اعتبر الأستاذ أحمد رضا بوضياف النقيب الوطني السابق للمحامين الجزائريين أن مراجعة التشريع بالطريقة المناسبة مثلما دعا إليه بوضوح القاضي الأول للبلاد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بهدف رفع التجريم على أعمال التسيير تأتي في الوقت المناسب. وأشار في تصريح لجريدة «الشعب» في ضوء قرارات رئيس الدولة إلى أن ''ضرورة إسقاط صفة الجرم على أفعال التسيير أمر أصبح يفرض نفسه بالتدريج في مختلف جهات العالم وذلك تماشيا مع تطور القانون الاقتصادي الذي يتميز بالتعقيد والتداخل، والجزائر لا يمكنها أن تنعزل عن هذه الحركية خاصة وأن الظرف الاقتصادي يفرض على المسيرين إظهار جرأة والإقدام على تحمل مخاطر مالية''. واستطرد الخبير القانوني والذي شغل سابقا مقعدا في مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي مفصلا أنه ''للأسف حدث خلط مدمر جعل إدراج مخاطر التسيير وبشكل آلي في خانة المخالفات الجزائية مما انجر عنه واقعا لا يمكن تجاهله وهو جلي بوضوح من خلال مظاهر دورة اقتصادية بطيئة وانعدام روح المبادرة وزوال كل مبادرة خلاقة وغياب تنمية بالوتيرة المطلوبة في بلاد لديها اليوم كافة الإمكانيات لذلك''. وفي تحليله للإشكالية المتناقضة هذه أضاف أن ''فقدان هذه الميزات والفضائل الاقتصادية الرئيسية ذات الأبعاد الاجتماعية المجال مفتوحا أمام البيروقراطية القاتلة للنمو وكذا القرارات الجافة المؤدية للتسويات غير الشفافة ولتأخرات معتبرة في اتخاذ قرارات حاسمة ترتبط بالوقت وتغير مؤشرات الأسواق''. وتساءل ''هل يكفي رفع التجريم على تصرفات التسيير للتوصل إلى علاج للوضعية المثارة كما انه أليس هناك خطر بفتح الطريق أمام اللاعقاب لمسيرين يقعون في المحظور''؟، ليجيب أن الحكمة ''تقتضي في كافة الظروف العمل بخيار الحل الوسط بلا إفراط ولا تفريط''. وبرأي الأستاذ المحامي كتفكير مبدئي فان الإصلاح الذي يذهب إليه رئيس الدولة يهدف إلى تحقيق هدفين أساسيين هما: أولا: رد الاعتبار وترقية وحماية روح وحرية المبادرة. ثانيا: ضمان التوازن الضروري بين رفع التجريم على أعمال التسيير واللاعقاب. ولا يمكن في تصوره أن يحقق هذا الإصلاح كل آثاره إلا من خلال اعتماد قضاة لديهم من الكفاءة والقدرة على إنتاج اجتهاد قضائي مرجعي في هذا المجال يمكن الرجوع إليه في قضايا جرائم ذات الصلة بالتسيير الاقتصادي والمالي للمؤسسات والهيئات. وفي تفصيله للهدفين الأساسيين أشار إلى انه بالنسبة للمبدأ الأول في مسار الإصلاح وهو حرية المبادرة وإطلاقها دون استبعاد المراقبة من جانب الأجهزة المخولة والمختصة فانه من اللازم القيام بإعادة ترتيب وتدعيم الهيئات الاجتماعية للمؤسسات ثم سحب إمكانية المتابعة من النيابة العامة وتطبيق وبشكل فعلي المسؤولية الجزائية على الشخص المعنوي المدخلة مؤخرا في التشريع الجزائي. وبالنسبة للمبدأ الثاني للإصلاح وهو تكييف المخالفات الجزائية مع الظرف الاقتصادي -يقول محدثنا- انه بتعريف دقيق وضيق للفعل الجنحي في مجال التسيير أخذا في الاعتبار حلول قضائية لبلدان أخرى فانه يتم التوصل إلى تنسيق وتناغم التشريع الوطني بما يتوافق مع مع المعايير الدولية الأمر الذي يساهم في طمأنة المستثمرين في الجزائر في مواجهة صدفة المثول أمام القضاء ومن ثمة عدم الاحتفاظ بالمتابعة إلا في حالة بحث المسير على امتياز شخصي على حساب مصلحة المؤسسة. وفي هذا المضمار يرى أن تجسيد هذا المبدأ يكون أيضا بإلغاء اللجوء إلى المخالفات المادية في الاقتصاد والمالية والعمل إلزاميا وبانتظام بعنصر النية وراء التصرف محل الشبهة خاصة وأن القانون يتضمن عموما أشكال أخرى من العقوبات إلى جانب المخالفات ذات الطابع الجزائي مثل العقوبة الإدارية وعقوبة الأخلاقيات ويتم الاعتماد أيضا على ضرورة وجود الضرر في الجرائم الاقتصادية. ويرى الأستاذ انه في هذا الإطار أي مسار الإصلاح المتوخى فان هناك مبدأ ثالث يتطلب التمعن وهو إقامة تخصص للقضاة الذين يعالجون قضايا جرائم التسيير وذلك برد الاعتبار لقانون المؤسسات التي تكون في أوضاع صعبة وتخصيص مساعدين على مستوى درجات التقاضي المختصة وترقية مهام مركز البحث القضائي باعتباره قطب امتياز في البحث والتخصص. ويخلص الخبير القانوني بوضياف إلى انه حينها يكون المسير على درجة عالية من استرجاع الثقة والفعالية لفائدة المؤسسة الاقتصادية والاقتصاد الوطني عموما فيساهموا أكثر فأكثر في عملية التنمية وتوفير الشغل وتوسيع سوق العمل.