اقتنيت مؤخرا نسخة من كتاب "الأمثال الشعبية - ضوابط و أصول- منطقة الجلفة نموذجا " الذي ألفه الأستاذ النشيط علي بن عبد العزيز عدلاوي و حققه الأستاذ بشير هزرشي و وجدته مجهودا يستحق التنويه في السعي إلى تدوين التراث الجلفاوي اللامادي، و أيقنت من خلال مطالعتي له أنه كتاب ليس للتزلج فوق صفحاته و التأرجح بين أمثاله المستقاة من وعينا و واقعنا المشترك بل هو محاولة جادة لإرجاع كل تراكماتنا المعرفية و الفكرية إلى منبعها الأصيل ألا و هو القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة. و يأتي الكتاب في أكثر من 90 صفحة تجمع بين جنباتها أمثالا و حكما متنوعة من تراث ولاية الجلفة المتواتر عبر أكثر من تسعة قرون إذا احتسبنا هذه المدة منذ ميلاد جدنا "نايل" رحمه الله. و بما أني مهتم أيضا بموضوع الأمثال فاني أستسمح الأستاذ الكريم عدلاوي بان أضيف إلى مجهوده مثلين آخرين من التراث الجلفاوي يصلحان كثيرا للتمثيل حول حال الجلفة هاته الأيام في ظل التحضيرات الحثيثة لموقعة 2012 المزدوجة و التي اجتمع القوم لأجلها كل ليلة في الشهر الفضيل. يستعمل في دارجتنا الجلفاوية الفعل "شخنب" للدلالة عن الشيء الذي زاد عن حده من حيث الكمية و المثل الشائع هو قولنا "راك تشخنب حذا الطاس"، و الأصل في هاته الكلمة أنها تقال عن الشاة التي تدر حليبا كثيرا حيث يقال "حليبها يشخنب حذا - وراء- الطأس" أي أثناء حلبها يسيل الحليب مدرارا حتى أنه يسيل على طرفي الطأس. و لقد بحثت في "لسان العرب" عن هاته الكلمة فوجدتها بنفس المعنى تماما و لكن باختلاف بسيط حيث نجد في "لسان العرب" كلمة "شخب" و معناها " ما خَرَجَ مِن الضَّرْعِ مِن اللَّبن إِذا احْتُلِبَ" و كذلك " وأَصلُ الشَّخْبِ، ما يخرج من تحت يدِ الحالِبِ، عند كل غَمْزَةٍ وعَصْرَة لضَرعِ الشاةِ ". و عندنا في الجلفة يقال مثلا للشخص الذي يكثر كرمه "فلان كرمه يشخنب" أو للشخص الذي تكثر وعوده " فلان وعوده تشخنب" و هو ما يشبه حال المنتخبين أثناء حملتهم و "هملتهم" الإنتخابية... و لعل الجميع يتذكر كيف أن المترشحين "شخنبوا" في الوعود و أطنبوا في الكلام و قراءة العنتريات و لبسوا ابتساماتهم في وجوهنا و وضعوا على أعينهم نظارات الإشفاق و الحنان ليتربعوا على طبلات آذاننا طيلة الحملات الانتخابية و هم من باعونا بأرخس من الفجل في موسم الفجل. غير أن ما يدعو إلى الاستغراب هو هاته الوجوه التي تنسانا طيلة الخمس سنوات بعد أن يضعوا حبل المسؤولية على رقابهم ثم يعودوا و يتذكرونا فتبدأ أعراض التشخنيب تظهر عندهم و هو على الأقل ما حدث مع أحدهم الذي بدأ يشخنب باكرا"حذا الجلفة" شرقا بافتتاحه مطعم رحمة في شهر رمضان و لا أدري إن كان النادلون في هذا المطعم من لجنة الشباب "المنتخبة" لحزبه؟ كما لا أنسى نائبا آخرا من الحزب الغريم الذي ظهرت عليه أعراض التهاب الشخنبة الحاد(La Chakhnabite aigue ) حيث صار مثالا للتواضع مع كافة شرائح المواطنين، بل و رأيته في إحدى الجنازات و هو مطرق برأسه و كيف تبدو عليه علامات التأثر حتى أنك تحسبه هو صاحب العزاء من فرط التقوى و الورع أو ربما لأنه تذكر أن لكل إنسان (نائب) نهاية (عهدة) في الحياة الدنيا (البرلمان). و لعل الفترة الحالية و إلى غاية منتصف العام القادم ستشهد "شخنبة" منقطعة النظير طمعا في النيابة و هذا بعد أن شخنب ولي أمرنا في الزيادة الأسطورية في أجور نوام - عفوا نواب - البرلمان و التي تعادل أدناها مئة مرة أجر موظف في الشبكة الاجتماعية (30 مليون سنتيم على الأقل لكل قنطار من اللحم و الشحم و العظام داخل بذلة أنيقة) و كذلك بفعل الأغلفة المالية المرصودة للخماسي 2009-2014 (286 مليار دولار). أما المثل الثاني الذي أستسمح الأستاذ عدلاوي إضافته إلى مدونته و لا أعتقد أنه يجعل هذا المقال سوداويا إلى الحد الذي يغضب معه الذي "لا يتبع صدقاته منا و لا أذى"، فهو يتعلق بخبزة الشعير "الرقدة" و التي يتطلب نضجها على "الطاجين" مدة طويلة من الزمن تقارب النصف ساعة غالبا، دون تحريكها أو قلبها على الجهة الأخرى، و لذلك نجد المثل الجلفاوي الذي يقول "فلان عسر جدا كخبزة الرقدة التي تنضج على وجه واحد" و هذا كناية عن الشخص المتحجر الفكر الذي قسى قلبه فهو كالحجارة أو أشد قسوة أو كما يقال في المثل الشائع "عود يابس على العوج" و يذكرني هذا المثل بقوله سبحانه و تعالى "أرأيت الذي اتخذ إلهه هواه". و لعل جماعة "التشخنيب" الذين ذكرتهم آنفا ينطبق عليهم هذا المثل فهم طيلة الخمس سنوات لا نرى لهم أثرا و لا نسمع لهم صريرا منذ أن يلجوا المجالس سواء بلدية أو ولائية أو وطنية، فهم كخبزة "الرقدة" طيلة خمس سنوات و عند اقتراب موسم الاستحقاقات الانتخابية تراهم في كل واد يشخنبون و لا يتبعهم إلا الغاوون. و لا يفوتني بالمناسبة أن أهدي قوم"شخنب" الأبيات المنقولة التالية: تشاغلت عنا أبا الطيب *** بغير جميل و لا طيب بأنتن من هدهد ميت *** أصيب فكفن في جورب (*) facebook: Nomad-Of Tastara