كان سارج مارتيناز يراقب تطور النقاش، وكان يريد أن يفهم "هل هذه المرة سيتحرك الجزائريون، ويعبّرون عن رفضهم للنظام، ولترشح بوتفليقة إلى عهدة أخرى، أم أن الجزائريين اعتبروا من تجربتهم المؤلمة في السنوات التسعين؟!" قال سارج مخاطبا، المالغاشي، "في رأيك هل سيترشح بوتفليقة إلى عهدة رابعة؟! فأجاب المالغاشي كالواثق من نفسه" لا، مستحيل، الرجل مريض، ولا يريد أن يتقدم إلى عهدة رابعة.. أنا متأكد من ذلك" ثم أن الصراع الظاهر المعلن خلال هذه الأيام على أعمدة الصحف ما هو إلا ذر الرماد في العيون.. أنا متيقن أن العسكر متفقون على مرشح آخر غير بوتفليقة، وكذلك أنا متيقن أن الرجل ليس فقط غير قادر على مواصلة الحكم، بل هو غير راغب في ذلك تماما.." وهنا تدخل شريف رزقي، قائلا: "أنا متفق مع المالغاشي، لا أظن أن توفيق سيقف هذه المرة إلى جانب عهدة أخرى لبوتفليقة، وإلا كيف نفسر إبعاد رجال الرئيس من الحكم، وعلى رأسهم شكيب خليل الذي أبعد عن الحكم على إثر فضيحة..." تدخل حميدة عياشي مبديا ارتيابه وشكوكه تجاه موقف رافض من قبل الاستعلامات لترشح بوتفليقة لعهدة رابعة، وقال: "لا أظن أن العسكر والمخابرات خاصة هم معارضون لبوتفليقة، بل العكس هو الصحيح، أنه ثمة تحالف مقدس بين الجنرال توفيق وبوتفليقة منذ 2004 بشكل خاص.." تدخل شريف رزقي.. هذا غير صحيح.. المخابرات الآن هم في حاجة إلى رجل مثل علي بن فليس، أو حمروش.. وأظن أنهم انتهوا من حقبة بوتفليقة، وما يثار من صراع بين الرئاسة والمخابرات، هو صراع غير حقيقي، لأنني لا أظن أن يكون للرئيس بوتفليقة رجال قادرين على مواجهة رجال توفيق، ثم أن هذا السعيداني، مجرد مهرج، ليس إلا وسترى في القريب كيف يرمى هذا الرجل شرّ رمية "قال حميدة عياشي "لست متفقا مع الصديق شريف رزقي، في نظري أن ثمة انقلابا أبيض تم عشية تشكيل الحكومة في شهر سبتمبر الماضي من طرف عصبة الرئيس ضد الاستعلامات... "تدخل شريف رزقي من جديد "هذا مستحيل، من تكون هذه عصبة بوتفليقة" ترجاه حميدة عياشي "من فضلك دعني أتمم تحليلي، ثم أضاف قائلا: " إن هذه العصبة التي يعتبر بوتفليقة أبيها وملهمها الروحي تتشكل من دائرة المقربين وهم المنتسبون على أساس المنطقة، وهؤلاء يشكلون مصدر الثقة ومنهم من أصبحوا على رأس الوزارات السيادية مثل وزير الداخلية ووزير العدل ورئيس المجلس الدستوري، وهذه الحلقة الضيقة تقيم تحالفا مع أصحاب الأعمال، وهم موزعون بين منطقة القبائل ومنطقة الغرب بشكل خاص.. وبالإضافة إلى ذلك وزن هيئة الأركان العامة في الجيش.. وحتى إن كان رجلها القوي من الشرق إلا أنه محاط على رأس مختلف المناطق العسكرية برجال لهم كل الولاء لبوتفليقة وحلقته الضيقة، ثم يجب أن لا ننسى أن بوتفليقة تمكن من ترقية أكثر من 200 ضابط سامي إلى رتبة جنرال وفريق، وهؤلاء معظمهم من ذات الجهة التي تشكل الأرضية الصلبة للعصبة الصاعدة والظاهرة... تدخل المالغاشي وهو يقول ضاحكا "أنالا أوافق صديقنا حميدة عياشي الميال للأدب والخيال، ما يقوله لا يصمد أمام الواقع.. إن بوتفليقة يبقى في نهاية المطاف رجل دولة، ولا أظن أن له أي أطماع في مواصلة الحكم، وهو القائل بأن "جناننا طاب" وفي نظري هو صاحب كلمة، لا أظن أنه سيترك نفسه بين أيدي العابثين والطامعين للدفع به إلى عهدة رابعة... ثم كيف يمكن أن نتصور أن ذلك يحدث وهو على هذه الحال.. "سأل سارج مارتيناز" ربما ما تقولونه صحيح.. لكن كيف يمكن أن نقرأ مثل هذا الغموض الذي يسود اليوم الوضع السياسي العام؟!" هنا ضحك المالغاشي وهو يقول "أنت تعرف يا سارج أن السياسة الجزائرية منذ عهد الحركة الوطنية قامت على الكتمان والسرية.. لكن في الوقت المناسب، تظهر المفاجأة التي تقلب الحسابات رأسا على عقب.. إنها المعجزة الجزائرية" إلا أن رحابي بدا أنه لم يقتنع بكلام المالغاشي عندما تدخل وهو يقول "يجب أن نفهم أن ما يحدث اليوم من جمود وغموض على الساحة السياسية، هو نتيجة منطقية للاستبداد.. إن النظام يعيش آخر لحظاته، لكن بفضل القوة هولازال على قيد الحياة.. إنه نظام أصبح خارج التاريخ الحقيقي.. وهو يكذب على نفسه عندما يقول أنه يشكل الاستثناء فيما يجري اليوم في المنطقة العربية... أنا لا أرى ذلك.. بل أرى أنه بصدد إضاعة الفرصة تلو الأخرى من أجل الانخراط في إصلاحات حقيقية وعميقة، وهو كل يوم يسجل تراجعات لافتة في مجال الحريات، والمكاسب الديمقراطية.. وأن الأمور مع بوتفليقة ازدادت سوءا وتدهورا، لأن الرجل لم يؤمن يوما بالديمقراطية والتعددية، وما قام به هو القضاء التدريجي على ما تم إنجازه في مجال التعددية، لقد حطم الأحزاب، وشرذم الساحة السياسية، وجمد الحراك الاجتماعي بدءا من القمع الشرس لحركة العروش في 2001 وشراء الذمم، وهو الآن أدخل حتى عائلته الوطنية والمتحالفين معها كالإسلاميين المعتدلين في أزمة حقيقية.. وكل ذلك من أجل دعم السلطة الفردية وتقوية النزعة التسلطية.. ولذا.. أنا لا أستبعد أن يذهب بوتفليقة إلى عهدة رابعة، لأن الرجل يريد أن يموت وهو في السلطة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية أنه أصبح رهينة لهذه العصبة التي استولت على الحكم، كما قال الصديق احميدة..."