اللقاء المقتضب الذي جمعنا مع المجاهد الدكتور الصديق منسل في مكتبه بحيدرة، كشف عن حقائق مهمة رتبها الدكتور في كتاب فصّل فيه مرحلة مهمة من كفاحه ضد المستعمر، وكشف من خلاله عن حقائق لم تذكر إلا في سياقات أخرى لم تكن لتفسر تلك الحقائق بالشكل اللائق بها. وما فاجأنا به حديثه عن العقيد بن الشريف، وكيف أن هناك تفاصيل أخرى في حياته سيكشفها هذا الكتاب الذي هو عبارة عن مذكرات الرجل الواقعية ضمن حياة لمسها وتحسسها واستنشق كل أجوائها الصحيحة والسقيمة، الدافئة والباردة، بما فيها من زيف وحقيقة، وصراعات داخلية وخارجية، ومواقف وبطولات، وأوهام واغتيالات، ومناوشات واختباءات، وفرار ومواجهات، كل ذلك وغيره في مذكرات وصفها الدكتور الصديق منسّل بكشف القناع عن أسس ظلت طويلا قواعد في اعتقاداتنا وما هي سوى أوهام صنعها من أراد أن يختبئ وراء النياشين. كما أن هذه المذكرات ستقدم تجربة حياة بواقعيتها الإنسانية وما يترتب عنها من أفعال وأقدار وملابسات. الدكتور صديق منسّل رئيس حزب اتحاد الوطنيين الجزائريين يحمل دكتوراه في الطب وشهادة في العلوم السياسية وأخرى في الحقوق، لُقب برجل الكواليس (كما كان يدعى إبان ثورة التحرير)، التحق بصفوف جيش التحرير الوطني عام 1956 بالولاية الأولى الأوراس (النمامشة) بعد عمليات فدائية بمدينة تبسة، وهو ابن وشقيق شهيد إبان ثورة التحرير، أصيب بجروح بليغة في معركة مع العدو الفرنسي بالجبل الأبيض (الجرف) بالمنطقة السادسة في الولاية نفسها، مما اضطر إلى علاجه بتونس ويوغوسلافيا. في سنة 1958م بعث من طرف القيادة الثورية لتلقي تدريبات خاصة لفائدة الثورة الجزائرية المجيدة، ثم عاد إلى صفوف جيش التحرير الوطني عام 1960م، والتحق بقيادة أركان جيش التحرير الوطني بمدينة غرديماو، تحمل بعد الاستقلال مسؤوليات عديدة في جميع القطاعات الوطنية والإدارية. ترشح الى رئاسيات 1999 وحصل على 88 ألف إمضاء فلقب l'homme de la providence وانسحب ترشحي هو وجهة نظر أخرى لفئة مهمة من الشعب الجزائري خاصة لأولئك الواعين بتجديد الوجوه السياسية والخروج من جلباب الوجوه التي تقادم عنها الزمن.من الرئاسيات بطلب ملحوح من بعض إطارات في الدولة وزملائه في النضال وكذا بعض الحقائق التي سيكشف عنها في مذكراته. يعتبر مؤسس حزب تحالف الجزائريين الوطنيين 1999م، وانسحب منه سنة 2012م، وبإلحاح من المواطنين الغيورين على وطنهم أسس حزب اتحاد الوطنيين الجزائريين سنة 2013م. في لقائنا معه سنكشف عن ملامح ما يحمله من حقائق وحيثيات في مذكراته التي ستصدر قريبا. في البداية أود أن أسأل عن الفترة التاريخية التي عالجتها خلال صفحات الكتاب؟ أولا الكتاب لم يصدر بعد، فأنا في إطار برمجته ضمن منظور تاريخي مهم، كي يكون للباحث عن التجربة الحقيقية القدرة في التوغل داخل هذه السياقات بشكل سلس ومنطقي. فقد عالجت في الكتاب وهو بطبيعة الحال جملة من المذكرات والحقائق المعاشة فترتين، الأولى من سنة 1956 إلى 1962م وهي فترة السلاح وتجربة للفهم السياسي فيما بعد، والثانية من 1962م وما بعدها وهي فترة البناء والتشييد، لقد التحقت بصفوف الجيش في سنة 1956م، وذلك بعد عملية قمت بها قادتنا إلى الالتزام بمبادئ الكفاح المسلح والعمل مع نظام التحرير للوصول إلى جزائر مستقلة، وكنت ضمن الولاية الأولى والمنطقة السادسة تحديدا(تبسة)، وأقول دائما أن كل من انتمى حقيقة إلى صفوف جيش التحرير الوطني آنذاك وكافح في الجبال وبقي حيا لا بد أن يكون قد أخذ شهادة تلك المعارك، وهي شهادة تطبع على جسده، من جروح عميقة أو إصابات بالغة وواضحة وغير ذلك، هذا ما أسميه أنا شهادة الكفاح المسلح. وكل من يسأل عن شخصي وبكل تواضع لله وللوطن أن يتحقق من ذلك من خلال السجل في وزارة الدفاع. وأشير إلى أن المرحلة الثانية التي تطرق إليها الكتاب هي مرحلة ما بعد الاستقلال، وتجربتي من خلال تقلدي لبعض المناصب السياسية والتقنية، من بينها التنظيم والتخطيط في الإدارة الجزائرية وكنت ألقب برجل الكواليس لما كنت أقدمه من آراء صائبة وناجعة وفاعلة في تحريك كل الأعمال الشائكة، كما أن الرئيس بومدين كان يلقبني بأبو ذر الغفاري لأنه كانت هناك أمور دقيقة وحساسة تحتاج إلى السرية التامة من أجل نجاحها لمصلحة الوطن ومصلحة الجزائر والاقتصاد الجزائري، فالشركات التي أنشئت آنذاك تقريبا كلها كانت تحت متابعتي الشخصية، بداية من سوناطراك، وسوناكوم، سونيباك، ميناء الجزائر، المطار، وإلى غاية بحرية المشاة، وغير ذلك، فكانت لدينا آراء مهمة في كل المنشآت الفاعلة ودور مهم في المراقبة والتسيير. في لقاء آخر سيحدثنا الدكتور المجاهد الصديق منسّل عن وقائع تاريخية مهمة في حياة العقيد بن الشريف وما تحمله من تفاصيل موثقة. هناك بعض القضايا التي ما تزال غامضة في تاريخ الجزائر، ولكن السند التاريخي والمنطقي لم يتوفر لينزع عنها الغموض، كإعدام العقيد شعباني، ومقتل الرئيس هواري بومدين وغير ذلك، هل في الكتاب حقائق تكشف بعض هذه الملابسات؟ العقيد شعباني قتل بأمر من "بن بلة" وتفاصيل قتله ستجدها بين طيات الكتاب، لأن هناك ما يقال حول هذه العملية التي ذكرت بعض تفاصيلها في عدة جرائد، أما بومدين فقد سمم في الطائرة عند رجوعه من العراق، وستكون هناك تفاصيل عديدة وجديدة بحول الله، آنذاك كان معه أحد المصورين، طلب منه بومدين أن يأخذ له صورة جميلة، وقال له بالحرف "كي يتذكرني الشعب الجزائري". وستجد في الكتاب من الوقائع المثبتة ما يجيب عن الأسئلة الغامضة والملحة أحيانا. علمت أنك ترشحت من قبل للرئاسيات، كيف تصف هذه التجربة؟ وهل ستترشح هذه المرة؟ سنة 1999م ترشحت للرئاسيات وقد جمعت 88000 امضاء، لكن تم تهديدي بالموت وانسحبت، وكل هذه الأحداث التي ذكرتها بالأدلة، وقد كتبت عنها الصحافة أيضا، فقد كانت مشكلة بيني وبين آيت أحمد، وحدث تشويش بيننا كتبت عنها الجرائد وحتى التلفزة آنذاك والصحافة الأجنبية، وقد كان انسحابي رفضا للوضع السياسي العام حينئذ، لأن اللعبة لم تكن واضحة ولم تكن مسيرتها في الأطر الصحيحة، وطلبت من أغلب المترشحين الانسحاب وترك المنافس الأوحد لا منافس له، لكنهم لم يأخذوا برأيي ودخلوا فضاء لا أريده شخصيا، بل وقلت للرئيس بوتفليقة في يوم ما أن لدي الحقائق والتاريخ والوقائع التي تدخل ضمن تفاصيل أعمالهم، لكنني في حقيقة الأمر وكما قلت سابقا هددت من طرف جماعات إسلامية لا أدري منبعها الحقيقي، وكنت تحت حراسة الجيش لفترة مهمة. إن هذا الكتاب بعيد عن الصخب الذي لا فائدة منه سوى نشر القلاقل وتزييف الرأي الصحيح، إنه قفزة نوعية داخل سياق التاريخ الجزائري، وهو نظرة مختلفة منحتها لنا ديمقراطية الرأي والرأي الآخر، ولم يكن هذا الكتاب مجرد رأي بل هو حقائق مثبتة بالأدلة القاطعة. أما فيما يخص ترشحي اليوم، فإن الوضع السياسي يدعو إلى تفعيل المشاركة من جديد لا لشيء إلا من أجل تأدية دورنا السياسي في الأطر القانونية والسياسية التي يدعو لها الوضع من أجل بناء الجزائر وتسييرها في المسار الصحيح، ولأن ترشحي هو وجهة نظر أخرى لفئة مهمة من الشعب الجزائري خاصة لأولئك الواعين بتجديد الوجوه السياسية والخروج من جلباب الوجوه التي تقادم عنها الزمن، وقدمت كما يقال "حنة يديها"، نحن اليوم لا نبحث عن الصراع، بل نحطم الصراعات التي تخدم مصالح القلة وتهمش شعبا جزائريا لا زال ينتظر الاستقلال من وجوه ظلت طويلا تؤسس لرداءة نحن نرفضها رفضا قاطعا. الشعب كثيرا ما تشتغله البهرجات الإعلامية لرجال هم بعيدون عنه، ونحن لا نسعى إلى تلميع أسمائنا لأنها فعلا لامعة من خلال مشوار ثوري مهم لم يكن طموحنا من خلاله إلى رئاسة أو إلى جاه بقدر ما كنا نسعى فعلا إلى إخراج الجزائر وخيراتها من براثن الاستعمار. ولأنني أومن بضرورة التغيير، ولأنني أومن بمنهجي القيادي، ولأنني أفهم الوضع السياسي العام وأنا قريب منه جدا، لذلك ترشحت من أجل جزائر أخرى نمحو داخلها كل الطبقات الفاسدة بالعمل والاهتمام بالثروة الحقيقية وهي الشباب، فإما أن نبني شبابا مثمرا صالحا محبا لوطنه، وإما أن نبني شبابا محبا للمال ولا جزائر في قلبه. السؤال الذي قد يطرحه معي العديد من القراء والمتابعين لجريدة "الجلفة انفو"، لماذا سيصدر هذا الكتاب في هذه الفنرة بالذات؟ وما الغرض من ذلك؟ أنا تعلمت من خلال تجربتي المتواضعة أنه لكل مقام مقال، ولا تصدر الأشياء هكذا اعتباطا دون مناسبات ودون أسس تتعلق بكل إصدار، ولذلك لا يكون كتابي هذا حملة انتخابية، لأن هذه الحقائق أحملها منذ زمن طويل، ولو كانت كذلك لقدمتها في الترشح الرئاسي الأول لي سنة 1999م، ولأن المناسبة التي يتأهب الكتاب للصدور ضمنها، هو هذا التحول السياسي والتغيير الذي يتطلبه الوضع الراهن من أجل جزائر متطورة وديمقراطية فاعلة، ستمتهنها الجزائر فعليا خلال الاستحقاقات القادمة.. إن هذا الكتاب بعيد عن الصخب الذي لا فائدة منه سوى نشر القلاقل وتزييف الرأي الصحيح، إنه قفزة نوعية داخل سياق التاريخ الجزائري، وهو نظرة مختلفة منحتها لنا ديمقراطية الرأي والرأي الآخر، ولم يكن هذا الكتاب مجرد رأي بل هو حقائق مثبتة بالأدلة القاطعة. وليس عيبا أن نتخير لمنتجاتنا الفكرية والتاريخية المناسبة التي تليق بمقامه ويليق بمقامها.