدا عن العرش كان إنسانا عطوفا ..رحيما..حنونا يجالس زوجته الملكة ويحادثها فتخالهما عاشقين متيمين يلتقيان لأول مرة .. ويخلو بأبنائه السبعة و يلاعبهم و يلاطفهم فتتدفق الحنية من قلبه ويحس بأطيب ساعات العمر لديه ..وينفرد أحيانا بالابن الوحيد الذي كان كبيرنا ،وكأنهما صديقان ..وكان أخي الأمير (تيمس ) يفرق بين أبيه الملك ..وأبيه الإنسان.. أما الأخوات الخمس الأخريات فيزرنه من حين لآخر رفقة أزواجهن فينزلن عنده على الرحب و السعة.. أحفاده يملؤون القصر بهجة وسرورا.. ويقيم من حين لآخر حفلات للعشيرة و المقربين فلا يبرحون القصر إلا وهم سعداء مبسوطون ..يدعون للملك بطول العمر..وللملكة بالاستقرار والأمان.. يقاطعها أسعيد :متعجبا أأنت من كل هذا ؟..يا إلهي! -آه عزيزي ..لا تعجب ..فلو كنت أملك قلبا كالذي يمتلكه أخواتي ..لكنت الآن أنعم في أحلى وأفخم القصور ..ولكن قلبي ..ولكن قلبي..لذلك أنا هنا في الغربة عارية شريدة ..مصلوبة .. -آسف ..ولكن ما الذي غير الأحوال؟..ما الذي أخرج الأميرة الحسناء الطيبة من قصرها؟-- -كل ذلك وقع في ذلك المساء اللعين..عندما دخلت علي وصيفتني وأنا في جناح خاص بي في القصر مستلقية في مخدعي ..أقرأ بعضا من أشعار الأولين التي كانت تقطر بطولة وحبا ومأساة فقالت الوصيفة . سيدتي الكريمة..إن الملك يدعوك إلى مجلسه في الحال وهو ينتظرك. -ومن معه في المجلس ؟ -وحده فقط يا سيدتي . -أنا قادمة بعد أن أرتدي ملابس تليق بمجلس الملك. -هل تأذن لي سيدتي بالانصراف .. - تفضلي ..بذلك . ..تخرج الوصيفة وهي لا تصدق أن "الأميرة "تكلمها بهذه اللهجة الرقيقة التي يتحاشاها الملوك والأمراء الآخرون ... * * * * * * * ...وضعت كتابي على الوسادة ..وحضّرت نفسي للقاء الملك ..الذي هو أبي عل كل حال .... ..أتيت مجلس الملك فألفيته متربعا على عرشه ..ألقيت التحية فردّ بأحسن منها ..وأشار إليّ بالجلوس قربه ففعلت .وبادرني بالقول : -كيف هي الأحوال صغيرتي "سيغورني" هذا المساء ؟ -أنا في أحسن الأحوال يا أبي ..أنا زهرة في روضة عينيك و نغمة من أوتار حنينك.. -أصبح كل ما يجري على لسانك يا صغيرتي شعرا رقيقا.. لقد أثرت فيك الأشعار التي تظلين قابعة في قبوها .. ألم يحن الوقت بعد لتفكري في حيا تك يا بنيتي -أنا أنعم بحياتي الهنيئة جوارك..يا أبي ..و لا ينقصني شيء . -ولكن حياتك ليست كلها بجوار أبيك .. -تجهم وجهها ..وما ألفت أباها يتكلم بهذه الصفة من قبل فقالت بشفتين مرتجفتين : -ما الذي يقصده أبي ؟ -ابتسم ثم قام من مكانه و استدبرها قائلا: -أنت تعلمين يا صغيرتي أنك بالأمس كنت طفلة صغيرة فكانت أحضاننا لك منزلا..وأما اليوم وقد صرت امرأة فلابد لك من الزواج كي تكوّني عائلة وتستقلي بحياتك وتنعمي بالرجل المناسب و البنين و البنات ... ...قامت هي الأخرى من مكانها وقد سرت في كامل جسدها قشعريرة هائلة وتسارع نبض قلبها ...واحمر وجهها حياء ..وذلك حال العذارى في حضرة آبائهن ..وقالت : -أبي أنا...؟ -لا تكملي يا صغيرتي ..و للموضوع بقية تكون على لسان امك تفضلي بالعودة إلى مخدعك .. يتبع