بعد المسيرة التي دعا الى تنظيمها «الارسيدي»، وتحولت الى تجمع او اعتصام امام مقر الحزب، تعتزم منظمات وطنية تقول انها تمثل المجتمع المدني ونقابات مستقلة واحزاب سياسية مجهرية وحقوقيين، تنظيم مسيرة وطنية في التاسع من الشهر القادم. ويتزامن هذا التاريخ مع مرور 19 سنة عن فرض حالة الطوارىء في البلاد، نظرا للظروف الخاصة التي فرضتها هذه الحالة الاستثنائية، مع بداية اولى شرارة للعنف المسلح الذي استمر لسنوات طويلة، قبل ان تعود السكينة نسبيا الى البلاد في نهاية سنوات التسعينات من القرن الماضي. واول مطلب رفعته ما باتت تعرف بالتنسيقية الوطنية التي تم انشاؤها لتأطير المسيرة، هو رفع حالة الطوارىء الى جانب المطالبة باطلاق سراح الموقوفين في الاحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد وكذا المطالبة بمزيد من الانفتاح والديمقراطية، على ما ورد في بيانها. التنسيقية الوطنية التي تدعي انها تمثل كل اطياف المجتمع الجزائري، هي في واقع الامر عبارة عن خليط من نقابات مستقلة ممثلة عن الادارة وعن قطاع التربية التي كثيرا ما حملت لواء الاضرابات العديدة التي مست مؤسسات تربوية بالدرجة الاولى مطالبة برفع الأجور لعمال القطاع، فضلا عن ضمها لبعض الاحزاب السياسية القليلة جدا والمحدودة الانتشار على غرار الحركة الديمقراطية الاجتماعية وحزب الحرية والعدالة غير المعتمد وحزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية الذي فضل في بداية الامر التظاهر بمفرده لعله يحقق البعض من المكاسب السياسية، غير ان مآل المسيرة المجهضة من قبل قوات الامن لاعتبارات تتصل مباشرة بعدم الترخيص لها، حال دون بلوغ الارسيدي هدفه، مما دفعه الى قبول دعوة الانخراط في المسيرة القادمة بعد فشل مسيرة السبت الماضي. وكان حزب آيت أحمد (الأفافاس) رفض دعوة المشاركة في مسيرة 9 فيفري القادم، تحت مبرر ان الاولويات السياسية لجبهة القوى الاشتراكية لا تسمح لها في الوقت الراهن بالانخراط والمشاركة فيها. والواقع ان مبررات الأفافاس التي ساقها في رفضه المشاركة في المسيرة القادمة لا ترتبط مباشرة بما اعتبره «الاولويات السياسية»، وإنما تواجد غريمه التقليدي اي الأرسيدي في التكتل هو الذي يقف كان وراء نفور الأفافاس من أية مشاركة محتملة، رغم انه أورد في سياق رده على دعوة التنسيقية بأنه يحترم ويدافع عن القرارات المستقلة لتنظيمات المجتمع المدني. ومن جهة اخرى، فان رفض الأفافاس الإنخراط في هذا التكتل الهجين، إنما قد يعود الى طبيعة هذا الاخير وتركيبته التي قد لا ترقى الى مستوى حزب معارض عريق بحجم جبهة القوى الاشتراكية، الذي يفترض وجوده مع «الكبار» وليس مع تنظيمات تدعي تمثيلها للمجتمع المدني، وهو في واقع الأمر لا يحظى على ما يبدو بتمثيل واسع لكافة أطياف المجتمع، عكس ما يدعيه. وان كان الامر كذلك، فان جبهة القوى الإشتراكية تعد الى حد ما محقة، لان نضالها الطويل في المعارضة الذي انطلق مباشرة غداة الاستقلال، لا يمكن ان يختزل في سياق ضيق ومحدود حتى لو أعطيت له قيادة هذا التكتل الجديد الذي يسعى الى فرض نفسه كجبهة معارضة للسلطة، وبمطالب قد تبدو اكبر من حجمه. في ظل التجاذبات الطويلة التي كثيرا ما طبعت اطياف المعارضة والتشتت الذي تكرس عام 1997 بعد فشل كل محاولات التقارب، يسعى التكتل الحالي على ما يبدو الى استغلال هذا الفراغ في السياحة الوطنية وحتى السياسية، لعل وعسى يحقق بعض الأهداف لبعض الشخصيات التي ظلت مغمورة لسنوات طويلة، لكن السؤال الكبير الذي يفرض نفسه: من أين سيأتي هذا التكتل بقاعدة شعبية واسعة لتحقيق ولو جزء قليل من اهدافه.