نظريا يفترض أن يعادي المثقفون الجمهوريون اليهود حزب مارين لوبان، الذي يرادف العنصرية النازية في تقديرهم ويتناقض مع قيم الجمهورية الإنسانية. الإنتخابات الأوروبية الأخيرة التي هزت المعمورة بعد أن خرج حزب مارين لوبان منتصرا على الحزبين المترهلين الإشتراكي اليساري واليميني، أكدت العكس وفندت الأطروحة الكلاسيكية التي تنص على معاداة كل مثقف يدعي "لقيم الإنسانية والعدل والأخوة هذا الحزب الذي يقطر شوفينية مقيتة تحت غطاء الوطنية وهي الشوفينية التي قال عنها الراحل فرنسوا ميتران، أنها مرادفة للحرب بالضرورة، وحيال هذا المنعرج الخطير وغير المسبوق لا يمكن إلا التنبيه إلى سر السكوت الإعلامي على الدور الذي لعبه مثقفون إعلاميون يحتلون بلاتوهات القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف في تكريس الأمر اللوباني الواقع في تناقض واضح مع القيم التي يتشدقون بها في كل المناسبات. المثقفون الذين أيدوا الحرب على العراق باسم القضاء على صدام بالأمس القريب ويؤيدون الحرب على الإسلاميين في سوريا وفي مصر على أيدي الأسد والسيسي الدمويين وغير الديمقراطيين باسم الواقعية السياسية المرادفة لانتهازية معروفة تتناقض مع مبادئ الحكم في الغرب هم أنفسهم الذين ساهموا قبل أيام في انتصار اليمين المتطرف بشكل كاسح زاد من فجائعية تاريخ الغرب المنافق والدجال. فينكلكروت أو مفتي الأكاديمية الفرنسية ثلاثة من المثقفين الإعلاميين يجسدون وحدهم الانقلاب الفجائعي للتاريخ الفكري الفرنسي الحديث، الذي اتخذ من الهجرة بوجه عام والإسلام بوجه خاص ذريعة للتغطية على فشل النخب المخملية الأوروبية في حل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والأخلاقية الداخلية وفي تحقيق وحدة تواجه وتنافس بها العم سام والنمور الأسيوية. الخطاب الذي يطل به علينا في القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف والمجلات أبرز المثقفين الإعلاميين لم يعد اليوم يطاق أخلاقيا بعد أن تجاوز مستوى المعقول ولامس العبثية التاريخية بتحوله إلى فتوى إيديولوجية تتناقض مع المصير الذي آل إليه أجداد وآباء هؤلاء المثقفين على أيدي النازيين والفاشيين. ألان فينكلكروت أو فينكي كما يدلل إعلاميا الذي دخل الأكاديمية الفرنسية العريقة وصاحب البرنامج الأسبوعي الذي تبثه قناة "فرانس كلتور" يعد بابا التوجه الفكري الذي دفع باللوبينيزم إلى أعلى درجات الانتصار السياسي الأخير، وهو اللوبينيزم الذي يحمل خطاب تحقير الملة اليهودية التي ينتمي إليها ألان إبن البولوني الذي راح ضحية المحرقة النازية. الهوس المرضي بكل ما له علاقة بالهجرة والإسلام باسم محاربة التطرف الإسلامي والشبان المنحرفين والمنحدرين من أصول مغاربية وجزائرية في معظم الحالات وعدم تحمل فرنسا مصاريف الحماية الاجتماعية لمهاجرين لصوص وكسالى كلها بهارات صنعت من طبخات فينكلكروت الإيديولوجية أطباقا شهية التهمها أنصار اللوبينيزم الصاعد بنهم كبير للذتها الإيديولوجية التي تنسجم مع روح خطابه المتعلق بالهجرة والإسلام والمتناقض مع شوفينيته قضت إيديولوجيا أيضا على والد المفكر اليهودي وهوس فينكي هو نفسه هوس إريك زمور، الذي يطل أسبوعيا على قناة "إي تلي" الإخبارية. إريك اليهودي الأمازيغي والجزائري لأصل سبق فينكي في البكاء على الهوية الفرنسية السائرة نحو الانقراض في كتاب روج له بقوة وهو صاحب مقالة أسبوعية تنشرها مجلة لوفيغارو اليمينية التي تحاول منافسة مجلة "فالور أكتويال (قيم حالية) القريبة من اليمين المتطرف وهي التي نشرت ملفا عاصفا مؤخرا عن المساجد التي تهدد الهوية الفرنسية الشقية التي تناولها فينكي في كتابه الذي يحتل صدارة المبيعات". إيفان ريوفول مثقف ثالث يقتات إعلاميا وفكريا مثل فينكي وزمور من مائدة المتاجرة الإيديولوجية بخطر الهجرة والإسلام على أمة فولتير ويطل هو الآخر أسبوعيا على قراء الفيغارو اليومية. كلهم يهود وكلهم ينامون قريري العين على فراش اللوبينيزم العنصري حيال ملتهم الأصلية.