يحلل الكاتبان عبد العالي حاجات ومروان محمد ظاهرة الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) من منظور سياسي وثقافي معرفي وسيسيولوجي غير مسبوق، يسمح بالقبض الكامل على الأسباب العميقة التي تسببت في ظهورها وتطورها وتغلغلها بشكل واسع. يتجاوز الكتاب التسطيح الإعلامي الطاغي الذي تمارسه نخبة ترفض الاعتراف بالإسلاموفوبيا وتشارك في تغييبها لأسباب أيديولوجية وسياسوية لم تعد خافية على العام والخاص. الأول أستاذ محاضر في العلوم السياسية ومؤلف كتابي (المسيرة من أجل العدل وضد العنصرية 2013)، و(حدود الهوية الوطنية 2012)، والثاني باحث في المركز الوطني للبحوث العلمية ومؤلف كتاب (تكون الجماعات الشبانية 2011) و(الجماعات الشبانية.. البذلات السوداء حتى اليوم) بالتعاون مع لوران موتشلي. ومنذ عام 2011 ينشط الاثنان في ملتقى (الإسلاموفوبيا) في معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس. وإذا كانت الممارسات الدينية عند المسلمين في فرنسا معروفة نسبيا في العلوم الاجتماعية، فإن الإسلاموفوبيا لم تدرس بحسب المؤلفين كظاهرة اجتماعية وتاريخية على نطاق واسع خلافا لما حدث في البلدان الأنغلوساكسونية على مستوى البحث الجامعي، وذلك ما تسبب في استمرار وطغيان الإثارة الإعلامية والأحكام الأيديولوجية المتسرعة الناتجة عن أفكار مسبقة ومغرضة. وخلافا للتعميم القاتل والتوصيف المشين والمعلب، يقدم الكاتبان حصيلة علمية كاملة وشاملة لظاهرة الإسلاموفوبيا كبنية فكرية وسلوك أيديولوجي، كاشفين عن عنصرية لا يراد لها أن توصف كذلك تحت وطأة سيطرة اللوبيات الأقوى والمجسدة لروح استعمارية قديمة. إسلاموفوبيا القلم وثقافة الكراهية أكد الكاتبان منذ البداية الدور الخطير الذي لعبه المثقفون في الترويج للإسلاموفوبيا كالراحلة الإيطالية أوريانا فلاتشي التي وصفت المسلمين بالفئران في كتابها (الغيظ والكبرياء) الذي لاقى رواجا كبيرا في فرنسا، وميشال أولبيك الذي قال إن (الإسلام أكثر الأديان بلاهة) وقال إننا (ننهار حينما نقرأ القرآن)، وأسمي المسلمين ب (سكان الصحراء التافهين). وكذا أيضا الكاتب بيار هنري تزياف وألان فينكلكروت وباسكال بروكنير والكاتبة كارولين فوريست التي تناولت المفكر طارق رمضان في كتاب مليء بالأخطاء والمغالطات. مثقفو إسلاموفوبيا القلم هم أيضا ريتشارد مييه الذي يصاب بالذهول حينما يجد نفسه وحيدا بين المسلمين العرب في محطة شاتليبه الباريسية للنقل الجهوي على حد تعبيره، وألكسندر دلفال وجيزال ليتمان ورونو كامو وميشال تريبالا وميشال فيانيس وهذه الأخيرة وصفت سيدات يرتدين البرقع بالكلاب. هذا فضلا عن كريستين تاسان التي دعت إلى منع القرآن الكريم في مقال تحت عنوان (ماذا نفعل بالمسلمين بعد منع القرآن الكريم) وإريك زمور الذي أيد حرية إهانة الرسول صلى الله عليه وسلم في رسوم كاريكاتيرية اعتبرته إرهابيا باسم حرية التعبير، وحارب حق الممثل ديودونيه في التعبير عن المتاجرة الأيديولوجية الأبدية بالمحرقة النازية فنيا. وقد طالت ظاهرة الإسلاموفوبيا كل الفضاءات الاجتماعية وعلى رأسها المدارس العمومية التي يمنع فيها على الفتيات ارتداء الحجاب وحتى عصاب الرأس والفستان الطويل ويفرض على الأمهات المرافقات لأبنائهن أثناء الخرجات المدرسية الظهور سافرات وعلى التلاميذ أكل اللحم غير الحلال. هذا فضلا عن تحول التدين إلى عامل قانوني يحول دون الحصول على الجنسية وإلى مصدر تعنيف وترهيب أخذ أبعادا خطيرة في الأعوام الأخيرة كما بينته الاعتداءات الجسدية واللفظية التي أحصاها المرصد الفرنسي لمناهضة الإسلاموفوبيا قبل أن يتعرض رئيسه عبد الله زكري شخصيا للاعتداء إثر تلطيخ جدران بيته بكتابات عنصرية مثل (الإسلام خارج فرنسا). واتخذت الإسلاموفوبيا بعدا شموليا خاصا وغير مسبوق بعد تحولها إلى ممارسة سلوكية لدى أغلبية اجتماعية اعتبارا من عام 2001 بعد أن كانت محصورة على مستوى أقلية عام 1989. الاستعمار والإسلاموفوبيا لا يمكن فهم ظاهرة الإسلاموفوبيا خارج سياقها التاريخي والسياسي والاجتماعي الذي يؤكد استمرار التعامل الاستعماري مع أبناء مستعمرات أفريقيا الشمالية. وهذا ما عالجه عالم الاجتماع الراحل الكبير بيار بورديو حينما تحدث عن السبب الحقيقي والخفي لبروز الظاهرة بقوله إن سؤال هل يجب قبول أو رفض الحجاب في المدارس؟ يخفي سؤالا حقيقيا يتمثل في (هل يجب قبول مهاجري أفريقيا الشمالية في فرنسا أم لا؟). ولم يكن الأمر عفويا في نظره إذا كان التسييس الأول لمشكلة المسلمين قد تم في عز مطالبة العمال المهاجرين بالمساواة مع نظرائهم الفرنسيين. انطلاقا من المنظور المذكور، لا يمكن في نظر الكاتبين معالجة الإسلاموفوبيا خارج الديمومة الاستعمارية، وبما أن أبناء المهاجرين المسلمين الذين يشكلون الطبقة الشعبية الهشة قد أصبحوا مكلفين ماليا مقارنة بما يدرونه من ربح فإن وجودهم لم يعد مفيدا وطنيا واقتصاديا في زمن التغير الذي عرفته رأسمالية ما بعد العهد الصناعي. الإسلاموفوبيا التي يعود تاريخ بروزها إلى عام 1910 -كفكرة مسبقة عن الإسلام وكمفهوم غير معزول عن سياق الاستشراق من منظور خلفيته الاستعمارية- أصبحت حقيقة اجتماعية أكدتها كل دراسات اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان. لقد عرفت تطورا غير مسبوق ما بين أعوام 1999 و2001 وبلغ مؤشر عدم التسامح نتيجة 69.5 بالمائة عام 2009 وفسر ذلك بتراكم مجموعة من العوامل من بينها هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والخطاب الإعلامي حول تأدية الصلاة في الطريق العام، وتناول اللحم الحلال والانتفاضة التي عرفتها الضواحي عام 2005. الإسلاموفوبيا التي أصبحت سلوكا عاما لم تتوقف عند مستوى الحجاب، وأضحت تعبيرا عن رفض مجمل الممارسات الإسلامية مثل عدم تناول الخمر واللحم غير الحلال من 13 بالمائة إلى الثلث، وصوم رمضان من 21 بالمائة إلى 26 بالمائة، وعيد الأضحى من 25 بالمائة إلى 37 بالمائة. إسلاموفوبيا الدولة إسلاموفوبيا الدولة الفرنسية التي تعد عنصرية بحسب بورديو هي التي حوّلت عمال مصنع سيارات بيجو ستروان المضربين إلى مسلمين متزمتين ومتشددين في الخطاب الإعلامي والسياسي على أعلى المستويات من خلال صحافة راحت تنشر صور العمال وهم يؤدون الصلاة ورسومات كاريكاتيرية في شكل حجاب يغطي السيارات. ويومها تحدث الباحث برونو إيتيان الذي يمثل المدرسة الاستشراقية بحسب إدوارد سعيد ومحمد أركون عن الإسلام الذي يتعارض مع علمانية الدولة الفرنسية والحضارة المسيحية: (الإسلام يطرح مشكلة حقيقية تجب مواجهتها)، ويومها ندد مسؤولون فرنسيون سامون (بالعمال الأصوليين المضربين وبالشيعة) و(بجماعات دينية وسياسية تحدد مواقفها وفق معايير لا سند لها في الواقع الاجتماعي الفرنسي). مثقفون جدد من الوزن الثقيل مثل الفلاسفة إليزابيت بتندير وريجيس دوبريه وآلان فينكلكلروت كرسوا إسلاموفوبيا صارخة لاحقا وأدت مواقفهم إلى تشجيع الدولة على المضي في نهجها. لعب عامل جهل الفرنسيين والأوروبيين للإسلام في نشر الإسلاموفوبيا بالترويج فقط للكتب التي تحمل عناوين مثيرة تنبه إلى خطر الإسلام وهذا ما يتقاطع مع مصلحة اليمين المتطرف وكل التيارات الأخرى التي تجمع على اعتبار معاداة السامية أخطر الأشكال العنصرية في أوروبا وفي العالم وترفض اعتبار الإسلاموفوبيا عنصرية ناطقة كما أكد النائب اليساري الشهير عن الخضر نوال ممار. النخب الأوروبية والفرنسية بوجه خاص تستغل كل الفرص للتنديد بالعنصرية حينما يتعلق الأمر باليهود وغير المسلمين كما تفعل هذه الأيام حيال الفنان ديودونيه وكما فعلت من قبل إثر اغتيال مناضل يساري متطرف على أيدي جماعة يمينية فاشية في حين نددت رمزيا وباحتشام في وقت متأخر بالاعتداءات التي تعرضت لها ليلى وربيعة المتحجبتين في العشرين من ماي، والثالث عشر من جوان من العام الماضي من طرف الجماعة نفسها. جهل النخبة الفرنسية بالإسلام لم ينقص رغم الإشادة الإعلامية بطروحات مثقفين عرب أو من أصل عربي يوصفون بأنهم يمثلون الاعتدال من أمثال عبد النور بيدار ومالك شبل وعبد الوهاب مؤدب، وغيرهم.