أدان الكاتب الصحفي الشهير، إيدوي بلينال، في كتابه "من أجل المسلمين" المثقفين الفرنسيين الذين يخلطون عمدا -تحت وطأة خلفيات أيديولوجية عنصرية- بين الإسلام والإرهاب والعنف، ويؤكّد بلينال في كتابه الصادر عن دار "لاديكوفرت" بفرنسا منذ أيام قليلة، أنّ الإسلاموفوبيا بلغ حدا لم يعد من الممكن السكوت عنه أخلاقيا، لأن الأمر أصبح خطيرا ويهدّد بانهيار النسيج الاجتماعي الفرنسي نتيجة تبرير العنف ضد عموم المسلمين، في الوقت الذي تؤكّد فيه الدراسات الاجتماعية أنّ معظمهم يعيشون في وئام تام ويساهمون في تنمية المجتمع على كافة الأصعدة. تزايدت في نظر الكاتب خطورة إلصاق تأزم فرنسا بالمسلمين والمهاجرين بوجه عام في الأعوام الأخيرة بتقديمهم كفرنسيين مشبوهين وحاقدين، ولم يعد الطرح المذكور وقفا على عموم الناس، بل شمل كبار المثقفين وقادة الرأي من أمثال المفكر ألان فينكلكروت الذي توقّف بلينال عنده مطوّلا باعتباره أكثر المفكرين تأثيرا ورواجا في الإعلام الفرنسي بعد برنار هنري ليفي وإريك زمور وإليزابيت ليفي وآخرين. بلينال الذي برهن تاريخيا وفكريا على خطأ مفهوم "الفرنسي القح" وأثبت تركيبة فرنسا الإثنية من ملل كثيرة مرتبطة بدينها، خلافا للفرنسيين المسلمين الذين أصبحوا يمثّلون مشكلة خطيرة كما يروّج أغلب المثقفين الفرنسيين، كما فضح عدم صحة ربط الإسلام بمشاكل فرنسا، ضاربا أمثلة تكشف تعايش المسلمين المنحدرين من أصول عربية ومسلمة، ومؤكّدا على التهميش العام الذي تتعرّض له الجالية المسلمة المهاجرة والفرنسيون المسلمون في الضواحي. ودعم بلينال طروحاته بمواقف قادة كبار من اليمين واليسار واليمين المتطرّف من أمثال ساركوزي وفالز ولوبان وآخرين بيّنوا أنّ معاداة المسلمين والمهاجرين بوجه عام قد أصبحت تشكّل إجماعا أيديولوجيا من أجل الوصول إلى السلطة والتغطية على الفشل الفرنسي العام على كافة المستويات، ورفض القبول بواقع كون الإسلام مفردة ثقافية نابعة من صلب تطوّر التاريخ السوسيولوجي الفرنسي. وتكمن الخطورة التي أضحت صارخة -حسب بلينال- في التفرقة الإيديولوجية بين هؤلاء الفرنسيين البيض وغير المسلمين والفرنسيين المسلمين ذوي البشرة السمراء. الكاتب والصحفي بلينال ركّز في مؤلّفه على الفيلسوف الشهير ألان فينكلكروت صاحب كتاب "الهوية الشقية" الذي يربط فيه بين ذوبان الهوية الفرنسية والمسلمين المتكاثرين و"الخطرين على الجمهورية"، ولم يكن تركيز الكاتب عفويا، إذ جاء في سياق مقاربة فكرية ومنهجية أعطت مصداقية لمنطلقه العام المتمثّل في تحوّل أشهر مفكري فرنسا وأكثرهم تأثيرا إلى داعية في مجال الايدولوجيا العنصرية الحاقدة، على حد تعبير المؤلف. وحتى يقوي من مصداقية طرحه، لم يتردّد بلينال في لعب دور زولا الجديد الذي أعلن حالة الطوارئ ببيانه الشهير "أنا أتهم" الذي ندّد فيه بالعنصرية التي راح ضحيتها اليهود على أيدي مثقفين فرنسيين، وهذا ما جعله يعبّر عن مأساة تحوّل يهود متطرفين إلى أعداء ضد المسلمين بعد أن راح ملايين من اليهود العاديين ضحايا عنصرية تاريخية تشهد عليها نازية هتلر. من جهته، قال رئيس المرصد الفرنسي لمناهضة الإسلاموفوبيا عبد الله زكري إنّه يعتبر بلينال صادقا في طرحه ولم يغازل المسلمين أو يخادعهم، وعليه "يعد بلينال حالة فكرية استثنائية وإشراقة في ظلامية المثقفين الفرنسيين العنصريين والمتطرفين". الجدير بالذكر أنّ الكاتب شغل منصب رئيس تحرير لصحيفة "لوموند"، ثم استقال وأسّس موقع "ميديا بارت" المستقل، وكشف عن العديد من الفضائح السياسية التي هزت الساحة الفرنسية.