إن إرساء نهج الديمقراطية على أساس مبدأ المشاركة من طرف المواطنين، والعمل على توسيع هذا المبدأ ليشمل حتى المرأة الجزائرية، وليتيح فرض تمثيل متواز لمختلف ولايات الوطني، يتطلب اليوم بذل جهد واهتمام كبيرين من الآن، وهذا لإعداد المواطن الجزائري وتهيئته بصورة متكاملة لما فيه صالح شعبه، تهيئة ذات بصيرة متكاملة ونافذة وتقدير سليم للأمور، ليتمكن من خدمة بلده ومن المشاركة في صنع القرار الصحيح على كل المستويات المتعددة التي تختلف باختلاف موقعه في البنيان الاجتماعي، وهذا ما يتطلب قبل كل شيء ديمقراطية متكاملة الجوانب التنظيمية والمؤسسية، فهذه الديمقراطية المتكاملة الجوانب هي التي توفر مشاركة فاعلة وواسعة للمواطن الجزائري في صنع الحاضر وصياغة المستقبل في مختلف المجالات، وهذا طبعا من خلال مجلس شعبي وطني تمثل فيه كل ولايات الوطن، وأيضا من خلال مجلس الأمة، وهنا نفتح قوسا بالنسبة للمجلس الأخير، الذي يجب أن يضم خبرات جزائرية متميزة، وعلى نحو يفسح المجال للمرأة الجزائرية والشباب للاضطلاع بدور حيوي· وعلى أساس من هذا التقدير الرفيع للمواطن الجزائري، على المسؤولين في الهيئة التنفيذية (أعضاء الحكومة)، وكذا المسؤول الأول في البلاد، الانتقال والقيام بجولات إلى المناطق والولايات، وجعل هذه الجولات سمة من السمات المميزة والفريدة بين المسؤول والمواطن على طول البلاد وعرضها، فخلال تلك الجولات التي ينتظرها المواطن عادة في كل سنة ليعبر عن تقديره وولائه وعرفانه لمسؤوليه، تجري المناقشات حول العديد من الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وبرامج الحكومة وأولوياتها، بما في ذلك ضرورة العمل على تنويع مصادر الدخل الوطني وتشجيع الصناعة والتجارة والسياحة، وإيضاح الانعكاسات الدولية وآثار العولمة على الاقتصاد الوطني وكيفية التعامل مع ذلك كله، وكذلك حول الاقتصادالوطني السليم وكيفية تحقيقه من خلال التعاون والتنسيق بين القطاع العام والقطاع الخاص والركائز التي ينبغي الاستناد إليها لتحقيق ذلك، والبحث عن الرؤية الإستراتيجية الكامنة في الشخصية الجزائرية مع عوامل القوة البالغة الأهمية في التاريخ والحضارة والتراث الجزائري، وهذا في إطار تتفاعل فيه كل الجهود وتلتقي فيه وتتكاتف في وحدة وطنية قوية وصلبة، وإرساء قواعد المشاركة الوطنية المستمرة والواسعة النطاق في ظل مسؤولية البناء وبعث روح التضامن والتكافل والشعور بالهوية الوطنية من جهة، وإرساء واستكمال أسس الدولة العصرية ودعائم الاقتصاد الوطني القادر على النمو الذاتي واستكمال البنى التحتية في مختلف المجالات وفي كل الولايات، ومن جهة ثانية، من أجل هذا كله، تتم الجولات والزيارات الميدانية وتعقد المشروعات ومواقع العمل والالتقاء بين المسؤولين والمواطنين للاطلاع على المشاكل التي يعانيها منها المواطن الجزائري وتطرح الآراء بشكل ت تلقائي وعفوي مباشرة خلال هذه اللقاءات مع المواطنين حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية، ثم تتحول إلى واحدة من أهم أدوات التنمية السياسية للمواطن عبر ما يطرحه المسؤول من نماذج ومواقف وحلول عملية· كما يمكن القول بأن هذه الدور الحيوي الذي يجب أن يحرص عليه المسؤول وهو الالتقاء المباشر بالمواطنين والانتقال إليهم حيث يقيمون في القرى والجبال والصحاري والتجمعات الصغيرة المنتشرة على امتداد أرض الجزائر الطبية، ومعايشتهم والحديث إليهم والاستماع إليهم في لقاءات مفتوحة يشارك فيها الجميع وتطرح خلالها مختلف القضايا والموضوعات، التي تهم الوطن والمواطن دون حواجز وبروتوكلات، في صيغة جزائرية فريدة للمشاركة الوطنية، حيث يطرح المواطنون ما يجول بخواطرهم أمام مسؤولهم، الذي يجب أن يتحدث إلى مواطنيه ويفتح الحوار بعد ذلك بتلقائية وعفوية، يلتمس المسؤول من خلاله نبض واهتمامات المواطنين مع توجيههم نحو الأولويات الوطنية اقتصاديا واجتماعيا في مخلتف المجالات الأخرى، وهذا ما يعزز مسيرة التنمية الوطنية ويمنحها دوما المزيد من الحشد للطاقات الوطنية سواء في الإطار التنظيمي أو على المستوى الاجتماعي الجماهيري الواسع، وعبر هذه الرؤية الإستراتيجية ستتسع عملية المشاركة ويلعب كل مواطن دوره في عملية البناء والتنمية تحقيقا لمزيد من فعالية المشاركة وزيادة آثارها، خاصة عندما تكثر هذه اللقاءات مع المواطنين، ومتابعة احتجاجاتهم وحل الصعوبات وإيضاح أية أمور يطرحونها، والذي يزيد من تحقيق التفاعل والتكامل المستمرين بين المسؤول والمواطنين في مناطق إقامتهم بالانتقال إليهم ومعايشتهم، هذا ما يجعل المواطن يحظى بالعناية الواسعة النطاق في مختلف المجالات، ليكون قادرا على القيام بدوره كشريك في عملية البناء الوطني مع الإيمان بقدرة المواطن على المساهمة والمشاركة وعلى العطاء والإبداع وتحمل المسؤولية الوطنية، مع العمل على تسليحه بكل عوامل النجاح وتوعيته بالفكر الثاقب والرؤية البعيدة النظر والإرادة الصلبة، وهذا في ظل اقتصاد وطني أساسه العدالة ومبادئه مبادئ الاقتصاد الحر وقوامه التعاون البناء المثمر بين القطاع العام والقطاع الخاص، وهذا ما يؤدي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة للمواطن، حيث تمتد من خلال هذه الصيغة الفريدة دائرة الديمقراطية ويتسع الأداء ليشمل الكثير من أبناء الوطن، بحيث توسع هذه الزيارات السنوية مادامت عبارة عن حوافز وطنية سنوية تتسع لمختلف القضليا التي تهم الوطن والمواطن وفي مختلف المجالات، وعلى نحو يؤكد التواصل الرابط بين أبناء المجتمع وتحفيز المواطن على المشاركة في إدارة شؤونه بغض النظر عن مكان إقامته سواء كان في العاصمة أو في إحدى المناطق النائية· كما لا يفوتني القول بأن تحمل متاعب ومصاعب السفر من أجل الوصول إلى المواطن والتعرف على احتياجاته والاستماع إليه والاستجابة لمطالبه وفق الإمكانات المتاحة، يزيد من التآزر والتلاحم على كل المستويات في إطار الأسرة الجزائرية المترابطة والمتحابة· هذا من جهة، ومن جهة ثانية، يجب الحرص على مواصلة خطوات العمل جنبا إلى جنب في جهود متوازنة ومنتظمة في مجالات التنمية المختلفة لتحقيق المزيد من البناء والتطور ولتعزيز الأمن والأمان لهذا الشعب الأبي، الذي يعتز بماضيه العريق ويباهي بحاضره المشرق ويخطو بثقة وتفاؤل نحو مستقبله الواعد المضيء، لذا يجب وضع المواطن الجزائري في طليعة الاهتمام وفي مقدمة الأولويات، وذلك باعتبار المواطن هو أداة التنمية وصانعها، وهو إلى جانب ذلك هدفها وغايتها، وفي هذا الإطار الواضح والمتكامل ستتضافر الجهود لرعاية المواطن الجزائري في كل المجالات التعليمية والتأهيلية والتدريبية، والعمل على إيجاد فرص العمل المناسب للمواطن، وتوفير الرعاية له عندما يواجه ظروفا صعبة أو طارئة، انطلاقا مما عرف به المجتمع الجزائري دائما من تكامل وترابط عميقين مع العناية والرعاية لمختلف شرائح المجتمع، وخاصة تلك الشريحة التي تجسد الأمل الواعد للأمة في المستقبل، ألا وهي شريحة الشباب التي تمثل رصيد القوة في المجتمع الجزائري وطاقته الحيوية التي تنطلق بهم وتعود إليهم عملية التنمية الوطنية وثمارها، وهذا ما يجعلنا نقول أن تنمية الطاقات والموارد البشرية في بلادنا، يجب أن تشكل هدفا محوريا وقاعدة أساسية لجهود التنمية الوطنية، وأن تحظى عملية التكوين والتدريب باهتمام عميق ومتواصل من جانب المسؤول الأول في البلاد انطلاقا من القناعة بأن العنصر البشري، سيظل هو حجر الزاوية في حياتنا المعاصرة ومهما بلغت التكنولوجيا من تطور فسيظل الإنسان سيدها· ومن هنا يمكن القول بأن من أبرز عوامل النجاح في بناء دولة عصرية وقوية واقتصاد متطور، اهتمام المسؤول بالمواطن ومنحه الأولوية الأولى باعتباره قطب الرحى الذي تدور حوله كل الأهداف وتحقق من أجله كل المنجزات وتعد في سبيل تنشئته وإعداده مختلف الخطط والبرامج والمناهج، إنها الحقيقة التي يجب أن يدركها كل فرد ويعمل في ضوئها كل مسؤول، كما يجب أن تحظى العلاقة الحميمية بين السؤول والمواطن بالرعاية والعناية حتى تترعرع المحبة والعطاء اللامحدودين، ليمتد بشجرته الوارقة إلى كل ربوع الأرض الجزائرية الطيبة وعبر الاستجابة القوية والواسعة لكل ما يحدده ويراه المسؤول، خاصة وأن المواطن هو أداة التنمية بمختلف أساليبها ووسائلها، من توفير الحياة الكريمة للفرد والمجتمع بقدر ما تكون تنمية ناجحة جديرة بأن يسعد القائمون عليها ويفخروا بنتائجها الجيدة ويعتزوا بآثارها الطيبة، ذلك ما يجب أن يؤمن به كل جزائري وما يسعى دائما إلى تحقيقه، لكن قبل هذا يمكن القول بأن البداية بالتعليم هي البوابة الحقيقية لبناء التقدم، لذا فإن تطوير التعليم لتحقيق التنمية البشرية المستمرة، هو عملية يجب أن تكون متواصلة لسد احتياجات التنمية من الكوادر الوطنية المؤهلة من ناحية والإعداد للمستقبل للدخول في المراحل القادمة ونحن مسلحون بالوعي الذاتي بالهوية الوطنية وقادرون في الوقت نفسه على التفاعل مع أدوات العصر في كل المجالات من ناحية ثانية، لأنه من السمات الأساسية لأية نهضة، الاهتمام بمجال التنمنية البشرية في إعداد الكوادر المؤهلة والمتخصصة القادرة على الاضطلاع بدورها في مجالات التنمية الوطنية ومن هنا يمكن القول بأنه: إذا كان تحديد الأهداف هو الخطوة الأول على الطريق الطويل للتنمية الوطنية، فإن العمل من أجل تحقيق تلك الأهداف والوصول إليها، يحتاج بالضرورة إلى جهود ضخمة ودؤوبة وإلى قدرة هائلة على حشد الطاقات الوطنية وتوجيهها وقيادتها، وتهيئة حشد طاقات الوطن في كل المجالات من خلال استجماع القوى الوطنية وترسيخ وحدتها وتماسكها وإيجاد ثقة عميقة في قدرة المواطن وتوفير كل السبل أمامه للاضطلاع بدوره والمشاركة الفعالة في بناء حاضره وصياغة مستقبله بما يتواكب مع كل مرحلة من مراحل التنمية الوطنية، في إطار رؤية واضحة ومتكاملة لمتطلبات الحاضر واستشراف المستقبل واختيار أنسب السبل لتحقيق الوطنية، هذا مع إيجاد نهج متكامل مستند إلى إدراك عميق لمصادر القوة الجزائرية التمثلة في الإطار الوطني من ناحية ومصادر الثروة التقليدية للاقتصاد الجزائري من ناحية ثانية، والخبرة التاريخية وما يمثله التراث الجزائري من رصيد إيجابي من ناحية ثالثة، إن كل هذه العوامل تتفاعل في ظل مسؤولية وقيادة حكيمة ذات بصيرة نافذة وفكر مستنير تحسن التوجيه في لقائها بالمواطن نحو الأولويات الوطنية اقتصاديا واجتماعيا وفي مختلف المجالات، وهو ما يعزز مسيرة التنمية الوطنية ويمنحها دوما المزيد من الوضوح؛ وضوح الرؤية والفعالية وتحقيق المزيد من الحشد للطاقات الوطنية سواء في الإطار التنظيمي أو على المستوى الجماهيري الواسع، ولعل هذا ما سيساهم في تحقيق تحول ضخم مرتكز على رؤية استراتيجية متكاملة تنصهر فيها عناصر القوة الكامنة في الشخصية الجزائرية مع عوامل القوة البالغة الأهمية في التاريخ والحضارة والتراث الجزائري· وفي هذا الإطار تتفاعل الجهود وتتلاقى وتتضافر في وحدة وطنية، وانطلاقا من هذه القاعدة الراسخة التي تقوم على وعي عميق بدور المواطن في صنع التنمية والرخاء لتتكامل جهود التنمية الوطنية، لأن هدفنا الأول الذي نسعى إليه دائما هو أن نبني بلدنا ونوفر لجميع أهله الحياة الرغدة والعيش الكريم، وهذه غاية لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق مشاركة كل أبناء الشعب الجزائري في تحمل المسؤولية ومهمة البناء مع فتح الأبواب لكل المواطنين للوصول إلى هذه الغاية، مع العمل الجاد على تثبيت حكم ديمقراطي عادل في بلادنا وفي إطار واقعنا الجزائري وحسب تقاليدنا وإسلامنا الذي ينير لنا الطريق دائما· فمن هذا المنطق يجب أن تتجه فلسفة التنمية عندنا نحو بناء الإنسان الجزائري علميا وفنيا لمواجهة احتياجات بلده من ناحية، وتأهيله وتسليحه لممارسة مسؤولياته في مجال التخطيط والتنفيذ من ناحية أخرى، وكذا إعادة تشكيل وتوجيه الطاقات البشرية في المجتمع لاستغلالها على أفضل نحو ممكن مادامت تشكل أهم السبل لسد احتياجات التنمية المتزايدة من المهارات التقنية والفنية، وهذا في إطار نظام أكاديمي متماسك ومتكامل قادر على التفاعل باستمرار مع احتياجات المجتمع على مختلف المستويات من جهة، وبالدراسة والبحث عن حلول مناسبة لها، من جهة ثانية· وفي الأخير، يمكن القول بأن اهتمام المسؤول بالمواطن ضرورة تنموية، وهذا ما يفرض إعداد أجيال من الشباب الواعي المؤمن بدينه ووطنه وأمته القادرة على تسخير قدراته الخلاقة ومواهبه المتعددة ومهاراته العلمية والفكرية لخدمة وطنه والارتقاء بمجتمعه والمحافظة على هويته المتميزة وتراثه الحضاري الضارب في أعماق التاريخ·