في مكتب صغير منعزل جلس فتى في صبح الحياة يتأمل في سكينة وهدوء قصصا بين يديه كان قد كتبها فيما مضى من الزمن، لتروي سيرته، و تحكي مغامراته في مملكة النساء، أو ربما تحاكي الخيال في الحب المثالي الذي كان ينتظره منذ زمن طويل، كذا مرت ساعة، كانت لحظات أحلام مستحبة في عوالم أخرى صنعها لنفسه، حتى دخلت عليه فجأة فتاة عشرينية معتدلة القد ثابتة الخطوات مرفوعة الهامة كأنها فرس جامح لم يروض ولم يمتطه فارس بعد، نظرت إليه وقد ملأت المكان أنوثة مجنونة طردت الأشباح الراقدة في فضاء تلك الغرفة، هو الأخر لم يستطع مقاومة سحر نظراتها وهي تخاطبه جاعلة عينيه أذانا تفقه لغة الجمال، ولاتسمع صوتا آخر غير ما تعزفه شفتاها لحنا يطرب الأنفس ويسمو بها إلى اللاشعور، كانت تتحدث مبتسمة ووجهها مشرق أنار المكان وطرد الظلام ومعه الأحزان، وهو يستمع إليها وقد استشعر لأول مرة أنوثة فتاة وحقيقة أن تكون المرأة أنثى قبل كل شيء، يتابع حركاتها وهمساتها وحتى لحظات سكونها، لقد كانت أول مرة يخاطب فيها أنثى ولم يتردد في إخبارها بذلك: "أنتِ حقا أنثى ولم يراودني هذا الإحساس مع كثير من الجميلات التي التقيتهن، ورغم سحر جمالهن إلا أنني لم أستشعر فيهن كل هذه الأنوثة الصارخة التي تفيض منك ! " - أجابته الأنثى برقة: "لا تبالغ في وصفك لي، قد أكون حقا جميلة، ولكن هناك من هن أجمل بكثير مني " - يا "حبيبتي"، كل ما أحسه في هذه اللحظة لن ينطق به إلا قلب رجل مزقه الحرمان، وكبلته قيود الرهبة والخوف من كل من تدعي الأنوثة في ظاهرها وقد تجردت منها في أعماقها، فصارت كالجماد المتحرك بلا روح مثل شمعة أو مصباح منطفئ، أما أنتِ فجمالٌ بروح إنسان كما الشمس بنورها المتجدد" ثم همت الفتاة وانتفضت من مكانها تبغي الرحيل، وقبل خروجها من باب المكتب استدرك الفتى نفسه بشجاعة وطلب منها رقم هاتفها، لم تتردد الحسناء في كتابته على جزء صغير من ورقة، ومدت يدها نحوه لتعطيه له، فأخذه الفتى منها وقد لامست أطراف أصابعه يدها الناعمة، ثم ودعها وغادرت الأنثى تلك الغرفة فعادت الأشباح مجددا تغدوا وتروح من مكتبي، وما كانت الأشباح تشبه الأشباح بل كانت مجرد زميلاتي في العمل.