بقلم: عبد الحفيظ عبد الحي بمجرد أن وطأت الجيوش الفرنسية أرض الجزائر هبّ الشعب الجزائري الرافض للسيطرة الأجنبية في الدفاع عن أرضه والدفاع عن سيادته وحرمته بشتى السبل والإمكانات المتاحة لديه بغية إيقاف الاحتلال وإنقاذ الوطن من الاغتصاب وهذا من خلال ثورات شعبية عديدة وفي كل إقليم من الجزائر وقفا بذلك في وجه الاحتلال منذ دخوله وهو ما تثبته الكتابات التاريخية . وكانت هذه المقاومات الشعبية في بدايتها تلقائية إلا أنها ألحقت أضرارا بالاحتلال وجيوشه وهو ما أثر في تقدم جيوش الاحتلال الفرنسي نحو بقية التراب الوطني وهو ما يثبت عدم الاستسلام للمحتل الفرنسي والدفاع عن الوطن مهما كلف الأمر. (1) وبهذا الصدد لجأت مجموعة من القبائل وأعراش الجزائر منها الخشمة ووبني خليل واولاد نايل (الجلفة) ولعل أبرز هذه الثورات الشعبية مشاركة عروش الجلفة في مقاومة وضد الاستعمار الفرنسي سنة 1837وكذلك ثورة ابي الحسن البصري الملقب بأبي حمار 1835. وثورة التلي بلكحل وثورة محمد بن ابي القاسم. محمد ابن أبي القاسم ولد بالحمادية بطسطارة قبالة الجلفة حاليا في شهر رمضان 1239ه_1824م تربى في كنف عائلة عرفت بالعلم. في سنة 1844 أراد الالتحاق بصفوف المقاومة بالضبط بجيش الأمير عبد القادر إلا ان الأمير عبد القادر رفض، وقع هذا الأمر بين الرجلين بمنطقة الجبل الأبيض بالببرين (الجلفة)حاليا، أين جدد البيعة للمرة الثانية للأمير عبد القادر بدوره رأى أنه من الأفضل للشيخ محمد بن أبي القاسم مواصلة مهنة التعليم والإرشاد والتوجيه، ولما مر الأمير بجيشه في منطقة الهضاب العليا حوالي سنة 1260ه لعب دورا كبيرا في دعم مقاومة الأمير وكذلك دعم مقاومة المقراني 1871 مساهما بشكل كبير في دعم المقاومة الشعبية بالرجال والسلاح. وبعد هزيمة المقراني أحضر أبناؤه وعدد من العائلات الذين تضرروا من سياسة الاحتلال الفرنسي وأقاموا بالزاوية بحي المقارنة. (2) ونظرا إلى مواقف الشيخ الداعمة للثورة ضد الاحتلال والمتجلية من خلال دعمه للمقاومة الشعبية الثائرة تعرض لعدة مضايقات وضغوطات للكف عن دعم المقاومات الشعبية وكذلك لتوقف عن تعبئة الجماهير، في ألقت الذي استطاع الاحتلال الفرنسي القضاء على عدة ثورات شعبية ونظرا إلى شعبية الشيخ في المنطقة طلبت منه فرنسا الكف عن دعم المقاومة إلا أنه رفض الأمر ودعها للانسحاب من الجزائر لان وجودها لايجلب لها سوى المشاكل السياسية والهزات الاجتماعية. النقطة الفاصلة الآن فرنسا أعادت الكرة ثانية مقترحة على الشيخ الخروج من الجلفة والإقامة في العاصمة وإنشاء مدرسة وهذا بغرض مراقبة الشيخ والتخلص من تأثيره وهذا من خلال وضعه تحت الأعين الفرنسية أو ما يعرف بالإقامة الجبرية. فكان موقف الشيخ رفضا كما فعل عندما اقترح عليه الأمر في الأول. ومن خلال ما تقدم يتضح دور الشيخ محمد بن أبي القاسم في دعم الثورة باعتباره إحدى أبناء منطقة الجلفة، وأن مدينة الجلفة قدمت حقا رجالا دعموا المقاومات الشعبية بمختلف الدعم ويبرز هذا أكثر من خلال من خلال وقف أهلها مع الثورات الشعبية المناوئة للاحتلال الفرنسي رافضين كل العروض المقدمة من الاحتلال واثبتوا أبناء الجلفة انها مطقة ثورة مجاهدة بامتيازوصمود لامكان للاستعمار الفرنسي. وبما أننا ندرس تاريخ الجلفة ودورها في المقاومات الشعبية لابد أن تعرض لتاريخ رجالها التلي بلكحل: احد ابطال اولاد سيدي نايل الجلفة شاع خبره في المذكرات الفرنسية وارتبط كذلك مع الامير عبد القادر والشريف بلحرش في عدة معارك كما رافق جيش الزمالة في عدة معارك شرقا وغرباوكان يوفر الحماية والدعم لجيش الامير في كل تحركاته خاصة تلك التي تكون بمحاذاة منطقة الجلفة (3) ومن اهم المعارك التي خاضها الرجل واد السبع وعين الكحلة وحادثة او موقعة شهر اوت 1845 اين داهمت قوات الاحتلال الفرنسي عرش اولادسي احمد والسكان المجاورين اين استولوا على المواشي ونهبت الحبوب، وهو ما جعل العروش المجاورة تثور وتهب هبة رجل واحد وهودليل واضح على التضامن بين سكان المنطقة ودعم المطقة للثورات الشعبية مؤكدة وقوفها ضد الا ستعمار. وثارت الجلفة للجهاد تحت لواء بلكحل وداراشتباك 1844 مع الاحتلال الفرنسي قرب تفرت (4) تكبد الاحتلال من خلاله خسائر فادحة اضافة الى عدة معارك عرفتها المنطقة على غرار معركة ام الناقة، ومعركة حاسي التاح في 15 جانفي 1854. أما فيما يخص مشاركة عروش الجلفة في مقاومة الغزو الفرنسي من اهم القضايا التاريخية التي لم يتطرق لها المؤرخون خاصة لما تناولوا كفاح الامير عبد القادر الذي انضمت اليه عروش الجلة وبايعته منذ سنة 1837. ومن ثمة الاشارة الى الدور الكبير للعروش في مقاومة الامير فالبرجوع الى كتابات العسكرين الفرنسيين والتي هي عبارة عن تقارير يومية يرفعها الجنرالات الفرنسيين الذين كلفوا باخضاع عروش الجلفة ومحاربة الامير عبد القادر وابرز هؤلاء الجنرالات (ماري مونج )الذي حارب في منطقة الجلفة وكلف ستة 1847 بتنظيم عروش اولاد نايل واخضاعها لسلطة الفرنسية وكذلك كتابات الاب فرنسوا دفلاري الذي يصف سكان الجلفة (اولاد نايل) مماعرف عن عروش اولاد نايل ضخامة العدد والثراء الكبير وتمرس ابنائهم على الفروسية وهو الامر الذي يؤكده الامير للجنرال اوجان دوما عندما سأله عن اجود الخيول الجزائرية واكثرها استعدادا للقتال فرد عليه الامير انهم لايتخذونها لا لشيئ سوى القتال. ومن هنا يتجلى دور سكان المنطقة في رد الاستعمار من خلال التعاون بينهم وبين رجال المقاومة انذاك.فتورد احدى التقاريران اغا اولاد شعيب ذكر لماريمونج انه تلقى من اولاد نايل سكان الجلفة في ربيع 1841 حوالي عشرة الاف راس غنم ومائة وستة وثمانون من الابل.وورد ان تعداد اولاد نايل يتراوح بين 80و100الف نسمة يتوزعون يتوزعون على 20الف خيمة ولايبخلون باي مساعدة في مقاومة الغزاة الفرنسين. في هذا الصدد يجب الاشارة الى شخصية موسى ابن الحسن من منطقة الجلفة الذي وصل الى المدية عام 1835من اجلخوض حرب ضد الفرنسين والامير عبد القادر الذي امضى معهم نعاهدة ديمشال 26فيفيري 1834 والتي اعتبرها موسى ابن الحسن تحالفا مع الكفار وفي طريقه الى العاصمة واتباعه يزدادون شيئا فشيئا ولما دخل الى المدية استنجد سكانها بالامير عبد القادر فحدثت معركة بين الرجلين 1835 انهزم فيها الحسن ولجا الى مدينة مسعد للاعادة تنظيم قوته الا ان الجنرال ماري مونج طارده من المدينة. (2) واثناء ثورة الزعاطشة اتصل احد اعوان الامير عبد القادر بموسى لبن الحسن هذا الاخير رحب بالفكرة واصطحب معه 80مقاتلا من اولاد نايل ،قاوم الشيخ موسى الدرقاوي الحصار المفروض عليهم رفقة المجاهدين واستشهد رفقة الشيخ بوزيان واخرون.. اما بالنسبة لكفاح الامير عبد القادر في الجلفة اضواء تحت لواء اولاد نايل فقسم الامير عبد القادر رجالهم الى 6 فيالق وكل فيلق على راسه ينضويبدوره تحت سلطة القائد وعبد السلام ابن قندزر كان اول قائد وعوض سنة 1839 بابن اخيه سي الشريف بلحرش الذي وضع نفسه تحت خدمة الامير وعمل الامير بدوره على تطوير الاسلحة. شارك اولاد نايل بقوة معتبرة من الفرسان في تأديب القبائل التي اعلنت الولاء للفرنسين في الجلفة والمناطق المحاذية لها وبل تعداها الى المدية وبلاد القبائل سنة 1844 ولم تنطئ لهيب المقاومة والتمرد على المستعمر في ربوع الجلفة(1) بعد ذهاب الامير عبد القادر اذ قام التلي بالكحل الذي رفقه الامير قيل ذلك بهجومات تادبية مع قبائل اولاد سي احمد واولاد ام هاني وسعد بن سالم في اكتوبر 1854 بالزعفران شمال غربي مدينة الجلفة الا ان قوة فرنسية هاجمتهم رغم ذلك استطاع التلي بلكحل ورفاقه التسلل نحو الجبال القريبة من مسعد وقام اولاد دام الاخوة بهجوم على فيلق فرنسي تابع لمدينة الجلفة بالضبط في منطقة بن الناقة جنوبالجلفة 10اكتوبر 1854 وانتفض اولاد سعد بن سالم في سبتمبر 1851وتلتها انتفاضة سبتمبر 1853 التي دانت للأسابيع . وهجوم الطيب بوشندوقة ليلة 15 افريل 1861 رفقة أولاد سي احمد وأولاد ام هاني على البرج المقام بمدينة الجلفة التي كانت منطقة عسكرية آنذاك اذ قاموا بهجوم مباغت على مدينة وقتلوا عددا من الفرنسيين فروا إلا ان القائد الفرنسي دي سوني بمساعدة رجاله استطاع إلقاء القبض على بعضهم واقيمت لهم محاكمة عسكرية قررت إعدامهم وتقول بعض الرويات انهم اعدموا إحياء بالمكان المسمى مطمور 16 وسط الجلفة. (1) وحتى في الثورة المباركة تمت عمليات لجمع الأسلحة والذخيرة والأموال في الجلفة والتجنيد من فدائيين ومسبلين..،وقيادة الثورة ارادت ان تجعل من الجلفة مكان لراحة جيش التحرير الوطني. كما شهدت الجلفة عمليات فدائية كتلك التي مست الخطوط الهاتفية او السكة الحديدية وفي سنة 1956 كلف عمر إدريس وزيان عاشور بالتمركز بجبل بوكيل والبدء بتجنيد المجاهدين والقيام بالتسليح والتدريب.وبعد مؤتمر الصومام تصبح الجلفة ضمن الولاية السادسة وعلي ملاح قائدا لها وبعدها تم تعين عاشور زيان وبعد استشهاده عين سي الحواس. ومما تقدم نصل إلى عدة استنتاجات من شانها تثبت وتبرهن على الدور الفاعل للمنطقة الجلفة في صد للاحتلال الفرنسي : -منطقة الجلفة قدمت تضحيات بطولية متحملة الدفاع عن الوطن ويتجلى ذلك من خلال دور الاعراش في الثورات الشعبية وكذلك ثورة الحاج موسى الدرقاوي وثورة محمد بن ابي القاسم كذلك اشترك مع الأمير عبد القادر في عدة مواقع ومساعدته للمقاومات التي مارت بمحاذاة المنطقة واحتماء الأمير عبد القادر بالجلفة وابناء المنطقة ككل و الدعم الذي تلقاه الاميرعبد القادر فاثنى بلسانه على المنطقة وعلى فرسانها وحسن التعاون الذي وجده من أهل الجلفة هذا بالإضافة إلى الانتفاضات المحلية مثل انتفاضة بوشندوقة.5 من دون ان ننسى الدور الكبير والفعال لزويا في نشر التعليم والدين في ربوع المنطقة -لقد دفعت الجلفة المجاهدة الجلفة الثورة ضريبة قاسية أثناء الثورة التحريرية منذ البديات الأولى للثورة سواء عبر دماء أبناء المنطقة التي سلت دمائهم كل الوطن بدليل تنقلهم من الجلفة إلى المدية وبلاد القبائل وغيرها. لقد كانت الجلفة منطقة مميزة بحكم جهادها ضد الاستعمار الفرنسي وكذلك جهادها ضد القوى المناوئة للثورة والمتعاونة مع المستعمر الفرنسي وكانت مقصد بامتياز لعديد من قادة الثورة وكذلك احتضانها لعديد من المعارك الحاسمة. مما يثبت مرة أخرى الدور التاريخي لمنطقة الجلفة والموقف الداعم والثابت والمؤيد للثورة منذ البداية من خلال الكفاح الشعبي والانتفاضات الشعبية.