تشهد الحدود الجنوبية الشرقية والجنوبية للجزائر حالة استنفار مشهود وذلك عقب تفجر الأوضاع العسكرية والأمنية في الدول المجاورة، سيما في ليبيا التي تشهد عملية تمرد يقودها العقيد المتقاعد خليفة حفتر، وكذلك إثر تفجّر الأوضاع في شمال مالي، وذلك بعد أن استولى المسلحون الطوارق على إقليم كيدال، وأسقطوا حوالي 36 قتيلا بينهم ثمانية عسكريين، وأسروا حوالي 30 موظفاً حكومياً، تزامنا مع زيارة رئيس الوزراء موسى مارا شمال المدينة. بدأ تبادل لإطلاق النار صباح أمس الأول بين قوات الأمن المالية والانفصاليين الطوارق قبيل وصول مارا إلى المدينة، وقد اضطر رئيس الوزراء إلى الاحتماء في قاعدة عسكرية عندما هاجم مسلحون طوارق مكتب حاكم المنطقة واستولوا عليه. وقررت الحكومة المالية إرسال قوات عسكرية كبيرة أمس لاستعادة المدينة التي استولى عليها الطوراق وصرح مارا لرويتز "في ضوء ما يجري في الأقاليم الشمالية، فإن جمهورية مالي في حالة حرب"، مضيفاً "التعزيزات في طريقها إلى كيدال، وهدفها استعادة السيطرة على المدينة". وحمل مارا كل من القوات الفرنسية وقوات الأممالمتحدة لحفظ السلام، مسؤولية الأوضاع في شمال البلاد معتبرا أن تلك القوات تتحمل جزءا من المسؤولية لأنها سمحت بحدوث الهجوم على هذا النحو بالرغم من مسؤوليتها عن حفظ الأمن والسلم في هذه المنطقة. يأتي ذلك في الوقت الذي حثّ فيه وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة دول الساحل على"المواظبة" في العمل لتوفير شروط انعقاد حوار "شامل" ما بين الماليين من أجل إعادة بناء هذا البلد وضمان الاستقرار والسلم في المنطقة. وقال رئيس الدبلوماسية الجزائرية الذي يقوم بجولة في هذه البلدان "علينا العمل معا وبلا هوادة على توفير الظروف الملائمة لتنظيم حوار شامل بين الماليين في أقرب الإجال". وقد قام لعمامرة بجولة عبر ثلاثة بلدان من الساحل (موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي) ومثل الجزائر في أشغال الدورة الثالثة للجنة الثنائية الاستراتيجية الجزائريةالمالية حول شمال مالي وفي اجتماع رفيع المستوى لوزراء الخارجية لدول الساحل في باماكو. وفي إشارته إلى الاجتماع الذي تركز حول أحداث كيدال، أشار لعمامرة الى أن هذا اللقاء حول شمال مالي سمح بالتأكيد على تطابق وجهات النظر والأعمال بين الجزائرومالي حول المسألة المالية والمنطقة. وقال في هذا الصدد "أنا سعيد لكون هذا اللقاء الجديد سمح بالتأكيد على تطابق وجهات النظر بين الجزائرومالي وعدد من بلدان الجوار حتى يشمل الحوار كل الماليين ويجند الجميع حول مهام إعادة الإعمار وتدعيم المسار الديمقراطي". من جهته، قال الرئيس المالي ابراهيم بوبكر كايتا بباماكو، إن العلاقات التي تربط الجزائربمالي "عميقة ولن تتأثر تحت أي ظرف من الظروف"، مضيفا أن الجزائر "كانت دائما حريصة على إعادة تشكيل نسيج مالي المتشتت". واكد أن "العلاقات القائمة بين ماليوالجزائر عميقة ولن تتأثر تحت أي ظرف من الظروف، فهناك علاقات أخوة وثقة متجذرة بين البلدين". وأضاف أن الجزائر كانت دائما تبدي "اهتماما" بالوضع في مالي، مبرزا الدور الذي تلعبه لإعادة تشكيل "نسيج مالي المنهك والمتشتت". وفي ذات السياق، أعرب وزير الشؤون الخارجية والاندماج الإفريقي والتعاون الدولي المالي عبدو اللاي ديوب، عن "قناعته" بالمساهمة "الايجابية " التي تقدمها الجزائر من أجل إقامة حوار "بناء وصريح" بين الأطراف المالية. وأوضح ديوب أن "التزام الجزائر مرحب به ومرغوب فيه،حيث أننا متيقنون أنه سيساهم بشكل إيجابي جدا في حوار بناء وصريح بين الأطراف المالية، وأضاف أن البلدين سيتوجهان نحو "أنجع" الحلول من أجل تعزيز السلم والاستقرار في المنطقة، مشيدا بالمواقف الواضحة للجزائر والتزامها "المتجدد" والمساعدة التي تقدمها لسكان شمال مالي. ودعت الولاياتالمتحدةالأمريكية أطراف النزاع في مالي إلى "ضبط النفس والإفراج الفوري عن الرهائن المحتجزين" في شمال البلاد، حيث خلفت اشتباكات بين الجيش ومسلحين انفصاليين عشرات القتلى. وحثت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جنيفر ساكي في بيان بثه راديو (سوا) الأمريكي أمس الإثنين كل الأطراف على الامتناع عن اللجوء إلى العنف أو القيام بأي عمل من شأنه أن يعرض المدنيين للخطر. من جهة أخرى، دعت الولاياتالمتحدةالأمريكية أطراف النزاع في مالي إلى "ضبط النفس والإفراج الفوري عن الرهائن المحتجزين" في شمال البلاد. وحثت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جنيفر ساكي، كل الأطراف على الامتناع عن اللجوء إلى العنف أو القيام بأي عمل من شأنه أن يعرض المدنيين للخطر. وأعربت - ساكي- عن إدانة بلادها للأفعال التي تقوض "السلام الهش" في شمال مالي والجهود المبذولة لإحلال السلام والأمن والتنمية لجميع مواطنيها. وأكدت المتحدثة أن الطريق إلى حل هذه القضايا هو من خلال عملية تفاوضية شاملة وذات مصداقية وليس من خلال العنف والترهيب. لا تتوقف حالات الاستنفار الأمني والعسكري للجزائر عند الحدود الجنوبية، المحاذية لمالي، حيث أن الأوضاع الأمنية في ليبيا ليست أقل سوءاً، سيما بعد عمليات الانفلات الأمني التي أعقبتها محاولات عسكرية منظمة من قبل العقيد المتقاعد خليفة حفتر، سيما على مستوى الشرق الليبي، لكن عمليات حفتر والحكومة المركزية وكذلك بعض المجموعات المسلحة الليبية ليست وحدها التى تشكل أزمة ليبيا والمنطقة، حيث أن الخطر الأكبر في البلاد بدأ منذ الدخول العسكري لقوات الناتو وما تبع ذلك من تداعيات على المستويين الأمني والعسكري. ولعل أهم تلك الأخطار ترسانة السلاح الليبي التي كان يملكها نظام العقيد الراحل معمر القذافي، حيث وقعت تلك الترسانة في أيدي مجموعات مختلفة من المسلحين وتجار السلاح ومن ينشطون في الجريمة المنظمة، مما جعلت الأقاليم المحاذية لليبيا باسرها في حالة خطر جراء تسرب تلك الأنواع الفتاكة من الأسلحة، سيما في مالي والنيجر وتشاد وغير من الدول الإفريقية التي تعيش على توازنات هشة، وحالات سلم حذر!. ومما يعزّز من خطورة حالة ليبيا ليست في أزمتها السياسية والأمنية فحسب، بل في تصديرها للأزمة الى دول الجوار سواء عبر انتشار ترسانة السلاح أو من خلال التداخلات الديموغرافية والجغرافية المحاذية لأقاليمها الشاسعة في الصحراء. بدا قصر الاليزيه يسابق الزمن لتدارك تداعيات الأزمات المشتعلة في جنوب المتوسط سواء تعلق الأمر بليبيا التي ساهمت باريس في إسقاط نظام القذافي فيها، أو مالي التي ما تزال تحافظ بقوات عسكرية بها، وسبق أن شنّت حربا شرسة ضد من تسميهم "الإرهابيين" بها. ويبدو أن التحرك الفرنسي الأول يبدأ بزيارة وزير الدفاع جان إيفل لودريان المرتقبة -اليوم - للجزائر والتي تعد فرصة لحوار سياسي على مستوى عال" يتناول خصوصا القضايا ذات الاهتمام المشترك على غرار "عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل" و«الوضع الأمني في مالي". حسب ما صرحت به وزارة الخارجية الجزائرية. كما أن تزامن الزيارة مع الجولة الافريقية لعمامرة والقمة المصغرة التي جمعت الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بعدد من الزعماء الأفارقة تؤكد هذا الهاجس والاهتمام الفرنسي لما يحدث في ليبيا ومالي ودول الساحل الافريقي. المتأثرة بالحالتين السابقتين. وتأتي زيارة لودريان متزامنة مع اللقاء التنسيقي لما يعرف بجيوش "دول الميدان" في الجزائر، وهو لقاء دوري يعني بالحالة الأمنية والعسكرية في دول الساحل وينسق بين أجهزة الأمن في تلك الدول من أجل تعزيز التعاون الأمني والمعلوماتية خاصة في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. م. أبو بكر المحلل السياسي "الدكتور مناس مصباح" ل "الجزائر نيوز": "تدهور الوضع في مالي طبيعي، وأفضل وسيلة هي تأمين الحدود والتنسيق مع دول الجوار" اعتبر المحلل السياسي، الدكتور مناس مصباح، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3، أن تدهور الوضع الأمني في شمال مالي "أمر طبيعي"، بالنظر إلى جملة من المعطيات التي ذكرها، في اتصال هاتفي مع "الجزائر نيوز"، معتبرا أن أفضل وسيلة تقوم بها الجزائر لمواجهة التهديدات الأمنية في دول الجوار هي تأمين الحدود والتنسيق مع دول الجوار. في اعتقادي أن الأمر طبيعي، بالنظر إلى طبيعة المنطقة ونفوذ هذه الجماعات فيها منذ فترة طويلة، وبالتالي ما يحصل ليس مفاجئا، لأننا قلنا منذ البداية أن التدخل العسكري لن يحسم الأمور بسهولة كما كان يعتقد البعض، لأن هذه الجماعات تتحصن في المنطقة، وتعمل وفق حرب العصابات، وهذا معروف بأن الجيش النظامي عندما يواجه تكتيك حرب العصابات، فإن التجارب أثبتت أن الأمور تصبح أكثر تعقيدا، وبالتالي ما يحصل في شمال مالي هو طبيعي، نظرا لهذه المعطيات. ما حصل في ليبيا أحد أهدافه كان تطويق الجزائر من حدودها الشرقية، وهذا ما يحدث من خلال تسريب الأسلحة والجماعات المسلحة التي لا تعترف بالحدود، لذلك لاحظنا في السنوات الأخيرة أن ميزانية الدفاع الجزائرية أصبحت مرتفعة، مقارنة بما كانت عليه في السابق، وهذا طبيعي لحماية الحدود أكثر، ومنع تسرب الأسلحة والجماعات المسلحة، لأن هناك مخطط لتسلل هذه الجماعات إلى الداخل الجزائري، وبالتالي أعتقد أن الجزائر استهدفت دبلوماسية فعالة، من خلال عدم تورطها، سواء في مالي أو في ليبيا، لأن الوضع الحالي الذي تعيشه أفضل وسيلة لمواجهته هي تأمين الحدود، من خلال تجنيد الوسائل المادية والبشرية، واعتماد القدرات التقنية، خاصة أن الجزائر في تعاونها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، تأمل في مساعدات تقنية متطورة لمواجهة هذه التهديدات. زيارة لعمامرة تدخل في هذا الإطار لمساعدة دول الجوار، فمالي جغرافيتها كبيرة جدا، وتصنف على أنها دولة فاشلة، فالشمال منذ مدة طويلة لا يخضع لسيطرة المركز، أما الحالة الليبية فهي أكثر تعقيدا، ولا تستطيع حلها بمفردها، وأعتقد أن هناك تنسيق إقليمي بين الجزائر ومصر لضبط الحدود المشتركة مع ليبيا، ومساعدة الحكومة الليبية الحديثة للخروج مما يسمى ب«المرحلة الانتقالية"، التي أعتقد أنها ستستمر لسنوات قادمة، وهو ما يولد التخوف من توجه ليبيا لأن تصبح دولة فاشلة، مما قد يفرض تدخلا أمريكيا، وبالتالي إعادة السيناريو العراقي في المنطقة، وهذا طرح وارد. وفي كل الحالات، فإن أفضل وسيلة هي التنسيق مع دول الجوار. فرض أجندة أمر لا تقبله الجزائر، فالموقف الرسمي الجزائري واضح في تعاملها مع القوى الكبرى، سواء من خلال علاقاتها مع فرنسا أو مع الولاياتالمتحدة، ولا ننسى أن حتى هذه الأخيرة كانت لديها رغبة في إقامة قاعدة "أفريكوم" بالجزائر، التي رفضت الأمر، وبالتالي هذا الموقف الجزائري يتداعى في تعاملها مع فرنسا، في الملف الأمني في منطقة الساحل، لأن كلا الطرفين لديهما مصلحة مشتركة في هذا الملف، وزيارة الوزير الفرنسي تدخل في هذا الإطار، فنحن نعرف أن منطقة الساحل هي منطقة نفوذ تاريخية بالنسبة لفرنسا، وفي كل الحالات، هذه الزيارة لا تعدو كونها لترسيخ التعاون الأمني، لا لمحاولة فرض أجندة.