دخل سيف عالم الصحافة في بدايات الحرب الأهلية في الجزائر ولم يكن عمره يتجاوز حينها الثالثة والعشرون، انخرط بإيعاز من الدياراس في نقابة الصحفيين الجزائريين ليصبح في وقت وجيز من الأسماء المثيرة للجدل في أوساط الإعلاميين، كان يتفاخر عندما ينتشي داخل أحد البارات أو الكباريهات بعلاقته الحميمة بضباط الفرقة المقاتلة الخاصة التابعة للدياراس والتي كان مجرد ذكر اسمها يثير الرعب والفزع، وحسب ما تناقلته الألسنة السليطة فلقد كان يحضر إلى جلسات الاستنطاق للأشخاص المتهمين بالانتساب إلى الجماعات الإسلامية المسلحة، وهناك من قال إن سيف نفسه اعترف مفتخرا، آنه قام تحت تعذيب بعض الأشخاص الإسلاميين بانتزاع اعترافات عجز عن انتزاعها ضباط محترفون، لكن كيف انقلب سيف على عرابيه بهذه الطريقة لينتقل إلى صف الإستخبارات الفرنسية خاصة بعد أن اشتهر بمقالاته التي تتهم الجيش الجزائري صراحة بتورطه في المجازر المرتكبة في المنتصف الثاني من التسعينيات؟! هل هو المال؟ هل هو الحب المجنون والشره للشهرة؟! أم هل كان مكلفا بمهمة اختراق المخابرات الفرنسية؟! كل هذه التساؤلات ظلت مشوبة بالشكوك ومحاصرة بالظلال، أصدرت له دار فرنسية عدة كتب كانت مثيرة لضجيج كبير، لكن برغم تلك الهالة الإعلامية التي حاولت الدار الفرنسية للنشر إضفاءها على سيف، إلا أن البعض ظل يعتبره مجرد كاتب صحفي غير أصيل.. وها هو الآن، بعد كل هذه السنوات التي أشيع فيها عنه أنه ملاحق من قبل الدياراس يعود من جديد إلى الجزائر رفقة سارج مارتيناز كمستشار له في الشأن الجزائري، وفي شأن الدياراس بشكل خاص.. لكن أيضا ككاتب كرونيكا سياسية في مجلة سارج مارتيناز.. كان سيف يحتسي البيرة بشكل مثير للغاية، نظر إلى احميدة عياشي بعينيه الخضراوين الضيقتين الأشبه بالعيون الصينية، بشرته القمحية وأنفه المفلطح قليلا وشفتاه المنفرجتان تجعله لأول وهلة يبدو بريئا وساذجا، وربما هذه البراءة والسذاجة اللتان تخفيان داخلهما شخصا مركبا، غامضا متقلب المزاج ومتناقض الطباع وجعلتاه جذابا، مقيتا ومثيرا للجدل في الوقت نفسه، لم يكن تعرّف على احميدة عياشي من قبل، لكن كليهما كان يعرف الآخر من خلال الزملاء والأصدقاء المشتركين كان يتحدث بفرنسية طليقة ومزيجا من الكلمات الدزيرية الخاثرة، فهو ابن سوسطارة، ولقد قتل شقيقه الأكبر على يد أحد أمراء الجيا بالعاصمة بسببه، وهذا ما ظل يثير أوجاعه الدفينة كلما فكر في عائلته. أما والدته فلقد شعرت بالعار عندما علمت وهي على فراش الموت أن ابنها سيف قد انقلب إلى وحش آدمي وذلك عندما قام بتصوير عدد من أبناء سوسطارة المقيمين بطريقة غير شرعية بفرنسا بإحدى المصليات السرية، وقدمهم في فيلم وثائقي بثته إحدى القنوات الفرنسية على أساس أنهم خلية إرهابية تنتمي إلى تنظيم القاعدة، وكل ذلك كان مقابل المال والشهرة.. هو الآن برغم عودته إلى الجزائر غير قادر للدخول من جديد إلى مسقط رأسه، سوسطارة، هو لا يريد أن يفكر في كل هذا، لم يعد الآن ذلك مجديا.. أصبح الآن امرؤا آخر، "ليذهب الماضي والذكريات إلى الجحيم" كان يردد ذلك بينه وبين نفسه، كان يدخن الويستون وهو يتبادل مع احميدة عياشي الحديث عن تحقيقه الأخير الذي نشره بإحدى المجلات عن الدبلوماسيين الجزائريين المختطفين من طرف جماعة بلمختار.. وبالقرب من سيف راح مدير جريدة "الخبر" شريف رزقي ينفخ بشكل لافت دخان سيجارته، كان يرتدي بدلة زرقاء، قميصا أبيض وربطة عنق صارخة اللون، وكان يتحدث بصوت جهوري وصاخب، شعر بالزهو عندما أشار صاحب البدلة الرمادية لسارج مارتيناز أن جريدة شريف رزقي التي تصدر باللغة العربية، هي أول جريدة على الإطلاق من حيث الإنتشار في الجزائر، إلا أن سيف حاول تصحيح ما قال صاحب البدلة الرمادية قائلا "إن الخبر لم تعد تحتل المرتبة الأولى كما السابق، بل أصبح لها منافس عنيد اسمه جريدة "الشروق" وهنا تدخل الشريف رزقي بدون بروتوكول مخاطبا هشام الذي كانت تربطه به في السابق علاقة وطيدة "لا، هذا غير صحيح، ما تدعيه جريدة الشروق، هو مجرد ادعاء وافتراء" ثم أضاف بالفرنسية "على أية حال إن الفرق شاسع بين الخبر والشروق، نحن جريدة مستقلة وليس لها ديون، وتدافع عن الحداثة، أما الشروق، فهي جريدة الأصوليين والحثالة والسلطة".