الغديوي: الجزائر ما تزال معقلا للثوار    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    جبهة المستقبل تحذّر من تكالب متزايد ومتواصل:"أبواق التاريخ الأليم لفرنسا يحاولون المساس بتاريخ وحاضر الجزائر"    الجزائر تحتضن الدورة الأولى ليوم الريف : جمهورية الريف تحوز الشرعية والمشروعية لاستعادة ما سلب منها    المحترف للتزييف وقع في شر أعماله : مسرحية فرنسية شريرة… وصنصال دمية مناسبة    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    مذكرات اعتقال مسؤولين صهاينة: هيومن رايتس ووتش تدعو المجتمع الدولي إلى دعم المحكمة الجنائية الدولية    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    قرار الجنائية الدولية سيعزل نتنياهو وغالانت دوليا    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفي محمد إسماعين    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    الجزائر محطة مهمة في كفاح ياسر عرفات من أجل فلسطين    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    47 قتيلا و246 جريح خلال أسبوع    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    تعزيز روح المبادرة لدى الشباب لتجسيد مشاريع استثمارية    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    سيدات الجزائر ضمن مجموعة صعبة رفقة تونس    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    4 أفلام جزائرية في الدورة 35    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    بورصة الجزائر : إطلاق بوابة الكترونية ونافذة للسوق المالي في الجزائر    إلغاء رحلتين نحو باريس    البُنّ متوفر بكمّيات كافية.. وبالسعر المسقّف    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    المغرب: لوبي الفساد يتجه نحو تسييج المجتمع بالخوف ويسعى لفرض الامر الواقع    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    الشباب يهزم المولودية    سباق الأبطال البليدة-الشريعة: مشاركة أكثر من 600 متسابق من 27 ولاية ومن دول اجنبية    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    العدوان الصهيوني: الأوضاع الإنسانية في غزة تزداد سوء والكارثة تجاوزت التوقعات    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار فوز باراك أوباما والإرث الثقيل الذي ينتظره
نشر في الحوار يوم 09 - 11 - 2008

جاءت انتخابات الرئاسة الأمريكية بمفاجأة كبيرة وهى وصول أول مرشح أسود من أصول إفريقية لرئاسة أكبر دولة في العالم ، الأمر الذي أثار التساؤلات حول أسباب هذا الانقلاب في السياسة الأمريكية .. خاصة وان ما يلفت النظر أيضا، ذلك الفارق الكبير في عدد الأصوات التي حصل عليها كل من المتنافسين ''أوباما'' و ''ماكين''، حيث فاز ''أوباما'' ب 349 أصوات من المجمع الانتخابي مقابل 162صوتاً ل''ماكين''.
وهذا يعني أن السبب الرئيس في فوز ''أوباما'' لا يصح رده لما يقال عن ''الكرازما'' التي يتمتع بها، أو لمهاراته الشخصية في مخاطبة الناخبين، أو للبرنامج الانتخابي الذي طرحه عليهم في مجالات السياسة الخارجية والاقتصادية والخدمية، أو إلى المبادئ التي يعتنقها فحسب .. وإنما يعود بالدرجة الأولي لخشية الأمريكيين من تواصل السياسات التي اتبعتها إدارة بوش الجمهورية في إدارة الشؤون الداخلية والخارجية الأمريكية، إذا ما فاز المرشح الجمهوري ''ماكين'' في الانتخابات الرئاسية، والذي ينظرون إليه وبوش على أنهما وجهان لعملة واحدة.
كيف اعتلى باراك أوباما سدة الحكم ؟
اجمع اغلب الخبراء أن الإجابة تتمثل في عدد من الأسباب، التي لن تخرج على إرث بوش الكارثي والأخطاء التي وقع فيها المرشح الجمهوري جون ماكين ، والأزمة المالية، والسياسة الخارجية وأخيرا التكتيكات الانتخابية.
أولا ارث بوش الكارثي :
فالمواطن الأمريكي، بغض النظر عن انتمائه الحزبي أو العرقي أو الديني، يواجه اليوم مستقبلا أقل ما يمكن وصفه أنه مبهم المعالم يحمل في طياته نوعا من التوتر والتوجس والقلق لم يعشه منذ عقود طويلة ، وذلك جراء سياسات الرئيس السابق المتهورة التي لم تترك خيارا أمام الأمريكيين سوى البحث عن البديل ، لقد كانت هناك رغبة عارمة في التخلص من إرث جورج بوش الكارثي داخليا وخارجيا ، فالأزمة المالية والتورط العسكري في العراق وأفغانستان وتصاعد قوة روسيا وإيران ، هى كلها أخطاء ارتكبها بوش وأدت في النهاية للإطاحة بالمرشح الجمهوري جون ماكين لصالح المرشح الديمقراطي الأسود باراك أوباما ، وهذا ما أكده بالفعل استطلاع للرأي العام أجرته صحيفة ''يو.اس .ايه توداي '' مع انطلاق الانتخابات في 4 نوفمبر وجاء فيه أن غالبية الأمريكيين يرون أن بلادهم تسير على طريق خاطىء ، وأن على الرئيس الأمريكي الجديد إعطاء الاقتصاد أولوية قصوى .
ثانيا أخطاء ماكين:
بجانب إرث بوش الكارثي، فإن ماكين أيضا ارتكب أخطاء قاتلة خلال الحملة الانتخابية، حيث ركز على ''الدعاية السلبية'' التي تسعى لتقديم خصمه في صورة سلبية، وهو الأمر الذي استغله أوباما جيدا لاتهام المرشح الجمهوري باستخدام ''افتراءات'' غير حقيقية ضده لتشتيت انتباه الناخبين بدلا من التركيز علي القضايا الرئيسية التي تهم الأمريكيين وعلى رأسها الأزمة المالية، وهناك خطأ آخر وقع فيه ماكين وهو اختياره حاكمة ولاية ألاسكا سارة بالين لمنصب نائب الرئيس، رغم قلة خبرتها بالسياسة واتهامها بسوء استغلال السلطة ، فيما نجح أوباما في التغلب على قلة خبرته في السياسة الخارجية باختياره رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور جو بايدن نائباً له ، وكما هو معروف فإن بايدن له خبرة طويلة في مجال السياسة الخارجية حيث يشغل عضوية لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس منذ 33 عاما قبل أن يتولى رئاستها منذ 2007 وله دور مؤثر وفعال في مجالات السياسة الخارجية ومكافحة المخدرات ومنع الجريمة.
ثالثا الأزمة المالية :
بالإضافة إلى ما سبق، فإن الحلول التي قدمها أوباما للأزمة المالية كانت أقوى من تلك التي قدمها ماكين، حيث أكد الأخير أن الحل هو شراء الحكومة الأمريكية للديون العقارية وتخفيض الضرائب، وهو التناقض بعينه فشراء الديون العقارية يتطلب سيولة كبيرة وهذا لن يتوفر إلا عن طريق زيادة الضرائب، أما أوباما فقدم حلولا أقرب للواقعية، حيث أكد أن حل الأزمة يكمن في زيادة الرقابة الحكومية على المؤسسات المالية وتخفيض المزايا المادية المبالغ فيها للمديرين في هذه المؤسسات، بالإضافة إلى زيادة الضرائب ولكن ليس على الإطلاق ، حيث وضع ضوابط لها تضمن تخفيض الضرائب للطبقة الفقيرة، فقد تعهد بخفض الضرائب ل95 في المائة من القوى العاملة في أمريكا وتحديدا لكل من يقل دخله عن 250 ألف دولار في العام، وخصوصا الممرضات ورجال الإطفاء وكل من يقومون بأعمال خدمية للمجتمع، ما أكسبه شعبية كبيرة بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة، الحلول السابقة للأزمة المالية كانت بمثابة العامل الجوهري في حسم نتائج المناظرات الرئاسية الثلاث التي أجريت في 26 سبتمبر و8 و16 أكتوبر لصالح المرشح الديمقراطي، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن كل سبعة من أصل عشرة ناخبين أكدوا أن الاقتصاد هو هاجسهم الأكبر، وأنهم يثقون بأوباما لإنهاء الأزمة المالية.
رابعا الحوار مع ''الأعداء '' :
لعبت السياسة الخارجية أيضا دوراً مهما في حسم السباق الرئاسي لصالح أوباما ، فقد أشار استطلاع للرأي أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية إلى أن 83 بالمائة من الأمريكيين قلقون من تراجع مكانة بلادهم في العالم ، وأنهم يؤيدون بأغلبيتهم أن تبدل واشنطن سياسة بوش الخارجية وأن تبدأ بالتحدث إلى أعدائها مثل قادة كوبا وكوريا الشمالية وإيران وبورما وحماس وحزب الله اللبناني، وبدا هذا الرأي أقرب إلى مواقف المرشح الديمقراطي منه إلى خط منافسه الجمهوري جون ماكين ، حيث أعلن الأول وبقوة منذ بدء الماراثون الانتخابي القطيعة التامة مع إرث بوش الفاشل والكارثي، وسعيه لأمريكا جديدة، رافعا شعار التغيير ليس فقط في السياسات الداخلية والخارجية وإنما في طريقة صنعها أصلا ، فتعهد بأن يسعى للحد من الانقسام والاستقطاب السياسي الذي يشل أمريكا .
كما تعامل أوباما أيضا بذكاء مع أزمة الاحتلال الأمريكي للعراق التي تؤرق مضاجع الأمريكيين ليل نهار في ضوء تصاعد خسائرهم المادية والبشرية هناك والتي قدرها البعض بأنها فاقت نظيرتها في حرب فيتنام ، فهو تعهد بسحب القوات الأمريكية على الفور في حال انتخابه ، فيما أيد ماكين الحرب على العراق ورفض الالتزام بخطة محددة للانسحاب، الأمر الذي أغضب آلاف من الأسر التي لها أبناء في العراق وذهبت أصواتها مبكرا لأوباما، وبالتالي فإن المعارضة الشعبية للحرب على العراق ، كان لها دورا مؤثرا في الماراثون الرئاسي الأخير، مثلما كانت عاملا حاسما في إلحاق هزيمة قاسية بالحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية للكونجرس التي جرت عام .2006
خامسا الحملات الانتخابية :
ويمكن إدراج سببا آخرا كان من أسرار فوز أوباما وتمثل في الحملات الانتخابية، التي كانت هي الأخرى عامل قوة أوباما وضعف ماكين ، فقد اتسمت عند الأول بالبراعة السياسية في التعامل مع الخصم ، حيث لم تترك شاردة ولا واردة تصدر عن حملة ماكين إلا وأصدرت فورا ردا قويا عليها ، فحملة أوباما مثلها مثل حملة الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون 1992 اعتبرت أن التهديد الحقيقي لمرشحها هو أن يتمكن خصمه من تعريف الناخبين به ، ومن ثم فهي حرصت منذ البداية على أن يظل زمام الأمر في هذا الصدد في يدها ولا تسمح إطلاقا لحملة ماكين بأن تلصق بأوباما أي وصف أو اتهام ، حيث نأى المرشح الديمقراطي بنفسه عن أي موضوع قد يثير جدلا ، بل إن فريقا من حملته الانتخابية كانت مهمته أن يتوقع نوع الهجوم التالي ويستعد للرد عليه حتى قبل أن يبدأ، وبالإضافة إلى ما سبق ، فإن أوباما تفوق أيضا علي ماكين بالعدد الكبير للناخبين الديمقراطيين الجدد الذين تحمسوا لتسجيل أصواتهم للمرة الأولي في عدد كبير من الولايات الرئيسية وخاصة فلوريدا التي بلغ عدد الناخبين الديمقراطيين المسجلين فيها العام الحالي ضعف عدد الناخبين الجمهوريين المسجلين ، فيما ارتفعت النسبة في ولايتي كلورادو ونيفادا لتصل إلي معدل 4 ناخبين ديمقراطيين ، مقابل ناخب جمهوري واحد وبلغت في كارولينا الشمالية 6 إلي واحد ، كما وصلت إلي مستويات كبيرة في ولاية فيرجينيا التي لم تصوت لأي مرشح ديمقراطي منذ ستينات القرن الماضي. والخلاصة أن أوباما كان من الذكاء بمكان لاستغلال الفرصة الذهبية التي سنحت له وقد لا تتكرر كثيرا وهى أن أمريكا لم تكن بهذا المستوى من الضعف الذي آلت إليه في عهد بوش ، الأمر الذي جعل هناك رغبة واسعة في الخلاص حتى وإن كان على يد رئيس أسود.
التركة الثقيلة التي خلفها بوش والمحافظون الجدد
كان موقف إدارة بوش التي سيطر المحافظون الجدد على صناعة القرار فيها، غايةً في العداء للدول العربية والإسلامية، برغم أن القدر الأكبر من احتياط النفط العالمي يقبع في أراضيها، وبرغم أن الولايات المتحدة تكاد تكون الدولة الوحيدة التي تسيطر على منابع النفط في تلك البلدان. بل إن الغالبية العظمى من الأنظمة الحاكمة فيها، تعتبر مؤيدة لأمريكا في الحرب التي أعلنتها إدارة بوش على ما يسمى ب ''الإرهاب'' إن لم تكن حليفة لها، ما يكرس وجودها في المناطق التي تحظى على (60) من مخزون النفط العالمي، ونعني بها بلدان الخليج العربية، وفي ظل معاداتها للإسلام والعرب والمسلمين، اتخذت إدارة بوش قرارها الخطير بشأن اجتياح أفغانستان والعراق بدعوى محاربة الإرهاب، والذي أورث أمريكا كوارث طالت جوانب عديدة من كيانها ومن حياة مواطنيها. ثم يأتي الفشل الأمريكي الذريع في القضاء على ما أسماه بوش ب''الإرهاب''، والذي لم يطل حتى اللحظة سوى دولا عربية وإسلامية سواء ما تم احتلاله منها كالعراق وأفغانستان، أو التي تعرضت ولا تزال للتهديدات الأمريكية كإيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس. أضف إلى ذلك ما نجم عن تلك الحروب من خسائر بين صفوف القوات الأمريكية ذاتها، والتي تجد نفسها الآن غارقة حتى أذنيها في المستنقع العراقي والأفغاني، لدرجة أنها دأبت في الآونة الأخيرة على توسيع دائرة الحرب في المنطقة بحيث شملت منطقة وزيرستان في باكستان، ومنطقة البوكمال السورية المجاورة لحدود العراق الغربية، أملاً في إرهاب المقاومة في العراق وأفغانستان ومن يناصرونهم في باكستان بالذات. والأخطر من ذلك أن الوعود التي قطعها بوش على نفسه للأمريكيين، بأن تكون أمريكا والعالم أكثر أمنا بفضل الحرب على الإرهاب، لم تتحقق بالإطلاق حيث بات العالم أكثر تعرضاً للعمليات الإرهابية نتيجة تلك الحرب، والإسراف في استخدامها في غير مواضعها. أما الفشل الأكبر الذي منيت به إدارة بوش، فكان في مجال السياسة الاقتصادية. فقد عمدت تلك الإدارة إلى التوسع في سياسة الإقراض والائتمان دون تأمين ضمانات كافية تكفل استرداد البنوك للمبالغ التي تقوم بإقراضها من ناحية، والتكلفة الباهظة التي أنفقتها الإدارة على الحروب المباشرة والخفية التي اشعلتها، في الكثير من مناطق العالم. وما نعنيه بالحروب الخفية هي تلك التي تقوم بها وكالة الاستخبار الأمريكية أل CIA في كثير من الدول كإيران وفنزويلا والأراضي الفلسطينية المحتلة ودول أفريقية. ولعل من الأخطار التي لم تتحسب لها إدارة بوش بفاعلية، تلك التي تتصل بصعود نجم الصين في المجالات الاقتصادية والتسليحية وغزو الفضاء الخارجي، وبتلك السرعة المتناهية التي شهدناها خلال العقدين الماضيين، حيث أصبحت تمثل منافساً خطراً للأمريكيين. أما مشكلة الشرق الأوسط التي تمثل قنبلة موقوته يتجاذب صاعق التفجير فيها طرفان، أحدهما أطماع إسرائيل في الاستيلاء على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، والثاني المقاومة الفلسطينية.. فلم تستطع إدارة بوش أن تفي بالوعود التي قطعتها على نفسها بحل هذه المشكلة، وإقامة الدولة الفلسطينية التي وعد بها بوش في مبادرة خريطة الطريق. ثم تأتي مشكلة التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، ومع الدول والمنظمات التي أسمتها إدارة بوش بمحور الشر في المنطقة وهي إيران وسوريا وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية. فبرغم كل التأكيدات التي طرحتها طهران بأن هذا البرنامج يخدم أغراضا سلمية، فإن إدارة بوش حرصت على تصعيد الموقف معها لدرجة إطلاقها للتهديد تلو الأخر لطهران بشن هجوم على المنشآت النووية في إيران، ما لم تقم حكومة طهران بوقف هذا البرنامج تارة، وبتعليق تخصيب اليورانيوم تارة أخرى. ومهما يكن من أمر، فإن هذه التبعات التي خلفتها سياسة المحافظين الجدد خلال سنوات حكم بوش الثمانية، تعد - في نظر المحللين السياسيين- مبرراً كافياً لإسقاط أي مرشح يُشك في تأييده للنهج الذي سارت عليه إدارة بوش في إدارة البلاد، كما تعتبر السبب الرئيس الذي ساعد على فوز ''أوباما'' في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الرابع من نوفمبر الجاري .2008
فوز أوباما ..بين التفاؤل و الحذر
تباينت الآراء في هذا الصدد، فهناك من يرى أن مجرد وصول أوباما لكرسي الرئاسة هو أمر يدعو للتفاؤل لأن هذا الأمر كان من المحظورات في التاريخ العنصري الأمريكي الذي طالما انحاز للرجل الأبيض ، وبالتالي فإن الأقليات وعلى رأسها السود قد تجد أخيرا متنفسا للحصول على بعض حقوقهم المسلوبة لصالح البيض . أوباما عرف عنه أيضا العقلانية والهدوء وليس العصبية والتسرع مثل سلفه جورج بوش ، وبالتالي فإن العالم على موعد حاليا لالتقاط الأنفاس من الحروب الدموية وتحقيق المصالحة بين أمريكا وبقية المجتمع الدولي ولو لبرهة قصيرة من الزمن. ورغم أن أوباما حاول بكل الطرق نفي أصوله المسلمة، ورفض التقاط صور مع فتاتين محجبتين ، إلا أن هذا لا يرجح أن أوباما سيسلك مواقف متشددة تجاه العرب والمسلمين كسلفه بوش ، فما فعله كان بحسب البعض ضرورة انتخابية لعدم إعطاء خصومه الذريعة لهزيمته ، ويدل على ذلك تصريحاته المتكررة التي أوضح خلالها تفضيله للحوار مع إيران وسوريا ، بالإضافة إلى تعهده بسحب القوات الأمريكية من العراق فور انتخابه ، حيث كان من أكبر معارضي غزو العراق. ومن الأمور الأخرى التي تبعث على التفاؤل بالنسبة للعرب والمسلمين الأمريكيين أن أوباما وإن كان لم يتقرب منهم بقوة خلال الماراثون الرئاسي، إلا أنه أكد في السابق سجله القوي في دعم المسلمين الأمريكيين ، قائلا : ''أنا الشخص الذي تكلم عن التفرقة العنصرية ضد العرب الأميركيين في خطابي أمام المؤتمر الديمقراطي عام 2004 وهو أمر لم أسمع بأن كثيرين من السياسيين تحدثوا عنه خلال فترة الخوف عقب 11 سبتمبر، انظروا إلى سجلي الكامل، لقد كنت دائماً في المقدمة عند مواجهة العنصرية ضد العرب الأمريكيين والمسلمين الأمريكيين، وسأستمر في ذلك عندما أصبح رئيساً للولايات المتحدة''. فأوباما وإن حاول خلال الماراثون الانتخابي التنصل من علاقته بكل ما هو مسلم، إلا أن مبرره في هذا تكتيكي وليس أيديولوجي ، فالاتهامات المتكررة بأنه مسلم ''مستتر'' وأن له علاقات مشبوهة مع شخصيات مسلمة ، كل ذلك جعله أكثر حذراً ورغبة في استبعاد المسلمين من حملته وإبعاد حملته عنهم ، لئلا يسجل ماكين تقدما على حسابه. وهناك أمر آخر يصب في صالح التغيير الذي دعا إليه أوباما ألا وهو أنه يتمتع حاليا بأغلبية مريحة في الكونغرس، بعد أن أظهرت نتائج انتخابات تجديد ثلث أعضاء مجلس الشيوخ وكل أعضاء مجلس النواب التي أجريت مع انتخابات الرئاسة في 4 نوفمبر أن الديمقراطيين حصلوا على مقاعد جديدة في المجلسين كانت في السابق حكرا على الجمهوريين ، وبالتالي فإن المرجح أن تشهد الفترة القادمة هدوءا وتعاونا بين الكونجرس والرئيس وأن ينجح في تمرير بعض سياساته. ورغم التفاؤل الذي يغلف كل ما سبق، إلا أن هناك من يعارض الرؤية السابقة ويحذر من تمادي العرب والمسلمين في التوقعات بشأن تغيير كبير في السياسة الأمريكية في عهد الرئيس الأسود، فقد يتعرض أوباما للاغتيال على غرار ما حصل للرئيس الأسبق جون كينيدى والذي كان أول كاثوليكي يصل للرئاسة ، وفي حال عدم اغتياله ، فإن هناك توقعات بأن لا ينجح في تنفيذ وعوده بالتغيير والقطيعة تماما مع إرث سلفه بوش ، سواء كان ذلك داخليا بمنح الأقليات وعلى رأسها السود بعضا من حقوقهم المسلوبة لصالح البيض أو خارجيا باتخاذ مواقف مغايرة لرؤساء أمريكا السابقين تجاه قضايا العرب والمسلمين ، وذلك لعدة أسباب من أبرزها أن الولايات المتحدة لها إستراتيجية كونية لا يستطيع من يعمل في المكتب البيضاوي أن يحيد عنها ، جمهورياً كان أم ديمقراطياً، رجلاً أم امرأة، أسوداً أم أبيض، ومهما كانت ميوله الشخصية أو أهواؤه السياسية، أو انتماءاته العقائدية. الإستراتيجية الكونية السابقة تقوم على أساس التوسع وتفوق الرجل الأبيض والولاء لإسرائيل ومعاداة الإسلام والمسلمين ، وبالنظر إلى أن أوباما من أصول إفريقية وينتمي لجد كيني مسلم ، فإن هناك مخاوف من أن يتطرف في سياساته وتصرفاته لنفي انتمائه للإسلام وذلك للحفاظ على حياته من ناحية وللفوز بولاية ثانية من ناحية أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.