في بلد الليبرالية والنٌصح الأخلاقي ، يوجد إقتصاد وسّخ يمثل 1/10 من المداخيل الرسمية للولايات المتحدةالأمريكية ، إنه التعفن الذي كان في قلب إدارة جورج بوش ؟ لقد بات شعار الحرب ضد الإرهاب الشغل الشاغل للدبلوماسية الأمريكية وعلى رأسها الرئيس السابق جورج بوش من أجل العمل على الفوز في الإنتخابات الرئاسية في نهاية عهدته ، وهذه الحالة تعود بنا إلى الشعار الذي تبناه الرئيس الأسبق رونالد ريغان على مدى 20 سنة من خلال الحياة السياسية وهي الحرب ضد المخدرات ( WAR ON DRUGS) التي قادها في بداية الثمانينيات. تلك الحرب التي كانت متعددة الأوجه ، فمنها مكافحة الإدمان على المخدرات وتدعيم دولة كولومبا بالسلاح ، ومنها إنشاء فرق خاصة لمكافحة المخدرات ، كما كانت للفترة (الريغانية ) ويٌقصد بها عهد رونالد ريغن ، تحركات مسجلة من خلال فتح جبهة ثانية ، والمتمثلة في مكافحة بيع الأفلام الخليعة وانتشار محلات تجارة الجنس والدعارة خاصة في المدن الكبرى ، هذه المواضيع التي لم تعط لها الأهمية والأولوية في عهد الرئيس بيل كلينتون ، عادت آنذاك للساحة بفضل انتخاب الرئيس جورج والكر بوش، ومثال ذلك إغلاق الأجنحة التي تباع فيها مجلات FHM و MAXIM الموجودة بالمساحات التجارية الكبرى المسماة – وال مارت- WAL MART ، إذ أن عرض تلك المجلات كان يسبب الإحراج والصدمة للزبائن ، إلى جانب ذلك كانت هناك عملية مكافحة الهجرة غير الشرعية للأمريكيين من أصل لاتيني ، والتي تعتبر الفرس الثالث لمعركة مكشوفة والتي أدت إلى بناء جدار مزود بالأشعة فوق البنفسجية ( الكاشفة ) وهو ما تم بناؤه في الحدود الأمريكيةالمكسيكية ويشتهر بتسمية خط - ماك نمار –( mac nammara) من أجل منع التسلل إبان الحرب مع الفيتنام ، فمن النظرة الاولى تتضح الصلة بين تلك الظواهر الثلاثة ( المخدرات .تجارة الجنس . الهجرة غير شرعية ) حيث يشير الصحفي – ايريك شلوسر – أن هذه الأخيرة تساهم ب 10 % من الناتج الوطني رغم أن هذه النشاطات تبقى خارج سجلات المحاسبة . إن رجالات الاقتصاد يتفقون على أن هذه المداخيل الخفية تتزايد يوما بعد يوم ، ومنها السوق غير الشرعي للكحول الذي يساهم بنسبة 5 %من المدخول الوطني الخام للولايات المتحدة ، ففي سنة 1970 أشارت الأرقام إلى أن ميزان الاقتصاد الأمريكي الخفّي كان يمثل ما بين 2.5 % و 4.6 % من المدخول الوطني الخام ، أما اليوم فهو يمثل 1/10 من المدخول الرسمي للبلاد وهذا مايبقى شيئا قليلا، مقارنة بدول أخرى مثل إيطاليا (27 %) ، روسيا (45 %) أو بوليفيا ( 65 % ) لكن هذا يصنع الفوضى في دولة (أمريكا ) التي تعاني من الفضائح في البورصة ، الليبرالية والنصح الأخلاقي، ومن جهة أخرى، وبمنطقة الوسط الغربي لأمريكا ، نجد أن ما بين 25 % و 50 % من الماريخوانا تٌستهلك في الولاياتالمتحدة ، فهذه المادة التي تسمى بالأعشاب المجنونة تجذب سنويا 20 مليون مستعمل و2 مليون مدخن يوميا جزء الكبير منها يتم إنتاجه في غير المكان بعكس مادة الكوكايين أو الهيروين اللذين يتم استيرادهما . فالتقويمات الأكثر عقلانية لحجم السوق تقدر ما بين 4 و25 مليار دولا ر ، مع التذكير على سبيل المقارنة أنه في سنة 2001 كانت زراعة الذرى هي الزراعة القانونية الأكثر أهمية والتي حققت 19 مليار دولار للمزارعين الامريكيين ، حيث أن بعضهم ضبطوا حساباتهم بسرعة من باب أن صاعا واحد من الذرى يحقق 2 دولار بينما صاع واحد من الماريخوانا والذي يتطلب إنتاجه جهودا كبيرة ، يحقق 70.000 دولار ؟ وهذا ما دفع ببعض المزارعين الذين عرفوا صعوبات في عملهم إلى تحويل زراعتهم خاصة في ولايات: كونتاكي ، تينيسي ، نبرسكا ، أيوا. والتقنية المستعملة بشكل عام هي كالتالي : يقوم المزارع بتنشئة حبات مادة القنب الهندي بين نباتات الذرى ، وقبل عملية الحصاد يلجأ إلى جمع المحصول من القنب حيث أن هذه المزروعات (القنب) ، لا تستطيع مروحيات الاستطلاع اكتشافها . إلى جانب ذلك ، نستطيع القول أن في المجموع يوجد 1 إلى 3 ملايين أمريكي يزرع القنب ، منه نسبة 10 %يخصص للتسويق غير الشرعي ، ويبقى اليوم عدد المستهلكين للمارخوانا موجود في الظل ، وكمثال عن العقوبات ، فقد حدث وأن تم توقيف أحد المحتالين في سنة 1992 وبحوزته 6،1 غ من الماريخوانا فحٌكم عليه بالسجن مدى الحياة ، وبالمقابل يوجد 50 ألف شخص يقبعون في السجون الأمريكية بسبب قضايا لها علاقة باستهلاك المخدرات ، وإذا أجرينا مقارنة بسيطة نجد أنه في سنة 1982 تحصل بسهولة نسبة 88 % من طلاب الثانويات على الماريخوانا ، وبنفس النسبة كانت إحصائيات سنة 2000 ، ففي تحقيق فيدرالي أجرته جريدة نيويورك تايمز حول إجراء فحوصات خاصة بالمخدرات في المدارس ، وجدت نسبة 37 % من الثانويين قد استهلكوا الماريخوانا خلال السنة الدراسية ، وفي المؤسسات التعليمية الأخرى تم إحصاء 36 % من الذين يستهلكون المخدرات ، وإذا كانت الأغلبية تندد بهذا ، فأن اللّوم كل اللّوم على المزارعين ، حيث أن من بينهم العمال غير شرعيين الذين يٌقدر عددهم ب 8 ملايين نصفهم كان قد وفد من المكسيك ويقطنون حاليا بالولاياتالمتحدة ، من بينهم حوالي 1 مليون يعملون في الميدان الزراعي ، وقد ساعد في ذلك قرب الحدود وكذا المناخ في جعل منطقة كالفورنيا أكبر منتج زراعي في البلاد في أن تزرع نصف الأراضي بالخضروات والفواكه والتي يستهلكها الأمريكيون ، هذه اليد العاملة نوعا ما مكلفة مما جعلها تحافظ على الزراعة وتطورها ، فالحقول تطورت خاصة بالنسبة للزراعة القانونية الأكثر مردودية في الهكتار ، وذلك بشرط تخفيض تكاليف اليد العاملة وهذا ما قام به مالكو الأراضي ، حيث أن القدرة الشرائية للعمال المزارعين انخفضت إلى 50 % منذ 1980 ، وهناك مئات الآلاف من العمال الشرعيين يعيشون وضعية بائسة بكالفورنيا إذ يستأجرون المستودعات للسكن فيها . وبالنسبة لتحليل خبراء الاقتصاد ، فإن هذا النظام المسمى ( مكسيكية الزراعة ) قد خلف تأثير خطيرا ، لأنه أدى إلى صرف المزارعين عن التغييرات التكنولوجية الضرورية للبقاء في مجال التنافس مع المنتجين الأجانب ، مما انجر عنه غض الطرف من الجانب السياسي عن العمل غير شرعي ، كل هذا جعل العمال غير الشرعيين يعرضون سواعدهم بأثمان بخسة في قطاعات الصناعة والخدمات ، لأجل هذا الغرض ومنذ 1968 انخفضت القدرة الشرائية للأجراء الأكثر فقرا إلى 37 % . أما بالنسبة للقطب الثالث للاقتصاد الأمريكي الخفي فهو تجارة الجنس ، وهنا يضيف الصحفي شوسلر أن الأمريكيين ينفقون من 8 إلى 10 مليار دولار في صناعة الجنس ( أشرطة الفيديو ، DVD ، الهوائيات ، الدفع حسب الطلب ، الأنترنت ، قاعات العرض وألعاب الجنس ) وهومبلغ يوازي ماينفق على صناعة السينما عبر التراب الوطني الأمريكي ويفوق مبيعات الأسطوانات (الروك ،الكونتري) . وهذا عكس زمن سابق غير بعيد ، حيث أن فوائد صناعة هوليود توجد في جيوب بعض عناصر المافيا المحلية ، وبجملة واحدة،إذا تم عرض فيلم من أفلام هوليود فإن الموزع والناشر عبر الساتل يتقاسمان الفائدة بصفة متساوية إذا تعلق الأمر بفيلم إباحي ويمكن للناشر أن يتحصل على حوالي 70 % ، وبطبيعة الحال فإن الولاياتالمتحدة لا تنفرد حصريا بهذا الوضع ، وقد يصطدم أي أجنبي في الحين بازدواجية الشخصية الأمريكية ، هذا الفصام في الشخصية اندمج في العادات إلى حد أنه أصبح التنديد أو الاستنكار يعطي التصور اليومي من كالفورنيا ، والذي يسمح لكل عائلة توفير 50 دولارا في العام من مشترياتهم من الخضر والفواكه ، وهنا ماذا يقول المتهربون من الضرائب وخاصة المؤسسات الكبرى؟ ففي دراسة حالية قامت بها جامعة هارفارد أشارت أنه في سنة 1998 ، تجنبت المؤسسات العملاقة الأمريكية تسديد 300 مليار دولار كضرائب بفضل عدم تحديد مكانهم حيث كانت الضرائب على فوائد المؤسسات في سنة 1965 تمثل 4 % من الدخل الوطني الأمريكي الخام مقابل 1.5 % بعد 38 سنة ، وهو اتجاه منعكس بالضبط على عكس ما هو موجود عليه الكل في البلاد ، فالمؤسسة المشهورة اينرون (ENRON ) مثلا لم تسدد أية ضرائب من سنة 1996 إلى سنة 2000 من خلال فروعها الموجودة في جزر كايمان والمقدرة ب 800 فرع . وعلى ضوء هذا ، نجد اليوم أن أغلبية المؤسسات الأمريكية الكبرى هي التي تستعد لترديد النشيد الوطني في الوقت الذي تتهرب فيه من دفع الضرائب ؟ ومثال ذلك شركة هاليبرتون HALLIBERTON المؤسسة التي يديرها نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني ، هي من بين المؤسسات المختصة في هذا المجال أي التهرب من دفع الضرائب، فهٌم لديهم القلب في اليمين وحافظة النقود في إحدى جزر الكراييب ؟ (*) إعلامي جزائري [email protected]