اختار الصينيون في البر الرئيسي الصيني وجزيرة تايوان، عبر شبكة الأنترنت، مؤخرا كلمة سنوية تحت اسم '' الارتفاع '' لعام 2010 الفائت، الأمر الذي يعكس الشعور العام الأبرز بالنسبة لجميع الصينيين للعام المنصرم والذي تركز حول التضخم في داخل البلاد والضغوط الكبيرة لرفع قيمة عملتها - اليوان - من الخارج، إضافة إلى أن بلادهم قد صعدت إلى مرتبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم على الرغم من أن نصيب الفرد من الناتج المحلي في الصين يقبع وراء المركز المائة بين دول العالم. فيضان الدولارات والاتهامات تبوأت الصين الصدارة في العالم على صعيد عرض النقود في الأسواق منذ أواخر عام 2008 حيث اندلعت أخطر وأول أزمة مالية في الولاياتالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وبلغ اجمالي حجم النقود المعروضة زهاء 71 تريليون يوان ( أكثر من عشرة تريليونات دولار أمريكي)، نتيجة لمواجهة فيضان تدفق الدولارات الناجمة عن الجولتين الأولى والثانية من سياسة التسهيل الكمي والسياسات الأخرى التي لجأت إليها الهيئات المالية في الولاياتالمتحدة لحفز الاقتصاد المحلي المأزوم. وفي الوقت الذي تعرضت فيه الاقتصادات الصاعدة مثل الصين للتضخم المستورد إثر تدفق فيضان الدولارات، كررت الولاياتالمتحدة التي تريد طبع ما تشاء من دولارات وتحظر صادرات التكنولوجيا العالية إلى الصين بشكل أساسي ولم تتمكن من توفير فرص عمل كافية في الداخل، كررت في عام 2010 اتهام الصين ب '' التلاعب بالعملة وخفض قيمة العملة الصينية بنسبة عالية '' حتى بلغت الاتهامات ذروتها في خريف العام، وسعت نحو تحويل مسؤولية عجز تجارتها الخارجية ومشكلة البطالة إلى الصين في أثناء موسم الانتخابات النصفية الأمريكية. وفي حقيقة الأمر، كان الفارق الرئيسي بين الصين والولاياتالمتحدة حيال سعر صرف اليوان يكمن في سرعة رفع قيمة العملة التي لم تشارك جنبا إلى جنب العملات الرئيسية المتمثلة في الدولار الأمريكي واليورو، الأمر الذي يحول دون معرفة القيمة الحقيقية لليوان الصيني في السوق، لأنه لم يدرج ضمن النظام العالمي القائم لتسعير العملات بعد. وترى الصين أن النظام الذي تتبعه لصيانة سعر صرف اليوان يحتاج إلى الإصلاح، وتقوم الصين بهذه الأعمال بوتيرة تتحدد، حسب ظروف الاقتصاد الصيني ذاته. كما تريد الصين رفع قيمة اليوان بشكل تدريجي لأنها تنفذ سياسة طموحة لتعديل هيكل الاقتصاد الصيني وتحويل أساليب تنميته، التي من بينها إصلاح آلية تسعير اليوان حتى يصبح عملة صعبة حقيقية في العالم. ورغم أن العملة الصينية قد سجلت صعودا مطردا بشكل تدريجي مثلما خططت له، ظلت الصين تتصرف بيقظة عالية حيال تحديات الأموال الساخنة الضالعة في المضاربة هائلة الحجم في السوق، والتي تقامر في الرفع السريع لقيمتها مقابل الدولار في المستقبل. ومع قيام الصين برفع قيمة اليوان بنسب تراكمية بلغت 55 في المائة من حيث سعر الصرف الفعال الحقيقي منذ أن استهلت الصين إصلاح آلية سعر صرف اليوان في عام 1994، انخفضت قيمة بعض العملات الرئيسية الأخرى في العالم. وواصلت الولاياتالمتحدة زيادة ضغوطها على الصين لرفع قيمة صرف اليوان بخطوات أسرع. وشرعت الصين في تعميق إصلاح آلية سعر صرف اليوان في جويلية عام 2005. ومنذ ذلك الحين ارتفعت قيمة اليوان بنسبة 22 في المائة مقابل الدولار الأمريكي. ولكن خلال هذه الفترة، ظل الفائض التجاري للصين مع الولاياتالمتحدة مرتفعا بفارق كبير. ماذا لو استجابت الصين لمطالب الولاياتالمتحدة؟ ظهرت حالة من القلق على التجار المصريين الذين يستوردون بضائع من الصين في الخريف الفائت خشية رفع قيمة اليوان فجأة، فيما لجأ بعضهم إلى الإسراع بعقد صفقات استيرادية، خاصة السلع المعمرة التي يمكن تخزينها، بحسب تقرير نشر في جريدة «الشرق الأوسط». وتعد مصر في مقدمة الدول العربية المستوردة من الصين، وتستقبل سلعا صينية بكميات كبيرة، حيث يناسب انخفاض سعرها العديد من الفئات، وفي حال استجابت الصين لمطالب الولاياتالمتحدة فيما يتعلق برفع سعر صرف اليوان الصيني، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع بذات القيمة التي سيرتفع بها سعر اليوان وهو ما سيؤثر سلبا على الفئات الأقل دخلا في مصر، وستمتنع عن شراء تلك المنتجات، ولن يكون هناك بديلا بذات السعر من دول أخرى، لأن أسعار السلع الصينية هي الأقل سعرا في العالم. ويقدر حجم البضائع الصينية المتداولة في مصر من الملابس الجاهزة بنحو 90 في المائة من الاجمالي، وبالنسبة لحجم البضائع المتداولة ككل تبلغ الصينية منها 50 في المائة، مع توقعات بتقلص هذه النسب بشكل كبير لو استجابت الصين للضغوط الأمريكية. ومن جانبها، أفادت صحيفة '' الاقتصادية ''السعودية إنه إذا استجابت الصين إلى المطالب الأمريكية، فهذا سيشجع الولاياتالمتحدة على ممارسة ضغوط على بعض الدول الأخرى لكي تربط عملاتها مع الدولار الأمريكي لرفع معدلات صرفها. كما أشار موقع ''الجزيرة نت '' الى أن الخلافات حول أسعار العملة الصينية عكست عمق الهوة المتزايدة بين اقتصادات الدول المتطورة المأزومة نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية، واقتصادات الدول الصاعدة (على رأسها الصين والهند والبرازيل) المستمرة في تحقيق النمو. الجدير بالذكر، إن اليابان التي يعتمد نموها الاقتصادي بصورة رئيسية على الصادرات قد تدخلت في عام 2010 عدة مرات لدعم سعر صرف عملتها الين ووقف ارتفاع قيمتها مقابل العملات الرئيسية الأخرى من خلال ضخ كميات كبيرة من هذه العملة في السوق. ومن جهتها، لجأت الحكومة الهندية إلى سياسة التدخل أيضا في العام الماضي لوقف خطوات ارتفاع عملتها الروبية مقابل الدولار، وفي الوقت ذاته، ثبتت كوريا الجنوبية سعر الفائدة لمنع تدفق الرساميل من الخارج والتي تضيف ضغوطا تضخمية لاقتصادها. درس من اليابان في عام 1985، اجتمع وزراء المالية في الدول الغربية الرئيسية واليابان في نيويورك وقرروا رفع معدلات صرف الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي، فسقطت اليابان في فخ رفع سعر صرف عملتها وعانت تراجعا اقتصاديا طويلا منذ عام 1990، حيث أسهم ارتفاع قيمة الين الياباني في خفض معدلات النمو الاقتصادي في البلاد، كما فشلت السياسات النقدية في انتشال اليابان من الركود الاقتصادي الذي عصف بها منذ التسعينيات. وإذا غرقت الصين في فيضان الاتهامات الأمريكية لرفع قيمة عملتها وارتفعت قيمة اليوان الصيني مباشرة بنسبة ما تتراوح بين 20 و40 في المائة، كما طالبت بذلك الولاياتالمتحدة، فإن عددا كبيرا من شركات التصدير الصينية، التي توفر كمية هائلة من فرص العمل للعمال الصينيين لاسيما العمال المهاجرين، ستعلن عن إفلاسها وسيفقد العمال وظائفهم وسيضطر العمال المهاجرون للعودة إلى الريف، الأمر الذي سيجعل من الصعب على المجتمع أن يبقى مستقرا. ولن يستفيد العالم على الإطلاق من أي أزمة يشهدها الاقتصاد الصيني، حسبما قال رئيس مجلس الدولة (مجلس الوزراء) الصيني ون جيا باو. وإذا كان سعر صرف اليوان غير مستقر، فستصبح الشركات أيضا غير مستقرة، تبعا لون، وبالتالي سينعكس ذلك على فرص العمل والمجتمع عموما. وإذا واجهت الصين مشكلات في الاقتصاد والمجتمع، فسيكون هذا أمرا كارثيا بالنسبة للعالم. الجولة الثانية من التسهيل الكمي منذ جوان الفائت، سجلت قيمة اليوان الصيني ارتفاعا بنسبة تراكمية مقابل الدولار الأمريكي بنحو 3 بالمائة. وأعربت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني لأول مرة في اجتماعها السنوي للعمل الاقتصادي، الذي أقيم مؤخرا، عن طلبها الواضح في جدول أعمال الاجتماع لإحراز تطورات في أعمال إصلاح آلية صيانة سعر صرف الرنمينبي (اليوان). وفي نوفمبر الماضي، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالى الأمريكي خطة مثيرة للجدل لبيع ما قيمته 600 مليون دولار أمريكي، في هيئة سندات خزانة، فيما يعرف بالخطة الثانية للسياسة النقدية للتسهيلات الكمية، من أجل تسريع النمو الاقتصادي الأمريكي المتباطئ. وقال النائب الأول لرئيس البنك الدولي فينود توماس، إن سياسة التسهيلات الكمية لها حدود، لأنها تؤدي إلى وجود الكثير من الأموال التي تحاول التحرك إلى دول أخرى من أجل الحصول على معدلات فائدة أفضل، ومن بين تلك الدول الصين والبرازيل. ومن جهة أخرى، أصبحت هيكلة التجارة الخارجية الصينية أكثر توازنا، وانخفض فائض التجارة من إجمالي الناتج المحلي إلى 5,8 بالمائة في عام 2009 من ذروتها البالغة 10,6 بالمائة في عام 2007. ومن المتوقع أن تواصل الانخفاض إلى ما تحت 4 بالمائة في فترة تتراوح بين 3 و5 أعوام في المستقبل. وقال خبراء صينيون، إن الصين قد تلجأ إلى سياسات اقتصادية معاكسة للتسهيلات الكمية في العام 2011، لمجابهة تحديات التضخم. وتشمل هذه السياسات التي حددت في اجتماع العمل الاقتصادي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني سياسات جديدة لاكتمال آلية تسعير اليوان. وتوقعوا أن تنضم عملات الاقتصادات الصاعدة الأخرى إلى سلة العملات لتحديد قيمة اليوان، وتحول قيمة اليوان الصيني بشكل تدريجي من الربط بالدولار الأمريكي إلى الربط بسلة من العملات الأجنبية، بهدف ضمان استقرار أسعار صرف اليوان نسبيا. وبفضل سياسات الصين للحفاظ على استقرار قيمة اليوان، انتعش الاقتصاد الصيني من الأزمة المالية وحافظ على زيادة سريعة، وأسهم بنسبة 50 في المائة من النمو الاقتصادي العالمي في عام 2009. لذا ستواصل الصين إصلاح آلية سعر صرف اليوان. ويشمل هذا الإصلاح تطوير نظام سعر صرف متداول خاضع للإدارة يقوم على أساس العرض والطلب في السوق ويتلاءم مع سلة من العملات الأجنبية، والسماح تدريجيا بمزيد من المرونة في سعر صرف اليوان مع المحافظة على الاستقرار الأساسي عند مستوى معقول ومتوازن.