ما يزال قطاع التشغيل يبحث عن نفسه ويسيل الكثير من الحبر، اثر الاتهامات المباشرة للمسؤولين وطرق التوظيف التي ينتهجونها، والتي غالبا ما تكون خارج الإطار القانوني، وباستعمال حيل لإبعاد الشبوهات وقد أرادت "النهار" تسليط الضوء على هذا القطاع ونزلت للشارع الجلفاوي لأخذ رأي الشباب عن سياسة التشغيل بولاية الجلفة التي عرفت مؤخرا العديد من الفضائح، أبطالها مسؤولين وضحاياها أبناء المنطقة وقد سمعنا حكايات الشباب مع مناصب عرضت للبيع وأخرى وزعت للأقارب، ولم يجدو طريقة للتعبير عنها سوى بمحاولة الانتحار أو الاعتصام أمام الإدارات وهي اللغة الوحيدة لإسماع صوتهم أمام صمت المسؤولين المحلين عن هذه الفضائح، التي بدأت تتسع رقعتها مع مرور الوقت، حتى أصبح يضرب بها المثل. مناصب في المزاد العلني بداية هذه الجولة كانت عبر الاستماع للعديد من الشباب الذين هم ضحاياتلاعبت الإدارة بمناصب شغل كما يقول أحد الشباب؛ '' لقد ترشحت لمنصب بإحدى إدارات الجلفة، لكني تفاجأت بعدم استدعائي بالرغم من أن جميع الشروط القانونية مستوفاة، ويضيف أنه لم أتجه إلى الإدارة، قالوا أن ملفك غير موجود إطلاقا وبالرغم من أنه يملك وثيقة تثبت أنه أرسل ملفه عن طريق البريد، لكنها لم تشفع له كحجة، وغالبا ما تنهج بعض الإدارات هذه الطرق، لإبعاد المترشحين عن المسابقات، ولكي تكون على المقاس المطلوب ويرى شاب آخر وهو خريج جامعة، أن أغلبية المناصب المالية التي تعلن عنها الإدارة، محسومة مسبقا ويستدل بإحدى المسابقات التي ترشح فيها، حيث يشاع قبل المسابقة أشخاص معينين للفوز بمنصب محاسب إداري رئيسي، لكنه أراد أن يشارك بالرغم من أنه يملك خبرة عامين في مجال المحاسبة، إلا أنه فعلا تحصل هؤلاء على هذه المناصب، وهذا دليل على أن جميع المناصب المالية محسومة مسبقا، بالرغم من شعارات الشفافية التي يحملها بعض المسؤولين، التي غالبا ما تتبخر في الكواليس... من جهة أخرى يرى الشاب "محمد.د" وهو خريج معهد، أن الرشوة هي المفتاح الوحيد للحصول على المنصب المطلوب، وقد سألناه كيفية تسليم واستلام المنصب يقول أن هناك وسطاء أغلبيتهم معروفين، الذين يكمن دورهم في استلام المبلغ المطلوب، والذي غالبا ما يكون بعد مأدبة عشاء في إحدى المنازل، وبدوره يسلمها للمكلف بالمناصب المالية في الإدارة، ويتراوح سعر المنصب المالي على حسب طبيعة المنصب؛ فالحارس يتراوح سعره مابين سبعة إلى عشرة ملايين، أما منصب الإدارة فيكون مرتفع، حيث يتجاوز 12 مليون سنتيم، ويوجد سلم خاص يعرفه هؤلاء الوسطاء، وبعدها يتم نسج العملية التي غالبا ما يتم تضخيم النقاط في حالة المسابقة على أساس اختبار، وقد تحولت بعد القانون الجديد في التوظيف جميع المسابقات الإدارية لمسابقات على أساس الاختباره، ما يسهل عملية التلاعب في اعتقاد الشباب، ويتورط في هذه العملية أصحاب بعض مراكز التكوين المهني، التي غالبا ما تجرى فيها الاختبار. الشبكة الاجتماعية والتشغيل وأشياء أخرى لأبناء المنطقة يرى أغلبية الشباب الذين التقينا معهم، أن أبناء المنطقة يستفيدون من الشبكة الاجتماعية أو التشغيل الشباب فقط، في حين أن المناصب المالية المفتوحة يخطفها أناس من خارج الولاية، وتكون غالبا من المنطقة التي يسكنها بها المدير التنفيذي للقطاع حيث يجلب معه أبناء منطقته لأخذ هذا المنصب المالي، ويقوم بدوره تحويله إلى ولايته في حالة مغادرة المدير الولائي، بينما يستفيد أبناء المنطقة من الشبكة الاجتماعية التي تتزاحمون عليها بطوابير طويلة، حيث تحولت في الآونة الأخيرة إلى شبه مستحيل للحصول على منصب في إطار الشبكة الاجتماعية، نظرا لإقبال الشباب عنها وشح المناصب الممنوحة للبلدية، أما باق الشباب الذي لم يتحصل على منصب في إطار الشبكة الاجتماعية، فيتجه إلى العمل في إطار ورشات العمل، متعرضا لجملة من الحوادث في غياب التأمين، ويستفيد فقط من العمل الشاق، بينما يختار بعض الشباب العمل في المقاهي للتنظيف أو غيرها، في حين يختار البعض الآخر من أبناء المنطقة، وضع طاولات لبيع السجائر أو بيع الألبسة في وسط المدينة، وتطاردهم الشرطة من مكان لآخر، وقد حاول أحد شباب الجلفة الانتحار منذ حوالي أربع شهور، بعد أن طردته مصالح الأمن من وسط المدينة، حيث كان يمتهن بيع الإكسسوارات، فلم يجد طريقة أخرى للتعبير عن غضبه، سوى خنجر حاد وضعه على جسده، محاولا الانتحار بعد أن ضاقت به السبل لعدم حصوله على عمل مستقر. الاحتجاج الصوت الوحيد للشباب لم يجد ضحايا التوظيف، طريقة للتعبير عن سخطهم حول عمليات التوظيف المنتهجة، سوى الاحتجاج أمام بعض الإدارات، من أجل إسماع أصواتهم للمسؤولين وهو ما حدث مؤخرا في إحدى الإدارات التي وظفت المئات من العمال بدون المرور بمسابقة أو استدعاء المترشيحن، حيث تم توزيع هذه المناصب على شكل وسطات للمسؤولين الداخليين، حيث استفاد المدارء ورؤساء المصالح من عشرات من المناصب وزعت لأقاربهم فقط، وهو ما تأكد منه فعلا من خلال التحقيق الخفيف الذي قمنا به هناك، فاكتشفنا أن بعض المسؤولين البسطاء منحوا مناصب لأقاربهم ويتحججون '' الأقربون أولى بالمعروف ''، حيث أصبحت شعارا للمسؤولين، وبالرغم من أن المسؤولين الكبار بالولاية يعلمون بهذه الفضائح، لكنهم "كالأطرش في الزفة"، أو ربما تكون لهم كواسطة أو استعمال أسلوب آخر للضغط على هؤلاء، كما حدث في إحدى مسابقات التوظيف التي أسالت الكثير من الحبر بالجرائد الوطنية، والتقارير الأمنية التي فضحت سير هذه المسابقة، لكن تم تمريرها بشكل كأنه لم يحدث أي شيء، بإيعاز من مسؤولين كبار على مستوى الولاية، بالرغم من أن الوزارة أوقفت المسؤول المكلف بالتوظيف، على خلفية فضائح التوظيف التي صنفت أخطاء جسمية فقط، ويبقي قطاع التوظيف بولاية الجلفة الذي يستيقظ كل يوم على فضيحة جديدة، عنوانها مناصب للبيع، ومن يدفع أكثر له المنصب الأكبر، وهكذا هي الحكاية.