العلاقات الجزائرية الصومالية "متينة وأخوية"    وزارة التضامن الوطني تحيي اليوم العالمي لحقوق الطفل    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السوق الموازية..مصدر رزق للزوالية أم ساحة للنهب والتهرب..؟
تجاوزات..استغلال وتجارة في الممنوع..

تعاظمت التجارة الموازية خلال السنوات الأخيرة بالجزائر بشكل رهيب جدا، وأصبحت تكبد الاقتصاد الوطني بعد أن وصلت نسبتها إلى 40 بالمائة فاتورة كبيرة، ويبقى المواطن في كل الأحوال الضحية رقم واحد، وهو ما دفع بالسلطات المعنية وعلى رأسها رئيس الجمهورية إلى اتخاذ قرارات جريئة وتدابير استعجالية تقضي باجتثاث هذه الأسواق التي سودت الواقع الجزائري وتجاوزت الأمور بها مجرد التهرب الضريبي وطرد المستثمرين إلى تغذية الكثير من الآفات؛ كالسرقة وتجارة الممنوع وحتى تسويق مواد غير صالحة للاستهلاك هذا وأصبحت بعض المؤسسات الأجنبية تسعى إلى تصنيعها خصيصا لهؤلاء في ظل غياب ثقافة الاستهلاك عند الكثير من الجزائريين، وهي الإجراءات التي لقيت استياءًَ كبيرا عند المواطن البسيط، الذي لا يرى فيها إلا مصدر رزق يقيه شر البطالة وجشع التجار، فهل السوق الموازية شر لابد منه كان الأجدر ضبطها لا إلغاءها كما يرى المواطن، أم أن لا حل بديل للدولة سوى تجاوز السياسة الشعبوية لحمايته وحماية الاقتصاد؟
التجارة الموازية نعمة على البعض ونقمة على البعض الآخر
"السوق الموازية"، "السوق السوداء" و"التجارة الفوضوية" كلها مسميات لنشاط تجاري واحد غير نظامي، تعرفه كل اقتصاديات بلدان المعمورة،لا يدفع فيه التجار الذين يتنصلون من التزامات الخزينة العمومية في دفع رسوم الضرائب ما داموا لا يحوزون على سجل تجاري ولا على محلات لدفع ثمن الكراء وحقوق الكهرباء والغاز، وهو في مقابل ذلك يلحق الكثير من الأضرار بالاقتصاد الوطني وبالتجار النظاميين الذين يتحملون الكثير من الأعباء والعديد من المسؤوليات، لاسيما في ظل غياب ثقافة الاستهلاك لدى الكثير من الجزائريين الذين أصبحوا يفضلون هذه الأسواق التي تقدم بضائع تتناسب وقدرتهم الشرائية، حتى وإن لم تكن على قدر كبير من الجودة، بل وحتى وإن كانت الظروف التي تعرض فيها الكثير المواد الاستهلاكية السريعة التلف غير ملائمة تماما، لذا أصبحت محج ومزار الكثير من المتسوقين، فحتى الميسورين منهم بعد أن كشرت الأسعار عن أنيابها ولم ترحم لا فقيرا ولا ميسورا، وبعيدا عن الاستهلاك والمواد الاستهلاكية وفي ظل البطالة التي أحكمت خناقها على الكثير من الجزائريين، فقد أصبحت ملاذ الكثير منهم، فكما تتحدث بعض الإحصائيات هناك أزيد من 1.5مليون تاجر دون سجل تجاري امتهنوا التجارة الموازية، وبعيدا عن التاجر بمفهومه العام الذي يتعمد التهرب الضريبي فإن الكثير من الشباب وحتى الأطفال الذين أنهكتهم ظروف الحياة باتوا يسترزقون من هذه الفضاءات، ببيع مواد على بساطتها كالمناديل الورقية، حشيش مقطفة وما شابه والتي يضمنون من خلالها لقمة العيش لهم ولعائلات لا دخل لها، فوحدها هذه الأسواق من مكنتهم من تذوق طعم الفاكهة وإعداد وجبة كاملة في شهر رمضان، وحتى الخضر التي أصبحت أسعارها تنافس أسعار الفاكهة، ليزيد الإقبال عليها بشكل مريع خاصة خلال السنتين الأخيرتين، أين بلغت الأسعار حدا من الجنون لا يمكن أبدا تصوره، ومع زيادة الطلب زادت رقعتها وكبرت مساحتها لتبنى العديد من الأسواق التي احتلت الكثير من المساحات العمومية وتوسعت على الطرق أسماء من ذهب، فالكل أصبح يؤم سوق «باش جراح» الذي اشتهر خاصة ببيع المواد الغذائية، وسوق «ساحة الشهداء» الذي يعرض متخلف أصناف وأنواع الملابس، وحتى «الحراش» و«الجرف» وغيرهما من المناطق بالعاصمة ومن خارج العاصمة التي استفحلت بها هي الأخرى التجارة الفوضوية، والأكثر أن هذه التجارة التي انتشرت كالفطر رغم محاولة عناصر الأمن تطويقها، إلا أنها أخذت في التوسع والانتشار حتى بالمدن الراقية والشوارع الكبيرة، فتحولت بذلك المدينة معها إلى فوضى عارمة، وتزداد سوداوية بعد رحيل الباعة عشية كل يوم بفعل ما يخلفونه من أوساخ وقاذورات يدفع ثمنها سكان البنايات، وليت الأمر يتوقف عند هذا فحسب، بل إن نشاط هؤلاء في أشكال قريبة من الأسواق بالنظر إلى ما يحققونه من أرباح طائلة وسريعة أصبحت تسيل لعاب كل اللاهثين وراء الربح السريع، حتى بممارسة التجارة الممنوعة وتعمد تسميم الجزائريين بمواد استهلاكية فاسدة.
عون شرطة الرقابة «لا ذنب لنا لأن مهمتنا تنفيذ التعليمات»
كل ما يعرفه المواطن البسيط عن هذه الأسواق هو أنها تعمل على امتصاص البطالة، توفير لقمة عيش للفقراء والمساكين، إلى جانب حماية الشباب من الانحراف، فهذا النوع من الأسواق كلما عزمت الدولة على القضاء عليها عدلت عن الفكرة، على اعتبار أن في ذلك تضحية كبيرة بمصير هؤلاء الشباب الذين عجزت عن حل مشاكلهم وتأمين أبسط الحقوق لهم، فكلما حاولت عناصر الأمن إجبار تلك الشريحة أو غيرها بمن فيهم النسوة والعجائز على رفع السلع المعروضة أو مصادرتها، وقف الكل في طريقهم لمنع تنفيذ القرارات التي كلفوا بتنفيذها، لأنهم من أبناء الشعب لهذا يبدون الكثير من اللينة يكتفون بالتحذير ولا يصادرون البضائع إلا في حالات نادرة جدا، فكما يتحدث أحد أعوان الشرطة والمكلف بمراقبة سوق «باش جراح» القديم وضمان عدم عودة الباعة الفوضويين، فإنه يشعر بذنب كبير حين يطارد هؤلاء الشباب الذين يستحقون كل الاحترام والتقدير، ذلك أنهم على حد تعبيره على الأقل يوفرون لقمة عيشهم بعرق جبينهم ولا يستسلموا للظروف.
الخسائر تصل إلى 30 مليار دينار سنويا
وأضاف آخر قائلا: "هم أبناءنا وإخواننا ونستغرب كثيرا من لهجة اللوم والعتاب التي يحدثنا بها البعض، وبأننا قساة القلوب ولا يريدون أبدا أن يفهموا أو يستوعبوا أننا مأمورون، وبأننا نقوم بعملنا ولا شيء غير ذلك"، لتظل لعبة القط والفار هي ما يحكم هذه الأسواق التي أصبح السكوت عليها وعلى الكثير من القرارات الشعبوية كما يرى الكثيرون ضربا من الجنون، لأسباب عدة لا يمكن تصور خطورتها، فكما يؤكد الناطق الرسمي للاتحاد الوطني للتجار والحرفيين الجزائريين أن الدولة كانت مصيبة جدا في قرارها القاضي بضرورة القضاء على هذه الأسواق التي أصبحت وسطا خصبا للكثير من الآفات التي لم تعد تهدد الاقتصاد وحده بما يصل إلى 30 مليار دج، وهو مبلغ يضيع سنويا من خزينة الدولة، هذا وتؤكد التقارير بأن صحة المواطن أصبحت مستهدفة بدرجة أولى، ذلك أن ثلثيه يقتنون حاجياتهم من السوق الموازية، والأمر لم يعد مقتصرا على عرض السلع السريعة التلف كالحليب والأجبان في ظروف كارثية وسط الأتربة وتحت أشعة الشمس يملأها الذباب والبعوض الحاملة لمختلف أنواع الميكروبات والجراثيم، فالأمر أكثر خطورة من خمائر منتهية الصلاحية ومن خبز يفتقد لعنصر "اليود" الذي يحمي من عديد الأمراض، بعد أن دخلت بعض المؤسسات الأجنبية على الخط وباتت تنشط في غياب الثقافة الاستهلاكية التي لا يهتم الكثير من الجزائريين بها قدر اهتمامهم بالسعر على حساب نوع المنتوج ومدة صلاحيته، همهم الوحيد إغراق السوق الموازية بمواد استهلاكية غير صالحة تماما للاستهلاك، إلى جانب إنتاج مواد غير صالحة للاستهلاك، وهذا ما يطرح الكثير من الأسئلة عن نية تلك المؤسسات.
حالات تسمم كثيرة مست عدد معتبرا من المواطنين خاصة خلال شهر رمضان المنصرم، فلا بديل عن توفير لوازم وجبة كاملة للأسرة بعد يوم شاق من الصيام، فكما تقتضيه العادة عند كل الجزائريين لا غنى عن المائدة، ومادام تجار المحلات الذين ينتظرون هذه المناسبات لاستنزاف جيوب المواطنين، فالمواطن البسيط لم يجد بُدًا عن هذه الأسواق التي ما همه فيها أمات مسموما أو مات جوعا، فالله رحيم بعباده لكن بعيدا عن صحة المستهلك من جانب ما يعرض من سلع لا تصلح حتى للحيوانات، فالخطر أصبح يترصده وأبناءه.
ول"جماعات المافيا" و"بارونات المخدرات" نصيب في تلك الأسواق
نشطون آخرون لا تقل خطورتهم عن هؤلاء، ونخص في حديثنا "المافيا" و"بارونات" المخدرات الذين استباحوا سوقه بعد أن وجدوا في ظروف هؤلاء التعساء ما يرفع مكاسبهم المادية ولو بالتجارة في الممنوع والمسروق وحتى الموت، وكما يضيف محدثنا فإن هذه الأسواق التي كان يفترض بالدولة أن تعمل جاهدة على اجتثاثها قبل سنوات وليس مع الدخول الاجتماعي الأخير فقط، أصبحت وسطا لتنامي الجريمة، فشبكات "المافيا" وتجار الموت في غياب رقابة الدولة ووزارة التجارة التي عجزت حتى على مراقبة أسواقها النظامية حولتها إلى منطقة نفوذ وأسواق لتصريف المخدرات، بعد أن استغلت ظروف التجار والشباب وأغرتهم بأرباح خيالية تفوق ما يتحصلون عليه في اليوم الواحد بأضعاف مضاعفة، فالكثير من الشباب بهذه الأسواق لم يعد يتاجر كما نرى في الظاهر بأشياء بسيطة تكاد توفر له بالكاد لقمة العيش، بل الكثير منهم أصبح يتاجر بالمخدرات والأقراص المهلوسة ما دام المكان بمنأى عن الخطر، ومادامت ظروف الكثير منهم تسهل الإطاحة بهم كمستهلكين وحتى كتجار، إلى جانب هذا وزيادة على التجارة في المُقلد خاصة فيما تعلق منها بقطع غيار السيارات والهواتف النقالة التي دق معها الكثير من التجار ناقوس الخطر، بعد أن تجاوزت نسبة مبيعاتها بهذه الأسواق في الكثير من الأحيان نسبة 20 بالمائة.
تجارة قطع غيار السيارات المسروقة في تراجع
المتعارف عليه أن تجارة قطع الغيار المقلدة من أنشط الممارسات التجارية بالسوق السوداء، لاسيما بعد الإجراءات التي اتخذتها الدولة مؤخرا لتشديد الخناق على الاستيراد وفرض المزيد من الرقابة على هذه الواردات في ظل تنامي شكاوي العديد من المتعاملين الاقتصاديين وحتى المواطنين الذين خسروا في الكثير من الأحيان أجزاء هامة من مركباتهم، بسبب اقتناءهم لقطع مقلدة وهروبهم من الأصلية التي يفوق ثمنها في أغلب الأحيان قدراتهم الشرائية، ولأن هذه التجارة هي الأخرى أحكمت عليها جماعات "المافيا" من دول أسيوية وحتى إفريقية السيطرة ولم تستسلم إطلاقا إلى إجراءات وزارة التجارة الأخيرة التي جففت مصادرها، فالوجهة أصبحت سرقة السيارات باستخدام كل الوسائل بما في ذلك استغلال الجنس اللطيف في الوصول إلى تحقيق الغايات، وهذا ما يفسر حسب المتتبعين تنامي سرقة السيارات بشكل كبير جدا بالعديد من الولايات خلال الأشهر الأخيرة والتي كثيرا ما عجزت السلطات الأمنية عن فك خيوطها لتُقيد ضد مجهول، وما يؤكد هذا الطرح أن استفحال سرقة السيارات جاء بعد أن أثبتت الإحصائيات الأخيرة أنه وبفضل الإجراءات التي سنتها الدولة مؤخرا تراجعت تجارة قطع الغيار المقلدة بالجزائر مع بداية السداسي الثاني من العام الفارط، وذلك بما لا يقل عن 25 بالمائة مقارنة بنفس السداسي من عام 2009.
شباب يتخبط في مشاكل وحلول مشروطة علقت أحلامهم إلى إشعار آخر
مما لا خلاف فيه وكما يجمع كل الاقتصاديون فإن النشاط الفوضوي تعرفه أكبر اقتصاديات العالم، لكن لم يصل أبدا إلى النسبة التي وصلت إليها الجزائر، ذلك أنها أصبحت وزيادة على الأخطار التي تسببها من أكبر العقبات في وجه المستثمرين الذين لن يجازف أيًا كان منهم بالدخول إلى بلد يتجاوز فيه هذا النوع من التجارة 40 بالمائة، فلا تفسير عند هؤلاء إلا أن الدولة عاجزة عن حماية اقتصادها فكيف ستحمي استثماراتهم، ولأن أهل مكة أدرى بشعابها والسلطة تدرك ظروف الشباب وواقعهم الاجتماعي الذي عجزت عن تحسينه، رغم استحداث العديد من الهياكل والمنشآت التي أخذت على عاتقها تغذية مشاريع الشباب البطال، عن طريق سن العديد من البرامج التنموية والصيغ الترقوية، ك"لونساج"، "لاكناك" لأجل تأسيس مستقبله بتموينه بالقروض اللازمة، لكن الكثير من هذه المشاريع فشلت بسبب البيروقراطية التي استنفذت جهوده وأهدرت وقته في استخراج ملف مثقل بالأوراق يظل في الكثير من الأحيان حبيس الأدراج، خاصة وأن الشروط المنصوص عليها في بعض الأحيان صعبة للغاية، وتستلزم وجود محلات تجارية لممارسة النشاط محل الاستفادة، ولا تقل مدة كرائها عن 5سنوات وهو ما تفوق قيمته أحيانا قيمة القرض المحصل عليه، وحتى ما جاء به البرنامج الخماسي التنموي لرئيس الجمهورية لم يحسن أوضاعه كثيرا، خاصة وأن مشروع100 محل في كل بلدية يتخبط في العديد من المشاكل، ولم تفلح معه حتى الإجراءات الاستعجالية التي اتخذتها السلطات العمومية مؤخرا، وحتى لا تزيد أوضاعه مأساوية فقد ظلت حتى وقت قريب تؤجل حل القضاء على هذه الأسواق نهائيا، لكن بعد تزايد مخاطرها مؤخرا على الاقتصاد الوطني وكبر حجم "البارونات" التي فشلت جهود الدولة في القضاء عليها بعد تخفيها وراء أحلام هذا الشباب البائس، والأكثر عبثها بصحته وحياته وغزوها حتى للكثير من المناطق والمساحات العمومية التي شوهت كثيرا منظر المدينة وأرقت السكان، فكان لابد من قرار جريء بمستوى الأخطار التي تهدد البلاد حتى وإن كان الكثير يعيب عليها آليات التنفيذ وعجزها عن إيجاد البديل، فمباشرة بعد شهر رمضان وبتوجيهات من رئيس الجمهورية الذي وقف على حجم الأضرار بعد جلسات الاستماع التي جمعته بقطاعات وزارية عديدة، والتي لها علاقة بهذه السوق الموازية وتأتي على رأسها وزارة التجارة التي عجزت عن التحكم في أسعار العديد من مواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع والتي تدعمها الدولة، والسبب الأساسي الذي يفسر به هذا العجز دائما السوق الموازية وسياسة المضاربة في الأسعار التي ينتهجها بعض التجار، والأكثر من ذلك أن العديد من هذه المواد التي تتحمل الدولة أعباءها، لحماية قدرة المواطن الشرائية تباع في هذه الأسواق التي تجد بها كل شيء، حتى ما عجزت الدولة على توفيره بالسوق النظامية، كما أن الكثير من الأزمات التي هزت السوق الجزائرية وشلتها بعد الندرة الفادحة التي عرفتها خاصة في مادة الحليب وجد المختصون أن للسوق السوداء ضلعا كبيرا فيها، فمادة "بودرة" الحليب التي غابت عن الكثير من المنتجين أصبحت تباع بأثمان مضاعفة في هذه الأسواق ولأنه لابد من اقتناءها بحكم ضرورته، والمنتج لا يمكنه تحمل التكاليف والدولة تلزمه على ألا يتجاوز ثمن الكيس الواحد 25 دج، فإنتاج المشتقات ك"الياغورت" أصبح الحل الأفضل، لتكون سنة 2010 سنة كيس الحليب بامتياز، بعد أن صنع الحدث بوسائل الإعلام الوطنية وحتى الأجنبية، وكلما حاولت الدولة إيجاد الحلول وجدت أمامها السوق السوداء، ليعطي رئيس الجمهورية أمره بشجاعة كبيرة لإزالتها وتعويض أصحابها بمحلات نظامية أنشأتها السلطات المحلية خصيصا حتى لا تقطع أرزاق هؤلاء الشباب، لكن المؤسف أن الكثير من هذه الفضاءات كانت خارج التغطية، وسببت كساد تجارة العديد منهم محملين السلطات المسؤولية، وهو قرار خلف ارتياح الكثيرين خاصة أصحاب البنايات المجاورة لهذه الأسواق وحتى تجار المحلات النظامية الذين يعملون بمحاذاة تلك الأسواق، والذين يؤكدون أنهم عانوا الويلات من التجارة الفوضوية، خاصة وأن هؤلاء التجار الفوضويون يبيعون بالسعر الذي يريدون ما دامت لا تحكمهم أية التزامات،أما نحن فنجبر على البيع بما يضمن الحفاظ على رأس المال وتحقيق الحد الأدنى من هامش الربح، لأن لدينا الكثير من الالتزامات، ضرائب، كراء، كهرباء.
نعم سوق "أسود" لكن ما ذنبنا؟
صنف سوق "باش جراح" قبل أن تحوله الدولة إلى "حي النخيل" من أكبر الأسواق الشعبية على مستوى العاصمة والذي يفد إليه المواطنون من داخل وخارج العاصمة، بالنظر إلى أسعاره المغرية جدا، وكباقي الأسواق الأخرى مس بالكامل ورُحلت تجارته إلى منطقة أخرى بحي "النخيل " وهو ما رفضه التجار لعدة أسباب أهمها غياب الأمن بالمنطقة التي تعتبر مرتعا للمنحرفين، وقد سجلت بها خلال الأشهر القليلة الماضية عدة جرائم قتل ما تسبب في عزوف المواطنين عن التردد عليه خوفا مما قد يلحقهم من هلاك. بعد اندلاع أحداث الشغب الأخيرة التي عرفتها عدة ولايات بسبب الارتفاع الجنوني الذي مس أسعار بعض المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك كمادتي السكر والزيت خاصة، والتي استغلها البعض لمحاولة فرض منطقه وإعادة السوق الموازية إلى سابق عهدها، تقربنا من بعض الشباب وحاولنا من خلال الدردشة معه معرفة سر تمسكهم بهذا النوع من السوق رغم مخاطرها، فكل ما يعتقده المواطن والشاب البسيط أن الدولة حرمته من مصدر رزقه دون أن يفهم كل الأسباب التي قدمت له حول إقدام الدولة على القضاء على هذه الأسواق التي أصبحت مضارها أكثر من منافعها، والأكثر من هذا أنها لا تنوي القضاء على النشاط الفوضوي نهائيا، وهو ما أكده وزير الداخلية والجماعات المحلية في إحدى خرجاته الإعلامية مؤخرا، كل من تحدثنا معهم لا يحملون إلا شعار "ما ذنبنا يا أختي في كل هذا، كل ما يهمنا لقمة العيش"، ف"محمد" شاب في الثلاثين من العمر، أب لطفلين قال بأنه بحكم ممارسته العمل بالسوق منذ أزيد من 10 سنوات يدرك جيدا ما يحدث بالسوق بعيدا عن الأعين، خاصة فيما يتعلق بالسرقة، فالكثير من المسروقات الصغير منها والكبير، القيم والتافه، الثمين والرخيص يباع هنا خاصة أجهزة الهاتف النقال التي تسوق هنا بشكل مذهل، لكن كما يضيف "من غير المعقول أن نجازى بسبب هؤلاء، فالكثيرون بيوتهم مفتوحة من هذه خيرات هذا السوق، وأكاد أجزم أنه لولاه لما تمكن أحد من أكل وجبة محترمة حتى في شهر رمضان، الأسعار يشتكى منها حتى العاملون والميسورون، فما بالك بمن لا يعمل وفي رقبته الكثير من الأطفال، أنا مع الدولة في محاربة الجريمة وحماية المواطن، لكن لست معها في رمينا بمكان حتى سكانه لا ينعمون بالراحة فما بالك بالغريب، منذ ترحيلنا إلى "حي النخيل " وتجارتنا -يضيف- من سيء إلى أسوأ، فالكثير من المواطنين خاصة النساء يرفضون المجازفة والتبضع بمكان يعج باللصوص والمنحرفين، كان الأجدر بها أن تفكر في النتائج لأن الحلول الترقيعية تجاوزها الزمن".
غير بعيد عنه يقف "طارق" الذي كان يترقب الأوضاع وبمجرد أن سماع فحوى الحديث اقترب منا، هو شاب في مقتبل العمر عازب وحاصل على دراسات عليا في الاقتصاد، لم يسعفه الحظ كغيره من الشباب في الحصول على منصب شغل، يتفهم كغيره ما أقدمت عليه الدولة وما أصبحت تشكله هذه الأسواق التي استغلها بعض معدومي الضمير في أمور غير قانونية تضر بالمواطن أكثر من غيره، لكن ما يعاب تلك الحلول العشوائية المطبقة، فالسوق الموازية التي تريد الدولة اجتثاثها موجودة بكل دول العالم، لكن بدل أن تبحث هذه الدول عن المستحيل وتضاعف من المشاكل التي يتخبط فيها المجتمع، عملت على تنظيم هذه الأسواق وتقنينها بمنحه هؤلاء الباعة سجلات تجارية حتى تحمي على الأقل خزينتها من الأموال التي تنزف منه سنويا وتقدر بالملايير، فطاولات الباعة التي تعمل الدولة على إزالتها وزيادة عدد قوائم البطالين بها موجودة حتى بأرقى المدن الفرنسية، لكن بشكل قانوني، فالشاب الذي يملك طاولة هناك يملك سجلا تجاريا وملزم بعرض بضاعته في وقت معين، تحدده له السلطات، كما أنه مجبر على تنظيف المكان قبل رحيله، وإلا سيتعرض لعقوبات صارمة قد تصل إلى حد سحب السجل التجاري منه، فلماذا لا نستفيد من هذه التجارب ونحول نقاط ضعفنا إلى نقاط قوة؟ خاصة وأن شبابنا تحذوه إرادة قوية وعزيمة كبيرة في العمل وتجنب طريق الانحراف التي قادته الظروف الصعبة إلى ولوجها بطريقة أو بأخرى".
على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها لوقف زحف "المافيا"
الشاب "حمزة" بدوره يتمنى أن تتحسن الأوضاع وأن تتحمل الدولة مسؤولياتها أكثر، فما ذنبنا - يقول- في كل ما يحدث، هل لأن "المافيا" تستثمر في ظروف الشباب يجب قتل هؤلاء الشباب، لو أن الشباب وجد عملا ولو بسيط لما فكر في شيء آخر، الكل يتحدث عن التسمم الذي قد تخلفه منتجات هذه الأسواق وصحته المهددة ولا أحد فكر أن كل يهم هذا المواطن هو ما يطفئ نيران جوعه، لكن لا أحد يسأل لأن ما ذاق مرارة الجوع أحد مثله"، ليضيف "محمد" مصرحا:"حتى التجار النظاميون الذين كانوا يشتكون من وجودنا ويحاربوننا هم اليوم يتمنون عودتنا فكل زبائنهم كانوا بفضلنا، أما اليوم فحالهم أسوء من حالنا، تجارتهم راكدة وزبائنهم قليلون جدا، أما السكان فالكل يتحسر على أيام سوق "باش جراح"، فرغم تواجد عناصر الأمن بالسوق الجديد إلا أنهم يخافون المكان ولهم الحق في ذلك فحتى نحن نخاف"، حتى السكان الذين كانوا متواجدين بعين المكان راحوا يستغلون الفرصة لاقتناء مختلف الخضر والفواكه، لأنهم يدركون أن قوات الأمن ستعيد الأمور في الصباح إلى ما كانت عليه، يتحسرون على رحيل هؤلاء الذين كانت أسعارهم في المتناول، فكما تقول الحاجة "يمينة" التي لم تكن تحمل في قفتها الخاوية إلا رطل بصل، لقد كان بحق"سوق القليل"، فالأسعار كما يضيف "خالد" وهو معلم وأب ل5 أطفال متمدرسين "أرهقتنا والسوق الوحيد الذي كان يرأف بحالنا أخذوه إلى حيث يتعذر علينا وعلى زوجاتنا وبناتنا الذهاب"، رغم كل هذا فالشباب يمني نفسه بالخير الذي قد يبدأ مع التخفيضات التي باشرتها الدولة في أسعار الزيت والسكر، في انتظار المزيد من التخفيضات بالمواد الاستهلاكية الأخرى، وحتى في فرص العمل فكما يقول "محمد" الذي يبدوا متفائلا أكثر من أصدقائه: "نتمنى أن يحتوينا أكثر البرنامج التنموي الخماسي الجاري، وأن تفرج سريعا كل البلديات عن 100 محل التي لا تزال الكثير منها مغلقة لعدم توفرها على الشروط التي تتيح للشباب مزاولة نشاطه، وحتى تحويلها من محلات ذات طابع حرفي ومهني إلى محلات ذات طابع تجاري لا يكفي لأنها لا تصلح لا لهذا ولا لذاك.
لابد من إيجاد البديل أولا قبل إزالتها
أسباب موضوعية ومنطقية جدا دفعت بالسلطات المعنية إلى التعجيل باتخاذ قرار جريء ظلت لسنوات تؤجله لسبب أو لآخر، قرار قد يتفهمه الميسورون وحتى الاقتصاديون الذين نبهوا مرارا لأخطاره وباركوا قرار علاج مشكل الأسواق الموازية من حيث المبدأ، لكن لم يباركوا أبدا نوع العلاج وآليات التنفيذ التي يرى الكثير منهم أنها زادت من تفاقم المشكل لا غير، فقد كان الأولى بها أن تستثمر فيه وتضبطه وتحوله إلى سوق بيضاء تدر عليها مزيدا من المداخيل، وحتى المواطن البسيط الذي لا يفقه إلا لغة الخبز، لا تهمه كثيرا لغة الاقتصاد والأرباح والخسائر التي يخوض فيها هؤلاء، فهو لا يعرفها ولا يريد أن يعرفها، كل ما يهمه في ظل الأسعار التي استباحت جيبه وأرقت عيشه أن يوفر له العيش الكريم بالسوق الموازية أو بغيرها، فلا يعقل أبدا رحيلها دون إيجاد البديل اللائق، كما لا يعقل تماما كما يرى أطباء الاقتصاد علاج داء "السرطان "بدواء "البراسيتامول" لأن لا شفاء يرجى معه بتاتا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.