كشف تحقيق دام سنتين نُشر في شكل كتاب بعنوان “فرانسوا ميتران وحرب الجزائر” عن تورط الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران وسماحه بإعدام 45 مقاوما جزائريا بالمقصلة خلال فترة توليه وزارة العدل إبان حرب التحرير الجزائرية. وتناول الكتاب وهو عبارة عن تحقيق للصحفي بجريدة “لوبوان” فرانسوا مالي والمؤرخ الفرنسي من أصل جزائري بنجامين ستورا فترة حرب التحرير الجزائرية من خلال عدد كبير من الوثائق تنشر لأول مرة. وأكدا الباحثان أن ميتران اعترض على 80 بالمائة من طلبات العفو وذلك انطلاقا من ولائه المطلق لفكرة دعم النظام الاستعماري دون قيد أو شرط. وقال ستورا في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية “لأشهر طويلة عبّر ميتران علنا عن إرادته في دحر التمرد”. وأشار إلى أن توجهاته عند التصويت في المجلس الأعلى كما وصفها جان كلود بيرييه الرجل الوحيد الذي ما زال على قيد الحياة من أعضاء المجلس آنذاك كانت “قمعية جدا ولا يمكن معارضتها” مضيفا “لكنها كانت تلك رؤيته للجزائر وكان يعتقد أنها الحل الأمثل”. وقال ستورا بمناسبة إصدار الكتاب إن “ما أردت أن أفعله هو إسماع صوت الجزائريين، وكان هذا مصدرا رائعا لكشف الأسرار فشقيق أحد الذين أعدموا بالمقصلة ومسؤول سابق في حزب جزائري أدلوا بإفادات ولم يكونو قد تحدثوا من قبل”. وشمل التحقيق شهادات لأشخاص ومسؤولين عايشوا تلك الفترة من فرنسا والجزائر بينهم المؤرخة جورجيت إيلجي التي شهدت الأحداث كصحفية ثم كمستشارة في الإليزيه اعتبارا من عام 1982 وشخصيات أخرى مثل روبير بادينتر ورولان دوما وميشال روكار وجان دانيال. وقد وافق هؤلاء للمرة الأولى على التطرق إلى هذا الجانب المجهول من حياة ميتران السياسية. في تعليقه على الموضوع قال المحلل السياسي الجزائري مصطفى صايج إن لصدور الكتاب أهمية تاريخية كبيرة حيث اعتمد على أكثر من 400 وثيقة من مداولات المجلس الأعلى الفرنسي للقضاء خلال الفترة التي كان فيها فرانسوا ميتران نائبا لرئيس المجلس ووزيرا للعدل. وأضاف في تصريح للجزيرة أن الكتاب يكشف لأول مرة أن اليسار الفرنسي الذي عادة ما يصنف بأنه يدعم حرية الشعوب في تقرير مصيرها كان مساهما في دعم النظام الاستعماري الفرنسي القمعي. وفي تفصيله لهذه النقطة قال مصطفى صايج إنه عندما تم تداول موضوع الحكم بالإعدام على نحو 45 شخصية جزائرية تم التصويت ضد حكم العفو الذي كان يمكن أن يمنحه المجلس الأعلى. وشدد صايج على ضرورة اعتماد جمعيات المجتمع المدني الجزائري وعوائل وأبناء الشهداء على هذا الكتاب للمطالبة بتجريم الاستعمار الفرنسي والمجازر التي ارتكبها في حق الشعب الجزائري باعتبار أن القضية تدخل ضمن الذاكرة الجماعية.