عشر سنوات تمضي على هجمات 11 سبتمبر. العالم تغيّر كثيراً منذ ذلك اليوم، ولم تبق بقعة على الكرة الأرضية لم تنل نصيبها من شظايا الانفجار الذي هز قلب الولاياتالمتحدة. وفي الأمن، كما في السياسة والاقتصاد وحتى في الأحوال الجوية، لم يبق شيء على حاله، بل صار 11 سبتمبر تاريخاً مفصلياً، ما قبله لا يشبه ما بعده. حدث كبير جاء فاتحة للقرن الحادي والعشرين، ولينقل البشرية من طور إلى آخر عنوانه الأزمات والحروب وعودة الغزو والاستعمار، وخصوصاً إلى منطقتنا العربية التي شهدت احتلال عاصمة الرشيد تحت ستار كذبة كبيرة هي أسلحة الدمار الشامل. عشر سنوات والعالم كله لا يزال يعيش على ترددات الزلزال الذي ضرب أميركا، ومنطقتنا العربية في قلب المعمعة، فهي من جهة تواجه تداعيات ذلك الحدث سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ومن جهة ثانية تشهد ربيع الاحتجاجات الشعبية، التي بدأت سلمية في تونس ومصر، وتخضّبت بالدم في ليبيا واليمن وسوريا أظهر استطلاع رأي سنة 2006 أن 33% من الأميركيين يعتقدون بتورط حكومتهم في تفجيرات 11 سبتمبر. سبب هذا الاعتقاد هو اللغط الذي أحاط بنتائج التحقيق. وفي الذكرى العاشرة ازداد الالتباس وكبرت الأسئلة، وآخر المآخذ يقف عند مسألة اغتيال أسامة بن لادن والشك في صدقية روايتها الرسمية عشر سنوات مرت على أحداث 11 سبتمبر، ولكنها لم تكن كافية لجعل الصورة واضحة في أذهان قطاعات واسعة عبر العالم عموماً، والأميركيين على وجه الخصوص. وهناك أسئلة كثيرة ظلت بلا أجوبة تراود أوساطاً من الشعب الأمريكي بشأن صحة وشفافية المعلومات التي قدمتها الأجهزة الرسمية، ويذهب التشكيك نحو نتائج التحقيقات التي قدمتها لجان عديدة من الأجهزة المختصة في الاستخبارات والمباحث الفدرالية والكونغرس، ومردّ ذلك إلى عدم استيعاب الشارع الأمريكي حتى اليوم لطبيعة ردّ الفعل الذي تصرّفت من خلاله إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حيال حدث بهذه الأهمية والخطورة. ولا تقف حيرة الأميركي العادي فقط عند الظلال المعتمة الباقية من بعد الهجمات، والألغاز التي لم تجد تفسيرات واضحة لها، بل تعود إلى الوراء للبحث في أسباب التقصير الأمني الفادح الذي سمح بهذا الاختراق الكبير من قبل مجموعة كانت في غالبيتها مصنّفة إرهابية وخطيرة، ولذا كانت مرصودة ومتابعة من طرف أجهزة الاستخبارات الأمريكية في خارج الولاياتالمتحدة وداخلها. أكثر من ألف ضحية من المفقودين في البرجين لم يُتعرّف إليهم وتُحدّد هوياتهم حتى اليوم، والعديد من العائلات لم تتلق بيانات رسمية عن مفقوديها. أسئلة كثيرة ظلت تكبر بشأن أسباب الخلل، هل هو نابع من اعتبارات فنية أم هو مقصود؟ الكثيرون من الذين يثقون بقدرات أميركا الخارقة لا يصدقون العجز عن تقديم حصيلة نهائية تضع تفاصيل الحدث في نصابه، ولذا تحوّل قطاع واسع من الحائرين إلى توجيه اتهامات بالتواطؤ لإدارة جورج بوش، ونسبة 33 في المئة ليست قليلة، إنها تعني ثلث الشعب الأمريكي. هؤلاء يعتقدون أن إدارة بوش متواطئة في التفجيرات، ومثلهم أو أكثر يعتبرونها مقصّرة، ولم تقم بواجبها على أحسن وجه، لا في لحظة حصول الهجمات، ولا على صعيد تقديم حصيلة منطقية بشأنها. ظهرت روايات كثيرة خلال السنوات العشر، في إطار محاولات تسليط الأضواء على جوانب من المأساة. ومن أميركا إلى أوروبا، تقدم العديد من الخبراء والباحثين في الشؤون الأمنية والسياسية بأطروحات عديدة، تضع إدارة بوش في مرمى الاتهام. وبعيداً عن نظرية المؤامرة، هناك إجماع في أوساط هذه الفئات على أن هناك جانباً خفياً في هجمات 11 سبتمبر عملت الإدارة عن قصد على طمسه، وينطلق البعض من الأجواء التي سبقت هذا التاريخ، وكانت فاتحتها انتخاب جورج بوش بطريقة مواربة. ويركز هؤلاء على شخصية بوش المأزومة وغير الخاضعة لضوابط منطقية، وكذلك تركيبة الفريق الذي أحاط به، وهو في غالبيته من عالم السلاح والبترول واليمين الرجعي المحافظ والأوساط المسيحية الصهيونية. وليس سراً أن هذا الخليط حمل مشروعاً خاصاً للقرن الحادي والعشرين، وكانت توحده أهداف الغزو العسكري لوضع اليد على الطاقة ومصادرها وطرق إمدادها، إضافة إلى تنشيط تجارة السلاح، وتقوية معسكر اليمين في إسرائيل، وفتح مواجهة مع الإسلام، العدو الجديد للغرب بعد انهيار الشيوعية والاتحاد السوفيتي. يأتي إحياء الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدة مختلفاً عن سابقيه، وذلك على المستويين الرسمي وغير الرسمي، فالرئيس الأمريكي الذي استبق الذكرى برسالة للأمريكيين قبل أسبوعين أعدوا له احتفالاً ثلاثياً بالذكرى يتضمن حضوره شخصياً في مواقع سقوط الطائرات الأربع في كل من نيويورك وبنسلفانيا والبنتاغون بالقرب من العاصمة، وأعضاء الكونغرس مثلهم مثله ممن يخوضون انتخابات صعبة تباروا في أشكال إحيائهم للذكرى ناهيك عن لوبي جديد ازدهر في أجواء تداعيات 11/9 هو "حزب الشاي" المدعوم من قبل مرشحين للرئاسة والكونغرس وخلفهم اليمين المسيحي وجماعات التطرف ومن ورائهم تقف مؤسسات المال والسلاح والنفط واللوبي "الإسرائيلي" وهؤلاء جميعاً سيدشنون مع المستفيدين من حقبة ما يسمى بالحرب على الإرهاب حقبة جديدة بعد أن نجحوا في تأصيل معنى الحرب على الإسلام باعتباره العدو الحقيقي لأمريكا والعالم، الأمر الذي كانوا ينكرونه طويلاً وعلى مدى العقد الماضي في الوقت الذي كانوا فيه ينفذون إستراتيجية تكرس المبدأ . بينما يكاد كل هؤلاء يتفقون على النتيجة النهائية وهي استمرار الحروب الأمريكية مع الأخذ بالاعتبار دوافع كل جهة، نجد تياراً آخر يقف بالمقابل وحيداً وضعيفاً لا يملك سوى تصعيد غضبه باستحياء أحياناً وبعدم مقدرة في أحيانا أخرى، نتيجة ضوابط إعلامية تمنعهم من إيصال صوتهم للرأي العام الأمريكي، هؤلاء هم الناشطون ضد الحروب الأمريكية، وذلك من منطلق الواقع الذي يؤكد الخسائر الأمريكية الفادحة لحروب غير مبررة . ولعل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها الولاياتالمتحدة تمنع هؤلاء من إيصال أطروحتهم التي تؤكدها الأرقام، فبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي أسفرت عن مقتل ثلاثة آلاف وجرح ستة آلاف وبدء أمريكا حروبها بما فيها حربها غير المبررة على العراق، نجد أن الحصيلة هي مقتل 2701 من الجنود الأمريكيين وجرح 42673 آخرين، ليصل إجمالي الخسائر الأمريكية في الأرواح 8800 قتيل "مدني وعسكري" و46 ألف جريح، هذا ما يتحدث عنه الأمريكيون إلى جانب الخسائر المالية التي تحملها المواطن الأمريكي العادي كتكلفة للحرب والتي وصلت إلى مليار دولار شهرياً تستنزف جيب المواطن الأمريكي لمصلحة لوبي السلاح والنفط بالأساس، وبإجمالي إنفاق متوقع يتجاوز الأربعة تريليونات دولار أي ما يكفي لسداد ديون دول العالم الفقيرة . الغريب أن تلك الحسابات الأمريكية الصادمة بالنسبة للأمريكيين لا تأتي قط على ذكر ضحايا الحرب الأمريكية تلك حول العالم سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، بمعنى أن مفهوم الحرب على الإرهاب المزعوم أعطى المبرر لحكومات وقوى حول العالم للتخلص من مناهضيها أو أعدائها، ولدينا "إسرائيل" وروسيا "في الشيشان" أمثلة بسيطة، أما عن عدد القتلى ومعظمهم من المسلمين حول العالم بأيد أمريكية، فهذا هو المسكوت عنه على الرغم من أن عدد ضحايا المسلمين جراء الحرب الأمريكية تجاوز ال 3 .1 مليون إنسان، وهو الرقم الذي لا تعترف أمريكا به في ما يفهم على أنه عدم اكتراث . وهي الأرقام التي إن أضيفت إليها أعداد الجرحى جراء الحروب الأمريكية وبذلك يصل إجمالي الضحايا إلى 3 .5 مليون إنسان . وبينما تبدو ظاهرياً سياسات إدارة أوباما الذي استبشر بوصوله إلى البيت الأبيض كثير من المسلمين، وبينما تبدو هذه السياسات أكثر إيجابية مقارنة بسياسات إدارة بوش - تشيني الموصومة بالدموية، إلا أن الرصد الواقعي لما يحدث منذ وصول أوباما إلى الحكم على أرض تلك الحروب يأتي بنتيجة معاكسة تماماً، فخارجياً وجدناه يعلن سحب جنود من أفغانستان بجداول زمنية، كذلك في العراق، بينما الواقع يؤكد أنه باق في العراق من خلال القواعد والترسانات العسكرية التي شيدت لأجل غير مسمى، وكان ما يجري سحبه هو القوات المقاتلة والكوماندوز لتحويل معظمها إلى أماكن أخرى كأفغانستان، وفي أفغانستان تم توسعة الهدف الجغرافي ليشمل باكستان مع الاستعداد لمواجهات في اليمن، وحيث يتم حالياً توفير ممرات جوية آمنة لمسار عمليات تنفذ بطائرات من دون طيار هناك، وكذلك في الصومال وصحراء جنوب شمال إفريقيا، مع الفارق أنه في كل هذه التوسعات العسكرية والأمنية الأمريكية تم استحداث طرق جديدة تقلل من الاعتماد على القوات الأمريكية على الأرض، وضاعفت من الاعتماد على المرتزقة وشركاتهم وعلى رأسها شركة "زي" أو "بلاك ووتر".سابقاً وهي شركة مرتزقة قائمة على أفكار صليبية متطرفة . وهذه التوجهات برمتها ستخدم صانع القرار الأمريكي، فهو من ناحية سيقلل من الغضب الشعبي بينما هو مستمر في سياساته . ومن ناحية أخرى سيتمكن صانع القرار من الإفلات من حساب بعض الرأي العام الأمريكي إذ إن الاعتماد على الكوماندوز والفرق الخاصة والمرتزقة أمر يمكن إخفاؤه في أدراج السرية اللازمة لمثل هذه العمليات أو الحروب؛ نعم فصانع القرار الأمريكي يمكنه دوماً استخدام هذا المبرر للاستمرار في حروبه من دون مساءلة شعبية، يساعده في هذا رأي عام بات معظمه أسيراً لتوجهات وآراء تم تكريسها لشيطنة الإسلام والمسلمين ووصمهم بالإرهاب . وإذا نظرنا داخلياً لواقع الأدوات التقليدية الأمريكية للحروب سنجدها قد تعرضت لإعادة هيكلة كاملة، فعلى سبيل المثال لا الحصر سنجد كيف تطور عمل وكالة الاستخبارات الأمريكية وسمح لها بالعمل داخل أمريكا جنباً إلى جنب مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، وكلاهما يعمل داخل منظومة جديدة أسستها هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وتطورت بشكل مذهل على مدى العشر سنوات الماضية، في "السي آي أي" بدأت مؤخراً إضافة إلى ذلك استخدام سياسات القتل، وباتت مسألة الإمساك بالمشتبه فيهم والتحقيق معهم ومن ثم محاكمتهم أمراً عفا عليه الزمن، وقبل أيام سربت تفاصيل هذا الأسلوب الجديد . أيضاً سنجد توسعاً غير مسبوق لمراكز ومكاتب مكافحة الإرهاب في شتى وكالات ووزارات الأمن الأمريكية القديمة والمستحدثة "أصبحت 15 وكالة". ويكفي أن نعرف - على سبيل المثال أيضاً ، أن عدد موظفي مكتب مكافحة الإرهاب في ال "سي آي ايه" كان 300 موظف، فأصبح اليوم 2000 موظف . الأخطر أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها التي أعادت تشكيل المنظومة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية أعطت ولأول مرة في تاريخ أمريكا صلاحيات ل "سي آي ايه" فمنحت موظفيها حق العمل جزافاً كقوة عسكرية، ولكن من دون سيطرة ومن دون قوانين تحاسبهم، وللعلم فهذا التوسع حدث في عهد أوباما وإذا نظرنا إلى مركز قيادة العمليات الخاصة للبنتاغون، فسنجد أن هذا المركز كان عدد أفراده 1200 ووصل عددهم الآن إلى 25 ألف كوماندوز . . وهكذا . أما عن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الوطني الأمريكي وغيرهما، فإن عملهم الذي من المفترض أن يركز على الأراضي الأمريكية إذ إنه قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان معظم عملهم يتركز في مكافحة الإرهاب من خلال ملاحقة ومراقبة وتتبع الجماعات العنصرية الأمريكية أو ما يعرف بالميلشيات البيضاء، وتحول الأمر بعد سبتمبر ليركز على المسلمين الأمريكيين، وبالتالي أصبح كل مسلم على الأرض الأمريكية مشكوكاً فيه إلى أن يثبت العكس، وللحقيقة فإن الإعلام الأمريكي الموجه واللوبي "الإسرائيلي" تحديداً لعبوا الدور الأهم لتجميع قوى اليمين المسيحي الصهيوني للتأثير في الرأي العام ونجحوا في ذلك بشكل كبير، حيث يأتي احتفالهم هذا العام بمرور عقد على هجمات الحادي عشر من سبتمبر تتويجاً لنجاحهم في مرادفة الإسلام والمسلمين بالإرهاب . وإذا نظرنا للخريطة الأمريكية سنجد عدداً كبيراً من الولاياتالأمريكية نجحت في تمرير قوانين تحرم العمل أو اعتناق قوانين الشريعة الإسلامية، وأصبح لفظ شريعة مرادفاً للشيطان، وفيما نجحت برلمانات ولايات مثل لويزيانا وتنيسي في تمرير قانون مناهضة الشريعة، فإن ولايات أخرى مثل أوكلاهوما تحث الخطى لتمرير قوانين مشابهة، وكان برلمان أوكلاهوما قد مرر القانون إلا أن محكمة أوقفت العمل به، والمدهش أن التمرير جاء بعد موافقة 70% من أصوات الناخبين على إقراره . هذا الترهيب بقانون مستحدث جاء على يد محامٍ من أيريزونا يدعى ديفيد أورشلامي قام بصياغة القوانين التي تنتشر في الولاياتالأمريكية الآن لإقرارها، وهو معروف بصلاته بفرانك جافني أحد قادة حملات معاداة الإسلام في الولاياتالمتحدة، وخلال عام سيتم التصويت على هذا القانون في أكثر من 18 ولاية أمريكية، ومن المرجح تحرك باقي الولايات لإقراره .وتبدو حملات كراهية الإسلام والمسلمين الأمريكية في أوجها رغم مرور عشر سنوات على حوادث سبتمبر، فالتشدد تجاه المسلمين بات غير مسبوق وعمليات التجسس عليهم في بيوتهم وأماكن عملهم وحتى في المقاهي والمساجد في تصاعد .وما زاد الطين بلة تدخل قوى الشرطة لممارسة ما يسمى بمكافحة الإرهاب الإسلامي بما فيها القسم الخاص بمكافحة الإرهاب لشرطة نيويورك الذي امتد عمله ليشمل مدناً وولايات أخرى . ويبدو أن وصول مسلمين إلى الكونغرس الأمريكي بالانتخاب أمر مدهش، فهناك عضوان مسلمان بالكونغرس هما كنيث اليسون واندري كارسون، ومع ذلك فالحملات مستمرة وأصبح "الإسلامفوبيا" أحد المواضيع الأساسية في العملية السياسية الأمريكية، وقد شاهد العالم أجمع قبل أشهر كيف أن عضواً بارزاً في الكونغرس وهو بيتر كينج عقد جلسات مطولة استدعى فيها من يشهد ضد الإسلام والمسلمين . وخرج المرشح السابق للرئاسة مايك هوكابي ليقول إن الإسلام هو الشيء المعاكس لتعاليم المسيح، داعياً الكنائس لعدم السماح بوجود علاقة مع المسلمين . كما خرج مؤخراً نيوت غنغريتش رئيس مجلس النواب الأسبق والمرشح في سباق الرئاسة الأمريكية ،2012 وأحد من قادوا الحملة المناهضة لبناء مجمع إسلامي بالقرب من برجي التجارة العالمي، داعياً لفرض حظر على قوانين الشريعة الإسلامية وطالب بقانون فيدرالي عام لذلك . ورأينا أشخاصاً صعّدهم اليمين ومنهم سارة بالين المرشحة لمقعد نائب الرئيس في الانتخابات الرئاسية الماضية تدعو المسلمين "المسالمين" على حد وصفها إلى معارضة بناء جامع في نيويورك، أما المرشح في سباق الرئاسة الجديد هيرمان كيف وهو من أصول إفريقية فقد أعلن أنه في حال انتخابه فلن يعين أي مسلم أمريكي في أي وظيفة في إدارته لأن المسلمين يريدون فرض قوانين الشريعة على أمريكا، ووصف طلب مسلمين لبناء مسجد في تنيسي بأنه شيء يمس المعتقدات الدينية الأمريكية، "لأن المسجد ليس بناء بريد بل وسيلة لتفعيل قوانين الشريعة".أيضاً، هناك عضو في الكونغرس عن ولاية تنيسي افترح مشروع قانون لمعاقبة من يؤيد الشريعة الإسلامية بالسجن 15 عاماً . على أية حال، فإن تصاعد الممارسات ضد المسلمين في أمريكا لا يمكن تلخيصها في كتاب، ولكن من المفيد هنا الإشارة إلى بعض الشطط الذي أصاب عدداً قليلاً من المسلمين الأمريكيين حيث تم استخدام تصريحاتهم المتشددة والمنافية لروح الإسلام الحقيقي كسكين يذبح به باقي مسلمي الولاياتالمتحدة . وفي المقابل نذكر أيضاً هؤلاء لاسيما الشباب المسلمين والأمريكيين من الجيل الثاني الذين أخذوا على عاتقهم الدفاع عن معتقداتهم وحرياتهم التي كفلها الدستور في جامعاتهم وفي مجتمعاتهم، ومن هؤلاء الطلاب بجامعة ايرفاين الذين يواجهون هذا الأسبوع محاكمة 11 من أقرانهم بسبب مقاطعتهم العام الماضي لوجود السفير "الإسرائيلي" في جامعتهم . فهؤلاء وغيرهم بمن فيهم أمريكيون غير مسلمين بدأوا حملة مناهضة لما يتعرضون له باعتباره ينتهك بنود الدستور الأمريكي التي كفلت حق المعتقد، على الرغم من الحروب التي يواجهونها من قبل فيالق يحركها اللوبي "الإسرائيلي" بالتحالف مع اليمين المتطرف وآلة إعلامية في معظمها ملك للملياردير صاحب الفضيحة الأخيرة روبرت ميردوخ . هؤلاء جميعاً يستحقون التقدير، أولاً من مسلمي أمريكا الذين كانوا أنفسهم وفي أغلبيتهم ممن صوتوا لجورج بوش الابن في الانتخابات الرئاسية . لا تزال الشكوك حول اعتداءات 11 سبتمبر 2001 تدور في خلد الكثير من الأمريكيين الذين يعتقدون بأنها كانت مؤامرة دبرتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش بهدف تبرير اجتياح العراق وأفغانستان وأن لا علاقة لأسامة بن لادن بها..هذه النظريات التي لا تأخذ بالتحقيقات الرسمية العديدة والمستقلة والصحافية تقول إن عناصر أمريكيين أو حتى إسرائيليين وضعوا بشكل منسق المتفجرات في برجي مركز التجارة العالمية وفي البنتاغون قبل أن تصطدم بهما طائرات انتحاريين من تنظيم القاعدة وتقول نظرية أخرى إنه إذا كان من الصعب أن تأمر إدارة بوش بقتل مواطنيها إلا أنها لم تفعل شيئا لمنع هذه الاعتداءات في وقت كانت تعرف فيه كل شيء عن التحضير لها وذلك بهدف إطلاق حربين وقمع الحريات العامة في الولاياتالمتحدة ، ورغم من مرور عشرة سنوات علي أحداث 11من سبتمبر مازال يتبناها ويصدقها عدد لا يستهان به من الأمريكيين فقد اظهر استطلاع للرأي أجراه "معهد سكريس هاورد "إن 36%من الأمريكيين يصدقون بوجود مؤامرة نظمت في أعلي هرم الدولة الفيدرالية لتنفيذ هجمات سبتمبر ولم تقتصر هذه النظريات علي الولاياتالمتحدة إذ سرت في العالم الإسلامي وأماكن أخري فقد أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة "ديلي اكسبرس" يوم الاثنين 22 أوت إن واحدا من كل عشرة بريطانيين مقتنع أن الحكومة الأمريكية تورطت بمؤامرة لشن هجمات 11سبتمبر، واظهر الاستطلاع إن 14%من البريطانيين يعتقدون الإدارة الأمريكية تورطت في الهجمات التي أودت بحياة ما يقرب من 3000شخص في الحادي عشر من سبتمبر، وأشارت نتائج الاستطلاع إن البريطانيين يعتقدون أن هناك مؤامرة أوسع وراء هجمات 11 سبتمبر تشمل الحكومة الأمريكية، وأضافت الصحيفة إن نظرية المؤامرة حول هجمات 11سبتمبر كانت أكثر شيوعا بين أوساط الشباب البريطانيين وأيدها 24%من الذين يتراوح أعمارهم بين 16و24عاما ، وأشار الاستطلاع الذي أجري بمناسبة الذكري العاشرة لهجمات 11سبتمبر التي تصادف الشهر الحالي أن أكثر من ثلثي المشاركين أي ما يعادل 68% لا يؤمنون بوجود نظرية مؤامرة وراء الهجمات وفي فرنسا باع كتاب "تييري ميسان" باسم "الخدعة الرهيبة" الذي نشر بعد الاعتداء أكثر من 200الف نسخة ومن جانب آخر فإن الفيلم الوثائقي "تغيير فضفاض " loose change " والذي فاقت نسبة مشاهدته على الانترنت 155مليون مرة بحسب مخرجه "ديلان افيري"يلخص النظريات المختلفة التي تناقض الرواية الرسمية للأحداث ويقول الفيلم إن برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك لا يمكن أن يكون سقطا من جراء اصطدام طائرتين بهما فقط ، كما يشير إلي أن نشاط وول ستريت قبل الاعتداءات يظهر أن بعض الوسطاء ابلغوا مسبقا بهذه الاعتداءات كما يقول إن صاروخا للجيش الأمريكي وليس طائرة هو الذي أصاب البنتاغون. ويقول الفيلم أيضا إن رحلة شركة"يونايتد ايرلاينز"رقم 93 لم تتحطم في ولاية بنسلفانيا وإنما أسقطت أثناء تحليقها، وتقول عدة جمعيات تضم عدة جامعيين ومهندسين ومعماريين أنها تعمل من أجل توضيح حقيقة ما حدث في يوم الهجمات ويعرفون أنفسهم علي أنهم تجمعات لباحثين يسعون لكشف اكبر تلاعب حدث في تاريخ الولاياتالمتحدة علي حد قولهم ويرون أن"المجانيين الحقيقيين هم الذين يصدقوا الرواية الرسمية "كما يقول "ديفيد راي جريفين" كاتب "بيرل هاربر الجديد".. وقال جريفين لإحدى الإذاعات المحلية في كاليفورنيا إنه " إذا اعتبرنا أن المعجزة هي ما يخالف المبادئ العلمية لاسيما الفيزياء والكيمياء فستكون حينئذ حدثت حوالي عشر معجزات على الأقل إذا صدقنا الرواية الرسمية". ومن اغتيال جون كنيدي إلي الشكوك حول جنسية باراك أوباما مرورا بوفاة مارلين مونرو وألفيس بريسلي فإن نظرية المؤامرة لديها تاريخ طويل في الولاياتالمتحدة، لكن من يصدقونها لا يزالون يشكلون أقلية وهم هدف للأشخاص الذين يتصدون لنظريات المؤامرة علي مواقع الانترنت أما المؤرخة "كاثي اولمستد"من جامعة كاليفورنيا دايفز فتقول أنها " تتفهم أن يكون بعض مواطنيها يشككون بالرواية الرسمية نظرا لنظريات المؤامرة التي أعلنتها إدارة بوش حول علاقة صدام حسين بأسامة بن لادن وحول الأسلحة التي كان يملكها الرئيس العراقي السابق"، وأضافت كاثي اولمستد أن"إدارة بوش تلاعبت بالوقائع لكي لا تقول أنها كذبت خلال الحرب في العراق ومن ثم فإن الكثيرين يتساءلون حول ما إذا كان ما قيل بشأن اعتداءات 11سبتمبر حقيقي أم لا.." ويقول "ريش هانلي" من جامعة كيونيبوك في كونيكتيكت نجاح نظريات المؤامرة قد يفسر أيضا بالشعور بالصدمة لدي الرأي العام الأمريكي. ويوضح أنه بعد عشر سنوات لا يزال الكثير من الناس "لا يفهمون كيف إن 19من خاطفي الطائرات والمجهزين بآلات حادة تمكنوا من التسبب بمثل هذه الصدمة “. تطور الأحداث على الصعيد الدولي، خلال ولايتي بوش الأولى والثانية، زاد من قوة حجج المشككين في الرواية الرسمية لأحداث 11 سبتمبر. وقوّى منها الهجوم الكاسح على مدى سنوات عدة، ومن ذلك احتلال أفغانستان والعراق وتقويض السلطة الفلسطينية وإعادة احتلال مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني وتسميم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ومحاولة فرض مشروع الشرق الأوسط الكبير بالقوة، وعدوان تموز على لبنان سنة 2006. وظهرت دراسات وكتب في الولاياتالمتحدة وأوروبا تقدم أطروحات تتحدث عن بحث إدارة بوش عن ذرائع كبيرة من أجل إطلاق حروبها في الطرف الآخر من العالم، حيث الثروات الهائلة والجغرافيات العصية والمعقدة والغنية في الوقت ذاته، إضافة إلى التحدي المستقبلي الذي تمثله القوى الناهضة في شرق آسيا كالصين. وعلى مدى السنوات الماضية، تمحورت الأطروحات حول جملة من الأسئلة والقضايا، منها مشروع «مافيا بوش» لاحتلال العراق قبل 11 سبتمبر، وضرورة البحث عن مسوغات للقيام بذلك، ويعطف الكثيرون هذا التوجه على تصريح وزير الدفاع في تلك الفترة دونالد رامسفيلد الذي رأى أن العراق هو المسؤول عن هجمات 11 سبتمبر، وهناك قراءات كثيرة تتوقف طويلاً عند عائلة بوش وموقفها من العراق، حيث فشل الأب في إطاحة صدام حسين في حرب عاصفة الصحراء سنة 1991 ونزوع الابن إلى الأخذ بثأر أبيه، إضافة إلى ما يمثّله النفط العراقي من إغراء لدى محيط بوش. والأطروحة الثانية تنطلق من العلاقات الخاصة والتجارية بين عائلتي بوش وبن لادن، التي تذهب بعيداً في القدم، ولم تعكرها المسيرة الجهادية التي بدأها أسامة بن لادن بعد عودته من أفغانستان في مطلع التسعينيات، وكان عمادها جمع شمل الأفغان العرب حول مشروع للتغيير بالاعتماد على القوة المسلحة، وهناك واقعة يُتوقّف عندها دائماً، وهي تتمثل في زيارة مجموعة من الاستخبارات الأمريكية لزعيم القاعدة خلال استشفائه في دبي قبل شهرين من هجمات 11 سبتمبر. والأطروحة الثالثة هي مراقبة الاستخبارات الأميركية للمجموعة التي نفّذت الهجمات، وهنا نُشرت كمية كبيرة من المعلومات، تبدأ بإعطاء القنصلية الأمريكية في جدة لتأشيرات دخول لمجموعة السعوديين من القاعدة الذين شاركوا في الإعداد وتنفيذ الهجمات، ثم إن المجموعة التي كانت في ألمانيا، من أمثال المصري محمد عطا واللبناني زياد الجراح، أكدت المعلومات اللاحقة أن أفرادها كانوا تحت مرأى ومراقبة أجهزة الاستخبارات الأميركية والألمانية، ولم يجب أحد على سؤال كيف تسنّى لهؤلاء دخول الولاياتالمتحدة وتُركوا من دون مراقبة، وهم يُعدّون لعمل بهذا الحجم؟ ويضاف إلى ذلك التحقيق الخاص بالمدمرة الأميركية «يو اس اس كول» في اليمن في أكتوبر سنة 2000، والذي انتهى إلى مسؤولية القاعدة، وهنا جرى الحديث طويلاً عن إمكان للحيلولة دون حصول هجمات 11 سبتمبر، ذلك أن الاستخبارات والمباحث توصلتا إلى تحديد هوية بعض مخطّطي الهجوم ومنفذيه وجرى الربط بينهم وبين المسؤولية عن عمليتي السفارتين الأمريكتين في نيروبي ودار السلام في آب 1998، وقام جهازا «سي آي إيه» و «أف بي آي» بتتبع بعض أفراد المجموعة من دبي إلى بانكوك وكوالالمبور، وجرى التجسّس على اجتماعاتهم وتصويرهم. ومن الأمور الغريبة جداً، التي ظلت لغزاً حتى الآن، أن اثنين من هؤلاء، هما نواف الحازمي وخالد المحضار، جرى التأكد من دورهما في العمليات الثلاث، وفي العاشر من سبتمبر عُمّم اسماهما في برقية أرسلت لوزارة الخارجية الأمريكية من أجل عدم تمكينهما من تأشيرة لدخول الولاياتالمتحدة، ولكن المسألة كانت بلا فائدة، لأنهما كانا قد دخلا الأراضي الأميركية قبل ذلك، وشاركا في العملية، وهما من قادا الطائرة التي ارتطمت بجدار البنتاغون. أسئلة كثيرة لم تجد أجوبة حتى اليوم تتعلق بموقف الولاياتالمتحدة من السعودية واليمن في ما يتعلق بالحرب على الإرهاب. ورغم أن واشنطن توصلت إلى نتائج مؤكدة بشأن احتضان الرياض وصنعاء لتنظيم «القاعدة»، فقد استمرت العلاقات كما هي حتى اليوم. وفي الحالة الأولى حفلت الصحف الأمريكية بمعلومات عن تمويل القاعدة من طرف هيئات رسمية سعودية وأمراء من العائلة الحاكمة وإصدار فتاوى من قبل شيوخ السلفية تحضّ على الإرهاب. ويؤكد الصحافي الفرنسي، اريك لورون، في كتابه «الجانب المخفي من 11 سبتمبر»، أن الأجهزة السعودية تتحمّل مسؤولية في 11 سبتمبر، ويتحدث عن وفاة ثلاثة من الأمراء السعوديين بطريقة غامضة، بعدما جرى توجيه اتهامات إلى السعودية بتمويل القاعدة. أسئلة كثيرة لم تجد أجوبة حتى اليوم تدور حول غموض الرواية الرسمية، وتجاوز صدى الأسئلة الولاياتالمتحدة إلى العالم كله. ولم تقتصر الشكوك على الرأي العام، بل أشكل الأمر على أوساط أمنية وأكاديمية وإعلامية. الكل يتساءل عن سبب عدم إقدام سلاح الجو الأمريكي على إسقاط الطائرات المخطوفة، ولماذا أُبعد جهاز المباحث الفدرالية عن التحقيق وأُسند إلى الجيش الذي اعتبر نتائجه من بين أسرار الدولة وتحفّظ على نشره؟ وما هي المبررات التي حالت دون إجراء تحقيق في المضاربات في البورصة عشية الهجمات وبعد وقوعها، ومن هم الذين استفادوا من اختلال الأسواق المالية، هذا إضافة إلى الغموض الذي أحاط بانهيار البرجين، وهل كانت هنالك متفجرات مزروعة في داخلهما؟ والسؤال الأكبر هو ما هي مبررات إصدار قانون يحدّ من الحريات بعد أسبوع من الهجمات..؟.