يعرف القطاع الصناعي في الجزائر تحولات كبيرة منذ التفتح على اقتصاد السوق، غير أن مساهمة هذا القطاع في خلق الثروة ومناصب العمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي والوصول إلى الصادرات يبقى بعيدا عن تطلعات الدولة. هذا ما رصدناه في استطلاعنا الميداني حيث حاورنا مسؤولي المؤسسات عن وضعها والعراقيل التي تحول دون تصدير منتوجها في ظل منافسة حادة. واتضحت من خلال التحري الميداني الصعوبات الجمة، وتبين لنا كيف بقي النقاش مقتصرا في هذا القطاع على تطهير الديون والبحث عن الشركاء والخوصصة والتموين بالمواد الأولية وصعوبة الحصول على القروض. وهي المحاور التي جعلت القطاع بعيدا كل البعد عن الإبداع والابتكار وبراءات الاختراع وخلق الثروة وتحقيق التوازن الاقتصادي بين المحروقات والاقتصاد المنتج. ويأتي الرهان على القطاع الصناعي في الجزائر في ظل تراجع نموه، مثلما تحدث عنه الديوان الوطني للإحصائيات حيث سجل الإنتاج الصناعي للقطاع العمومي انخفاضا بمعدل 2،7 بالمائة خلال بداية 2010 بسبب النتائج السلبية المحققة في قطاعات المناجم والمحاجر والصناعات المصنعة. وأشار الديوان في تقرير حول النشاط الصناعي للثلاثي الأول إلى أنه بعد تسجيل زيادة ب 0،4 بالمائة تراجع الإنتاج الصناعي للقطاع العام الوطني خلال هذه الفترة بنسبة نمو سلبية تقدر ب 2،7 بالمائة. وبعد النتائج السلبية التي سجلت منذ الثلاثي الثالث لسنة 2008 سجل قطاع المحروقات ارتفاعا ب 2،5 بالمائة، حسب الديوان الذي أوضح أن هذا الاتجاه يعود أساسا إلى الارتفاع المسجل في فرع ڤتكرير البترول والذي بلغ 57،9 بالمائة. وتوقفت «الشعب» عند العراقيل والصعاب التي تعترض المتعاملين الصناعيين الجزائريين العموميين والخواص وتأثير القرارات المتخذة في قوانين المالية التكميلية على مصير مؤسساتهم لمسنا رغبة كبيرة من الصناعيين الجزائريين في تجاوز المراحل الانتقالية، وإرساء قاعدة صناعية صلبة شريطة توفير المناخ المناسب والتسهيلات اللازمة لضمان اقتصاد تنافسي والوصول إلى التصدير للتقليل من التبعية للمحروقات. البنوك تطالب برهون أكبر من القروض كشف بريكي الوناس مسؤول شركة «سارل سوديتول» الكائن مقرها بالناصرية ببومرداس ل «الشعب» أن الشراكة مع الأجانب تبقى أحسن وسيلة للنهوض بالاقتصاد الوطني خارج قطاع المحروقات، حيث أثمرت الاتصالات مع شركة فرنسية تنشط في مجال صناعة طاولات الحدادة في إنشاء الشركة. وقال الوناس، إنه بعد الالتقاء مع فرنسيين على هامش معرض الجزائر الدولي اقتنع الفرنسيون بالعمل مع الشركة منذ 2009، حيث زودوهم بالتكنولوجيات. وشرعت في الإنتاج محليا حيث تمكنت من انجاز طاولات حدادة عصرية ذات استعمالات متعددة وتوفر تأمين شامل من المخاطر حيث توفر لورشات الحدادة العملاقة ظروف عمل ممتازة. ويتفاءل المسؤول الأول عن الشركة بتغطية السوق الوطنية أولا قبل الوصول إلى التصدير، حيث نجح الشريك الفرنسي في تصدير منتجاته من فرنسا إلى ألمانيا وهو ما يؤكد المقاييس العالمية التي تتمتع بها. ورفض نفس المتحدث التسرع في الوصول إلى التصدير قبل تغطية السوق الوطنية، لأن السوق الجزائرية واعدة. وتوفر شركة «سوديتول» خدمات ما بعد البيع وقطع الغيار لمنتجاتها لإقناع المتعاملين بالإقبال على سلعها وتأمل في توسيع ورشاتها مستقبلا خاصة إذا وصلت وأقنعت مراكز التكوين المهني بشراء تجهيزاتها وعقد اتفاقات استقبال متربصين لتعويدهم على الماكنات الجديدة في مجال الحدادة. ويأمل نفس المصدر في أن تخفف البنوك من المبالغة في طلب الرهون من أجل قروض لا تصل لقيمة الرهون التي عادة ما تكون عقارات ضخمة. وتساءل في سياق آخر عن التمييز بين الشركات العمومية والخاصة في مجال منح القروض. وقال في هذا الصدد: اقتصاد السوق يجب أن يبنى على دفاتر شروط معينة لتوفير النجاح وتحقيق المساواة في التعامل مع الشركات، لأن تفضيل شركات فاشلة عن شركات ناجحة أمر غير مقبول وتغيير النظرة مرتبط بالتفكير في المصالح العليا للوطن وعدم التعامل بالعواطف. وأشار إلى غلاء ثمن الإشهار والمشاركة في المعارض الجزائرية للتعريف بالمنتجات، مؤكدا في هذا الجانب عن ضرورة تدعيم الدولة للمشاركة في التظاهرات الاقتصادية للتعريف بالمنتجات وعقد اتفاقيات شراكة وتعاون مع مختلف المتعاملين لأن هذا الجانب له دور كبير في تشجيع الاقتصاد المنتج والتقليل من الاستيراد. وثمّن السيد بريكي ما جاء به قانون المالية التكميلي لسنتي 2009 و 2010 من خلال الامتيازات الجبائية للشركات الوطنية المنتجة للثروة وكذا منح الأفضلية في الصفقات الخاصة بمشاريع التنمية حيث يجعل هذا أكثر احترافية وتطابقا مع معايير المقاولات العالمية. الطلب الخارجي على الجرارات الجزائرية أكثر من العرض طرح لرقط عبد العالي مسؤول التسويق بمصنع الجرارات بقسنطينة الذي ينشط منذ 1972 مشكل ضعف وسائل الإنتاج وقدمها، حيث خصصت إدارة المصنع 140 مليار سنتيم لتجديد هياكل الإنتاج لتدارك التأخر في الإنتاج والحفاظ على الأسواق الإفريقية، حيث تصدر الجرارات الجزائرية التي تصنع بترخيص من شركة «دوتز» الألمانية إلى العديد من الدول الإفريقية على غرار زيمبابوي والسودان عن قريب. وتصدر أيضا لبعض دول أوروبا الشرقية والعراق، حيث يكثر الطلب على الجرارات الجزائرية بالنظر للتقنيات العالية التي تنتج بها وقدرتها على العمل في أصعب التضاريس. ويصل إنتاج المصنع الذي يوظف 1100 عاملا، حسب نفس المتحدث ل «الشعب» إلى 3200 جرار سنويا. وهو رقم بعيد جدا عن الطلبات. ويرجع عدم تحقيق أهداف المؤسسة التي تمت إعادة هيكلتها في 2009 بمنحها صلاحيات وإمكانيات أكبر إلى العديد من العوامل، أهمها غلاء المواد الأولية التي تستورد 90 بالمائة منها من الخارج. وهو ما يرفع كثيرا من تكاليف الإنتاج وتنشيط المناولة في استيراد المواد الأولية سيكون حلا جيدا لتحفيزها ومساعدتها على مضاعفة الإنتاج لتلبية الحاجيات الوطنية والدولية. ويبحث المصنع الذي يملك سمعة عربية وافريقية عن شريك أجنبي للوصول إلى صنع جرار جزائري نموذجي بمواصفات عالمية. وأكد المسؤول عنه في هذا الشأن: ''طرحنا مناقصة في هذا الشأن وسندرس العروض التي تجعلنا نطور إمكانياتنا مستقبلا لأن نسبة المساهمة في صناعة الجرار تبلغ حاليا 70 بالمائة وهناك قطع غيار تجلب من ألمانيا حاليا. وتأمل إدارة المصنع في الاستفادة من القروض الموجهة لتجديد هياكل الإنتاج تحسبا للتركيز على التصدير مستقبلا، لأن التشجيعات التي منحتها الدولة واهتمام العديد الدول بمنتجاتنا محفز للتفكير في المستقبل والمساهمة في تعزيز الاقتصاد الوطني خارج المحروقات. وشدد مسؤولو المصنع على أهمية الإشهار والترويج للمنتجات الجزائرية محليا من خلال الإكثار من المعارض بين المنتجين والزبائن للتعريف بالمنتوج الوطني وجلب الاهتمام بوجود صناعة وطنية منافسة. التقليد، الديون والرسوم على المواد الأولية تهدد صناعة السباكة الجزائرية من جهتها، اشتكت «م.ز» مسؤولة بالمؤسسة العمومية للسباكة بالحراش من عمليات التقليد التي تمس بإنتاج الشركة حيث كشفت المتحدثة في حديث ل «الشعب» أن منتجات مقلدة تباع في متاجر الحميز. وهو ما جعلها تتكبد العديد من الخسائر. ودعت المتحدثة السلطات إلى حماية المنتوج الوطني من عمليات التقليد، لأن التجديد الذي مس هياكل إنتاجها لقي اهتمام المتعاملين الأجانب خاصة في قطع غيار قاطرات وعربات السكك الحديدية وعتاد الأشغال العمومية، كما أن تحسين نوعية الأعمدة وبالوعات المياه وسياج الحدائق ومقاعد الترفيه والراحة جعل الشركة محل ثقة لدى مختلف الهيئات الوطنية والخاصة وتطمح للعمل على التصدير إذا ما لقيت الدعم اللازم. وثمنت في سياق آخر منح البرنامج الخماسي الأولوية للشركات الوطنية في انجاز المشاريع والصفقات. وهو ما من شأنه أن يشجع على مضاعفة الإنتاج وتطويره من خلال الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة وتجديد وسائل الإنتاج. وعاد نفس المصدر للحديث عن مشاكل الديون التي تثقل كاهل المؤسسة والناتجة عن الفترات الصعبة التي مرت بها المؤسسة وتؤثر سلبا على توسيعها وتطويرها بالشكل اللازم. ومن المشاكل كذلك تشابك إجراءات الحصول على قروض بنكية لتمويل النشاطات واستيراد بعض المواد الأولية. طرحت المسؤولة إشكالية الرسوم المفروضة على المواد الأولية التي تتسبب في رفع تكاليف الإنتاج التي تحول كذلك دون الوصول إلى مرحلة التصدير. وأشارت في سياق آخر إلى أهمية المعارض في التعريف بالمنتجات الوطنية، حيث تنظيم معارض في مختلف جهات الوطن من شأنه أن يساعد كثيرا على تحقيق هذه المسألة.