عاش طلبة كلية العلوم الاقتصادية بجامعة سعد دحلب، بولاية البليدة، مؤخرا، حادثا أليما بعد أن فارقت الطالبة زناتي خولة الحياة إثر وعكة صحية ألمت بها وهي تعرض بحثا داخل قسمها حيث تزاول دراستها في السنة الأولى تخصص تسيير· وفاة الطالبة، حسب ما علمته ''الجزائر نيوز''، كانت طبيعية، حيث أكد مصدر موثوق أن الطالبة تعرّضت لسكتة قلبية مفاجئة ، وفي غضون لحظات، حتى قبل أن تصل إلى المستشفى، غير أن زملاءها في الكلية رفعوا وليومين متتاليين شعارات نددوا فيها بتدني الخدمات الصحية المقدمة للطلبة، وعلى رأسها غياب سيارة الإسعاف التي لم تكن حاضرة، حيث اضطر مجموعة من زملائها لنقلها إلى أقرب مستشفى باستعمال سيارة أحد الأساتذة· طلبة قسم التسيير سنة أولى، وكل طلبة كلية العلوم الاقتصادية، كانوا على وعي تام أن أجل المرحومة حان، وبأنه لم يكن بوسع أي أحد إسعاف زميلتهم خولة الطالبة التي قالت لهم في آخر كلماتها أنها تحس بآلام شديدة على مستوى الصدر قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهي التي كانت تتمتع بصحة جيدة، غير أنهم أعابوا على إدارة الجامعة غياب سيارة الإسعاف، حيث قال البعض ممن التقيناهم أن حالة خولة جاءت لتؤكد غياب اهتمام الإدارة بهم، إذ من غير المعقول أن لا تتوافر كلية بحجم كلية التسيير على سيارة إسعاف خاصة وأن هذه الأخيرة موجودة في منطقة شبه معزولة عن الجامعة الأم، والتي تحتضن غالبية الكليات الأخرى التي تدرس عدة تخصصات· ذات الطلبة أشاروا إلى أن هذا الحال ينطبق على كلية العلوم الفلاحية وكلية البيطرة، حيث تتواجد هذه الكليات في منأى عن المركز الطبي الاجتماعي بجامعة سعد دحلب· وفاة الطالبة زناتي خولة كانت بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة، حيث علمت ''الجزائر نيوز'' أن هذه الكلية تعاني من عدة نقائص، وهو ما أكده لنا جل الطلبة الذين التقيناهم خاصة المقبلين على التخرج الذين قالوا إنهم دخلوا الجامعة وهاهم سيتركونها ويتركون نفس الانشغالات لطلبة الدفعات القادمة، من بينهم الطالبة (ع· مليكة) التي تزاول دراستها الجامعية بقسم التسيير تخصص مالية سنة رابعة، والتي تحدثت عن أبرز المشاكل التي يتخبط فيها الطلبة حيث قالت ''سبق وأن كنت في السنوات الماضية من بين ممثلي الطلبة حيث كنت، مع بعض الزملاء، همزة وصل بين الإدارة والطلبة لنقل انشغالاتنا، غير أنني تخليت عن هذه المهمة بحكم أنني مقبلة على التخرج ولديّ مذكرة يجب أن تكون في المستوى، مما يتطلب تكريس كل وقتي· ذات المتحدثة أضافت أنها، وطيلة الفترة السابقة، لم تلمس أي تحسن في الأوضاع بالرغم من علم الإدارة بمطالب وانشغالات الطلبة، مما يعني أن وجود ممثلين للطلبة من عدمه أمر واحد· ومن بين الانشغالات التي يرفعها طلبة السنة الرابعة مشكل التربص التطبيقي الذي بات يشكل هاجسا حقيقيا لهم في ظل رفض كل المؤسسات الاقتصادية التي تقدموا إليها لقبولهم كمتربصين· وبالرغم من قرب انتهاء السداسي الأول، إلا أن جل الطلبة لم يتمكنوا من إجراء التربص المطالبين به والذي إن لم يتمكنوا من إجرائه فلن يحصلوا على شهادات تخرجهم· الطلبة مطالبون بإجراء تربص تطبيقي أم بحث عن وظيفة؟ وفي هذا السياق، تحدثت إلينا الطالبة العربي بوعمران رزيقة، التي تزاول دراستها بكلية الاقتصاد تخصص نقود مالية وبنوك، والتي أوضحت لنا أنها ما فتئت تبحث عن بنك يقبل بها كمتربصة، إلا أنها لم تفلح في ذلك، لتضيف قائلة يتوجب على إدارة الجامعة أن تنسق بين مختلف المؤسسات من أجل إيجاد حل لهذا الإشكال، فاليوم نحن مطالبون بإيجاد منصب للتربص وأمامنا مهمة إعداد مذكرة التخرج دون الحديث عن الدراسة وامتحانات السداسي الأول على الأبواب· (ع· أمال) طالبة تدرس تخصص المالية في السنة الرابعة، ارتأت أن تشارك ''الجزائر نيوز'' حديث التربص الذي بات يشكل هاجسا للطلبة المقبلين على التخرج، حيث استعملت كلمة تمشيط بدل البحث عن مؤسسة تكفل تربصهم، قائلة لقد قمت رفقة زميلتين بتمشيط المنطقة الصناعية ببن بولعيد وأولاد أعيش وخزرونة من أجل الظفر بمنصب للتربص، ولكن دون جدوى، حتى أن صاحب إحدى المؤسسات قام بطردنا قائلا لنا إنه لا يوظف البنات، فيما قال لنا آخر إنه لا يمكنه أن يطلعنا على أسرار المهنة أي حسابات الشركة بحكم تخصصنا الذي سيمكننا من معرفة طرق تسييره· ذات المتحدثة أضافت أنه إذا كان الهدف من التربص هو اختبار قدرتنا على التحمّل أو تمهيد لما ينتظرنا بعد التخرج في رحلة البحث عن وظيفة، فقد نجحت الإدارة في هذا· أما إذا كان الهدف هو أن نكتسب مهارات وخبرة عملية تساعدنا مستقبلا، فيبقى على ذات الإدارة أن توجه الطلبة إلى مؤسسات معينة لِمَ لا في إطار اتفاقيات شراكة بين الطرفين· يكتفون ب ''لمجة'' على طريقة تلاميذ الابتدائي في غياب البديل وبعيدا عن هذا الإشكال الذي يرهق أعصاب أي طالب مقبل على التخرج، ارتأينا في جولتنا بهذه الكلية أن نعود إلى يوميات الطلبة، والتي لخصها لنا محدثونا في غياب بعض المرافق الضرورية لأي جامعة، ويأتي في مقدمة هذه المرافق المطعم الجامعي الذي يشكل النقطة السوداء في كلية العلوم الاقتصادية، وهو ما وقفنا عليه في حدود الساعة الواحدة والنصف زوالا خلال الزيارة التي قادتنا إلى عين المكان، حيث لاحظنا أن جميع الطلبة يحملون أكياس رقاقات البطاطا أو قطع شوكولاطة وفي أحسن الأحوال يضاف إلى هذه ''اللمجة'' علبة عصير· الطلبة اتفقوا على أن الاسم الحقيقي لوجبة الغذاء أصبح ''لمجة'' بالنظر إلى نوعية الوجبة التي يسدون بها رمقهم خلال يوم كامل من عند محل صغير بقلب الكلية والذي يكثر عليه الإقبال إلى حد التدافع من أجل الظفر بقطعة شوكولاطة··· في غياب تام لوجبات ساخنة· ولأن الوقت يداهم الجميع، فإن غالبية الطلبة يستغنون عن الإفطار في المطعم الجامعي الوحيد الموجود بالجامعة المركزية، ما يعني أنهم مضطرون إلى الخروج من كليتهم، وهو ما لا يسمح به توقيت المحاضرات والدروس التطبيقية· البعض أكد أن غياب فضاءات خدماتية خاصة زاد من تعقيد الأمر، فمحيط الكلية وجامعة سعد دحلب بالبليدة عموما لا يتوافر على أي هياكل خدماتية، ما شجع انتشار بعض الطاولات الفوضوية عند مدخل الجامعة، الأمر الذي انعكس سلبا على مظهر وصورة إحدى كبريات جامعات الوطن· التدفئة وترميم الجدران مطلبان ضروريان الصورة الداخلية للجامعة لا تختلف كثيرا عن خارجها، فإذا كانت القاعة رقم 43 بالطابق الثاني، والتي تقدم بها الدروس التطبيقية لطلبة السنة الرابعة تسيير، تعرف تصدعا في السقف، ما يسمح بتسرب مياه الأمطار التي تمر بكل تأكيد عبر قاعة أخرى في الطابق الآخر مشكلة بذلك برك ماء حقيقية داخل الأقسام التي لم تعرف طريقها للتدفئة حتى الآن بالرغم من البرودة التي تميز الولاية ككل والجامعة بصفة خاصة كونها هيكلا مفتوحا على مساحة كبيرة، فإن حال الطريق المؤدي للكلية أسوأ، وقد أسماه الطلبة طريق الشتاء والصيف، والذي يتحول مسرحا للغبار المتطاير أو إلى برك مائية تتطلب حركات بهلوانية للمرور بسلام· المكتبة·· بين البحث عن الكتب والدخول في صراع مع الأعوان معاناة الطلبة التي حاولنا نقلها لم تنته عند هذا الحد، بل تعدته إلى المكان الذي من المفترض أن يجد فيه الطلبة راحتهم، وهو المكتبة، غير أن واقع الحال هو العكس تماما، فبين النظام الداخلي المعمول به والذي يفرض على الطالب عدم البحث عن أكثر من عنوانين في اليوم، حتى وإن لم يتوفر الكتابين، فإن الطالب مطالب بأن لا يُجهد أعوان المكتبة الذين يرفضون البحث عن أكثر من عنوانين، وفي المقابل تبقى أجهزة الإعلام الآلي التي وفرتها إدارة الكلية من أجل الحصول على أرقام الكتب مجرد ديكور، حيث معظم تلك الأجهزة معطلة ما يفرض طابورا أمام جهاز أو إثنين للتمكن من معرفة رقم الكتاب المطلوب· من جهة أخرى، أشار الطلبة في معرض حديثهم عن متاعبهم مع المكتبة إلى أسلوب جديد بات يستعمل لترهيب الطلبة خاصة بالنسبة للراغبين في استخراج المذكرات، حيث يواجه طلبة السنة الرابعة تهديدا بانتقاص علاماتهم إذا ما تأخروا في إرجاع المذكرات، ما يعني أن الأمر متعمد لإرهاق الطلبة ذهنيا -على حد تعبيرهم- دون الحديث عن سوء التنظيم وتضييع بطاقات الطلبة وأحيانا حجزها بطريقة تعسفية تصل حد الشهر، ويحرم الطلبة من حقهم في الحصول على المراجع التي تمكنهم من إنجاز مذكراتهم أو فهم دروسهم وإعداد البحوث· وإذا ما كان طلبة السنة الرابعة يشتكون من معاملة الموظفة القائمة على قسم المذكرات، فإن طلبة باقي السنوات يشكون من النظام القاضي بيومين فقط في الأسبوع للاستفادة من خدمة المكتبة التي لا تفتح أبوابها غالبا قبل الساعة التاسعة بالرغم من وجود تعليمة تشير إلى أن ساعات المداومة تبدأ من الثامنة صباحا وليس التاسعة· كانت هذه بعض من يوميات طلبة كلية العلوم الاقتصادية بجامعة سعد دحلب، والتي رصدتها ''الجزائر نيوز'' من خلال الطلبة الذين قالوا إنهم في رحلة ركض مستمرة بهذه الكلية، وآخر ما جعلهم يركضون هو البحث عن من ينقل الطالبة زناتي خولة إلى أقرب مستشفى التي غادرت عالمنا تاركة وراءها الكثير من الحزن على أمل أن لا تتكرر مثل هذه الحادثة، غير أن الأمر يبقى واردا في ظل الظروف التي يزاول فيها طلبتنا دراساتهم، والتي يحرمون فيها من وجبة متكاملة، وبالتالي من نظام غذائي صحي بغض النظر عن الإجهاد الذهني الذي يتعرّضون إليه قبل أن يظفروا بشهادة نهاية التعليم الجامعي·