العلمي: الجزائر الجديدة المنتصرة وفية لالتزاماتها بتمكين النساء وترقية حقوقهن    منع وفد قانوني دولي من دخول الأراضي الصحراوية المحتلة.. محاولة جديدة للتعتيم على جرائم المخزن    النفاق الدبلوماسي: حين تتهم فرنسا الجزائر وتتناسى امتيازاتها    ندوة فكرية بمناسبة الذكرى ال 63 لاغتياله..مولود فرعون قدم أدبا جزائريا ملتزما ومقاوما    افتتاح ليالي أولاد جلال للفيلم الثوري الجزائري لإحياء عيد النصر    تنظمها وزارة الثقافة بمناسبة ذكرى عيد النصر.. "تجليات عيد النصر في التخييل الأدبي والفني الجزائري" محور ندوة فكرية    برنامج عدل 3:تحميل الملفات عبر المنصة الرقمية غير مرتبط بأجل محدد    تجمع النقدي الآلي:قفزة في عمليات الدفع الرقمية بالجزائر    وزارة الصحة تذكر..ضرورة التقيد بالإجراءات المعمول بها في عمليات ختان الأطفال    عبر البوابة الجزائرية للحج وتطبيق "ركب الحجيج"..حجز تذكرة السفر إلى البقاع المقدسة ابتداء من اليوم    الملتقى ال 17 لسلسلة الدروس المحمدية بوهران : الشيخ عبد القادر الجيلاني أحد أشهر الأئمة الأقطاب    المجلس الشعبي الوطني: المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني تعقد اجتماعا لمناقشة واستعراض المستجدات الوطنية والدولية    الجزائر/تونس/ليبيا: التوقيع قريبا على مذكرة تفاهم للربط الكهربائي    عين تموشنت: الصناعة الجزائرية للسيارات تسير في الطريق الصحيح    الربط الرقمي البيني محور اجتماع بين وزراء العدل والمالية والرقمنة    رئيس الجمهورية يكرم بالوسام الذهبي للاستحقاق الأولمبي والرياضي الإفريقي الممنوح لقادة الدول    إطلاق مصحفين الكترونيين ومصحف الجزائر بالخط المبسوط    مسرح الطفل: تقديم العرض الشرفي بأدرار لمسرحية "مملكة الهوايات"    تكوين مهني: العمل على توفير عروض تكوين تتلاءم مع احتياجات سوق العمل    المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي بالمدية يفتح باب الترشح لدورته ال15    مجمع "صيدال" يطمح لرفع رقم أعماله إلى 35 مليار دج في 2025    كاراتي دو/الرابطة العالمية: الجزائرية سيليا ويكان تحرز الميدالية الذهبية    الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس": مولودية الجزائر تتعثر أمام اتحاد خنشلة (2-2) وتضيع فرصة تعميق الفارق    رابطة علماء فلسطين تدين تصاعد انتهاكات الاحتلال الصهيوني في المسجد الأقصى وتدعو لنصرته    لِرمضان بدون تبذير..    2025 سنة حاسمة للجزائر    غزّة جائعة!    بنو صهيون يقتلون الصحفيين    يوسف بلايلي.. العائد الكبير    تصريح مثير عن صلاح    التلفزيون الجزائري ينقل جمعة مسجد باريس    دعوة إلى تسهيل حياة ذوي الاحتياجات الخاصة    والي العاصمة يعاين أشغال إعادة تهيئة حديقة وادي السمار    إرساء صناعة حقيقية لمركبات "شيري" في الجزائر    شؤون دينية: تحديد قيمة زكاة الفطر لهذا العام ب150دج    تعزيز التعاون الجزائري التونسي في قطاع التضامن    أهمية إرساء قيم الاخلاق التجارية الاسلامية    مساع لإنصاف فئة ذوي الهمم    حجز 6 أطنان مواد استهلاكية فاسدة    استحداث 5 ثانويات جهوية للرياضيات    باريس تغرق في شبر من ماضيها الأسود    وزير المجاهدين يشرف على إجتماع لمتابعة تحسين وتحديث آليات الإتصال الإداري    ملتزمون بدعم آليات التضامن والتكفّل بذوي الهمم    "التاس" تصدر قرارها النهائي غير القابل للطعن    الملالي: أحلم بالتتويج بلقب مع المنتخب الوطني    أرشيف لأول مرة على التلفزيون الجزائري    الحقن وطب الأسنان لا يفسدان الصيام والمرضع مخيَّرة بين الفداء أو القضاء    توتنهام الانجليزي يدخل سباق ضم ريان آيت نوري    مديريات لتسيير الصادرات ومرافقة المتعاملين    الجوية الجزائرية تذكّر بالزامية اختيار رحلة الحج    وقفة إجلال أمام عزيمة ذوي الاحتياجات الخاصة    حج 2025:اختيار رحلة الحج نهائي وغير قابل للتغيير    هكذا تحارب المعصية بالصيام..    حج 2025: اختيار رحلة الحج نهائي وغير قابل للتغيير    "الطيارة الصفراء" تمثّل الجزائر    حفظ الجوارح في الصوم    زَكِّ نفسك بهذه العبادة في رمضان    نزول الوحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا توجد في الجزائر جريدة ليس ل «الشعب» لمسة فيها
نشر في الشعب يوم 09 - 12 - 2017

ارتبط اسمه ب «أوراق الخميس»، هكذا عرفه قراؤه كإسم إعلامي في عنوان كبير ك «الشعب»، الشاب المتخرّج حديثا من الجامعة وكله طموح وأحلام، بقي راسخا في أذهان كل من قرأ هذا الركن، فما إن تذكر أم الجرائد حتى تذكر أقلامها الإعلامية ذات التجربة الطويلة وحتى الشابة منها التي استطاعت أن تجد في صفحاتها مكانا لها. إنّه سليم قلالة الأستاذ الجامعي وأحد أبناء أول جريدة ناطقة بالعربية بعد الاستقلال، يسرد تجربته في حوار مشوّق وكل المراحل التي مرّ بها وظلت عالقة في ذكرياته.
❊ الشعب: كيف كان التحاقكم بالجريدة؟عن طريق مسابقة، الصّدفة؟
❊❊ الأستاذ سليم قلالة: تخرّجت من قسم العلوم السياسية والإعلام في جوان 1980 بأعلى معدل آنذاك 20 / 14، كان من بين الذين سبقوني بالتخرج بسنتين الأستاذ مختار مزراق، عَرَفَني أثناء الدراسة عندما أشرف على أحد الملتقيات التي كنت طالبا فيها، وسجَّل تفوّقي، حيث قدَّمني حينها إلى أول وسيلة إعلام كان لي اتصال بها، وهي مجلة «الجيش»، وهناك رأيت صورتي لأول مرة ورأتها عائلتي وأحسست بمدى أهمية الإعلام.
بمجرّد تخرّجي مكّنني الأستاذ مختار مرة أخرى من الاتصال بجريدة «الشعب»، حيث عَرَّفَني على المرحوم بشير حمّادي الذي كان رئيسا للقسم الوطني وأثنى عَليَّ أمامه، واتّفقنا على أن أتقدّم لامتحان الدخول بعد أيام، وكنت في الموعد، تمّ تكليف الأخ جمال صالحي بامتحاني كتابيا، وصاغ السؤال الأخ محمد عباس الذي كان رئيسَ تحرير الجريدة، ومازلت أذكر السؤال إلى اليوم: ماذا تعرف عن الميثاق الوطني؟ ثم طلب مِنِّي ترجمة وتلخيص مجموعة برقيات من شريط وكالتي الأنباء الفرنسية AFP ورويترز للأنباء REUTERS، وأجبت بإسهاب.
كنتُ مُطَّلعا على كافة فصول الميثاق الوطني بل أحفظ بعض فقراته، كما أحسنت الترجمة والتلخيص إلى اللغة العربية، ولا شك أن التقييم كان إيجابيا، إذ بعد أيام استقبلني رئيس التحرير وأعلمني بالقبول، وبأني سألتحق بالقسم الوطني لفترة تجريبية تدوم شهرين أو أكثر كمحرر مترجم وبعدها سأُقبل أو أُعفى. وقبلت العرض بفرح كبير، وفي ذهني تلك الصورة التي صدرت لي بمجلة «الجيش».
❊ كيف كانت طبيعة العمل وظروفها بالقسم الذي عملت به؟
❊❊ شرعتُ في العمل بالقسم الوطني كما ذكرت لك، وبدأت أتعرّف على أعضائه، جمال صالحي، مصطفى هميسي، عبد الله سعايدية، عبد الجليل جلالي، محمد الصالح بن حمودة رحمه الله، كنت العضو الجديد، قبل أن يلتحق بنا بعد سنة علي فضيل، وبعده أحمد حططاش ثم مصيطفي بشير، ومنصف بوزفور. كان مكتبنا بالطابق الأول من بناية الخطوط الجوية الجزائرية حاليا بساحة أودان، وكنّا نشتغل من الثالثة بعد الظهر إلى التاسعة مساء إذا لم نُكلَّف بعمل ميداني.
كان التعاون بيننا قويا خاصة فيما يخص الأخطاء النحوية أو اللغوية، أما الأسلوب أو المراجعة الأولية فكانت تتم مباشرة من قبل رئيس القسم حارس البوابة الأول، حذار من أن يصل أي خطأ إلى رئيس التحرير فما بالك المدير، غالبا ما كُنّا نستشير الأخ جمال صالحي قبل أن نستفتي الأستاذ القدير محمد فارح رحمه الله الذي كان علاّمة في اللغة، خطأ نحوي بسيط يُكلِّفك ثلاثة أيام خصم من الأجرة، فكيف لا ننتبه؟
ظروف العمل كانت صعبة، من حيث كثافة الجهد و طبيعة المطبعة، كانت اليومية الوطنية الوحيدة، وجريدة «الشعب» مطالبة بتغطية كل النشاط الرسمي والفعاليات...وحتى عندما كُنّا نجد بعض الوقت للنقاش أو الحديث، فإنّ رئيس التحرير إذا ما مرّ ووجد أحد الصحفيين غير منغمس في العمل يقدم له سلة كاملة من البرقيات غير المستغلة ويطلب منه تدريب نفسه على الترجمة والتحرير..لا مجال ليراك بلا عمل.
أما الأخ المدير محمد بوعروج - رحمه الله - فكان لا يتردّد أن يطلبك لمكتبه من غير سابق إنذار ليطرح عليك جملة من الأسئلة من بينها: ما هو برنامجك اليوم أو غدا؟ وعليك أن تُقنعه بما تفعل.
أصعب ظروف العمل كانت في المطبعة، وهنا أرفع التحية إلى جميع عمّالها، كانت مناوبتنا تأتي دوريا حسب قائمة مُعَدة سلفا مرة في الشهر عادة، لنُتابع الجريدة باسم التحرير إلى غاية طباعتها، مع كتابة «آخر خبر» في أُذَيْن الصفحة الأولى، قبل غلق الصفحات عند منتصف الليل عادة، فكيف بعمالها الذين يشتغلون يوميا؟ كانت المطبعة تحت الطابق الأرضي، وكانت تشتغل بالرصاص، والتهوية ضعيفة، بالإضافة إلى الضجيج، ومع ذلك كثيرا ما كنت أشارك عمالها لحظات ضحك وسمرلا تُنسى...
❊ هل كانت هناك أقلام كنت معجبا بها ما شجّعك لدخول حقل الإعلام؟
❊❊ نعم، كنت أقرأ أول ما أقرأ لحظة تأمل لمحمد عباس، أما أكثر المقالات التي شدَّتي فهي تلك التي كان يكتبها كل من محمد عباس: «حديث الاثنين»، وحسن رويبح «أدب الحديث»، فضلا عن تلك المقالات التي كان يكتبها محيي الدين عميمور، أبو العيد دود، محمد العربي ولد خليفة، زهور ونيسي، وغيرهم من الكتّاب الخارجيّين...كنت مولعا بالمقالة.
كان حلمي أن أكتب مثل هؤلاء، في الصفحة الأخيرة، ولكن كان عليّ أن أبدأ من البداية، بكتابة الخبر ثم التغطية ثم التحقيق ثم العمود ثم التعليق لأصل إلى المقالة. المقالة حلم بدا لي بعيد المنال، ومع ذلك بدأت، نشرت أولى تغطياتي عن تعريب الحالة المدنية ببلدية المدنية، ثم أولى تحقيقاتي عن سوق الخضر والفواكه، وأول خروج لي للميدان كان على إثر كارثة زلزال الشلف، بعدها انطلقت في كتابة جميع الأنواع الصحفية، ونُشر لي أول عمود بعد ترسيمي كصحفي محترف بعد شهرين فقط من التجربة، ثم بَدأتْ محاولتي تتواصل إلى أن نُشرت لي أعمدة كثيرة، وبدأتُ أستطعم حلاوة النشر، وأتطلّع إلى المقالة، ذلك الحلم الكبير...
ولم تمر مدّة طويلة، حتى عُيِّن سعد بوعقبة رئيسا للتحرير، بعد انتخاب محمد عباس رئيسا لاتحاد الصحفيين، ولعله هو أول من اكتشف طموحي وأحسّ بأنّي لم أُمَكَّن من الفضاء الذي يسع قدراتي، وكانت المفاجأة أن فَتح لي إمكانية الكتابة في الصفحة الأخيرة مع كبارالكُتَّاب، وكان عمري آنذاك لم يتجاوز 25 سنة، فكتبت مقالات في ركن أسميته «أحداث وأحاديث»، مع صورة كاريكاتورية لي...ثم تَطوَّرَتْ هذه المقالات إلى «أوراق الخميس» التي كان لها صدى واسعا باعتبارها صفحة كاملة من الحجم الكبير بأركان مختلفة، إضافة إلى المقالة الرئيسة التي أكتبها أسبوعيا.
❊ ارتبط اسم سليم قلالة في جريدة «الشعب» ب «أوراق الخميس»، حدّثنا عن هذه التّجربة؟
❊❊ كما قلت لكِ هكذا بدأت «أوراق الخميس»، أما التفاصيل، فقد اقترحتُ الصفحة على رئيس التحرير بعد أن تمّ تغيير إخراج الجريدة واستبدل مكان مقالات الصفحة الأخيرة، بعد موافقة رئاسة التحرير التقيت مع المخرج عمّار بومايدة الذي رسم لي أولى مخططات الصفحة على الورق، الإخراج كان يتم بداية على الورق، بل ورسم «لوغو» الصفحة على الورق أيضا، واقترحت عليه مكان وضع الأركان والمقالة الرئيسة، وهكذا خرجت صفحة «أوراق الخميس»، بها المقالة التي كنت أكتبها في الصفحة الأخيرة ومواضيع أخرى لها علاقة بالحدث، ومساحة خاصة بالمساهمات الخارجية وأخرى للقراء.
ولأوّل مرة بدأتُ التّواصل مع القرّاء بالبريد العادي، كانت تصلني الرسائل من جميع أنحاء الوطن ولا أُهمل أي رسالة، وأريد أن أسجّل هنا أن المثقّف السوري صاحب دار الفكر محمد عدنان سالم اطّلع على بعض مقالاتي أثناء زيارته للجزائر وعلم بحدسه كناشر، وهو من تخصّص في نشر مؤلفات مالك بن نبي - رحمه الله - أنّها تصلح لأن تكون كتابا، فاتّصل بي عن طريق الأخ مولود سلمان الذي كان مديرا بوزارة الثقافة لأرسل له المقالات إلى دمشق.
ولم أكن أتصوّر أنّني سأتلقّى بعد شهر من إرسالها مشروع عقد مع دار الفكر لنشرها في شكل كتاب، واقترحت للكتاب عنوان «التغريب في الفكر والاقتصاد والسياسة»، وكان أول كتاب يصدر لي ومازلت اعتبره الأفضل، رغم أنها مقالات شاب، فالعطاء الأفضل التلقائي والطبيعي يكون في هذه الفترة، وبعدها ستأخذ الكتابة طابعا آخر، وقد تتدخل عناصر أخرى فيها فلا يكون المقال طبيعيا بمعنى الكلمة.
❊ ماهي الأشياء الجميلة التي عشتها في الجريدة؟ وما هي الطّرائف التي صادفتك خلال عملك ومازلت تستعيدها من حين لآخر؟
❊❊ أجمل ما عشت هو تلك الروح الأخوية بيننا كصحفيين، وذلك التعاون الكبير، هذا يستفيد من هذا، وأفضل قصّة بقيت لاصقة في ذهني إلى اليوم تلك التي رواها لي الأخ علي كوهية في القاهرة، وهو مخرج مصري جاء في إطار اتفاقية تعاون مع الجريدة. وملخص القصة أنه في أيامه الأولى وقبل أن يعرف طبيعة المجتمع الجزائري، تفاجأ لما رأى عمي إيدير وهو عون الأمن يدخل إلى مكتب المدير دون أي بروتوكولات ويطلب منه سيجارة، فإذا بالمدير لا يكتفي بتقديم واحدة له بل ويُشعل له السيجارة.
قال مُحدِّثي: هذا غير ممكن الحدوث في مصر، بل مستحيل أن يحدث...ولكنه ما لبث أن عرف الحقيقة: أن عمي إيدير هذا كان مجاهدا في الثورة، ومدير الجريدة لم يكن سوى طالبا أرسلته الثورة لتونس للدراسة، وكل الفضل يعود لعمي إيدير حتى أصبح هذا المدير في منصبه...ولذلك فإنه لا غرابة أن يطلب منه ذلك.
وهنا يقول محدّثي، فهمتُ ما الذي أحدثته الثورة الجزائرية في المجتمع، وعرفتُ قيمة تضحيات الشعب الجزائري، وبدأتُ أُدرك لماذا هي العلاقات الاجتماعية مختلفة عن ما هي عندنا في مصر...هذا درس جميل تعلمته في الجريدة، أما أطرف ما عرفته هو تلك العبارة التي حفظناها عن رئيس التحرير محمد غراس - رحمه الله - عبارة «مقالك لا أثر له»! وكل الحكاية أنه عندما يُدخل سي محمد تعديلات على المقال ويريد الصحفي أن يبحث عن الأصل في أرشيف الأمس، يسارع سي محمد إلى قول عبارة «لا تُتعب نفسك»، المقال لا أثر له!
ومن الطرائف الأخرى أن الصحفي باديس قدادرة كُتِبَ اسمه خطأ بدل اسمي ليناوب فبات ليلته الأولى ساهرا، وفي اليوم الموالي طلبه المدير لأمر آخر، وظن أنه سيشكره على عمله البارحة، فاتّجه فرحا، وبعد دقائق عاد خائبا، وهو يقول بادرت المدير بمتاعب المناوبة وظننت أن الأمر يتعلق بها، فتركني إلى النهاية وبعدها قال لي: ومن طلب منك أن تناوب؟
❊ ما هي الشّخصيات التي كان ل «الشعب» الفضل في لقائها؟ وما هي الأمور التي علقت في الذّاكرة؟
❊❊ لعل أهم شخصية كان لجريدة «الشعب» الفضل في لقائها هي شخصية المرحوم قاصدي مرباح عندما كان وزيرا للفلاحة، كنت أتمنى التعرف عليه باعتباره كان أقوى رجل في جهاز المخابرات الجزائرية، ومكَّنتني الجريدة من ذلك بأن التقيت معه عدة مرات في حوار مطول، ومن بين ما أذكره أنه كان كثير القراءة وقد وجدته يوما منهمكا في قراءة كتاب عنوانه أي «حرب البذور»، وقال لي حينها، بنظرة استشرافية ثاقبة هذه هي الحرب القادمة التي تخص أمننا الغذائي. وفعلا تأكّد حدسه ومازالت الحرب قائمة إلى اليوم وبشراسة أكبر.
كذلك أعطتني الجريدة فرصة مقابلة مع رئيس الجمهورية الأسبق الشاذلي بن جديد، حيث هنّأني على جائزة التشجيع التي كانت تُمنَح للصّحفيّين الشباب وسلَّمها لي بنفسه، فضلا عن مقابلة الكثير من الوزراء والشخصيات الوطنية أذكر منهم على وجه الخصوص، محمد الشريف مساعدية، بشير رويس وزير الإعلام - رحمهما الله -
❊ انطلاقا من تجربتكم، كيف تقيّمون مروركم بأمّ الجرائد خاصة وأنّه كان لكم قرّاء قارّين لركنكم؟ وما هي الإضافة التي سجّلتها هذه التّجربة في مساركم المهني؟
❊❊ «الشعب» هي الأم التي ربَّت واحتضنت واختارت لك الاسم الإعلامي وأعلنته للناس، ما بعدها هو تحسين وتطوير فقط، ومازلتُ وفِيًّا لروح هذه الجريدة، أحنّ إليها حنيني لأمي، حتى بعدما التحقت بالجامعة أستاذا، وحتى بعد أن انتقلت بمقالاتي إلى جريدة السلام عندما أسّسها الطاقم الذي كنت أنتمي إليه وبخاصة أعضاء القسم الوطني، بل وحتى عندما أسست أسبوعية الحقية سنة 1993 كانت «الشعب» حاضرة في أسلوبها كمدرسة، بل كانت هي الجوهر أُلبسها أثوابا مختلفة في كل مرة...لا أظن بأنه توجد في الجزائر جريدة ليس ل «الشعب» لمسة فيها.
يجب التّركيز على السّبق الإعلامي لتجاوز الإثارة
❊ كيف تُقيِّمون الجريدة بين الأمس واليوم؟ وما هي اقتراحاتكم في حال تسجيل نقائص؟
❊❊ عندما اشتغلت فيها كانت تصدر في زمن الحزب الواحد، ولكنها لم تكن أبدا جريدة الرأي الأوحد، أبدا ما كُنّا كصحفيين نتلقى التعليمات، كُنَّا نتحمّل مسؤولياتنا فحسب، أغلبنا لم يكن مناضلا في حزب جبهة التحرير، لم يكن مفروضا علينا ذلك. ورئيس التحرير أو المدير هما السيِّدان في آخر المطاف، هما اللّذان يحرصان على الخط الافتتاحي ولكنهما أبدا ما كانا يوجهان الانتقادات مباشرة للصّحفيين.
لم يكن هناك إعلام فقط، كان هناك تكوين إعلامي وتربية سياسية ووطنية بأتم معنى الكلمة، عدا بعض المسائل الرسمية التي لا نتجاوزها، كُنَّا نكتب ما نراه جديرا بالكتابة، ولعل هذا ما جعل الجريدة شعبية بحق...
اليوم هناك تبدل في نوعية الإعلام المقدم للجمهور، أصبحت الإثارة هي جوهر الكتابة وغايتها، وليس تنوير الرأي العام، وإعلام الإثارة إعلام سهل، لذلك أصبحت الموازين غير متكافئة في السوق، ولم تعد الجريدة تحتل المكانة المرموقة التي كانت لها بالأمس، والحل في تقديري أن تُركّز «الشعب» على السبق الإعلامي الذي وحده يستطيع تجاوز الإثارة، في مجال استقطاب القراء.
وهنا يُفترَض أن تعمل الجريدة على مواضيع الانفراد، من خلال تمكين صحافييها من الوصول إلى مصادر الخبر قبل غيرهم، وفي ظرف وجيز ستتمكّن الجريدة من أن تصبح مصدرا للأخبار وللمعلومات الجديدة التي انفردت بها، وعندها سيبحث عنها القراء وسيكتشفون أقلامها ومقالاتها مرة أخرى...وخلال سنة أو سنتين ستستعيد مكانتها الأولى في الساحة الإعلامية كما كانت.
لابد من التّماشي مع الفضاء الإلكتروني
❊ ما الذي تقوله للجريدة في عيد ميلادها وأنت كنت أحد أبنائها؟
❊❊ رصيد الجريدة الكبير ينبغي أن يُستثمَر اليوم، والمجال الالكتروني أمامها مفتوحا في المستقبل لتُعيد تشكيل نفسها بطريقة أخرى، جمهور القرّاء اليوم يُمكِن أن يكون في أي نقطة في العالم،عندما تنفرد بالخبر، أو بالحوار أو بالفيديو، فإنّ القرّاء سيتداولونه على نطاق واسع، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
مستقبل الجريدة هو في أن تتبنّى سياسة إعلامية مُبتَكَرة ومتماشية مع الفضاء الالكتروني..لتُفكِّر الجريدة بأنها لن تكون ورقية بعد 05 أو 10 سنوات، وبأنها ستَنشُر أخبارا غير مكتوبة عبر الفيديو...وستسبق الآخرين لهذا الحقل، هذا منعرج قادم ستضطر كل الصحافة للمرور به، وسيفوز مَن يتحكَّم فيه بطريقة أفضل.
❊ هل هناك نقطة تريدون أو أنّكم تتوقّعون منّي طرحها وترون أنّها مهمّة؟
❊❊ لعلّي أنا من خرجت عن الموضوع، معذرة على ذلك، أتمنى لك التوفيق ولجميع الطاقم من تحرير وتسيير، وأن نراكم تنظمون يوما دراسيا خاصا عن كيفية المنافسة في مجال الصحافة الالكترونية وشكرا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.