لم أشرع في كتابة هذا المقال الا بعد ان تأكدت من ان مغالطات وأخطاء كبيرة ترسبت على تاريخ الجلفة وانتشرت عبر المدونات في الانترنت والكتابات الخاصة و اخذت بها حتى الجهات الرسمية كمديرية الثقافة و السياحة ......و الغريب في الامر هو وقوع حتى الاكاديميين منهم في هاته الاخطاء ،و كوني مهتم بتاريخ الجلفة و حرصا مني على اثارة هذا الموضوع لمحاولة تصحيح الاخطاء الشائعة وتدارك القصور الواضح في كتابة تاريخ الجلفة عبر العصور و عدم الاكتفاء بما و رد من محاولات لبعض الافراد للحديث عن تاريخ الجلفة ، سأحاول في هذه العجالة طرح بعض التصحيحات و التي اتمنى ان تحث على محاولة جادة لكتابة تاريخ الجلفة بأيادي مختصة و ان تثير جدلا علميا في المجال التاريخي. - من بين الاخطاء الشائعة وجود اثار تركية (عثمانية ) و اخص بالذكر ما يصطلح على انها من عمل الاتراك كحارة عين الابل و الحقيقة انها بقايا حصن فرنسي بني في حدود 1860 م بالقرب من مرتع القوافل (caravansérail ) المشهور بلا ساس (sas) و الذي كان مقر للفوج الرابع للرماة الجزائريين ( 4 eme régiment des tirailleurs algériens ) من 1958 الى غاية 1962، ورد ذكر البرج في رحلة السيد زايس (M.Zeyes)،رحلة من الجزائر الى ميزاب، 1886. ونفس الشيء بالنسبة للحصن المعروف بدار البارود بالجلفة (fortin Bruyès) لا يمت بصلة للأتراك و انما بني في حدود 1871م . و لتوضيح الصورة جيدا فان قبائل اولاد نايل و ما يتبعها من قبائل موالية ضلت قبائل ممتنعة على حكم الاتراك و ان الحكام الاتراك كانوا يلجؤون الى ما يعرف بالمحلات التركية و هي جيوش صغيرة مشكلة من عساكر اتراك و افراد من قبائل المخزن اي القبائل الموالية تخرج في الربيع و الخريف لجمع الضرائب، و كان تعداد الفرسان بها من 500 الى 1000 فارس و كانت دائما تجد مقاومة من اولاد نائل و في كثير من الاحيان تفر منها كونها اكثر تسليحا و عدة و كونها كذلك قبائل بدوية تستطيع تغيير مواطنها . امتناع قبائل اولاد نايل و ما يتبعها من قبائل موالية ،كان يجبر بايات الشرق و الوسط الى استعمال القوة في العديد من المرات لجمع الضرائب ، و تذكر كتب التاريخ ان اولاد نايل قتلوا اثنان من البايات، و كانوا في غالب الاحيان يتجنبون مواجهة المحلات نظرا لقوة تسليحها ، حيث كانوا يضعون الشواف في الاماكن المرتفعة لينذر العشيرة قبل اقتراب العدو حتى لا يأخذهم الأتراك على حين غرة، و كانوا في بعض الاحيان يضطرون الى مواجهة عساكر الترك اذا لم يتسنى لهم الرحيل سريعا او اذا كان هناك عدة فرق من الاعراش المتعاونة، و كانت الاستراتيجية في القتال بجعل الابل و قطعان الاغنام في المقدمة و التقدم بها نحو العدو كدرع واقي الى حين انطلاق بنادق العدو، ثم يهجمون نظرا لافتقارهم للأسلحة النارية التي لم تكن واسعة الاستعمال لدى قبائل اولاد نايل خاصة في نهاية القرن السادس عشر و بداية القرن السابع عشر ،و كانت اسلحتهم في الغالب من الرماح و السيوف و المقالع (مقلاع) . و الاصح ان منطقتنا لم تنتمي فعليا لحكم الاتراك الافي حدود سنة 1775 م و انه لا توجد اي اعمال عمرانية للأتراك في نواحينا و ان اقرب مكان توجد به بقايا للأتراك هو قصر البخاري. - كذلك من الاخطاء الشائعة اعتبار الاثار الموجودة ببلدية زكار رومانية و اخص بالذكر تلك القرى المهجورة على سفوح الجبال و الحقيقة ان ما يوجد في زكار من اثار هو اثار ما قبل التاريخ و بقايا قرى بربرية (فروع زناتة ) هجرت لعدة اسباب لعل اهمها الزحف الهلالي على المنطقة، و التناحر الداخلي بين العائلات القوية و يمكن الجزم بعدم وجود اي اثار رومانية في تلك المنطقة . - عمورة بلدة موغلة في التاريخ سكنها البربر خاصة غمرة و هم فرع من قبيلة زناتة الكبيرة و تمكن منها البدو كذلك و لجات اليها عائلات من بني جلاب من نواحي بسكرة و سكنها اولاد نايل فيما بعد لكن ما يهمنا هنا هو الحديث عن ساعة شمسية (cadran solaire ) في عمورة تنسب للرومان ،هذا النوع من الساعات كان منتشرا بين كل شعوب ذلك الوقت كما ان مظهر تلك الساعة يوحي بانها من صنع محلي لان تقنية الرومان في نحت الحجارة معروفة و مخالفة لنمط تلك الساعة. - موقع كاستيلوم ديميدي الكثير من اشار الى انه بني في 198 ق م و الاصح 198 بعد الميلاد في فترة حكم الملك الروماني ذو الاصول الافريقية سبتيموس سيفيروس (septime sévère ) ،لان الرومان لم يتوغلوا في شمال افريقيا الابعد مقتل بطليموس ابن يوبا الثاني اي 40 سنة بعد الميلاد ،هذا الموقع مهم جدا بالنسبة لتاريخ الجزائر في العهد الروماني ،و مشهور جدا عند المؤرخين المختصين للأسف الشديد هناك خطا كبير في تحديد هذا الموقع حيث يعتقد الكثير انه تلك الاثار الموجودة في قعدة دمد و هذه مغالطة كبيرة مع ان ذلك الموقع وجدت به بعض المقتنيات ذات الاصل الروماني الا انه ليس الموقع الروماني الذي اجرى فيه العالم جيلبار شارل بيكار (Gilbert Charles picard ) حفرياته من سنة 1939 الى غاية 1941م. تم ذكر الحصن لأول مرة من طرف الطبيب ربود (Dr :Reboud) سنة 1856م و كان يعرف آنذاك بقصر البارود لان السكان في ذلك الوقت كانوا يستخرجون منه ملح البارود عبر حفر حفر عميقة فيه. يدخل هذا الحصن ضمن منظومة دفاعية وضعها الرومان لحماية حدودهم من قبائل الجيتول في الجنوب ، تدعى هذه المنظومة بخط الليمس الموريطاني ، الغرض منها مراقبة قبائل الجيتول و مشارف الصحراء من اي تقدم للقبائل البدوية ضد الضيعات (المزارع) الرومانية في الشمال ،و قد تحدث العالم قزال (Stéphane gsell) عن وجود بعض المواقع في تراب الجلفة من مخلفات التواجد الروماني اما الموقع الاصلي لكاستيلوم ديميدي فيقع بالقرب من واد مسعد و لم يعد له اثر كبير بعد مرور الطريق عبره ،و لفظ ديميدي ليس قائد روماني و انما اسم المكان ذو الاصل البربري. - من الاخطاء الشائعة فكرة ان مدينة الجلفة بنيت في 40 يوما و الاصح أن ما بني في 51 يوم (المدة الاصلية)هو الاجزاء الهامة من الحصن الذي بناه الجنرال يوسف رفقة الجنرال مرقريت (margueritte ) اي سور الحصن (fort caffarelli ) و بعض الاجزاء الاخرى بمساعدة 40 بناءا من الفوج الخاص بالأعمال و البناء (60e de ligne) و ان المدينة تشكلت بمرور سنوات عديدة على صدور المرسوم الخاص بإنشائها بتاريخ 20 فيفري 1861م . - زنينة بلدة قديمة ممتدة في التاريخ سكنها البربر و تغلب عليها العرب فيما بعد حيث سكنها البدارنة و ربما يقصد بها بدرانة و هم فرع من بني سليم تحدث عنهم ابن خلدون على انهم حلفاء لبني المهلهل ، لا توجد بها اثار رومانية كما ان الحديث عن قائد روماني يدعى ساردون هو من قبيل الاسطورة ، و الاقرب ان كلمة سردون كلمة من اصل امازيغي و تعني البغل (شكل جبل سردون من بعيد). هناك مكان يقع بالقرب من زنينة و يدعى (رقوبة القيلال) يعتقد في كونه يحوي اثارا رومانية حيث لا يمكن الجزم بذلك الا بإجراء حفريات و دراسة نوعية الفخار المشكل لبقايا الجرار (étude des tessons ). - منطقة الويصال: و هي مساحة كبيرة من الاراضي ، تنحصر بين المجبارة و مسعد و جبل بو كحيل ، ما لفت انتباهنا الى هذا الاسم هو ورود اسم الويصال في احد المواضيع التاريخية على اساس انه عسكري فرنسي يدعى لويس قتله اولاد نايل قرب قرية عين الناقة ، الا ان ذلك بعيد عن الحقيقة. و الاصح ان العسكري الذي نتكلم عليه هو الضابط بوا جيلبار(bois Guilbert) الذي تم القضاء عليه و الذي كان رفقة قائد المكتب العربي للجلفة كولونا اورنانو (colona ornano) بتاريخ 12/10/1854 في انتفاضة اولاد أم الاخوة الذين لبوا دعوة الجهاد التي نادى بها شريف ورقلة محمد بن عبد الله التلمساني اطلق اسم هذا الضابط على الشارع الرئيسي للجلفة ابان الاحتلال و اليوم يحمل الشارع اسم قائد المقاومة الجزائرية الامير عيد القادر. اما بخصوص مصدر اسم الويصال فالقصة كما يرويها البعض ، انه كان في وقت من الاوقات قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر، كان يعيش في المنطقة المعينة (الويصال) خادم زنجي لقبيلة الارباع يدعى لوي و كان ضخما قويا يقطع سبيل المسافرين و القوافل، و لم يتمكن الناس من وضع حد لتصرفاته حيث جرت على الالسن ان لوي قد صال و جال و لم يجد من يوقفه عند حده، الى ان قضي عليه من طرف مجموعة من فرسان اولاد نايل و بقيت ذكرى لوي صال.(رواية المترجم العسكري أرنو) و هناك من قال لي ان المنطقة المعنية منطقة ويصال بين مسعد و سهل المعلبة الخصب. للحديث بقية.