زمرة، قصة ملحمة وقصة اغتيال وتصفية للآخر الذي أحرقته نبالم فرنسا وأبادته جيوشها في معركة دامت يوما كاملا انتهت بسقوط 134 شهيدا، ظلت عظامهم وجماجمهم عارية وعرضة للكلاب والهوام، كما ظلت قصتهم نسيا منسيا بعدما وضعتها أطراف هي لسان الثورة بالمنطقة في خانة المحظور والممنوع تداوله أوالترحم عليه، فكل نابش في الحكاية والفصول تقابله صفة الخيانة والعمالة وتطارده اللعنة وكأنه أتى شيئا فريا، ولأنهم أحياء عند ربهم يرزقون فإن تقريرا مشتركا بين المجلس البلدي لبلدية تامسة حيث تقع جبال ''زمرة'' وقسمة الأفلان صدر بتاريخ 6 ماي 1987 لينفض الغبار عن عظام وجماجم كانت لازالت حينها طعاما للهوام وللتراب ولعوامل تعرية التاريخ والسطو عليه. المراسلة أوالتقرير القنبلة وقعه رئيس المجلس حينها، بمعية أمين قسمة الحزب ووجه إلى المحافظ بالمسيلة وحوى التقرير حقائق مؤرشفة عن وجوه بلا ملامح وشهداء بلا قبور ولا اعتراف ولا ''فاتحة'' رسمية تقرأ على قبورهم، عددهم معروف ومعركتهم معروفة ودواب المنطقة سمعت بها وحتى الجلاد الفرنسي أرخ لها واعترف بها في وثيقة رسمية مسجلة بتاريخ 29 مارس ,1959 حيث تشير الوثيقة المسجلة رسميا بسجلات تامسة بمنطقة سيدي عامر التابعة لبوسعادة والتي تحمل رقم 6 وموقعة من طرف الملازم الأول الفرنسي ''بيل جلبار'' والدركي'' رسبورني'' إلى قتل الفرنسين ل134خارج عن القانون أي مجاهد بمنطقة زمرة. الكشف عن تلك المراسلة الصادرة من قسمة تامسة سنة 1987 ومعها الوثيقة الفرنسية أو الحجة الدامغة عن اغتيال ذاكرة، أقام دنيا محافظة مجاهدي المسيلة ولم يقعدها والرائد محمد الشريف خير الدين الأمين الولائي للمحافظة حينها والشخصية التاريخية المعروفة، اعتبر تقرير قسمة تامسة انقلابا وخيانة لأرواح الشهداء وعنون ثورته ورده على نابشي القبور ب'' قتلى زمرة..ليسوا شهداء'' وذلك في تقرير صادر عن المحافظة نهاية نوفمبر من سنة 1987 وجه إلى صحيفة الشعب حينها والذي ألصق فيه محافظ المنظمة صفة الخيانة بقائد معركة زمرة عبدالقادر خزار المدعو ''دقمان'' بعدما اتهمه بأنه عميل لبلونيس رغم أن ''دقمان'' قد لقي مصرعه في المعركة رفقة أغلبية جنوده بعدما سخرت لهم فرنسا أكثر من 3500 جندي مدجج بالطائرات وبأحدث الأليات وذلك بتاريخ 26 مارس ,.1956 وإلى رواية شاهد بل شهود أحياء عن معركة زمرة..وظروف حدوثها ونتائجها..وحتى خلفيات أن يبقى شهداء زمرة مجرد قتلى وتبقى معركتهم مجرد خلاف بين حليفين أي فرنسا وفصيل من فصائل بلونيس كما كتب الرائد محمد الشريف خير الدين في تخوين منه لمن سقطوا في ساحة الوغى بزمرة وإقصاء تاريخي لدماء ظلت تسيل خارج التاريخ الرسمي..زمرة ..قصة ملحمة في الهواء الطلق؟ قالوا وهم يعصرون ذاكرتهم وتغسلهم دموعهم حزنا على أصحابهم ممن ظلمهم التاريخ وتنكر لهم رفاق كان هدفهم واحد..قالوا ورووا الحكاية بدموع شيب يجرهم باتجاه القبر وأقلهم سنا تجاوز السبعين ولسان حزنهم يردد بأنهم لا يريدون مالا ولا جاها، لم يكونوا واحدا أواثنين ولكنهم عشرات، كانوا شهودا على الملحمة، من عين الملح الحاج رواق بن عزوز، ومن عين الريش بونويرة المدني المدعو ''بن ثامر'' والذي أسر في معركة زمرة بعد إصابته، ومن مسعد بلخضر أعمارة المدعو ''المطرّوش'' بالإضافة، إلى بن يحيى بلخير الذي تسلل إلى سويسرا لمقابلة بن بلة..كل هؤلاء وغيرهم أعادوا سرد حكاية زمرة ..وقصة ''دقمان'' وشهداء فرض عليهم الإجحاف أن يبقوا بلا ذاكرة ولا شواهد فوق قبورهم..وإلى حكاية من أفواه ''شياب'' لا يحتاجون سوى تدوين التاريخ وإعادة الاعتبار لذاكرة من مات شهيدا وسجل خائنا في يوميات الاستقلال.. وإليكم حكاية زمرة..من أفواههم وبمحاجر دموعهم... قبل عشرة أيام من تاريخ 26 مارس 1959 الذي يمثل تاريخ موقعة زمرة، تحركت كتيبة من جيش التحرير من موقع تمركزها بسلسلة جبل بوكحيل المحاذية لبلدية عين الريش التابعة لبوسعادة باتجاه منطقة زمرة، وذلك في تلبية لدعوة تلقاها قائد الكتيبة، المكونة من 150 جنديا يقودهم رجل يدعى ''دقمان'' اختصار لاسمه الكامل عبدالقادر خزار، من طرف صديق كفاحه القديم المدعو ''رابح الدولة'' والذي كان ينشط في نواحي زمرة وتحت إمرته 90 جنديا، حيث استنجد ''رابح الدولة'' بصديقه ضد اعتداءات شخص يدعى ''بن جدو'' باع نفسه للمستعمرين وأصبح سوطهم في المنطقة، ينتهك حرمات العزل وينصب كمائن لجنود جيش التحرير، ولأن الرسالة كانت دعوة للنصرة فإن ''دقمان'' لم يتأخر وبعد مسيرة أيام التقى الفريقان بمنطقة زمرة ليلة 25 من مارس ,1959 وكانت المفاجأة أن وجد دقمان في استقباله سي محمد بلكحل وهو شخصية سياسية معروفة بحزب الشعب وكان المسؤول السياسي للقائد الشيخ زيان عاشور قبل أن يصعد هذا الأخير إلى الجبل نهاية 1955 ويكوّن جيشا من أبناء الصحراء لا يحمل من شعار سياسي غير ''التحرير'' ، كما أنه بعد استشهاد الشيخ زيان عاشور، اقترح اسم محمد بلكحل كخليفة له من بعض الأطراف التي استسلمت لخلافة الرائد عمر إدريس بعدما مالت الكفة لصالحه. والمهم أن دقمان الذي كان من كوادر الشيخ زيان عاشور ومن رجاله المقربين، صعد إلى الجبل سنة 1955 وشكل النواة الأولى لجيش التحرير قبل أن تفقد الصحراء أسدها زيان عاشور كما أطلق عليه الشهيد مصطفى بن بولعيد، لذلك فإن ''دقمان'' حينما وجد محمد بلكحل في انتظاره رفقة كتيبة ''رابح الدولة'' علم أن الدعوة أكبر من القضاء على الخائن ''بن جدو'' وجيشه، لكن بين اكتشاف حقيقة الدعوة وشروق الشمس فوجئت الكتيبتين بإنزال جوي وزحف بري فرنسي يحاصر مواقع المجاهدين، وفي أرض عارية وجبال بلا حصون ولا أشجار بمنطقة زمرة، فُرض على المجاهدين الذين يقارب عددهم ال230 جنديا مواجهة جيش تعداده 3500 جندي فرنسي مدعم ب خمسة طائرات وبأليات حربية تخرق الأرض خرقا بتاريخ 29 مارس 1959 والموافق لمنتصف شهر رمضان، وكانت المواجهة أمرا محتوما في تعداد غير متكافئ ووسط شمس ساطعة ونهار لا يخفي رصاصة ولا جثة وبعد يوم من القتال ومن إطلاق النار أبادت القوات الفرنسية 134 مجاهدا وكان أول المسجلين في قائمة الشهداء ''دقمان'' الذي سقط شهيدا بعد إصابته في رأسه برشاش طائرة أفرغت فيه رصاصها، كما لقي رابح الدولة مصرعه وكذا محمد بلكحل والملازم الأول جوبة إبراهيم المدعو إبراهيم لقروني ليكون الليل ملاذا وغطاء لانسحاب بقايا من جيش مكسور ومكلوم في قائده وقادته بعدما خلف المنسحبون وراءهم جثثا وكذا مصابين أسرتهم القوات الفرنسية، لكن في الجهة الأخرى أي الخسارة الفرنسية فإن رقما مهولا تتداوله الذاكرة الشعبية بمنطقة سيدي عامر وكذا البقية الباقية نجوا من المجزرة ويتعلق ب950 جثة فرنسية تناولتها مصادر محلية كما تناولتها إذاعة ليبيا وكذا إذاعة صوت العرب حسب شهادات الأحياء ممن عاشوا المعركة وأسروا فيها، كما أن مشهد الشاحنات التي سخرت لحمل قتلى الفرنسيين دلت على حجم الخسائر فشيوخ تامسة ممن عاشوا الحدث لا زالوا يؤكدون بأن أكثر من عشرين شاحنة ذهبت إلى منطقة زمرة عشرات المرات لحمل الجثث ونقل المصابين وهو ما يؤكد رقم الخسائر التي لازالت الذاكرة الشعبية تحفظه عن ظهر قلب..