حققت الصين انفتاحا غير مسبوق على القارة السمراء من خلال البوابة الاقتصادية في ظل تسارع وتيرة العولمة، فلم تتأخر عن احتلال مكانة متميزة على الساحتين الاستثمارية التجارية متجاوزة بكثير قوى دولية لطالما هيمنت على المنظومة الدولية ولا تزال تقريبا على الصعيدين العسكري والتكنولوجي. هذا التوجه الإفريقي للصين لم يكن نابعا عن عاطفة أو ارتجال بقدر ما يعكس خيارا استراتيجيا في ظل تنافس دولي محتدم على الأسواق ومصادر الطاقة، وهو من زاوية أخرى أمر طبيعي يعكس إلى حد بعيد المواقف المعلنة من بكين باتجاه دول وشعوب العالم والمرتكزة على مبادئ وقواعد تأسست عليها المجموعة الدولية غداة الحرب العالمية الثانية. وضمن تلك الإستراتيجية بهدف البحث عن عناصر ضمان وتيرة النمو للاقتصاد الصيني المشّكل من رقمين لسنوات طويلة، اتجهت الأدوات الاستثمارية لهذا البلد العملاق بكافة المقاييس إلى مختلف ربوع العالم وبالذات إلى مناطق في إفريقيا، حيث تتجسد مشاريع تنمية وشراكة في كافة القطاعات بما فيها مشاريع الهياكل القاعدية. دولة الصين التي بادرت باتجاه القارة السمراء بمختلف صيغ التعاون والتبادل تقدم نموذجا للاستثمار الدولي في إطاره الاقتصادي بعيدا عن ربطه بشروط سياسية وتوظيف دبلوماسي مغرض، مثلما تتعامل به دول أخرى ذات وزن اقتصادي عالمي تتجاوز دوائرها حدود السيادة الوطنية للدول النامية. وضمن هذا المنظور يمثل النموذج الصيني بعيدا عن إفرازات هنا وهناك مثالا للعلاقات الاقتصادية الدولية الجديدة التي ينبغي أن تبنى على أسس العدالة والشفافية واقتسام الأعباء والمنافع بما يعزز سيادة واستقرار الدول الإفريقية ويوفر لها حدا من المناعة تجاه ما يتولد عن محيط دولي يمر بتحولات فيها جانب من التحرش بالسيادة الوطنية للدول النامية وبالذات الإفريقية، منها التي تواجه متطلبات شعوبها في التنمية المادية والبشرية فيما تعاني من أسباب التخلف مثل المديونية والأمراض والنزاعات الداخلية ومشاكل الحدود الموروثة عن الحقبة الاستعمارية الموصوفة بالقنابل الموقوتة. ويلاحظ بما لا يدع مجالا للتشكيك، كيف أن المؤسسات الاقتصادية تغلغلت في أدغال إفريقيا دون أن تتعرض لما يسبب لها أي عراقيل، بل انتزعت ثقة الدول والشعوب على مسار أن تتطور المشاركة إلى مستويات عالية من الاستثمار على مسار يضمن بإرساء اقتصاديات مندمجة محليا وإقليميا وفي نفس الوقت تمكنت من نقل التكنولوجيات الجديدة التي تتحكم فيها الصين بشكل واضح خاصة بالنسبة لقطاعات ذات صلة بركائز البنية التحتية مثل الطرق والسدود والطاقة بما فيها النووية لأغراض سلمية لإنتاج الكهرباء الموجهة أساسا للتنمية الصناعية والفلاحية وبهذا تنتقل الصين من مستوى المتعامل إلى الشريك الاستراتيجي للمدى البعيد يقطف الطرفان ثمارها خاصة وأن إفريقيا تتوفر على أوراق قوية لا تزال تسيل لعاب القوى الكبرى وبالذات ذات الماضي الاستعماري التي تعتبر إفريقيا مجرد أسواق ومناجم للمواد الأولية، بل تريد أن تحولها إلى مصب لنفاياتها الصناعية وحتى النووية منها. وتطرح التجربة الجزائرية الصينية مثالا للتعاون الإفريقي الهادئ يمكن أن يكون ركيزة لتوسع التواجد الصيني في إفريقيا من خلال تناول مبادرة الشراكة الجديدة نيباد والتعاطي مع مشاريعها التي تعبر أكثر من بلد مثل إتمام مشروع الطريق الإفريقي الذي يمتد إلى لاغوس بنيجيريا الذي يرتبط في الأفق بالطرق الدولية للتجارة العالمية التي تعد الجزائر من مفترقاتها الحيوية.