هل هناك تحول في الشؤون العسكرية الامريكية خلال العشرية الثانية من القرن ال 21، وان كان الامر كذلك فماهي اوجه التحول؟ الأجدر هنا ان يتم الحديث عن «الاستراتيجية العسكرية» حتى تكمل دائرة الفهم عندما يجري تناول هذا الجانب الحساس. وبديهيا، فان ما يعرف بالشؤون العسكرية مرتبط ارتياطا وثيقا بتوجهات السياسة الخارجية الامريكية، ولا يمكن الفصل بين هذين الخيارين، لان الاول يكمل الثاني، ويبقي عليه كل نواياه في الميدان. والمتفق عليه لدى كل المتتبعين أن السياسة الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية كانت تعمل وفق قاعدة «ملء الفراغ» فجل المناطق اللتي خرج منها الاستعمار التقليدي، حلت محله القوات العسكرية الامريكية. ليس هناك تحولا في ذهنية الشؤون العسكرية العسكرية الامريكية لان «العقيدة العسكرية» ما تزال قائمة على التدخل لحماية «الأمن القومي» وهذا ما يحدث الان في افغانستان بمعنى محاربة «القاعدة» في عقر دارها، وعدم تركها تصل الى الاراضي الامريكية، نفس الشيء كان في الفيتنام وغيرها، ضرب المد الشيوعي في مهده. ومن منتصف الاريعينات عقب نهاية الحرب العالمية الثانية الى غاية غزو أفغانستان والعراق، فان الاستراتيجية العسكرية الأمريكية سارت على توجهات عديدة، هي تحصيل حاصل، وحتمية لا مفر منها، وهذا عندما انقسم العالم الى معسكرين الشرقي والغربي، الاول بقيادة الاتحاد السوفياتي والثاني تتزعمه امريكا، ونجم عن كل هذا تفكيك الألمانيتين والكوريتين في نهاية ال 40 وبداية ال 50 وكل شطر ابدى انتمائه الى طرف معين، وهكذا بنيت السياسات على ما يعرف بالحرب الباردة والتعايش السلمي الى غاية سقوط جدار برلين. والعقيدة العسكرية الأمريكية لم تتغير ابدا في منافسة الاتحاد السوفياتي على السياق نحو التسلح، وما زال هذا الامر الى يومنا هذا، استبدل اسمه بالدرع الصاروخي وتريد امريكا من روسيا ان تفكك كل الصواريخ التي توجد ب «الجمهوريات» المتاخمة حدودها لاوروبا، وهو ما تبقى من الاتحاد السوفياتي سابقا، هو تسلسل لنفس السيناريو مع بداية الستينات اثر اندلاع الازمة الكوبية في خليج الخنازير، واستمر هذا الاتجاه في الدعم اللامشروط لاسرائيل في حروبها مع العرب (67 73)، وفي نفس الوقت كانت تعاني الامرين في الفيتنام، وهو شكل من أشكال الصراع الحاد القائم من أجل احراج الاتحاد السوفياتي، وفي امريكا اللاتينية لم تكن راضية عن الانظمة السياسية القائمة ذات التوجه التقدمي المناهض للامبريالية، فقد عملت على اسقاط حكم الرئيس سالفدور أليندي من خلال اسناد المهمة الى الشركة المتعددة الجنسيات «أي. تي.تي» المختصة في الصناعة الالكترونية. هذا الصراع الايديولوجي الحاد، هو الذي جعل اتجاه الشؤون العسكرية الامريكية يزداد تأججا واشتعالا في كثير من نقاط العالم الى درجة اندلاع مناوشات مسلحة في كثير من الاحيان، وتواصلت كذلك هذه القناعات، في الثمانينات والتسعينات والى غاية يومنا هذا، وان كانت بدرجة اقل عندما اصبح العالم بقطب واحد، وتحالف عسكري واحد «النيتو»، الا ان ظهور «الارهاب» غير من مجرى الاستراتيجية العسكرية الامريكية، ويتضح ذلك من خلال لم شمل المجموعة الدولية في اتحاد ضد الارهاب، مع البحث عن مناطق لمحاربة هذه الظاهرة ميدانيا، خاصة في آسيا وافريقيا، وتتحول القاعدة الى عدو رقم لامريكا، ونحن الآن بصدد معاينة كل هذه الاستمرارية في الفعل العسكري الامريكي، وان كان اوباما يختلف اختلافا جذريا مع بوش في رؤية الاشياء، لكن لا احد يستطيع ان يتخلص من ضغوط لوبيات اصحاب مصانع الاسلحة الذين لهم دور اساسي في الولاياتالمتحدة.