لم يكن السيد ''النوي عامر''، رب عائلة من بلدية المجبارة في الجلفة، وهو على عتبة الخمسين من العمر، يتوقع أن يجد نفسه مقحما في امتحان صعب رفقة زوجته، حين دخلا عش الزوجية قبل 25 سنة بصدمتهما في أول الأمر بوفاة الأبناء الكبار الذين رزقا بهم في البداية، وحين استقام الأمر وأنجبا أحياء اكتشفا أنهم معوقين حركيا وذهنيا لتبدأ رحلتهما مع العلاج والمرض. لم نكن نتصور حين تحدث لنا بعض المحسنين والخيرين عن هذه الأسرة حجم تلك المعاناة مهما وصفوها لنا، ولكننا حين قررنا السفر وانطلقنا ناحية بلدية المجبارة التي تبعد عن ولاية الجلفة بنحو 20 كلم جنوبا تأكدنا من كل ذلك. اقتربنا من الدار وهي عبارة عن كوخ قديمة تقع في منطقة ''الويصال''، وهي بالقرب من ''وادي بوسكين'' غير البعيد عن المعالم الأثرية المعروفة ب''حجرة بورنان'' استقبلنا الأب. ولم تمض سوى لحظات حتى بدأنا نتجاذب أطراف الحديث عن أبنائه الثلاثة المعاقين وعرفنا من الوالد بأنه بطال يقتات من الأعمال اليدوية إذا سمحت الفرصة، وبأنه تزوج قبل خمسة وعشرين سنة ومات له أبناء كبار عديدون. ورغم ذلك، لن تيأس العائلة على أمل أن ترزق بالأبناء. وفعلا رزقت العائلة بالطفل الأول المولود سنة 1986، ثم المولود الثاني سنة 1987، لكن كانت مفاجأتهما كبيرة عندما صدما بانعدام الحركة واعوجاج الأرجل للمولودين الإثنين، فدخلا في رحلة علاج يائسة، ليقررا فيما بعد إنجاب الطفل الثالث سنة 1991 ليصطدما أيضا بإعاقته الحركية والذهنية أيضا. وأمام هذا الأمر باتت متاعب الأسرة تزداد والمصاريف تكثر وباتت الأم هي من تقوم بكل شيء في الأكل الذي تحضره بطريقة خاصة لأنهم لا يملكون أسنانا أو أضراسا، وهي التي تنظف لهم أيضا كل ساعة، بل تظل واقفة ترعاهم وتنظر إليهم بحسرة وأسى. ومع مرور الوقت أصيبت السيدة بضغط الدم رغم أنها لا تزال في ريعان شبابها، مما زاد من حجم المصاريف على عاتق الأب. وأكثر من هذا فإن، الأبناء الثلاثة لا يستطيعون مقاومة الحرارة شديدة ولا البرد القارس، ما دفع الوالد للهروب بهم شتاء إلى تفرت من أجل الدفء، ثم العودة صيفا إلى مضاربه بالمجبارة هروبا من الحر. وعبثا حاول الأب وضع ملفات لهم في مديرية النشاط الإجتماعي لأن المنحة لا تكفي لأسبوع واحد من الحفاظات فقط ''فما بالك بالأكل والأدوية؟'' يقول الوالد الذي أضاف أنه لا يبحث سوى عن ''إيجاد حل للوضعية التي أوقعتنا في دوامة المعاناة''. وقد علمنا أيضا بأن هؤلاء الشباب يصومون حين يحسون بأن الكبار صائمين، ومهما ناولتهم الأم الأكل فلا يقبلون عليه كما يكتفون بالصراخ لأنهم لا ينطقون. ولما قادنا الأب إلى داخل الكوخ لتصويرهم راعنا منظرهم وهم ممددين تقلبهم الأم مرة وأخرى حتى لا تأكل الأرض أجسادهم.