الطريق إلى حد الصحاري في حد الصحاري، تأخذك الصورة البانورامية للمنطقة إلى أقصى أماكن الماضي، يتعانق التاريخ بما شاهدناه في استطلاعنا من معالم وبقايا أثرية (للفيلاج القديم) أو القصبة و(الأقواس) حي ينبض بعراقة وأصالة مثل القلب، شاهدا في أجندة الإهمال لمكاتب مسؤولي الثقافة في البلد· ونحن نتجول في زقاق مثل المتاهات في الحي العتيق قيل لنا أنه كان ذات مرة قلب حد الصحاري ولكن في حقبة الثمانينات لجأ السكان في شبه هجرة جماعية إلى الجهة الغربية حيث انتقل العمران وتفاعلت حركية التجارة، شاهدنا (مباني الأقواس)· يقول لنا محدثنا أن الجنود الفرنسيين كانوا يأتون من عين بوسيف بولاية المدية في ثلاثينات القرن الماضي على خيولهم، فيربطونها على أعمدة هذه الأقواس·· بنايات قديمة هي قطعة من التراث، تداخلت الأزقة المشيدة بالحجر، أبواب خشبية من الصنف العتيق هي الأخرى مازالت تحرس بحالة من النوستالجيا البيوتات المهجورة في غالبها! فهل تعلم أن في حد الصحاري شبه مدينة مختطفة من التاريخ تقع في جهة الشرق· غير بعيد عن بنايات الحي العتيق، تتواجد مدرسة بن جغمومة، تأسست على أنقاض أول بلدية عسكرية كلونيالية تحولت إلى مركز عسكري سمي (NOMADE) وضعته الإدارة الاستعمارية آنذاك في المناطق الريفية لمراقبة الرحل بهدف خنق الثورة وقطع الاتصال بين الشعب، وكان هذا المركز يعتمد سياسة الرعب والترهيب· وقد قرأنا في الواجهة أسماء المسؤولين العسكريين (توما، مايير، كاتالا، موريس)· حد الصحاري تأسست في القرن الثامن الهجري وكانت بداية العمران بها في مرتفعات (جبل زنزاش) من خلال الينابيع المائية، وكانت الفلاحة في أوج عطائها، وفي مرحلة العهد الإدريسي كان انتماؤها لمدينة هاز المتمركزة بين مسيلة وأشير، ولاعتبارات طبيعية استقر بها الأتراك (العثمانيون) وشرعوا في تشييد المباني بها وعملوا على تطوير الفلاحة· وقد ذكرت هذه المدينة (عرش الصحاري) وهي الجذور القبلية عند مشاهير المؤرخين، مثل المؤرخ أحمد توفيق المدني في كتابه (مدن الجزائر) ومبارك الميلي خصص له حيزا من كتابة (تاريخ الجزائر القديم والحديث)، وذكر أن أصل (الصحاري) إنما هو من بطون بني هلال، وتم لهم الاستقرار في المنطقة، وسميت باسمهم وفي بداية القرن العشرين ثم تحولت التسمية من (الصحاري) التي أطلقها الأتراك إلى اسم (زنزاش) نسبة إلى جبل شهير، وكانت تابعة إداريا فيما مضى إلى بلدية (عين بوسيف) بولاية المدية· وفي بحر سنة 1981 عاد التغيير لاسم المنطقة فصارت تسمى ب(حد الصحاري) تطابقا مع موعد السوق الأسبوعي وكذا نسبة لأصل السكان· الفسيفساء القبلية تضم 12 رفقة للعرش الواحد مثل (أولاد سعد، أولاد ثابت، الهزال، الشنيحات) وفي سنة 1991 انبثق التقسيم الإداري للدوائر عن ترقيتها من بلدية إلى دائرة، تحت وصايتها الآن بلدية عين أفقه وبويرة لحداب، آخر إحصاء رسمي يتوقف عند حدود 30 ألف نسمة، مساحتها الإجمالية تقدر ب85029 هكتار، وطابعها رعوي، سهبي، ومثل التاريخ يعانق حد الصحاري البؤس الاجتماعي وتدهسها قاطرة اسمها التخلف! رغم عراقة المنطقة وقدم تأسيسها حيث ظل التأخر التنموي ينخر إطارها المعيشي والمواطن يجتر معاناته اليومية·· التقينا هناك مع شباب إطارات مثقفة ومواطنين بسطاء، وأيضا منتخبين محليين وضعوا الأصابع على الجرح· بزناسية··· ومعاناة انتقلنا إلى أقدم أحياء حد الصحاري، في الناحية الشرقية حي ''طارق بن زياد'' وسط أكوام الأتربة، وتهيئة عمرانية في خبر كان، كنا نعبر مسالكه، صادفنا أحد المواطنين الذي ذكر لنا أن سكانه يتجاوز عتبة 3000 نسمة وأنه يعتبر أقدم الأحياء الشعبية وقد تم بناء أغلب مساكنه في حقبة الأربعينيات ومزيج من البنايات التقليدية ''الطرق على مرمى البصر غير معبدة، ولهذا يتحدث أحدهم بغضب ظاهر أن ثمة شوارع في حد الصحاري يتكرر فيها إنجاز التهيئة العمرانية ثلاث مرات لأنها تمثل واجهة المدينة (ثمه يسكنو القماقم تاع البلاد!)· أما بخصوص المياه الشروب ففي الوقت السابق يقول المتحدث يزورنا الماء مرة في الأسبوع وحاليا انتظمت الوضعية، غير أننا نتخوف من تبدل الأحوال!؟ قاطن آخر من ذات الحي يذكر أن الحي تعفن من تراكم النفايات لأن الشاحنة لم تدخل الحي منذ 04 أيام، وهو ما يدفع العديد من السكان من التخلص من هذه القمامات بطريقة عشوائية فتلقى في الشارع وهناك من يتركها في بيته حتى تتعفن وتنتشر روائحها· شباب آخر تحدث عن التهميش المتعمد لحيهم بدليل أنهم يصرحون أن من يتولى أمورهم يوجه المدينة جغرافيا حسب مصالحه الشخصية! فأي مسؤول يتجه بالمشاريع إلى جهة الغرب، وكأن الغرب في حد الصحاري هو (أوروبا) أحاديث الشكوى لم تنقطع، طويلة هي مثل أوجاعهم اليومية·· قالوا لنا أن مشروع المحلات التجارية تم إنجازه في أرضية أمام المقبرة! هل يعقل هذا؟! والبعض من المحلات طالها التخريب وتحولت إلى مراحيض في الهواء الطلق! أحد الإطارات طرح انشغالا آخر·· مصلحة البريد المتواجدة في مدخل المدينة والتي بقيت منذ تأسيسها في الخمسينيات تشتغل ب04 عمال وما تبقى من عمال الشبكة الاجتماعية في دائرة تتزايد بها كثافة السكان، وأكثر من ذلك تغيب فيها السيولة المالية، وهو الوضع الذي يضطر فيه المواطن إلى اللجوء إلى بوسعادة أو عين وسارة لأجل صرف حوالاته· في هذه الأثناء يتدخل مواطن ليقول ''البلدية جابت دواء العقرب وما وزعتوش''·· في باقي أحياء حد الصحاري تكاد تتشابه المعاناة، ونفس الصور تواجهك· أحد الشباب أضاف ''رئيس الحي هو فقط يحمل صفة مراقب إذا ما تصدع أنبوب أو قناة للمياه! لا يمثل شيئا·· أحد المثقفين يرى من وجهة نظره أن حد الصحاري استفادت في فترة تزيد عن 18 سنة من حصة 200 سكن فقط! والمواطن هنا يضطر للبناء الفوضوي لعدم وجود قطعة أرض وضعت للحصص المبرمجة، وأن ما يسمى بالدعم الفلاحي استفادت منه فئة قليلة من الفلاحين والبقية أخذته (البزناسية)، وأن العديد من البناءات الريفية غير مسكونة، فهي تمنح للغني الذي يمنحها في بعض الحالات إلى الراعي (يقصد راعي غنمه)· وفي طريقنا إلى مقر البلدية اتجهنا إلى المركز الصحي، مسؤوله ذكر لنا أنه تابع لمؤسسة الصحة الجوارية بعين وسارة، وأنه من المنتظر أن يتم تحويل المركز إلى مركز متعدد الخدمات قريبا المنتهية أشغاله، طاف بنا في القاعات، يتواجد به قاعة استعجالات، قاعة ولادة، قاعة فحص طبي، مخبر وطب أسنان وجهاز أشعة قال لنا أنه معطل، يشتغل به 05 أطباء عامون، و03 قابلات و10 ممرضين، المركز يعاني من نقص الأدوية ومن انعدام للسكن الوظيفي حيث لا استقرار يذكر للأطباء في حد الصحاري، عزلة المنطقة تعمل على تهجيرهم وغياب السكن الوظيفي· البلدية فقيرة ونحن نطالب في مكتب نائب رئيس بلدية حد الصحاري، شريف سعيدي طرحنا عليه جملة من انشغالات وهموم المواطن، المنتخب المنتمي لكتلة الأحرار أجابنا بأرقام ومؤشرات·· ذكر في سياق حديثه أن موارد البلدية ضعيفة جدا حيث طرح نموذجا للسوق الأسبوعي الذي أجرته البلدية بمبلغ 165 مليون سنتيم سنويا، وهو مبلغ الذي لا يغطي تكلفة رواتب العمال، مقارنة بما هو حاصل في تأجيرات أسواق البيرين وحاسي بحبح، وأيضا على مستوى كراء المحلات التجارية فهو متدن· ومن جهة أخرى يذكر أن ديون البلدية ضئيلة لتحكم مصالح البلدية في نفقاتها· وبالنسبة إلى المرافق استطرد أن مسافات قنوات صرف المياه على مستوى البلدية تبلغ 45 كلم، و42 كلم تخص قنوات المياه الشروب والإشكالية تطرح في تكاليف المياه على إثر انسداد القنوات أو حريق للمضخات أو خلل في التيار الكهربائي، وتم إنشاء شبكة المياه على نحو 14 كلم من بئر عميقة حيث تتواجد 03 آبار عميقة كانت فيها التكلفة بغلاف مالي يقدر ب08 ملايير في سنة .2002 وعلى نحو آخر وفي إطار برنامج التنمية البلدية لسنة 2008 تم إنشاء خزان مائي بسعة 500م2 قدرت تكلفته مليار و500 مليون سنتيم، وهناك مشروع في طور الإنجاز يتعلق بتعبيد الطريق داخل المدينة هو الآخر رصد له مبلغ مليار و100 مليون· وفيما يخص شكاوى البعض من غياب الكهرباء ذكر لنا أن في حي زبانة وسي الحواس شيد المواطنون بيوتهم بعد انقضاء الدراسة التقنية سنة ,2003 وبهذا القضاء على البناءات الفوضوية وتسجيل الحصول على قطع أرضية للبناء·· أضاف ذات المسؤول أنه تم اقتراح 05 تجزئات على مستوى تراب البلدية، وتم إحصاء في نفس السياق بناءات هشة (سنة 2004) 325 بناية صنفت مهددة بالانهيار في حي القصبة وزبانة، على مستوى المناطق الريفية· يذكر أن الريف استفاد كثيرا من برامج التنمية الريفية، حيث تم إنشاء 07 مناطق جوارية نموذجية مندمجة في التنمية الريفية·· الكهرباء الريفية تغطي 20% من الفضاء الريفي فقط، ولا توجد في مناطق مثل (صدارة، برج العمام، طويلة، الشارب، طوشية) ولهذا يطالب بإضافة حصص لضمان استقرار الفلاح· على المستوى الاجتماعي لا توجد مؤسسات اقتصادية باستثناء الإدارة والتعليم، ونظام الشبكة الاجتماعية يستوعب جيوش البطالين· في حد الصحاري، يبلغ عدد المستفيدين من الشبكة الاجتماعية ,600 و180 مستفيدا في إطار تشغيل الشباب والطلبات تفوق ,.1800 وهنا أضاف أنه يستحيل فتح مناصب عمل جديدة يكون بالحصول على مناصب عمل في إطار الشبكة الاجتماعية·· في الآفاق هناك مشاريع في طور الإنجاز، ثانوية ب100 مقعد في الجهة الغربية· وأشار في هذا الصدد أن الإنجاز عرف حصة البرمجة، أما الباقي فقد تلقوا إعذارات والمشروع مازال يراوح مكانه! وأيضا تم إنشاء روضة للأطفال اكتملت وبقي التجهيزات، ومقر قباضة ما بين البلديات· وعلى صعيد آخر أشرنا إلى قضية أثارت ضجيجا في ثانوية (الغربي الوكال) وما أشيع عن ظهور مادة الأميونت في السنوات الأخيرة قال لنا أن هذه الثانوية كانت في البدء عبارة عن إكمالية أنجزت سنة 1983 من طرف شركة أوروبية في إطار البناء الجاهز في فترة صلاحية لا تتجاوز 10 سنوات بعد مدة ظرت على الجدران تسربات لكمية من مادة الأميونت التي تشكل خطورة على الصحة، وهو ما تم إخطاره وإشعار السلطات به، ولكن الوضع مازال قائما دون حراك!؟ أما مشروع الغاز الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية في زيارة قادته لبلدية حد الصحاري يوم 22 /جويلية/ 2003 و دشن انطلاقته والي الجلفة منذ 03 أشهر فالعملية لم تعمم لتعطل المقاولات المكلفة بالإنجاز وعدم متابعة صاحبة المشروع سونلغاز·