في الليلة الرابعة من حرب اليهود على غزة، أي في ليلة الثامن عشر من نوفمبر كنت مدعوا لحفل تخرج ابنة صديقي في معهد الباليه ، وقد امتد بنا السهر وعروض الرقص المختلفة ،والتي شاركت فيها الابنة المتخرجة، مع تراخي طبقة المترفين وتحول ساعات الليل عندهم إلى امتداد عادي لآخر النهار ثم امتداد الليل لساعات الصباح الأولى ...فلما قاربت الساعة الثانية صباحا، استأذنت وخرجت مع زوجتي وابنتي عائدين إلى البيت ، وحين ركنت السيارة ونزلت ، انطلقت سيارة جاري يسوقها ابنه ، ومن غير أن يشعل مصابيح السيارة، ولا أن يبصر أن بالطريق قطة كانت تعبر في ضوء الشارع تحت زخات المطر ، فلم يأبه أن يدهسها الشاب، ثم مر... كانت ابنتي تلتقط المشهد ، فصرفت وجهها ، وقدتها بيدي إلى الباب ، وفتحت ، ودخلت ، ولم أدر ما أصنع لتلك القطة المسكينة في ذلك الليل البهيم سوى أن رجعت إليها وهي تتلوى وتفحص الأرض برجلها الخلفية بشدة ،نازعة نزعا شديدا يتفطر له القلب ، فسحبتها إلى حافة الإسفلت، وتمنيت لها من أعماق قلبي أن تموت بسرعة ، لا لتتخلص من آلامها ، بل لأتخلص أنا من آلامها ... ورجعت إلى البيت : امرأتي تنزع حليها وتمسح الماكياج ، وابنتي قبالة التلفزيون مسمرة على مشهد من حرب غزة: أهل بيت الدلو مسجَّون في المستشفى ، وبينهم خمسة صبية كأنما جمدت أطرافهم للتوّ ممسوحين بمسحة الموت التي لا تخفى على أحد ، وبقايا الدم على جوانب الوجوه والأطراف لا تزال ، مع أن هناك شيئا يجعلهم كما لو كانوا شخوصا من نور ،أحياء على ضفاف عالم آخر ...وابنتي لا تطرف لها عين قد اندمجت في المشهد حتى أنها لم تسمعني أناديها ...فوقفت بينها وبين الشاشة، فلم تحرك ساكنا حتى أمسكت يديها ونظرت إليها ، فلما رفعت إليّ بصرها هملت من عينيها دمعتان بلتا يدينا . في الصباح خرجت معها لآخذها إلى المدرسة، وكانت قد سبقتني على عادتها في ما كنت أنا أغلق الباب ، شاهدتها قد وقفت حيث سحبتُ القطة ليلة البارحة، فأسرعت إليها وأخذتها من يدها لأبعدها عن القطة الميتة ، لكنها قالت لي : أبي إنها لا تزال حية نظرت إلى القطة ، فلحظت أن بها ذماء من روح أبت أن تجود به ، إنما وهنت حركة رجلها ،حتى غدا إيقاعها بطيئا جدا ، لأن ساعات الليل التي قضتها في حركتها تلك ،لا بد أنهكتها... قلت لعامل نظافة الحي : هلا أجهزت على تلك القطة ،وجنبت الأطفال منظرها المؤسف .... رجاء افعل القاهرة 19112012 (*) دليل أدباء ولاية الجلفة