يجد المشاهد العربي نفسه تائها بين القنوات القضائية، ويصعب عليه متابعة مختلف القضايا، بما فيها تلك المتعلقة بالترفيه، حتى لو كانت مواضيعها حساسة وتحظى بالقبول من طرف المشاهدين، والسبب هنا يعود إلى ثلاثة أمور، الأول: تعدد البرامج وكثرتها وتنوعها، إضافة إلى الولادة اليومية لقنوات وبرامج جديدة، والثاني: اختلاف أزمنة البث حسب الموقع الجغرافي للدول العربية، والثالث: التنافس بين القنوات وأحيانا الحرب لجهة امتلاك أو الحصول على السبق من ناحية التعامل مع النجوم والقضايا، وما المنافسة الحادة بين القنوات لنقل مراحل حمل "نانسي عجرم" إلا دليلا قاطعا لما أذهب إليه.. * * والنتيجة انشغال الغالبية من الجمهور العربي بقضايا ثانوية جعلتنا في بلهنية على حساب أخرى مصيرية نرى من خلالها أن شهاب الحرب قد سطع، وهي تتعلق بمستقبل العرب في ظل الصراعات الدولية الكبرى. * توهان المشاهد العربي جزء من حالة عامة، حيث الضياع والإفلاس في السياسة والاقتصاد وتسيير الدول إلا من أوتي حكمة وعقلا رشيدا، دون أن ننفي وجود حالات خاصة على مستوى صناعة القرار في بعض الدول العربية تتعامل بوعي مع مختلف القضايا، بما فيها تلك التي يمكن أن تصل بالمنطقة إلى الحرب، الفعل السياسي لديها سابق عن المتابعة الإعلامية، لأن هذه الأخيرة يصعب عليها إدراك أبعاد القرار السياسي ما لم يتم الجهر به علانية * أذكر كل هذا وأمامي الخطوات التي تخطوها مؤسسة أبوظبي للإعلام في مجال صناعة إعلام شامل يتابع ما يحدث في الإمارات والمنطقة والعالم، سواء من خلال الصحافة المكتوبة: الاتحاد، زهرة الخليج، سوبر، ماجد أو من خلال القنوات الفضائية: أبوطبي الأولى، أبوظبيالإمارات، أبوظبي الرياضية، أو من خلال الشبكة الإذاعية، بأسوبها الخاص، مع تطوير واضح للبرامج، ومنها برنامج المدار، الذي تناول في ثوبه الجديد بعد تحوله إلى برنامج أسبوعي موضوع مضيق "هرمز" بين الأهمية الاستراتيجية وخطر النزاعات الدولية، وذلك بغية الوصول إلى الإجابة عن سؤالين، هما: من يستطيع إغلاق مضيق هرهز؟ وإلى أي حد؟ * في البداية وضح الدكتور "عبد الله الفايد" من خلال تقريرين أعدهما خصيصا للبرنامج، "البعد االجيو استرتيجي للمضيق، وأهميته لدول الخليج، ناهيك عن كونه مثل ولا يزال رهانا استراتيجيا بين الدول الكبرى، فالاتحاد السوفياتي السابق كان يتوق إلى المضيق لتحقيق تفوقه المنشود والتمكن من نفط الخليج بينما اعتبرت الولاياتالمتحدةالأمريكية مسألة تأمين المضيق وحرية الملاحة فيه جزءا من أمنها الوطني، لأنه الطريق الأهم لإمدادات النفط العالمية". * الحديث عن مضيق هرمز يعود إلى أحداث الحاضر، حيث يتوقع المراقبون نشوب حرب بين إيران وأمريكا، في حال عدم تجاوب القيادة الإيرانية مع الطرح الأمريكي الراهن، كما يعود إلى الماضي القريب وهو ما يعرف بحرب الناقلات أثناء الحرب العراقية -الإيرانية، ما يعني أن غلق المضيق مسألة صعبة من الناحية اللوجستية، كما يرى الفايد، بناء على ما يؤكده الخبراء العسكريون، وسيكون له عواقب وخيمة على الدولة المنفذة للإغلاق، ليس فقط باعتبارها مخالفة مباشرة للقانون الدولي، بل لأن إغلاق المضيق سيعتبر اعتداء على أمن سبع دول خليجية في وقت واحد هي: أعضاء منظومة مجلس التعاون الخليجي، وقطع شريان حيوي في وجه إمدادات حيوية لأكثر من ثلاثة وعشرين دولة أوروبية وآسيوية، بما في ذلك أكبر أربع دول آسيوية هي: الصين، الهند، باكستان، اليابان. * الطرح السابق أعيد التأكيد عليه من خلال الأسئلة التي طرحها المقدمان الصحفيان الدكتور "علي الجابري" و"مي عالم شهاب" على طول فترة البرنامج: وتناولها الضيوف الأربعة من جوانب مختلفة ركزت على معظم القضايا التي ستكون تداعياتها فاعلة على المستوى الدولي. * لقد جاءت مساهمة اللواء الدكتور نوري غافل الدليمي، الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، والدكتور محمد جواد علي، أستاذ جامعي ورئيس مركز الدراسات الدولية السابق في جامعة بغداد، والخبير العسكري العميد صفوت الزيات، والكاتب الصحفي فيصل جلول، لتكشف عن احتمالات المستقبل المنظور لجهة الصراع والاحتمالات الموتقعة، ويهمنا هنا ما انتهى إليه الدكتور الدليمي، حيث يرى أن المستقبل بشأن غلق المضيق من عدمه له واحد من الاحتمالات الآتية: إما أن تبقى الحال على ما هي عليه، وهو ما سماه بالأزمة الممتدة، أو يتجه الأمر نحو حدوث حرب بين إيران وأمريكا -لا قدر الله- أو تستطيع إيران أن تمتلك الطاقة النووية، أو تقوم إسرئيل بضرب إيران، أو يحصل اتفاق أمريكي -إيراني. * غير أن الدكتور الدليمي دعا القادة الخليجيين للقيام بدور الوسيط بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران لتجنيب المنطقة أهوال الحرب، داعيا في الوقت ذ اته إيران للتعقل وتجنيب المنطقة الكوارث المحتملة. * يعتبر ما ذكر سابقا وما يتم تناوله في الصحافة المكتوبة والمرئية سواء حول مضيق هرمز أو حول الخلاف الدائر بين أمريكا وإيران لجهة سعي هذه الأخيرة لامتلاك السلاح النووي، قراءة لمستقبل بات وشيكا، لن يتحمل العرب فيه نتائجه وحدهم بل سيشاركهم في هذا الإيرانيون أيضا، وبعيدا عن الحسابات لجهة المضار والمنافع، فإن لغة الخطاب الهادئة والهادفة قد لا تكون مفهومة ومحبذة اليوم، لكن بكل تأكيد هي لغة المستقبل، لأن الجغرافيا المشتركة لا يمكن تغييرها، والأفضل أن تكون عاملا مساعدا على التقارب بين الأمم والشعوب، خصوصا وأن العابرين في المنطقة مجرد غزاة ولو طال زمان بقائهم، وأتصور أن فهمه ينطبق أيضا على الجيران الذين يودون أن يحلوا بدلا منه، مع أن المنطقة برهنت على طول تاريخها أنها لا تتحمل احتلال الأبعدين ولا الأقربين حتى لو كانوا جيرانا أو من نفس الأمة.