إن المتغير على الساحة الليبية يفسح عن غموض كمي في التعرف على الحالة السياسية للبلاد مما ينطوي على كثير من العبر التي وجب التنبه لها و هذا ما سنجيب عليه في ثنايا هذه الرحلة التاريخية الإستقرائية البحتة و التي نرصد من خلالها مجموعة من الحواصل و العائدات ذات الأهمية البالغة والتي نحن في مسيس الحاجة لها ، و هذه أول وقفة لنا على ضوء و بيانات هذه المتغيرات . قد يكون لأحدنا التنبؤ المسبق بمقتل القذافي لكن ليس بهذه الطريقة المنهكة لكامل المعايير الإنسانية بغض النظر عن تجريم القذافي من عدمه . من البداهة بما كان أن تطالعنا هذه الركائب الوافدة المسماة بتعبوية الثورة ، والتي تحمل في ظاهرها خدمة الشعار الوطني العام بمقتل القذافي و الذي يعتبر أخر لبنة تحطم في نظام فرخ و عشش لأكثر من أربعين سنة ،و أيا كان الغرض من تحركها فإنه كان يتعين على القذافي التنبه و التيقظ المستميت لفهم و إدراك كم المتغير الحاصل ، وما حصل منه كان معجلا في إنهاء سمات حكمه و طمس كل معالم النظام لمحو فترة يجدها الكثير من المحللين أنها أثقلت كاهل المواطن الليبي في مزاولة حقه الدستوري المفترض. آن لي ان ادعوكم إلى مطالعة موجة ثورية إكتسحت الحجاز إبان حكم عثمان رضي الله عنه و ما تحمله من لبس عميق الدلالة ظل قابعا ومتحجرا في أفئدة جمهور من القراء أيا كانت خلفيته أو مذهبيته في تفسير الأحداث و تأويلها إلى أنساق متمايزة. قد تناهت إلى سمع عثمان رضي الله عنه تجليات تمردية واضحة البيان ، و بدأت التطلعات الثورية تصل أمدها ، و رغم هذا الحيف الذي أصاب عددا ليس بالقليل . إلا أن الرخاء الاجتماعي و كذا العصبية الجاهلية و تآمر الحاقدين و التدبير المحكم لإثارة المآخذ ضد عثمان رضي الله عنه ، و إستخدام الأساليب المهيجة للناس و غيرها من الأمور زاد الطين بلة و أعي به حيلة الصحابة في إتخاذ قرار يفسح المجال لتفاهم وقتي يضمن تكريسا لحق الحوار كقناة تواصلية بين الحاكم و المحكوم من جهة ،و إضعاف الجهد التعبوي الثوري و بالتالي إحباطه و تشتيته من جهة أخرى . والذي أريد الوصول إليه من هذا الكلام و ما سيتبعه هو هل وصل الثوار على عهد عثمان بعد مقتله إلى تطلعاتهم ، التي أرادوا و هل بلغوا مرادهم الذي تحملوا لأجله دم عثمان رضي الله عنه؟ . إنه ليس يخفى على ذي لب مكانة عثمان و مقامه الرفيع في قلوب الصحابة و العامة من الناس و حسبك أن النبي صلى الله عليه وسلم مات و هو عنه راض ، إذا رغم هذه الوجاهة المهيبة لشخص عثمان رضي الله عنه ، وجد الثوار مرتعا مهيئا لتهييج الناس و إدخال الأراجيف إلى قلوبهم و الطعن في حكم عثمان . لذا نراهم أذاعوا بين الناس تلك الدعاوى الباطلة على ألسنة الصحابة كذبا وزورا بالطعن في عثمان و الثلب فيه و التنقص منه . ليس هذا وحسب بل قد بلغ الثوار من التنظيم و التدبير المحكم أن نظموا أنفسهم في ثلاث أمصار هي الكوفة و البصرة و مصر ثم نراهم كيف تغلغلوا الى مدينة المصطفى صلوات الله عليه وسلامه ، بحجة أنهم جاؤوا بدعوة من الصحابة ثم صعدوا الأحداث حتى وصل الأمر إلى قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه . و ليعذرني القارئ هاهنا أنه ما حصل اليوم من ثورات و انتهاكات مجحفة في حق الأبرياء لم يكن إلا تحصيل حاصل ، و هي سنة كونية ليست بالغريبة فكتب التاريخ دوما تطالعنا بأشباه هذا و أكثر ، وهذا ما سنضمنه حلقاتنا المقبلة بإذن الله تعالى في سيرورة القراءة التاريخية لفحوى لمجريات الأحداث القائمة على مستوى الواجهة العربية تحت مسمى الربيع العربي أو الصيف العربي أو الخريف العربي و سمها ما شئت أن تسمي . ثم إني لا أقارن إلا في علل الثورات ونتائجها لا بين الشخصيات فلا يعقل أن نماثل بين القذافي وعثمان فهذا عين الحمق في رصد الحقائق و مخطئ من ظن أن هذا قصدنا . .../... يتبع (*) طليبي محمد / دراسات عليا في التاريخ