خرج نجيب رفقة عبد الناصر إلى الحديقة، كان الجو منعشا ورومانسيا، أما زينة فهي الأخرى غادرت الصالون الذي بدأ يزدحم بالأصدقاء والصديقات، كانت تدخن بشراهة، اقتربت من عبد الناصر ونجيب وتبادلت معهما التحية وكلاما عاما مقتضبا، وما هو إلا وقت قصير حتى انضم إليهم وزير الإعلام السابق الذي راح يتحدث كطفل كبير عن ذكرياته الحافلة بالبطولات المشكوك فيها.. قاطعته زينة التي شعرت أنه يغازلها بطريقة خفية قائلة: "سيدي الوزير، إن الدياراس هم من كانوا وراء إقالتك من الحكومة؟!" ابتسم الوزير السابق وعلّق بسخرية "وأنت يا جميلتي، هل تعتقدين أن مثل هذا الكلام صحيحا؟" قالت زينة "بصراحة لا أعرف، إلا أن ما يشاع حولك أنك كنت رجلهم لوقت طويل" قال وزير الإعلام السابق "أنا لست رجل أحد.. أنا لست إمرأة لأن أكون رجل أحدهم" قالت زينة "أنت تدرك ما أقول يا سيادة الوزير" قال وزير الإعلام السابق، اسمعي يا صديقتي، أظن أنك تعرفين مساري في الإعلام.. وأنا لست ابن اليوم، أو من الوصوليين.. أنا مستقبلي ورائي.. لقد عرفت أهم الشخصيات الكبيرة في حياتي، أجل عرفت ياسر عرفات، ونايف حواتمه، ورؤساء دول.. بل حتى بوتفليقة عرفته يوم كان أكبر وزير خارجية في العالم الثالث.. وأضيف لمعلوماتك، أنني لم أسع لأن أكون على رأس أكبر المؤسسات، بل كنت قانعا بتقاعدي.. وأنا لولا الرجال الذين وضعوا في ثقتهم لفضلت أن أبقى في بيتي.. ابتسم نجيب بمكر، قائلا له "أنا لا أظن أن الصحفية زينة تريد استفزازك برغم أنها صحفية، لكنها تريد الإشادة بمواقفك".. وهنا ابتسم الوزير السابق قائلا "ليس الدياراس من كان وراء إقالتي... وليس الرئيس بوتفليقة.. بل مواقفي أن أكون وزير إعلام فعلي هي من أزعجت البعض وأثارت بعض القوادين الذين راحوا يزرعون الشك في وفائي للرئيس بوتفليقة... إن كنت تريدين الحقيقة، فالرجل الذين توسط دون علمي لأن أكون وزيرا للإعلام هو صديقي بوعلام بسايح، وأنت تعرفين أن الرئيس لا يرد طلبات من يحترمهم... وبالفعل كان الأمر بالنسبة إلي مفاجأة.. وهذا يدحض من يقولون إنني كنت أركض وراء المنصب.. وأتذكر أن يوم تعييني وزيرا، كنت معزوما إلى عرس أحد أبناء صديق لي، فتم الاتصال بي من الرئاسة فورا.. وعندئذ فهمت أنني أصبحت وزيرا دون علمي، وبالطبع ليس من حقي رفض مثل هذا المنصب، لأنني في الأصل صحفي، وأعرف عالم المهنة... قالت زينة "لكن يقال، إنك أغضبت أصدقاءك في الدياراس، عندما انقلبت عليهم.." قال وزير الإعلام السابق "أنا لم انقلب على أحد لكنني حاولت أن أمنع أي أحد لأن يتدخل في صلاحياتي.. وهنا علقت زينة بشكل مستفز "لكن يقال يا سيدي الوزير إنك استعملت منصبك من أجل مصالحك الخاصة" قال ضاحكا.. من أجل مصالحي الخاصة؟! أي مصالح؟!" قالت زينة يقال إنك أغرقت صحيفة لا تُقرأ لابنك بالإشهار العمومي والخاص.. وعاقبت مدير مطبعة وهران لأنه تجرأ أن يطلب من زوجتك تسديد ديون المجلة التي كانت تطبع في وهران "نظر الوزير السابق شزرا إلى زينة قائلا "أفهم من هذا أنك تريدين استجوابي يا سيدتي" قالت زينة "بالطبع، لا.. أنا أطرح أسئلتي عليك بصورة أخوية" قال الوزير السابق "اسمعي يا سيدتي، هذا الكلام، المراد منه تشويه سمعتي، لأنني رجل مستقل".. تدخل نجيب محاولا تغيير مجرى الحديث قائلا لزينة "دعينا من هذا يا زينة"، وأنت؟! كيف تتصورين تطور الأوضاع؟!" قالت زينة "الوضع غامض" قال نجيب "باعتبارك مقربة من سي مولود هل تعتقدين أنه سيترشح للرئاسيات" قالت زينة "حمروش معروف، وموقفه معروف، وهذا ليس بسر في نظري يخفى على الجميع.. إنه لا يتقدم إلى الرئاسيات إذا ما لم تكن له ضمانات من أصحاب القرار" قال الوزير السابق وكأنه يريد من وراء ذلك استفزازها بدوره "لكن من هم في نظرك أصحاب القرار يا سيدتي؟!" قالت زينة "أكيد أنك تعرفهم مثلما يعرفهم الجميع.." قال الوزير السابق ضاحكا "بصدق لم أعد أعرف أصحاب القرار الذين تتحدثين عنهم، في نظري هناك واحد هو صاحب القرار، إنه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة"، قالت زينة "ممكن أن تكون على صواب.. لكن الرئيس مريض.. وحالته لا تدعو للاطمئنان.. لذا، أرى أن بوتفليقة لا يمكن أن يستغني عن العسكر.." قال الوزير السابق "لكن من هم هؤلاء العسكر الذي تتحدثين عنهم"، قالت زينة وهي تدرك أن الوزير السابق يريد استفزازها "أظن أن العسكر هم العسكر الذين يعرفهم الجميع".