"من الجزائر إلى غاية بلدية يلل بغليزان في ساعتين من الزمن.. ما كنا لنصدق هذا لولا ان الساعة لم تخنا حقا وكنا شاهدين على هذا الانجاز الكبير، قبل أسابيع قليلة من فتح المسار الكامل بين الجزائر والمغرب الشقيق..".هي واحدة فقط من أهم فوائد الطريق السيار شرق-غرب الذي عرى العزلة من عزلتها وكشف النقاب عن مناطق وقرى لم تكن لتنكشف لولا هذا الشريط الملون الجديد الذي أعاد للطبيعة الخلابة هيبتها وسمح لها بأن تعرض نفسها بتلقائيتها وفطرتها على كل من سلك وسيسلك هذا الطريق الذي يوصف بعصب التنمية، والمريح لأعصاب السائقين وأعصاب كل مستعمليه، عندما يمنح لهم فرصة التنقل بين أحضان الجزائر بعيدا عن عياء الزحمة وقلق الاكتظاظ. المرور عبر نقطة المراقبة الفاصلة بين ولايتي الجزائر والبليدة يمهل السائقين ويخلق حالة اختناق مروري وحالة قلق لدى مستعمليه، الكل على أعصابه ويحاول ان يسارع الحركة من أجل الوصول إلى الجهة الأخرى والدخول في أسرع وقت إلى "الطريق الجديد" أو "شرق- غرب" كما يحلو للكثيرين من الناس تسميته، هذا المقطع الأول من الطريق السيار الذي يربط مدخل ولاية الورود بمنطقة العفرون يعد من أولى المقاطع التي دشنها الرئيس بوتفليقة منذ أربع سنوات، وهي محسوبة فيما يعرف بالبرنامج القديم لمشروع القرن..والمؤكد بأنه لن يبقى في وضعيته الحالية، حيث بدأت الأشغال مؤخرا لتأهيله وجعله يواكب مواصفات الحصص المنتهية من البرنامج الجديد الممتد في مجمله من مدخل ولاية الشلف إلى غاية السياج الحدودي الفاصل بين الترابين الجزائري والمغربي على مسافة طولية قدرها 359 كلم ومسافة اجمالية تصل باحتساب طول المنشآت والمحولات إلى 525 كلم. والدخول إلى هذا المقطع الغربي يستوجب التلذذ بما يحمله مفهوم الطريق من أبعاد حضارية، عند مقطع الحسينية المنجز من قبل المجمع الصيني "سيتيك سي أرسيسي" ضمن المقطع الأوسط من البرنامج الجديد. ومن هنا ترتخي حركة السير وترتخي معها أعصاب السائقين بالنظر لمرونة السير واتساع الطريق الذي يبدو فيه وكأن عدد السيارات في تقلص وتراجع. والحقيقة ان الفارق في طبيعة ونوعية المقاطع المنجزة من قبل الشركات الوطنية وتلك التي انجزها الصينيون يظهر للعيان بشكل فوري ومباشر، حيث يظهر المقطع الجديد أكثر استواء واتساعا ومحيطه أكثر امانا وتنظيما بل وأكثر جمالا وانسجاما مع الطبيعة الخلابة التي أعاد لها الطريق السيار حقها، من خلال عمليات التشجير المكثفة، وكذا نوعية التجهيزات الأمنية المرفقة بالطريق على غرار الإشارات المرورية والعوازل الأمنية والسياج الحديدي الأخضر الذي وضع لحماية البشر من شر الطريق وحماية الطريق من شر البشر. ومع اتساع المشهد الطبيعي الخلاب وامتداد الرؤية على محور أوسع ينكشف جمال المنطقة الغربية وتتجلى معه الوظيفة الأخرى للطريق السيار الذي أبان قرى ومداشر لم تكن لتظهر ولتعرف بنفسها لولا هذا الإنجاز الحيوي الذي أعاد الحياة للعديد من الجهات، كانت في تعداد المناطق النائية قبل بضعة أشهر فقط، بينما سيكون لها شأن كبير في المستقبل القريب مع بداية استغلال الفرص الكبيرة التي يحملها البعد الاقتصادي للطريق السيار. مع نهاية محور ولاية الشلف حيث تجري آخر أشغال تكملة محولي المدينة وبوقادير لتسليمهما في الأيام القليلة القادمة، يبدأ المقطع الغربي للطريق السيار بداية من ولاية غليزان التي يقطعها المشروع على مسافة 87,5 كلم موزعة على ثلاثة أجزاء، سلم منها الجزءان الأول والثاني في جوان وأكتوبر الماضيين، فيما يرتقب حسب مسؤول المشروع بالولاية، السيد محمد براهيمي، تسليم الجزء الثالث الممتد من منطقة بلعسل إلى غاية الحدود الإقليمية مع ولاية معسكر بيلل على مسافة 27 كلم بعد استكمال عملية التزفيت النهائية المتبقية على مسافة 200 متر فقط من الطريق، وذلك في غضون الأيام العشر القادمة مع الاشارة إلى أن هذه العملية تعطلت بسبب سوء الأحوال الجوية التي ميزت المنطقة في الأيام الماضية. غير أن عملية فتح كل الشطر الممتد من الجزائر إلى غاية ولاية وهران والتي كانت مقررة منتصف شهر جانفي الفارط، تأجلت لأسباب طارئة وأخرى تقنية متصلة بتأخر استكمال الجسر الكبير لمنطقة الغمري بالمحمدية في ولاية معسكر بسبب التركيبة المعقدة لهذه المنشأة التي يمر تحتها 11 أنبوب غاز تربط مناطق الوطن بالمنطقة الصناعية لأرزيو، مع العلم بان انجاز هذه المنشأة كان موكلا منذ مارس 2008 لشركة جزائرية، لكنها لم تستطع اتمام مهمتها، وفشلت في انجاز الجسر الذي أعيد منحه للمؤسسة الصينية في الصائفة الماضية وقد تقدمت به الأشغال بنسبة تفوق ال90 بالمائة، كما أن تأخر تسليم الشطر المذكور تسبب فيه الإضراب الجزئي الذي شنه العمال الصينيون منذ نحو 25 يوما "لدوافع وأسباب داخلية تخص الشركة" على حد تعبير مسؤولي المشروع بالمنطقة. ومن المقرر أن يكون كل الجزء العابر لولاية معسكر من الطريق السيار الممتد على مسافة 78 كلم جاهزا للتسليم بعد شهر من الآن حسب السيد خالد خلادي مسؤول المشروع بالولاية، وقد سبق لهذه الولاية تسليم 3 كلم من المشروع مؤخرا في إطار فتح مدخل ولاية وهران الذي يمتد على مسافة 24 كلم، وذلك لتسهيل حركة التنقل بين عاصمة الغرب الجزائري والولايات المحاذية لها على غرار معسكر وغليزان وكذا مستغانم التي يمتد طول الطريق السيار بإقليمها على طول 2 كلم فقط. وقد بدأ استشعار مستعملي الطريق بأهمية هذا المشروع الضخم تتجلى في تنقلاتهم عبر الاجزاء المفتوحة منه ولا سيما تلك التي تسمح بتجنب المرور عبر مدينة وادي ارهيو والمجمعات السكنية الأخرى التابعة لولاية غليزان والتي كانت تسبب تعطيلا في حركة المرور تفوق الساعة من الزمن أحيانا، بينما سيسمح فتح الشطر المنتهي بعد نحو شهر من الآن من ربط الجزائر بوهران في ظرف يقل عن ثلاث ساعات ونصف، ولو ان العديد من المغامرين لم يسعهم صبر انتظار اتمام المشروع وفتحه بشكل رسمي تجدهم يخاطرون بحياتهم باستعمال مسلك الطريق السيار الذي لايزال في حالة ورشة، غير مبالين بخطورة الوضع على أرواحهم وممتلكاتهم. أما نحن فإن الأسباب المهنية لمهمتنا، جعلتنا شاهدين على التقدم الكبير الذي يسجله الشطر الغربي من الطريق السيار شرق-غرب، وذلك من خلال سيرنا على كل مساره وعدم خروجنا منه إلا في ثلاث نقاط كان أولها الجسر المذكور سالفا الذي يجري استكماله بمنطقة غمري بمعسكر، ثم بالمنشأة الفنية المنجزة بعين البرد بولاية سيدي بلعباس، حيث اضطررنا للخروج من المسلك حتى لا نضايق العمال الذين كانوا بصدد وضع الطبقة الإسمنتية الأخيرة عليها، وأخيرا بجسر بوغرارة بتلمسان، حيث تتبقى عملية توصلة الجسر بالطريق من خلال ملء الثغرة التي تفصلها والتي لا يتعدى طولها ال30 مترا. كما تجري من جهة التوسع العمراني لولاية تلمسان، عملية ملء المغارات التي اكتشفت خلال أشغال التهيئة العامة للطريق السيار بالاسمنت المسلح حتى تسهل بعدها عملية التسطيح والتزفيت الأخيرة، وهي ال100 متر الوحيدة التي تبقى غير مزفتة من كل المقطع العابر للولاية والممتد على مسافة 100 كلم. وعلى غرار أقرانه من مسؤولي المشروع الذين التقيناهم بالشطر الغربي للطريق السيار، فضل مسؤول المشروع لولاية تلمسان السيد بومدين مطهري تقديم آجال متسعة لانهاء الأشغال بكامل اقليم الولاية المتميزة بأرضية معقدة التركيبة، والتي تضم 16 منشأة فنية ممتدة على طول اجمالي ب5,5 كلم، مقدرا بالتالي آجال استكمال عملية التزفيت بشكل كامل نهاية مارس المقبل. وقد تزامنت زيارتنا لمقطع ولاية تلمسان من الطريق السيار شرق-غرب مع خروج لجنة ولائية تضم الوالي ومسؤولي مشروع الطريق السيار وكذا ممثلي الدرك الوطني، في زيارة ميدانية لمعاينة المواقع التي تم اختيارها لوضع مراكز المراقبة الأمنية على الطريق السيار، مع الإشارة إلى ان الولاية المذكورة ستحتضن مركزين للدرك الوطني وفضائين للخدمات بمدينتي تلمسان ومغنية وكذا 3 فضاءات للراحة والاستجمام. والأكيد اننا لن ننهي زيارتنا الميدانية للشطر الغربي من مشروع القرن دون الوقوف عند النقطة الحدودية بالعقيد لطفي، حيث ينتهي مسار هذا الطريق ذي البعد المغاربي أمام السياج الحدودي الذي يفصل تراب البلدين الشقيقين، حيث نصبت لافتة المجمع الصيني التي تعلم الزائرين بنهاية مسار الطريق السيار شرق- غرب. بطاقة تلخيصية لتقدم أشغال الشطر الغربي من الطريق السيار يقطع الطريق السيار شرق-غرب الجهة الغربية للوطن انطلاقا من الحدود الإقليمية بين ولايتي الشلفوغليزان، 6 ولايات و43 بلدية، ويضم 19 محولا منها 14 محولا ستنصب عليها مراكز الدفع. ويشمل المقطع الغربي من الطريق 276 منشأة فنية منها 29 جسرا كبيرا، و523 منشأة لتجميع المياه، وقد تطلبت عملية انجاز هذا الشطر من مشروع القرن استخدام 7,8 ملايين متر مكعب من عملية التسطيح (ملء وتفريغ الأرضية من الأتربة) و5 ملايين طن من مادة الزفت، مع معالجة 50 كلم من الأراضي المشبعة بالمياه خاصة باقليمي ولايتي غليزان ومعسكر، و8 كلم من الأراضي الصخرية التي تطلبت استعمال المتفجرات. تعرف أشغال انجاز هذا الشطر الغربي التي يشرف عليها مدير المشروع السيد عيسى مازوج نسبة تقدم تقارب ال97 بالمائة، وقد تم تسليم أكثر من 100 كلم من المسار الأصلي للطريق الممتد في مجمله على مسافة 359 كلم، منها 78 كلم بولاية غليزان و24 كلم بولايتي وهران ومستغانم، فيما بلغت المسافة الاجمالية المسلمة 160 كلم باحتساب المحولات والمحاور الطرقية الملحقة بالطريق، وهذا في انتظار تسليم 71 كلم العابرة لولاية سيدي بلعباس مطلع مارس المقبل ومعها ال78 كلم التي تقطع ولاية معسكر و9 كلم المتبقية من ولاية غليزان، ثم تسليم ال100 كلم التي تعني ولاية تلمسان في نهاية نفس الشهر. ومكن المشروع من فتح مناصب شغل للسكان المحليين، حيث يعمل نحو 15 ألف عامل جزائري من بينهم 9 آلاف عامل بشكل مباشر وهم يمثلون 65 بالمائة من نسبة العمالة المشتغلة على المشروع فيما تمثل العمالة الصينية بهذا الشطر أقل من الثلث، وسمح هذا التوظيف من إكساب العمال المحليين الخبرة في العديد من المهن التي كانت غير متاحة لديهم مثلما هو حال ولاية غليزان التي كسبت عمالا متخصصين في قيادة الآليات بعد ان كانت تعاني من عجز شبه كامل في هذا الإختصاص. وسيحتضن الشطر الغربي للطريق السيار على كل اتجاه، 7 فضاءات للخدمات، 8 محطات للراحة و7 مراكز أمنية تابعة للدرك الوطني. المقطع الشرقي من الطريق السيار شرق-غرب أعمال شاقة تستدعي التقدم بخطى موزونة عكس المقطع الغربي الذي يكاد ينتهي بالكامل، تكشف معاينة المقطع الشرقي من الطريق السيار شرق غرب ثقل المهمة وتعقيدها، كما تبين بأن الوضعية أعقد مما تتصوره أشد الألسنة انتقادا لسير أشغال هذا الشطر من المشروع، فالمسلك في معظمه محفوف بالمخاطر التقنية، والصعوبات تتعدد وتتنوع من انزلاقات تربة إلى أرضيات صخرية إلى أراض مشبعة بالمياه، لكن استمرار العمل من قبل المشرفين على المشروع وكذا شركات الانجاز التي يقودها المجمع الياباني "كوجال" تظهر عزيمة وإصرار الجميع على رفع التحدي والصمود أمام كل الصعاب. وجدير بالذكر، ان الحديث عن الصعوبات التقنية للمقطع الشرقي من الطريق السيار الممتد على مسافة 399 كلم، لا تشمل سوى الجزء الشرقي منه أو نصفه الثاني فقط الذي يقطع أقاليم أربع ولايات هي سكيكدة، قالمة، عنابة والطارف، فيما تتقدم نسبة المقطع الأول منه الممتد من منتصف ولاية برج بوعريريج إلى غاية مخرج ولاية قسنطينة مرورا بولايتي سطيف وميلة بأكثر من 94 بالمائة، حيث يرتقب تسليم هذا الجزء في غضون شهر جوان المقبل، مما سيمكن من فتح أكبر وأهم أشطر الطريق السيار شرق-غرب بين قسنطينة والحدود الغربية للبلاد في غضون مطلع شهر جويلية، في انتظار استكمال أنفاق جبل بوزقزة في مقطع الوسط في آجال قريبة. كذلك الحديث عن الشطر الشرقي من المشروع، يجر بالضرورة إلى ابراز الإرتياح الكبير المعبر عنه من قبل مستعملي الطريق للمرونة الكبيرة في حركة السير التي اتاحتها لهم الأجزاء التي تم فتحها على مستوى الطريق الإجتنابي لمدينتي العلمة وشلغوم العيد، حيث انتقلت مدة المرور عبر الطريق الإجتنابي من هذه الأخيرة من 45 دقيقة إلى 7 دقائق، مع التذكير بان الاجزاء المفتوحة من المقطع الشرقي للمشروع تشمل 4,5 كلم من ضمن ال38 كلم ممتدة عبر اقليم ولاية برج بوعريريج، 25 كلم من أصل 75 كلم تقطع ولاية سطيف و16 كلم من اصل ال57 كلم التي تعبر ولاية ميلة. وإذا كانت الشركة الأندونيسية "ويكا" قد تمكنت في ظرف قياسي لا يتعدى الشهرين ونصف من استدراك تأخر انجاز منشأة فنية تركتها المؤسسة المصرية "رواد" التي غادرت ورشتها الكائنة بولاية سطيف بسبب تداعيات المقابلة الرياضية التي جمعت الجزائر ومصر بالقاهرة في 14 نوفمبر الماضي، حيث استكملت "ويكا" عملية انجاز أعمدة المنشأة وتتأهب لتركيب سطحها، فإن الزيارة لورشات المقطع الشرقي بكاملها تظهر بأن المجمع الياباني ضاعف وتيرة أشغاله لاستكمال العمليات الأخيرة من تهيئة كل الجزء الرابط بين برج بوعريريجوقسنطينة في الاسابيع القليلة القادمة، حيث تمتد أشغال الانجاز في دوريتين من 10 ساعات في الجزء المذكور وثلاث دوريات من 8 ساعات في الجزء الثاني من المقطع، المتميز بتعقيدات كثيرة وبكثافة الامطار التي تهاطلت في الفترة الأخيرة على أقصى الشرق الجزائري وعطلت سير الأشغال بسبب تشبع الأرضية بالمياه وخاصة بولايات الطارف، عنابةوقالمة، فيما تواجه الفرق المشتغلة على المشروع في هذه الولايات وكذا ولاية سكيكدة ظاهرة انزلاق التربة التي تتسبب كل مرة في إفساد عمليات التهيئة العامة وتفرض إعادة العمل من جديد لتسوية الحواف وتسطيح الطريق قبل تفريش الطبقات النهائية من الأرضية التي تسبق عملية التزفيت، وبطبيعة الحال فإن كل هذه العمليات تستدعي معاينات الخبرة بشكل دوري مكثف من قبل المراقبين اليابانيين وفرق المتابعة التي تشرف عليها مديرية البرنامج الجديد التابعة للوكالة الوطنية للطرق السريعة. ومع اقتراب نهاية الآجال التعاقدية لمشروع الطريق السيار شرق-غرب، التي ستدخل مرحلة احتساب فترات الفراغ التي تشمل الأيام التي توقفت فيها الأشغال بسبب سوء الأحوال الجوية طبقا لما ينص عليه أحد بنود دفتر الشروط، يزداد ثقل المهمة والمسؤولية على كاهل مدير المشروع بالمقطع الشرقي السيد أحمد دباح الذي يضطر لتكثيف تنقلاته بين ورشات المقطع لمعاينة الأشغال ومرافقة مسؤولي المشروع على مستوى الولايات لمواجهة العراقيل التي تظهر بشكل مفاجئ أحيانا والتصرف لحلها من خلال ايجاد الحلول الاكثر ملاءمة لتجاوزها، مثلما هو الحال بالنسبة لبعض الورشات بولاية ميلة حيث اضطر المشرفون على المشروع إلى تحويل مسار الطريق لربح الآجال من خلال تعويض عملية ملء الأرضية إلى عملية التفريغ والتسطيح، وكذا تغيير مسلك الطريق الوطني رقم 5 على امتداد 11 كلم واستغلال مسلكه القديم لتهيئة مسار الطريق السيار، فيما تمت إعادة تهيئة مسار وادي "تقري" حتى لا يؤثر فيضانه على مسلك الطريق. اليابانيون يرفضون الاستسلام.. وانطلاقا من الطريق الاجتنابي لمدينة قسنطينة يبدأ الجزء الأصعب من مقطع الشرق من مشروع القرن، حيث يجري انجاز أربع منشآت فنية ضخمة منها الجسر الكبير الذي يمتد على طول 450 مترا إضافة إلى جسرين آخرين ونفق يعبره طريق ولائي، والمنشآت كلها متقاربة ومتصلة ببعضها البعض وتستجيب للطابع المعقد لتضاريس الولاية، الذي يعد واحدا من العراقيل التي واجهها المجمع الياباني في أشغاله، إلى جانب مشكل الإضطرابات الجوية الذي صنفه مسؤول المجمع الياباني بهذه الورشة السيد وويام كاشييو ضمن أبرز المشاكل التقنية التي تعترض السير الجيد للأشغال، مؤكدا لنا بان المجمع الذي يرفض الاستسلام لكل العراقيل التي يواجهها، طلب بالفعل من المشرفين على المشروع تمديد الآجال التعاقدية، وانه تم الاتفاق على تنفيذ البند الخاص بالاستفادة من تعويض الأيام التي توقفت فيها الأشغال بسبب الأمطار، في حين أعرب المسؤول الياياني عن ارتياحه للجهود الكبيرة التي بذلها مسؤولو المشروع بالمنطقة من أجل تجاوز العراقيل الإدارية التي شملت بالأساس تسريع وتيرة تحرير الشبكات القاعدية وعملية نزع الملكية. أما أكبر جزء صعب من المشروع بولاية الجسور المعلقة فيتعلق بعملية انجاز الانفاق الضخمة التي تقطع جبل الوحش، والتي تشهد تقدما بنسبة معتبرة رغم الطبيعة الوعرة للتضاريس وللأرضية التي يعمل عليها العمال متعددو الجنسية الساهرون على تنفيذ التقنيات الحديثة المتعددة التي يحددها الخبراء اليابانيون في الأشغال. وقد كانت الساعة تقارب الثامنة ليلا عندما وصلنا إلى النفقين الأولين، حيث كان العمال الفيتناميون منشغلين بتطبيق تقنية تقوية أرضية النفق الممتد على طول 1909 أمتار بحقن كمية من الإسمنت المسلح داخل التربة الهشة قبل الشروع في اتمام مسافة الحفر التي فاقت لحد الآن 1220 مترا، بينما تم استكمال عملية الحفر بالنفق الثاني الممتد على مسافة 300 متر ويجري تلبيس الأنبوب الثاني منه بعد ان تمت هذه العملية على الانبوب الأول. وفي حين يضطر المجمع إلى استعمال المتفجرات لتسهيل عملية الحفر في المناطق الصخرية، تم اللجوء إلى تقنية فريدة من نوعها في حفر النفق الثالث الممتد بين ولايتي قسنطينةوسكيكدة على طول 2,5 كلم، وتشمل حفر نفق انبوب ثالث لبلوغ منتصف مسافة الانبوبين الرسميين وبالتالي خلق جهة وسيطة للشروع في الحفر على جهات متقابلة وتسريع وتيرة الحفر التي بلغت لحد الآن أكثر من 1700 متر. والجدير بالذكر في هذا السياق أن المجمع الياباني لم يقم بمناولة الاشغال مع مؤسسات أخرى كما تم تداوله لدى بعض الأوساط وإنما يعتمد على يد عاملة متعددة الجنسيات ولاسيما من فيتنام وتايلاندا والفلبين والهند وماليزيا، وعددها الإجمالي لا يتعدى 5000 عامل اجنبي بينما يبلغ عدد العمال الجزائريين بكامل المقطع الشرقي 22 ألف عامل، أما الشركات الأجنبية الثلاث التي قبل المجمع المناولة معها بعد موافقة مديرية المشروع فهي تتمثل في ثلاث شركات ("ويكا" الاندونيسية، "ماكيول" التركية و"رواد" المصرية). وتبقى أولوية المهام التي تركز عليها مديرية المشروع هي استكمال ال200 كلم الممتدة من برج بوعريريج إلى غاية قسنطينة وتحضيرها للتسليم في غضون نهاية شهر جوان المقبل. مشروع يلاين الطبيعة ويقاوم أضرارها شغف الوصول إلى النقطة الحدودية مع التراب التونسي دفعنا لاتخاذ منحى معاكس في سيرنا على مسار مشروع الطريق السيار، حيث انطلقنا في اليوم الموالي من أقصى ولاية الطارف حيث امتدت اللافتة التي تشير إلى نهاية الطريق داخل التراب الجزائري، وبخلاف الحدود المقابلة لم يكن هناك أي حاجز يفصل بين تراب البلدين الشقيقين وبالضبط داخل الحظيرة الطبيعية المحمية للقالة، التي أسالت الكثير من الحبر في بداية المشروع لتتحفظ بعض الجهات على انجاز الطريق داخل المحمية الطبيعية، لكن الواقع أظهر فيما بعد بان المشروع لم يأت ليضر بالبيئة وإنما لخدمتها وإثرائها على اعتبار أن عملية انجاز الطريق مرفوقة بأكبر عملية للتشجير على المستوى الوطني، كما ان حصة ال35 مترا التي تمثل عرض الطريق والتي اقتطعت من الحظيرة، كان لها الفضل الكبير في الصائفة الماضية في توقيف اندفاع النيران التي اندلعت في إحدى جهات المحمية، كما سمح استعمال عتاد ورشات المشروع في إخماد الحرائق التي نشبت بالمنطقة. وقد أعطى المشروع الذي يمتد داخل حظيرة القالة على مسافة 17 كلم للطبيعة حقها بمراعاته لحقوق الحيوانات ومختلف الكائنات التي تتخذ من الحظيرة موطنا طبيعيا، حيث تم انجاز 7 منشآت خاصة بمرور الحيوانات منها جسور وممرات سفلية، علاوة على 22 ممرا للضفادع والزواحف والكائنات الصغيرة، غير انه في المقابل لم يسلم من الأضرار الطبيعية التي تعقد سير الاشغال بالشكل المرغوب، وفي مقدمتها ظاهرة تشبع الأرضية بالمياه التي تجبر الورشات على التوقف وانتظار أيام الصحو وجفاف الأرضية الذي يتضاعف كلما زادت وتيرة التساقط، حيث يستدعي يوم من الامطار التريث لمدة أكثر من اسبوع لمباشرة العمل، ناهيك عن الأرضيات الصخرية التي تستلزم استخدام المتفجرات بمرافقة فرق الدرك الوطني وكذا ظاهرة انزلاق التربة بالمناطق التي تم الانتهاء من تسويتها والتي تعكر أجواء العمل، وتفرض في كل مرة إعادة العمل من جديد..كما تواجه ورشات هذا المقطع الشرقي الممتدة إلى غاية ولاية سكيكدة ظاهرة فيضان الأودية التي يقطعها الطريق على غرار "وادي سيبوس" بعنابة الذي يؤدي فيضانه في كل مرة إلى اتلاف المعبر الإسمنتي الخاص بآليات الورشة، مما يجبر سائقي تلك الآليات على قطع مسافات أطول للوصول إلى الضفة المقابلة، في انتظار استكمال تهيئة كل المنشآت الفنية المنصبة في إطار المشروع والتي لم يتبق منها الكثير.. بطاقة تلخيصية للمقطع الشرقي من الطريق السيار وصلت نسبة تقدم اشغال المقطع الشرقي من الطريق السيار شرق-غرب الممتد على مسافة 399 كلم إلى نحو 86 بالمائة، وقد تم تسليم نحو 80 كلم من هذا المقطع لحركة المرور منها 38 كلم ببرج بوعريريج، 25 كلم بسطيف و16 كلم بميلة، فيما يرتقب تسليم 17,5 كلم تمثل جزءا من ولاية قسنطينة إضافة إلى كل ما تبقى من أجزاء الولايات السالفة الذكر في نهاية شهر جوان المقبل. ويضم هذا المقطع من المشروع 236 منشأة فنية، منها 10 كلم من الانفاق و3,72 كلم من الجسور، و19 محولا منها 18 سيتم بها تنصيب مراكز الدفع، بينما ستحتضن كل ولاية من الولايات الثمانية التي يعبرها المقطع محطة للخدمات على كل جهة من الطريق من ضمن المجموعة الأولى للمحطات التي ستنشئها المؤسسة العمومية "نفطال"، فيما تم تكليف مهمة انشاء الفضاءات الحيوية وفضاءات الراحة لمديريات الأشغال العمومية. أما التكلفة المالية لهذا المقطع الذي يواجه مشكل الأراضي المشبعة بالمياه و23 كلم من الارضيات الصخرية و100 موقع يعاني من ظاهرة انزلاق الأرضية، فهي تقدر ب341 مليار دينار. مقطع الوسط من الطريق السيار اختراق بوززة لإتمام 27 كلم المتبقية من مدخل مدينة الاربعطاش ببومرداس تبدأ رحلة الورشة الكبرى المتبقية من البرنامج لمشروع الطريق السيار شرق غرب في مقطعه الأوسط الممتد من الشلف إلى برج بوعريريج على مسافة 169 كلم. ومن هذا الموقع حيث ينتهي الجزء المفتوح من الطريق بين الحميز والاربعطاش، تنير علينا الطبيعة بجمالها الأخضر الذي تزاوج معه شريط الطريق المزين بألوان خطوط الإشارات المرورية البيضاء والصفراء الساطعة من فوق سواد لون الإسفلت المعالج، حتى يبدو لك اتجاه الطريق الصاعد إلى جبل الثوار وكأنها روح تريد أن تتحدى شموخ الجبل لتحقيق المشروع الذي استحق تسميته بمشروع القرن بامتياز. فهذه التسمية التي لا يرى فيها البعض سوى ترجمة مالية لتكلفة انجاز المشروع أو قياسية لطول مسافته التي تتجاوز ال1200 كلم، تعبر في حقيقتها عن مدى تعقد تركيبة المشروع والأعمال الشاقة التي تستدعي أحيانا وضع خطط واستراتيجيات شبيهة بالخطط والاستراتيجيات الحربية واللجوء إلى الوسائل الضخمة والثقيلة لضمان سير الأشغال بوتيرة جيدة، مثلما هو جار في عمليات اختراق جبل بوزقزة لاستكمال تهيئة النفقين الممتدين بين منطقتي الخروبة وبودربال من اجل إدراك الاخضرية بالبويرة، لكن الوصول إلى أول نفق بالمنطقة حيث لم تتبق من أشغال الحفر حسب السيد ساعد كويحل مسؤول المشروع بولاية بومرداس سوى 5 أمتار بجهة و9 أمتار من الجهة الثانية للنفق الممتد على مسافة 700 متر، يتطلب العبور عبر الجسور الثمانية الضخمة التي تجري بها الأشغال على قدم وساق من قبل العمال الصينيين الذين نصبوا نظام الجر بالسكة الحديدية لنقل الركائز الأفقية التي تتشكل فوقها أسطح المنشآت، من ورشات تصنيعها الموزعة عبر محيط الموقع وتركيبها فوق الأعمدة التي تم إتمام انجازها بنسبة كاملة، لتمتد تلك المنشآت التي أنجز بعضها باستعمال ركائز أفقية يصل طولها إلى 50 مترا وعلوها 5،2 متر، في شكل منعرج على مسافة 5،2 كلم وصولا إلى مدخل النفق الأول الذي تطلبت عملية حفره في المرحلة الأولى استعمال المتفجرات، بينما يمتد النفق الثاني المطل على منطقة الأخضرية بالبويرة على مسافة 1700 متر، وقد تقدمت أشغال حفره بنحو 1300 متر ولم يبق منها سوى مسافة 300 متر، وتفصل النفقين مسافة 5،4 كلم من مجموع مسافة الطريق التي تربط مدخل النفق الأول بالأخضرية والبالغة 17 كلم، في حين تصل المسافة الإجمالية لكامل الشطر الممتد من الحميز إلى غاية الأخضرية إلى نحو 42 كلم، منها 5 كلم من المنشآت الفنية. مع الإشارة إلى أن استعمال طريق الحميز- الأخضرية بعد إتمام انجاز الأنفاق والجسور المتبقية سيسمح باختصار المسافة الحالية بنحو 18 كلم، واختصار الزمن الحالي لقطع المسافة المذكورة بنحو 30 دقيقة مع تجنب النقاط السوداء الممتدة بين المنطقتين. فضاء للتوعية وخلق سلوكات حضارية وتشهد أشغال الشطر الأوسط من الطريق السيار تقدما بنسبة معتبرة تفوق ال97 بالمائة في مجملها، حيث لم يتبق من الأشغال سوى 27 كلم تمثل الموقع الذي عاينته "المساء" بجبل "بوزقزة"، فيما تم تسليم غالبية المقاطع الأخرى التي فتحت أمام حركة المرور، وتجري عملية تأهيل الأجزاء التي أنجزت في إطار البرنامج القديم التي أوكلت لمؤسسات جزائرية وإيطالية من اجل تحسين نوعيتها وتحقيق انسجامها مع المنشآت الجديدة التي أنجزها المجمع الصيني "سيتيك سي أرسيسي" وفق المعايير والمواصفات الدولية، ولازالت عملية مرافقة الطريق السيار بحزام طبيعي أخضر مستمرة على طول مسافة مقطع الوسط والمقطعين الشرقي والغربي من خلال عمليات التشجير المكثفة، التي أعطاها المجمع الصيني حقها الكامل من خلال إنشاء مشاتل خاصة موزعة على مسار المشروع لتحضير الشجيرات التي يتم غرسها على حواف الطريق وفي أسفل الجسور والمنشآت التي يشملها المشروع، كما قام المجمع بإنجاز مئات الكيلومترات من المزالق المائية الإسمنتية التي تمثل نظام تجميع مياه الأمطار، وتهيئة المراقد الأمنية في المنحدرات تستخدم في حال فقدان سائقي العربات الثقيلة لنظام الكبح للتقليل من الأضرار التي قد تنجر عن أي حادث محتمل. وعلى حافتي الطريق تم تحضير المواقع التي ستركب بها مخادع هاتفية لاستخدامها عند الحاجة والضرورة، بينما تم تعزيز الإشارات المرورية التقليدية بإشارات تحسيسية تدعو السائقين إلى ضرورة التوقف في حال الشعور بالتعب وإلى عدم الانحناء خارج السيارة وعدم رمي الأغراض منها إلى الخارج، مما يوحي بأن الطريق السيار لن يكون مجرد مرفق حيوي أو منشأة قاعدية فحسب، وإنما أيضا فضاء للتوعية ولخلق سلوكات حضارية ونشر ثقافة السائق المتحضر.