كل من يلج مدينة الجلفة من مدخلها الشرقي يتراءى له نفق السيارات الجديد الذي افتتح منذ حوالي شهرين أمام حركة المرور و هذا من أجل تسهيل عملية تدفق السيارات من و إلى الجلفة و كذلك من أجل تسهيل انسيابية طريق الوزن الثقيل. غير أن حادثا مروريا دفع بجهة ما مسؤولة - لا أدري حقا ماهي - إلى إغلاق هذا النفق الأرضي بضعة أيام بعد افتتاحه و ذلك برص مجموعة من الحجارة عند طرفيه، و كأن الصورة توحي بأحداث شغب وقعت عند هذه الفتحة التي صار الهواء وحده يمر من خلالها. العبرة من "حادثة النفق" الجلفاوي هي أن الجهات المسؤولة لم تسارع إلى توسيع الطريق على جانبي النفق المذكور من أجل تلافي تصادم السيارات الخارجة منه مع تلك التي تسير في الطريق الجانبي ... بل و في رد فعل آني و تطبيقا لقرار ارتجالي تم توقيف الحركة من خلاله و ذلك عبر رص الحجارة عند طرفيه و هو الأمر الذي مازال كذلك إلى غاية اليوم ... إذا فما الفائدة من حظيرة جهوية للأشغال العمومية (حي البساتين) و حظيرة ولائية للأشغال العمومية (حي الظل الجميل) أكبر عدد من دور صيانة الطرقات على المستوى الوطني (13 دار صيانة) و مديرية أشغال عمومية (حي الفلاح) و مصالح تقنية للبلدية و حظيرة للبلدية (دشرة الخونية)؟ ... ربي يحفظ هذا "الماتريال" من العين و الغبرة و الصدأ ! حسنا لندع كل هذا على حدى لأن ما أريد الخوض فيه اليوم من خلال هاته المقدمة ليس مشكلة فك ضغط حركة المرور أو دور الحجارة في إضفاء الجمالية على الأنفاق، بل ما أريد الوصول إليه من خلال هذا التمثيل هو الغوص في ذهنية و تفكير المسؤول الجزائري و كيفية اتخاذه للقرارات سواء كانت مصيرية أو متعلقة بأمور يومية اعتيادية. هناك قانون فيزيائي يقول "لكل فعل رد فعل يساويه في القوة و يعاكسه في الاتجاه" ولعل ما تؤكده لنا الأيام و قرارات المسؤولين الجزائريين أن سقف الإبداع لدى السلطة الجزائرية في تسيير أمورنا اليومية هو عبارة عن رد فعل آني معاكس لتطلعات المواطنين و الذي قد يكون عنيفا مثل تجريم الحرڤة أو متعلقا بزمان معين (زمن الإضرابات) أو مكان معين (منطقة القبائل) أو فئة معينة و هو ما يشبه التخدير الموضعي (L'Anesthésie locale). و من جهة أخرى نجد أن السلطة تسعى دائما إلى تأخير رد الفعل عند مختلف فئات الشعب قدر المستطاع و ذلك عبر عمليات جراحية هي عبارة عن حلول سهلة و جاهزة لمشاكل الجزائريين يلعب فيها المال الدور الوحيد و الرئيس في شراء الهدنة الاجتماعية (ANSEJ.Filet social.DAIP Pré-emploi) بعيدا عن التخطيط و الإبداع لهذه الحلول الآنية و إمكانية الإنتاجية و الاستمرارية و تبني المبادرات (و ليس مثل تبني المبادرات ذبيح مهدر الدم في الجزائر!). و الله انه الكذب بعينه ... كيف لقروض ربوية (...) أو ثلاثة ملايين منصب شغل أن تقضي على البطالة و معها العنوسة و الإجرام و كيف يمكن لها أن تؤسس لإقلاع اقتصادي و الحال أن كل شيء متوقف لا صناعة و لا تجارة و لا سياحة ... إن هذه القروض (...) في غياب التخطيط تبقى مجرد مشاريع عملاقة (Méga projets) جاءت كرد فعل يطبعه الاستعجال والآنية و الارتجالية بل و لاحظوا معي أن الجريدة الرسمية في عددها رقم 14 الصادر بتاريخ 06 مارس 2011 قد تضمن فيما يتضمن ستة مراسيم رئاسية دفعة واحدة تتعلق بتشغيل الشباب و كيفية دعم مشاريعهم ... و لاحظوا أيضا كيف أن هذه المراسيم (من المرسوم الرئاسي 11-100 إلى غاية المرسوم الرئاسي 11-105) لم ترد بالترتيب بل تم تضمينها بمراسيم رئاسية أخرى حتى لا يفضح ترتيب هذه المراسيم الإرتجالية في القرارات و هذا بطبيعة الحال تخدير موضعي من أجل علاج الأعراض التي ظهرت في ثورة "السكر و الزيت" في شهر جانفي من نفس السنة. فالباكالوريا صارت تمنح للشباب (حاشا المجتهدين) من أجل رميهم سنوات أخرى في مقاعد الجامعة و هو نوع من التخدير الموضعي ... بل بسبب ذلك صار التحصيل العلمي مخمورا يتهادى في سيره و يمشي خطوة إلى الأمام و خطوتين إلى الخلف. و قروض الدعم الفلاحي صارت تعطى لكل من هب و دب و لكل حامل عبر الورق لصفة "فلاح" و هو نوع من التخدير الموضعي. أما مباريات كرة القدم فهي لم تعد عندنا وسيلة للتخدير الموضعي فحسب بل استحالت إلى أفيون تستغله الأنظمة الحاكمة لإلهاء شعوبها و لا أدل على ذلك مما ينفقه الحاج "سي روراوة" بيمينه و شماله من أموال على لاعبين عادوا إلى "فرنسا" برباعية كاملة من المغرب في تلك الليلة المشؤومة ليس بسبب مباراة الجزائر – المغرب بل "مشؤومة" بسبب أن الجزائر فقدت ليلتها أربعة من خيرة أبنائها (أربعة شرطيين ببرج أم نايل) في حربنا ضد فلول الظلامية ... و بالمناسبة، لا يجوز لأي كان السؤال عن راتب مدرب الفريق الوطني "وحيد ملياروزيتش" لأن ذلك يعتبر سرا من أسرار الدولة! و لكي نتفهم أكثر سياسة التخدير الموضعي المنتهجة من طرف سلطاتنا لابد من الإشارة إلى سياسة زيادة الأجور التي لم تكن سوى نتيجة أو كرد فعل آني لسلسلة من الإضرابات التي شهدتها مختلف قطاعات الوظيف العمومي و المؤسسات العمومية الاقتصادية و حاولت الدولة من خلالها شراء السلم الاجتماعي بأي ثمن، و لذلك نجد ذلك التناقض الصارخ في سلم الأجور الخاص بين الوظيف العمومي و القطاع الاقتصادي من جهة (مهندس البلدية و مهندس السوناطراك) و بين الأسلاك المشكلة لكليهما من جهة أخرى ... و لعل من المضحكات المبكيات هو الزيادة الغريبة في الأجور (121%) التي طالبت بها منظفات الطائرات في إضرابهن الأخير! كما نستذكر في هذا السياق أيضا الزيادات و بأثر رجعي التي استفادت منها مختلف الأسلاك و القطاعات و لكن ليس على قدم المساواة إذا احتسبناها ابتداء من جانفي 2008 (75 مليون، 35 مليون، 30مليون، 40 مليون،...) و كأن طريقة إضراب ذلك القطاع كانت أكثر مردودية من إضراب القطاع الآخر حتى و إن كانت هاته الطريقة راديكالية! و لا مناص من الإشارة هنا إلى أن سياسة التخدير الموضعي ليست بالغريبة عن الوزراء الذين ابتدعوها أو عكفوا على تنفيذها في قطاعاتهم الوزارية ... أوليس وزيرا التضامن و التشغيل السابق و الحالي طبيبين؟ (*) facebook: Nomad-Of Tastara