بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة على رسوله الكريم ... محمد الهادي الأمين ... صلى الله عليه وسلم. السيد رئيس المجلس الشعبي البلدي: صاحب الدار، السادة رئيس المجلس الشعبي الولائي والسيد والي الولاية،
السادة المنتخبون، السادة أعضاء السلطات التنفيذية والعسكرية، السادة الاعلاميون والحضور الكرام، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أما بعد/ تمر اليوم 157 سنة عن صدور قرار انشاء مدينة الجلفة ... مثلما تمر 167 سنة عن أول استقرار للقوات الفرنسية بتراب منطقة الجلفة بقيادة الجنرال السفاح يوسف ... ولكن هنا يُطرَح السؤال: هل يجوز التأريخ للمنطقة انطلاقا من أحد هذين التاريخين؟ وهل يجوز لنا الحديث عن الجلفة كمدينة كولونيالية أم أنه يجب علينا الذهاب أبعد من ذلك؟ في الحقيقة إن الحديث عن تأسيس مدينة الجلفة وتطوّرها أخذ حظّه من الكتابات والنشر في شتى المناسبات. ولكن كل هذا الزخم التاريخي والعمراني والمعماري في الماضي لم يتم الاستفادة منه بالصورة المطلوبة لصناعة وجه ناصع لعاصمة السهوب اليوم ... ولهذا فإنه يمكن القول –لا على التعميم- بأن جل ما نقرؤه اليوم عن مدينة الجلفة هو سرد لأحداث وموقعات تاريخية ... تاريخ وليس تأريخ بمعنى الكلمة لهذه المدينة التي شهدت الكثير من الأحداث ... فالجلفة تم تأسيسها من طرف الفرنسيين للسيطرة على تلك الرقعة المعروفة في الكتابات التاريخية باسم "بلاد أولاد نايل – le Pays des Ouled Nail" ... والمتتبع لمسيرة هذه المدينة المباركة سيكتشف أنها شكلت أكبر خيبة للاحتلال الفرنسي الذي أرادها مقرا لقمع باقي مكونات بلاد أولاد نايل في جغرافيتها المتشكلة من بوادي تسكنها القبائل المتنقلة أو القصور الضاربة في أعماق التاريخ مثل دمّد ومسعد والشارف وزنينة والبرج وسلمانة وزنينة وحد السحاري وبن يعقوب والحنية والنثيلة وعمورة وعين السلطان وعامرة والهيوهي وعبد المجيد والمجبارة وزكار ... نعم لقد أُراد الفرنسيون لمدينة الجلفة أن تكون الوسيلة للسيطرة على هذه المنطقة المقاومة ... فإذا بالسحر ينقلب على الساحر ... وإذا بالجلفة تعيد الى المشهد أسطورة طائرة الفينيق الذي ينبعث من رماده. كيف لا وبلدية الجلفة تحتضن في ترابها قبر أحد الصحابة المباركين الفاتحين الذين خرجوا في سبيل رفع راية الاسلام. كيف لا والجلفة جزء من البلاد التي شهدت مرور قوافل أول مقاومة شعبية لتحرير الجزائر العاصمة –في التيطري وكلّ الجنوب- ابتداء من سنة 1831 بقيادة الحاج موسى بن الحسن الدرقاوي. كيف لا والجلفة تنتمي الى منطقة احتضنت قوافل مجاهدي بلاد أولاد نايل مع الأمير عبد القادر ابتداء من سنة 1836 الى غاية سنة 1846. كيف لا والجلفة تنتمي الى منطقة شهدت فصولا من ملحمة المقاومة الشرسة ضد جحافل قوات الجنرال يوسف والجنرال داربوفيل والأمير هنري (le Duc D'Aumal) والعقداء كامو وبلانجيني ولادميرو ودوموني ورونو وغيرهم. كيف لا ومنطقة "سن الباء" تحكي المقاومة ضد قوات الجنرال ماري مونج يومي 14 و15 فيفري من سنة 1847 التي استشهد فيها 40 مجاهدا ... كيف لا ومنطقة الجلفة كانت ضمن نطاق سيد مجاهدي الصحراء "التلي بلكحل" وخليفة الأمير عبد القادر سي الشريف بلحرش والمقاومين بومعزة والهاشمي ومولاي ابراهيم والشيخ الزبدة والشيخ الحران ومحمد بن عطية وغيرهم. السادة الحضور الكرام ... هذا كله قبل تأسيس مدينة الجلفة فكيف بها بعد التأسيس؟ نعم ... فهاهي سنة 1852 تشهد أكبر حملة تأديبية بقيادة الجنرال يوسف والجنرال لادميرو لأن القبائل والقصور ساندت مقاومة الصحراء وبعثت بعدد معتبر الى مدينة الأغواط ليساندوا مجاهديها ومقاومي تقرت وورقلة ... وهاهي سنة 1861 تشهد بطولة المقاوم بوشندوقة رفقة أتباعه من عروش السحاري وأولاد سي أحمد ... والأرشيف التونسي يحكي لنا الدور الذي لعبه الباشاغا سي الشريف بلحرش في هروب بوشندوقة الى زاوية نفطة في تونس ... وهاهم سكان وقبائل منطقة الجلفة يواصلون مقاومتهم سنة 1864 ... وتستمر مقاومتهم الى جانب أولاد سيدي الشيخ. السادة الكرام المحترمون/ كانت هذه نبذة خلال القرن التاسع عشر الذي بدأت فيه أول مقاومة وطنية بمنطقتن سنة 1831 ... لتستمر المقاومة مع سي عبد الرحمان بن الطاهر وتنتهي سنة 1931 باعدامه ... نعم أول مقاومة جزائرية وآخر مقاومة جزائرية بدأتا هنا. ولكن مهلا ... فالمقاومة استمرت ولكن بنوع آخر هذه المرة وأخذت أشكالا متنوعة كانت مدينة الجلفة انعكاسا باهرا لها وحاضنة أمينة لروّادها. فهاهي المقاومة الوطنية تجد لها مرتعا بمدينة الجلفة مع أبي الوطنية ميصالي الحاج ومن روّادها الشهيد جعفر محمد بن بولنوار والأخوان شكالي القحاضبية والعمري بيسكة ومحمد بلهادي وعصمان ولحرش زين العابدين وبلحاج وونوقي وغيرهم وهاهي الحركة الكشفية بمدينة الجلفة تربي الأجيال وتحضرهم لحرب التحرير بل وتقدم الكشافة شهداء نذكر منهم حنيشي محمد المدعو عبد الحميد وحسان عبد القادر وعلاوة يحيى وبرمان رابح وناجك أحمد والأخوان دروازي "محمد، شامخ" ... فكان فوج كشافة الأمل بالجلفة صانعا للملحمة. وهاهي الحركة الصحفية تقدم مجاهدين وشهداء القلم ... فهذا الشهيد عبد الله ابراهيمي يحرج فرنسا وأذنابها ليتم اغتياله سنة 1959 وهذا عميد الصحفيين الرايس محمد يجاهد بقلمه ويصل صوته الى خارج الجزائر ... وهاهي الحركة الاصلاحية بالجلفة تقدّم روّادا وتبني مدرسة اصلاحية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى ... فكان منهم الشيخ بوصري وسي عطية مسعودي والامام بربيح والشيخ الرايس محمد والشيخ بن ابراهيم المسعدي والشيخ البخيتي وشونان وحران وغيرهم كثيرون ... بل وهاهو الشيخ عبد الحميد بن باديس يحلّ ضيفا على مدينة الجلفة سنة 1932 وهاهو الشيخ مبارك الميلي يلقي دروسا وخطبا بمدينة الجلفة في عشرينيات القرن العشرين ... وهاهي مدرسة الاخلاص قائمة تؤدي دورها اليوم مثل الأمس ... وندعو الله أن يمدّ في أعمارنا لكي نحتفل بمئويتها عما قريب ... وهاهي مدينة الجلفة تشهد ميلاد ونشأة أحد مؤسسي الاتحاد العام للعمال الجزائريين وأول سكرتير وطني لنقابة الصحة وعضو اللجنة الخاصة والذي سُجن وعُذّب وعرفته سجون المدية وسيدي بلعباس ووهران وبول كازال وروس العيون ... المجاهد بن عيسى عطا الله ... الذي لم يُخلّد اسمه الى الآن بمسقط رأسه!! وهاهي الحركة الرياضية تنشط بمدينة الجلفة وتقدّم شهداء ومجاهدين منهم لاعب كرة القدم بالجمعية الرياضية بالجلفة "ASD,Ex-USD" الشهيد دروازي محمد ... ومنهم الدرّاج المجاهد بن جدو محمد ... وهاهي الحركة الطلابية بمدينة الجلفة في اضراب الطلبة الشهير لسنة 1956 تقدم من أبنائها رويبح عبّو وباديس حران وعمران ذايد عبد الحميد وبلحرش سعد والدكتور جريبيع عبد القادر وغيرهم كثيرون وهاهو الاحتلال الفرنسي ينشئ معتقلا بحي "عين اسرار" بمدينة الجلفة ويزجّ بمعتقلي الحرب الأهلية الاسبانية فيه ... الى جانب معتقلين من عدة دول أوروبية ... فكانت تأثير مدينة الجلفة على الأسير الفيلسوف العالمي روجي غارودي بأن عرف الاسلام فيه ... وكان الكاتب العالمي ماكس أوب قد استلهم من هذه المدينة المباركة فخلّدها في قصة ومجموعة شعرية ... فصارت المكسيك والأرجنتين واسبانيا وكل أمريكا اللاتينية تعرف اسم الجلفة ... السادة الكرام/ مدينة الجلفة لم تنقطع عن فصول حرب التحرير وقدمت قوافل من الشهداء قبل وبعد ثورة أول نوفمبر ... نعم شارك وفد كشفي من مدينة الجلفة في مظاهرات 08 ماي 1945 بسطيف وكان الفوج يتشكل من الشادة زناتي وعروي والسيد بلحاج وزوجته ... بل وانخرط النشطاء في كتابات تحريضية بشوارع مدينة الجلفة صبيحة الثامن من ماي ... وهاهم نشطاء حزب الشعب وحركة انتصار الحريات الديمقراطية بالجلفة يقتنون السلاح سرّا من مسعد وفيض البطمة سنة 1945 لإعلان الثورة ... ولكن كان قرار بتأجيل انطلاقها. نعم ... لقد ساند أهل الجلفة المقاومة بكل تجلياتها ... وصنعوا بريق مقاومة الحركات الوطنية والاصلاحية والكشفية والنقابية والصحفية والرياضية ... ليأتي موقف مساندة المفاوض الجزائري ضد فصل الصحراء ... في مسيرة الفاتح من نوفمبر 1961 بشهدائها وجرحاها وأبطالها ... ونتمنى أن تسعى السلطات الى اعطاء الطابع الوطني لهذه المناسبة واصدار طابع بريدي خاص بهذه الذكرى ... السادة الكرام ... تلكم هي أسطورة طائر الفينيق الذي ينبعث من رماده بمدينة الجلفة ... وتلكم هي خيبة كل من يريد سوءا بهذه المدينة المباركة ... ورحمة الله على كل هؤلاء الشهداء والمجاهدين والمقاومين والثوار ... والرحمة على كل هؤلاء الذين أحبوا هذه المدينة وأخلصوا لها من حرفيين وفنانين وأدباء وشعراء ومنتخبين وصحفيين ومسؤولين ومعلمين وأساتذة وطلبة وأئمة وخطباء وعلماء ... والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته