الأمن الغذائي ليس شعارا يرفع هكذا في الخطاب السياسي، وإنما هو شعور عميق لدى صانع القرار في إبراز كفائته العالية في التسيير الخاص باقتصاديات البلاد إدراكا منه بأن «الخطأ ممنو» في القضايا المصيرية التي تعني الأجيال. ومهما كانت طبيعة النظم السياسية، فإن همّها الوحيد والأوحد عدم السقوط في مخالب أخطبوط التبعية الغذائية الكاملة لخارج لا يعترف إلا بتصدير منتوجاته، مهما كلفه ذلك من تلاعب بالأسعار فيما يسمى بالبورصة العالمية. يكفي فقط إلقاء إطلالة على طريقة تحديد تسعيرة الحبوب والسكر، ليطلع أي كان على التحايل الذي يسود المعاملات أو التعاملات التجارية في هذا العالم. هل قدّرنا أن نبقى نستنسخ ما يمليه علينا هؤلاء من تلاعبات تصنف في خانة التجارة الدولية، وغياب أي مسعى من ناحيتهم قصد المساهمة في كسر ذلك الاحتكار تجاه المواد الاستراتيجية التي بلغت حد أقصى من الأسعار الباهضة جدا. هذه الأسواق أصبحت تتأرجح ما بين ما هو اقتصادي بحث وتجاري محض، ونعني إدخال منظومة الأسعار في الحركية السياسية للعالم. وهذا واضح جدا يتجلى من خلال الأصوات المتعالية هنا وهناك، والتي تدّعي بأن المخزونات العالمية في بعض المواد الغذائية أصبحت لا تكفي هذه المعمورة. هذا الكلام لا أساس له من الصحة، لأن خلفياته مبنية على رفض هؤلاء المحتكرين للأسعار الراهنة التي يرونها بأنه منخفضة جدا، لا تساعدهم في مواصلة إنتاج هذه المواد مقابل تلك الأسعار. هذه المعاينة حقائق تتداول في الأوساط العالمية المتحكمة في التجارة، وكلما لاحظت بأن هناك استقرارا في تلك الأسعار، تتخلص من فائض المنتوج برميه فيأعالي البحار للأسماك، في حين أن أجزاء كبيرة من هذا العالم يعاني من المجاعة والفقر المدقع. مثل هذه القرارات تدعونا فعلا كجزائريين إلى التفكير مليا في تأمين غذائنا إن آجلا أم عاجلا، وكذلك الاستثمار في كل ما له علاقة بالفلاحة والزراعة التحويلية، التي تعتبر صمام أمان لأي سياسة تغذية في بلادنا. ولا يتوجب الأمر أن تكون هذه الإرادات والرغبات في التخلص من الخارج قائمة على قواعد صحيحة وأسس سليمة ورؤية بعيدة المدى، تنم عن القدرة في استعمال أرقى التكنولوجيات في البحث الفلاحي لفرض واقع جديد يكون بديلا قويا لما فات من إنتاج فلاحي. ومن حق الجزائر التكلم أو بالأحرى التمسك بالأمن الغذائي، لأنه الخيار الوحيد الذي يسمح له بتجاوز كل المحطات الصعبة والتوجه لمستقبل واعد، تكون فيه كل الإرادات واضحة خاصة مع سياسة تحديد الإقتصاد الفلاحي التي تنتهجها الجزائر حاليا، والتي تستهدف فضاءات فلاحية معينة، دعّمت بآليات وعزّزت بأدوات قصد التحكم فيها، والرهان كل الرهان منصبّ على الزراعات المكثفة والواسعة الاستهلاك التي نستورد منها حاليا كميات هائلة كالحبوب والحليب، كلفت اقتطاعات هامة من العملة الصعبة. لذلك فإن القائمين على قطا الفلاحة في الجزائر يدركون بأنه لا يمكن استمرار الحال على هذا المنوال، لأنه لا يخدم أحدا، فمسافة ألف ميل تبدأ بخطوة، وتكون الجزائر قد دخلت المرحلة لرفع التحدي وهو الإعتماد على النفس.