قدم الوزير الأول، السيد أحمد أويحيى، أول أمس الخميس أمام المجلس الشعبي الوطني، بيان السياسة العامة للحكومة، فيما يلي نصه الكامل: بسم الله الرحمن الرحيم السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني الموقر السيدات والسادة النواب المحترمون أيتها السيدات أيها السادة: يسعدني في البداية أصالة عن نفسي ونيابة عن زملائي في الحكومة، أن أتوجه لكم وللنواب الأفاضل بأخلص تحياتنا الأخوية وتقديرنا العميق. إن حضورنا أمامكم اليوم هو قبل كل شيء امتثال لواجب تنص عليه المادة 84 من الدستور لنقدم لكم بيان السياسة العامة للحكومة، وفي نفس الوقت فإن هذه المناسبة ستكون دون شك فرصة مجددة لكي نؤكد معا على أن الحكومة والبرلمان في ظل تكامل مهامها وضمن تعدد الرؤى لديهما أولوية مشتركة ألا وهي الحرص على نجاح مسار إعادة بناء الجزائر. لقد سلمت لكم الحكومة منذ بضعة أيام وثيقة من 70 صفحة تتضمن عرضا لحصيلة عملها منذ بداية السنة الفارطة إلى غاية الصائفة الأخيرة، كما تبرز محتوى وأهداف برنامج الاستثمارات العمومية للفترة من سنة 2010 إلى غاية .2014 ومن ثمة سأحاول من خلال هذه المداخلة، أن أبرز أهمية الإنجازات الوطنية المحققة حتى الآن لتجسيد الأهداف المعلن عنها في البرنامج الرئاسي، وأن أشرح كذلك السبل والوسائل التي ستعمل بها الحكومة لتعزيز بناء اقتصاد وطني متنوع طبقا لتعليمات وتوجيهات السيد رئيس الجمهورية. وستكون للحكومة من خلال النقاش فرصة تسجيل آرائكم ونصائحكم الثمينة، كما ستتاح لنا الفرصة بعد ذلك للرد على تساؤلاتكم وتقديم كل التوضيحات التي ستطلب منا في هذا المقام المبجل. السيد الرئيس السيدات والسادة النواب الأفاضل سيداتي سادتي: يتميز بيان السياسة العامة للحكومة المعروض عليكم هذه السنة، بكونه يخص مرحلة تمثل همزة وصل بين استكمال برنامج خماسي، حتى لا نقول عشرية كاملة من البناء والتشييد، من جهة، والشروع من جهة أخرى في برنامج آخر للاستثمارات العمومية يمتد على مدى السنوات من 2010 إلى ,2014 حيث سيسخر له أزيد من 21 000 مليار دينار من الاعتمادات، أي ما يفوق 280 مليار دولار. ولا شك أن هذه الميزة تتيح لنا الفرصة لتقييم نوعي لمدى الأشواط التي سجلتها بلادنا على درب التقدم سنة بعد سنة في جميع المجالات، انطلاقا من أن الكمال لا يتحقق لأي عمل ولا لأي مشروع كان. وفي نفس الوقت، فإن هذا التقييم لمسار بلادنا خلال السنوات الأخيرة يدعونا جميعا إلى أن نستحضر في أذهاننا، بأن أي تقدم لا يمكن أن يكون مستداما ما لم يغذه الجهد المتواصل وما لم يتم تعزيزه أيضا بالتكييف المطلوب وبنظرة استشرافية مستمرة. وفي هذا السياق، فإن الأوضاع التي تميز الاقتصاد العالمي منذ سنتين على الأقل، تؤكد لنا هشاشة أي تنمية اقتصادية كلما وقع مساس بأسسها. وإننا نشاهد حتى اليوم استمرار اضطرابات هامة على مستوى الاقتصاد العالمي وكذا تباطؤ عودة حقيقية للنمو حتى في البلدان المتقدمة. وعلى ذكر الأزمة الاقتصادية في العالم، يكفينا أن نتذكر وضعنا الوطني منذ عشرية قبل اليوم فقط في خضم عواصف المأساة الوطنية وأمام سعر برميل النفط الذي انخفض آنذاك إلى أدنى من 10 دولارات، في وقت كانت فيه الجزائر خارجة منذ بضعة شهور فحسب من إعادة هيكلة جد أليمة لاقتصادنا على جميع الأصعدة. وذلكم بالذات هو الظرف الزمني الذي اختار فيه شعبنا الأبي يوم 16 أفريل 1999 بناء جزائر العزة والكرامة من خلال إخماد نار الفتنة واستعادة الثقة وبعث الأمل من جديد. وإن نجاح هذا المشروع المتواضع في شكله ولكنه مصيري في أبعاده، هو الذي دفع شعبنا يوم 8 أبريل 2004 لتجديد ثقته بقوة كبيرة في الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للمضي معه هذه المرة وتحت قيادته نحو المصالحة الوطنية وعصرنة جهاز الدولة، وتجسيد سياسة اجتماعية وثقافية ترقى إلى مستوى طموحاتنا الوطنية، إلى جانب الاستمرار في بناء تنمية اقتصادية قوية ودائمة. وكما تؤكد ذلك النتائج المحققة خلال الثمانية عشر شهرا الأخيرة المعروضة عليكم التي اقترنت مع خاتمة البرنامج الخماسي 2005-,2009 فإن أهداف البرنامج الرئاسي السابق قد تجسدت ميدانيا إلى حد كبير. وفي الواقع فإن أسمى شهادة سياسية على بلوغ تلك الأهداف قد جاءت وبصفة مكثفة من خلال صناديق الاقتراع يوم 9 أفريل 2009 من أجل عهدة جديدة للسيد رئيس الجمهورية ومن أجل بناء جزائر قوية وآمنة. ومن شأن هذه الآفاق الجديدة التي تعززت ببرنامج آخر للاستثمارات العمومية ووضعت لها معالم اقتصادية متطورة، أن تسمح بتعميق الإصلاحات وتعزيز التنمية البشرية وتمكن الجزائر أيضا من تحقيق قفزة نوعية نحو اقتصاد أقوى ومتنوع اقتصاد كفيل بضمان استمرارية ازدهار شعبنا. ولا شك أيها النواب الكرام في أنكم قد لاحظتم الكلفة المالية الجد عالية لهذا البرنامج الخماسي للاستثمار العمومي، كما لا ريب أنكم سجلتم عودة العجز على مستوى الميزانية العمومية. إن الأمر يتعلق برهان أقدمت عليه الحكومة من أجل مستقبل البلاد التي لا تتميز مداخليها من المحروقات بطابع الديمومة. غير أن نجاح هذا الرهان سيتطلب بالإضافة إلى الموارد المالية مزيدا من المثابرة في العمل وتثمينا أقوى للقدرات المالية للدولة، مثلما سيقتضي تجنيدا سياسيا مستمرا وعلى مستوى المجتمع المدني لاجتناب مخاطر اللامبالاة ورفض الشعبوية والديماغوجية. تلكم إذن سيداتي سادتي هي أبعاد العرض وأطره التي تندرج فيها أوضاع وأفق العمل الحكومي الذي أتشرف بعرضه على كرم مسامعكم. السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني أيها النواب المحترمون سيداتي سادتي: إن استتباب الأمن وحلول الوئام المدني ثم المصالحة الوطنية تمثل أهم إنجازات بلادنا خلال هذه العشرية. بالفعل، لقد هزم الإرهاب بفضل الكفاح البطولي لجيشنا وقواتنا الأمنية، كفاح تعزز بخيار شعبنا للسلم والمصالحة الوطنية، خيار عكفت الحكومة على تنفيذه بوفاء كامل. نعم، لقد هزم الإرهاب بفضل التزام مثالي للجيش الوطني الشعبي وقوات أمن الجمهورية والمواطنين المتطوعين. وإن الحكومة إذ تتوجه لهم جميعا بتحية تقدير وإكبار، فإنها تنحني بخشوع وإجلال على أرواح شهداء الواجب الوطني وتؤكد تضامنها مع عائلات ضحايا الإرهاب والتزام الجمهورية إزاءها بالعرفان والدعم. وقد أصبح الإرهاب الآن محل تنديد شامل في بلادنا ولم يعد في إمكانه التستر وراء أي بهتان سياسي كان، كما لم يعد لبقاياه أي مستقبل في أرض الجزائر الطاهرة. ومع ذلك فإننا نناشد في نفس الوقت المواطنين للتحلي باليقظة إزاء الإرهاب الذي يتميز دوما بالجبن ويمكن أن يستغل أي تهاون لارتكاب جرائم غادرة والمساس بسلامة الأرواح والممتلكات. وإن الحكومة حريصة كل الحرص على التكفل بواجب حماية أمن المواطنين. وبفضل يقظتهم ساهم المواطنون بدرجة عالية في تعزيز أمنهم. إن عزم الجزائر القضاء على آثار الإرهاب يتعزز بكون شعبنا قدم يده بكل سخاء من خلال مسار المصالحة الوطنية الذي تحرص الحكومة على تنفيذ جميع بنوده القانونية. وهكذا فإنه من ضمن 6.478 ملفا للمفقودين الذين تم إحصاؤهم لم يبق سوى 35 حالة تجري تسويتها مع العائلات المعنية. ومن بين 13.332 ملفا خاصا بالعائلات التي ابتليت بضلوع أحد أقاربها في الإرهاب لم يبق سوى 57 ملفا قيد استكمال معالجته. في حين أنه من بين جل الملفات المودعة وعددها 10.400 حول التسريح من العمل ومن بين جميع الحالات التي أثبتت صلتها بالمأساة الوطنية لم يبق اليوم سوى 23 حالة في انتظار التصفية. وختاما لهذا الجانب المؤلم، فإن الحكومة تغتنم فرصة وقوفها اليوم أمام هذا المجلس الموقر لتجدد نداء الدولة لأولئك الذين لازالوا مصرين على الإرهاب والخراب، للعدول عن العنف ضد شعبهم وبلدهم والالتحاق بمسلك المصالحة الوطنية والاستفادة من رحمة الجمهورية. وبالموازاة مع ذلك ستبقى الحكومة حريصة على تعزيز وحدة شعبنا وتماسكه بما يمكن من تحصين أمن واستقرار بلادنا من أي مؤامرة جديدة قد تحاك ضدها. إن تمجيد الإسلام دين الدولة هو موضوع التزام حازم وبخاصة من خلال تعزيز عدد المساجد وتعميم تأطيرها بأئمة تسهر الدولة على تكوينهم وتوظيفهم، وكذا عن طريق تعليم القرآن الكريم. وقد أصبح نشر تعاليم الإسلام وقيمه النبيلة مدعما بقناة وطنية خاصة على مستوى شبكة التلفزة. بل إن الحكومة تواجه بحزم كذلك كل محاولة لإدخال ممارسات لبلادنا أو خطب دينية غريبة عن تقاليدنا ومعاقبة أي سعي لتحويل المسجد عن مهمته التوحيدية لمعشر المسلمين. وفضلا عن ذلك تحرص الحكومة على ضمان حرية العقائد في ظل قوانين الجمهورية. وبهذا الشأن فإن التاريخ البعيد أو حتى القريب يشهد على أن الشعب الجزائري المسلم كان دوما مضيافا وحتى حاميا عند الضرورة لجميع باقي أهل الكتاب. وعلى صعيد آخر تستمر الحكومة في جهودها الرامية إلى تعزيز الوحدة الوطنية بمقومات الهوية الوطنية. وبهذا الصدد فإن فتح قناة تلفزيونية وطنية للغة الأمازيغية لهي خطوة جديرة بالتنويه وتأتي لتثري ذلك المسار الذي انتهجه السيد رئيس الجمهورية بشجاعة وحزم سنة 2002 بدسترة الأمازيغية لغة وطنية. علاوة على ذلك فإن شعبنا قد عاد من جديد منذ بداية هذه العشرية للالتفاف حول ثقافته. وقد تمكنت الأمة العربية منذ أربع سنوات من الوقوف على مستوى الثقافة الجزائرية وعلى مدى عطائها لحضارة الأمة العربية التي تنتمي إليها. وعادت الثقافة الإفريقية خلال السنة الماضية لتلتقي بأهلها في الجزائر. كما إن الجزائر كلها ممثلة بتلمسان العريقة ستكون سنة 2011 عاصمة للثقافة الإسلامية ثقافة السلم والعلم والتآخي. وتلكم فرصة حميدة كذلك تتاح لشعبنا لكي يذكر باقي الأمة الإسلامية والعالم بفضائل أسلافه وسخائهم عبر القرون في نشر الإسلام في كل القارات وإسهاماتهم الثرية في ترقية الحضارة الإسلامية المجيدة. ولا ريب أن تعزيز وحدة شعبنا وتماسكه قد يبقى منقوصا دون التمعن الدائم في ثورة نوفمبر المجيدة ودون العرفان الأبدي لصانعيها. وقد عرف هذا المسعى الذي يعد تقليديا في بلادنا نقلة جديدة بفضل الأحكام التي أدخلت في الدستور بشأن رموز الثورة التي هي رموز الدولة، وكذا تلك الأحكام المتعلقة بصون تاريخنا. وفي هذا السياق فإن الحرص على التاريخ يعني الحرص أيضا على البعد الكامل للملحمة برمتها عبر آلاف السنين بما يضمن المزيد من تمجيد مقاومة شعبنا ضد الغزاة وكفاحنا في سبيل استرجاع الحرية والاستقلال. ومن شأن هذا التاريخ الوطني بكل مراحله أن يعزز المصالحة الوطنية وبخاصة مصالحة الجزائريين مع الذات ومع الوطن مثلما سيساهم دون شك في بعث الشعور بالفخر لدى الأجيال الصاعدة وفي حثها على التشبع بالروح الوطنية. السيد الرئيس: لقد كان تعزيز دولة القانون الورشة الأولى التي فتحها السيد رئيس الجمهورية منذ عشرية قبل اليوم، من خلال إصلاح العدالة بهدف تعزيز حماية الحقوق والحريات ومن أجل توطيد الحفاظ على الأموال العمومية والشأن العام. وفي هذا الإطار شهدت منظومتنا القضائية وثبة نوعية من حيث الجودة والفعالية بفضل تعزيز عدد القضاة وتحسين مستوى تكوينهم وتخصصهم، وكذا بفضل عصرنة إجراءاتها المدنية والإدارية والجزائية. كما سمحت مضاعفة عدد قوات الشرطة والدرك الوطني وتوزيع شبكة انتشارهم المتكامل عبر التراب الوطني بتراجع الجريمة بنسبة تزيد عن 30 % خلال السنوات الأربع الأخيرة. وقد وظفت القيادة السياسية هذه التطورات العامة بموجب التعليمة الرئاسية رقم 3 المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته. وجدير بالذكر أن هذه التعليمة الرئاسية إلى جانب التعزيزات القانونية المنبثقة عنها، وكذا وخاصة إيداع ملفات لدى العدالة من طرف الشرطة القضائية بقرينة الاتهام بالرشوة والمساس بالممتلكات العامة، قد استقطبت كلها اهتمام الرأي العام في هذه الأوقات الأخيرة وكانت في بعض الأحيان موضوعا حتى لمحاولات استغلالها السياسوي. أما فيما يخص الحكومة، فإن الإجراءات القانونية الجديدة التي جاءت بها تعديلات قانون مكافحة الفساد وقانون حركة رؤوس الأموال عبر الحدود، وكذا تعزيز دور مجلس المحاسبة بعد المفتشية العامة للمالية وأيضا قانون النقد والقرض، قد كانت كلها خطوات تؤكد عزما قويا طبقا للتوجيهات الرئاسية للمضي قدما في مكافحة الجريمة الاقتصادية التي تقترن دون شك مع الاتجار بالمخدرات وتبييض الأموال، وبعبارة أخرى مع الجريمة المنظمة التي يتعين من الآن القضاء عليها. من جهة أخرى، فقد سمحت سلة الإجراءات القانونية والتنظيمية الجديدة بتعزيز محاربة جميع أشكال المساس بحقوق الخزينة العمومية أو النيل من مصالح المستهلكين وحقوق العمال. ومن ذلك أن المعرف الجبائي الجديد وإيداع الحسابات الاجتماعية للمؤسسات أو وجوب اللجوء إلى التعامل بشفافية في مجال القرض المستندي، قد تمخضت عنها حتى الآن نتائج أولية ملموسة في مكافحة الغش الجبائي والجمركي والمصرفي. كما ستعزز مكافحة استغلال اليد العاملة غير المصرح بها بفضل دعم الرقابة والسهر على فرض احترام التشريع المتعلق بالعمل، وكذا بفضل النظام الوشيك لتعاقد المستشفيات مع صندوق الضمان الاجتماعي الذي سيوجب على المريض الإفصاح عن حالته تجاه الضمان الاجتماعي. ومن جهة أخرى، فإن التشريع الجديد المتعلق بالمعاملات التجارية الذي يلزم الفوترة واحترام هوامش الربح سيعود بفضائل على المستهلك عبر تراجع المضاربة في الأسواق. وستحرص الحكومة على الاستمرار في جميع هذه التحسينات التي ستكون مصحوبة بإصلاحات أخرى للخدمة العمومية بما في ذلك على مستوى الجماعات المحلية. وفي هذا المنظور، فإن عصرنة الإدارة باللجوء إلى التكنولوجيات الحديثة وتعزيز دور الجماعات المحلية من خلال مشروع مراجعة قانون البلدية الذي سيكون متبوعا عن قريب بمشروع آخر يتعلق بالولاية، تندرج كلها في مسعى واحد خصصت له اعتمادات مالية معتبرة في البرنامج الجديد للاستثمارات العمومية. السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني السيدات والسادة النواب الأفاضل سيداتي سادتي: لقد استطاعت الجزائر خلال عشريتين من الاستقلال أن تقلص من حدة الفراغ الذي خلفه الاستعمار الغاشم في ظروف حياة الجزائريين وأن تسجل تطورا ملحوظا على درب التنمية ومنها التنمية البشرية بصفة خاصة. غير أن هذه الحركية سرعان ما توقفت مع الأسف جراء الأزمة. أما اليوم فلا يمكن لأي كان أن يجادل في تدارك التأخر خلال هذه العشرية. ومن ثمة فإن الجهد في مجال التنمية البشرية سيتبلور في ترقية أكثر جودة وفي مزيد من ترشيد المنهجية، وكذا في تثمين النتائج في إطار التنمية الاقتصادية. وسأوضح هذا التوجه من خلال ثلاث أمثلة: في المقام الأول نسجل التخفيف من حدة أزمة السكن بعد تسليم مليون وحدة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهي في الواقع قرابة مليوني سكن التي أنجزت خلال العشرية كلها. وقد كانت هذه التطورات مرفوقة بتحسين ظروف الحياة المعاصرة حتى في الأرياف. وهكذا وصلت عملية إدخال الكهرباء نسبة 98% وبلغ ربط المنازل بشبكة توزيع الغاز الطبيعي حدود نسبة 47% هذه السنة، كما بلغت نسبة ربط السكنات بشبكة الماء الشروب 93 % في حين بلغت هذه النسبة 86 % في مجال الربط بشبكة صرف المياه. وإن الدولة عازمة على مواصلة سياستها الوطنية في ميدان السكن من خلال برمجة مليوني سكن جديد ستسلم منها 2,1 مليون وحدة في نهاية ,2014 في حين ستكون في هذا التاريخ 800.000 وحدة أخرى في طور الإنجاز. وفي نفس الوقت سيستمر الحرص أكثر على استصلاح العمران بفضل رصيد مالي مضاعف بمبلغ 150 مليار دينار للمرحلة الخماسية. كما سيستمر الجهد في مجال القضاء على السكنات القصديرية بعد إعادة إسكان 145.000 عائلة حتى الآن في بيوت لائقة. وقد برمجت 400.000 وحدة سكنية للقضاء على السكن القصديري دون المساس بحقوق طالبي السكن الاجتماعي الذين برمجت لهم 500.000 وحدة أخرى على مدى السنوات الخمس القادمة. علاوة على ذلك، فإن سياسة ترشيد البناء قد أصبحت تشمل مواجهة النزوح الريفي مع إقرار دعم بناء 700.000 سكن ريفي خلال الخماسية أي ما يقارب ضعف العدد المسجل في هذا المجال خلال العشرية السابقة. وفي نفس هذا المنوال تبرز إرادة ترشيد النفقات العمومية في مجال السكن عبر توجه الحكومة إلى توظيف ادخار العائلات قصد تجسيد أملها في اكتساب بيوتها. وقد تم إقرار دعم قوي للقروض البنكية لفائدة العائلات الراغبة في بناء أو اقتناء سكن وذلك تكملة لمساهمة مالية للدولة في الكلفة. كما رصد دعم آخر لفائدة مؤسسات الترقية العقارية على مستوى القرض البنكي وسعر إيجار الأراضي، وكذا الجباية، إلى جانب عرض مشروع تشريع لتنظيم هذا النشاط. أما المثال الثاني فيتعلق بمجال الصحة العمومية، حيث تؤكد الأرقام بقوة على أن توفير الأسرة للمواطنين في المستشفيات قد عرف خلال العشرية قرابة الضعف، وكذلك الشأن بالنسبة للأطباء الأخصائيين، كما تقلصت نسبة الوفيات لدى الرضع بالثلث ووصلت نسبة الأمل في الحياة إلى مستوى بعض الدول المتقدمة. ومع ذلك فإنه لا يمكن إلا أن نقر بضرورة تحسين الخدمات في مرافق الصحة العمومية وبأن عدد الأطباء الأخصائيين يبقى دون الحاجة وموزع دون إنصاف عبر التراب الوطني وأن وفرة الأدوية لا تزال ضعيفة مع ثقل كلفة استيرادها. ولكل هذه الحقائق فإن سياسة الصحة العمومية ستتواصل مع إقران الاستمرارية بالتحولات خلال السنوات الخمس المقبلة. أما الاستمرارية فستتجسد في الحفاظ على حق المواطن في العلاج ومجانيته في القطاع العمومي، وكذا تعزيز شبكة المرافق الطبية ب 1500 إنجاز آخر منها 172 مستشفى و377 عيادة عمومية. وأما التحولات فستبرز بداية في تحسين التكفل بالمريض بتعزيز الطاقات البشرية للصحة، ولهذا فإن عدد الأطباء الأخصائيين المتخرجين سيصل إلى 11.000 عنصر خلال الخماسية أي ضعف ما سجل في المرحلة الأخيرة. كما سيتم تدارك العجز المسجل في الأسلاك شبه الطبية بدعم قدرات تكوينهم لنصل إلى 10.000 إطار سنويا قبل .2014 ومن شأن الأنظمة الجديدة للعلاوات أن تسمح بتحسين المكانة الاجتماعية لجميع هذه الإطارات للدولة. ومن جهة أخرى سيؤدي إصلاح المستشفيات إلى تثمين أفضل للقدرات المالية المعتبرة المخصصة لمرفق الصحة العمومية التي ارتفعت ميزانية تسييرها بنسبة 500% لتصل إلى قرابة 240 مليار دينار سنويا. كما أن التعاقد على العلاج الصحي بين المستشفيات وصناديق الضمان الاجتماعي من شأنه أن يفضي إلى الحفاظ على هذه الأخيرة التي تشكل الضمان الحقيقي لاستمرارية مجانية العلاج. وعلى صعيد آخر، فإن توظيف آلية التسعيرة لترقية الأدوية الجنيسة من شأنه إلى جانب حماية السوق في فائدة الأدوية المنتجة محليا، أن يؤدي إلى تخفيض عبء الدفع على صناديق الضمان الاجتماعي، وكذا من قيمة استيراد الأدوية. وإن التزايد الحالي لملفات الاستثمار في إنتاج الدواء لهو أحسن شاهد على جدية هذا الخيار المعتمد في هذا المجال، وهو تحول عززته الحكومة من خلال دعم المجمع العمومي ''صيدال'' لاستثمار 17 مليار دينار قصد رفع منتوجاته من الأدوية بنسبة 100 % على مدى السنوات الخمس المقبلة. أما المثال الثالث والأخير فيتعلق بمنظومتنا الوطنية للتعليم والتكوين. فعلى مستوى التربية الوطنية فقد تعمم تمدرس الأطفال البالغين 6 سنوات مع وصول تمدرس البنات من نفس السن إلى قرابة 97% وسمحت الإصلاحات بتحسن النتائج البيداغوجية مع بلوغ نسبة 90% من النجاح في نهاية الطور الأول ونسبة تفوق 60% من النجاح في امتحانات البكالوريا. وستتجه التربية الوطنية مستقبلا نحو تحسين مكانة العلوم الدقيقة وتعميم تدريس المعلوماتية بما يسهم بصفة جوهرية في تمكين الجزائر من رفع تحدي اقتصاد المعرفة. وقد بلغ قطاع التعليم والتكوين المهنيين ضعف تعداده، وكذا 200.000 متخرج سنويا كما رفع مساهمته في رسكلة اليد العاملة للمؤسسات الاقتصادية. وستعكف هذه المنظومة أيضا في المستقبل على تكييف أفضل لشبكة تكوينها مع الحاجات الدقيقة للاقتصاد الوطني. وفي هذا الوقت ذاته ستستمر الحكومة في جهدها الرامي إلى ترقية مكانة التكوين والتعليم المهنيين من خلال تقديم تشجيعات ومنح للمتربصين ودعم خريجيه مستقبلا بأشكال متعددة. ومن جهتها، فإن الجامعة التي شهدت تحسينات ملحوظة تتأهب الآن لاستقبال مليوني طالب سنة .2014 وبعد انتشار إصلاح المنظومة التعليمية ستتمثل المحطة المقبلة في تكييف تدريجي لخريطة الشعب لترقية مكانة الشعب العلمية دون إهمال العلوم الاجتماعية. إضافة إلى ذلك وبعد تغطية شبه كاملة للبلاد بالجامعات والمراكز الجامعية، فقد أقدمت الحكومة الآن على ترقية المدارس العليا والأقسام التحضيرية. من جهة أخرى، وبعد التحسن الملحوظ لأسلاك الأساتذة الجامعيين الذين تضاعف عددهم في عشرية فإن الاهتمام سيولى الآن لتحقيق نقلة أسمى تتمثل في بلوغ 30.000 أستاذ جامعي باحث في آفاق .2014 وفي هذا الإطار فإن الإجراءات المقررة من طرف السيد رئيس الجمهورية لدعم البحث العلمي ومن أجل انتشار تكنولوجيات الإعلام والاتصال، لهي دليل قاطع على عزم بلادنا التوجه نحو اقتصاد المعرفة وتقليص الهوة الرقمية. وستكون هذه النقلة النوعية مرفوقة بتثمين النتائج الأولية للبحث العلمي الجزائري وهي موجودة في مجال التنمية وبمساهمة دعم عمومي ملائم من حيث الاستثمار. السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني السيدات والسادة النواب الأفاضل أيتها السيدات أيها السادة: إن الدولة كما جاء في مداخلتي هذه قد استعادت مهامها الرقابية والضبطية وعززت في نفس الوقت سلطتها كما تخلصت من ثقل مديونيتها الخارجية. وها هي الآن تملك رصيدا معتبرا بالعملة الصعبة وتتوفر لدى الخزينة العمومية على ادخار محترم لمواجهة الضرورة. وقد كان لابد لهذه التطورات الإيجابية، وكذا التجارب المسجلة من أن تؤدي بالحكومة إلى تعزيز التشريع الاقتصادي دون أي مساس بالخيارات الجوهرية في هذا المجال، ألا وهي بناء الاقتصاد الوطني على أسس الجدوى والمنافسة وإقحامه في نفس الوقت في المبادلات العالمية. وكما لاحظ الجميع، فقد أثارت هذه التدابير عددا هائلا من الملاحظات وحتى الانتقادات. لذا فإن الحكومة تود استغلال هذه الفرصة السانحة لتقديم المزيد من التوضيحات. وبهذا الشأن أذكر بداية أن الجزائر التي مرت على نظام اقتصادي اشتراكي قد تخلت عن هذا الخيار دون التخلي عن ثوابتها الوطنية في مجالي العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني. ومن ثمة أتساءل أمامكم عن ذلك الضرر الذي يراه البعض في إدخال بعض التعديلات على مسارنا نحو اقتصاد السوق، طالما أن مثل هذا التصحيح لا يرمي إلى القطيعة مع النجاعة والمنافسة. وما هي هذه القاعدة الدوغماتية التي تزعم باسم حرية المبادرة منعنا من ممارسة الحق في إدخال التصحيحات الملائمة على ضوء الوقائع والتجارب وحتى الظروف، في الوقت الذي أفضت فيه الأزمة الاقتصادية العالمية إلى إعادة النظر في الدور الاقتصادي للدولة والعدول عن أولوية حرية المضاربة على الاقتصاد المنتج. وهل يجب أن نستخلص من هذه الانتقادات كلها بأن الجزائر التي كانت بنت تجربتها الليبيرالية وكانت مجبرة على مدى عشرية قبل اليوم على فك حصار دولي غير معلن وبعدما أقدمت آنذاك على تقديم تسهيلات واسعة للاستثمار الأجنبي، لا يحق لحكومتها اليوم على سبيل المثال أن تقرر إعطاء الأغلبية في الشراكة للطرف المحلي حتى وإن كانت نفس هذه القاعدة سائدة في مقاصد جلب الاستثمار في المشرق وآسيا مثلا. وقد جئت بهذه التساؤلات أمام مجلسكم المبجل ليس بحثا عن أي جدال كان، لكن انطلاقا من قناعة الحكومة بأن التنمية الاقتصادية الوطنية في حاجة إلى وحدة وطنية. إنه لمن الوهم تصور ازدهار مؤسسة اقتصادية محلية دون صلابة الاقتصاد الوطني كله. وعلى من يكون قد تناسى هذه الحقيقة أن يراجع أوضاع الأمس القريب فقط عندما كانت الجزائر في وضعية الإفلاس المالي والخضوع لإعادة الهيكلة الاقتصادية التي كانت أليمة على الجميع بدون استثناء مقابل فك خناقها جراء كلفة المديونية الخارجية. وأستسمحكم الآن لألخص من على هذا المنبر بعض الملاحظات حول أوضاعنا الاقتصادية التي عرضت عليكم كتابيا بكل دقة: ففي المقام الأول كان النمو الاقتصادي خارج المحروقات معتبرا وثابتا طيلة هذه السنوات الأخيرة ولكنه يظل هشا لأنه ممول بنفقات عمومية هائلة للاستثمارات لن تكون دوما متواترة. وعليه يجب علينا أن نبذل كل جهودنا لمضاعفة مشاركة النشاط الاقتصادي في نمو قوي ومستمر. وفي المقام الثاني فقد ساهم الإنفاق العمومي الهام للاستثمار في ترقية التنمية البشرية وتحسين ظروف معيشة المواطنين بشكل كبير كما سمح باستحداث مناصب شغل والحد من البطالة. غير أن هذا الإنفاق العمومي وارتفاع المداخيل الذي ترتب عنه استفادت منه اقتصاديات بلدان أخرى بشكل كبير مثلما يؤكد ذلك حجم الواردات من السلع والخدمات الذي بلغت قيمته حوالي 50 مليار دولار سنة .2008 فمن واجبنا أيضا القيام بكل ما في وسعنا من أجل ترشيد النفقات العمومية الهامة للاستثمارات أكثر فأكثر على الصعيد المحلي، واستحداث مناصب شغل وتوفير الأجور، وكذا تزويد الخزينة بمزيد من الإيرادات لكي تتحمل الدولة عبء نفقاتها. وينبغي ألا ننسى أنه في السنة الفارطة مثلا تجاوزت إيرادات الجباية العادية كلها بشكل طفيف فاتورة التحويلات الاجتماعية للدولة وحدها. ولا يغيب عن بالنا أيضا أن كل الإيرادات الجبائية لهذه السنة بما في ذلك الجباية البترولية تكاد لا تكفي سوى لتمويل ميزانية التسيير. وفي المقام الثالث ورغم الانتعاش الطفيف الذي تشهده الصناعة، إلا أنها أصبحت مهمشة أكثر فأكثر ولم تساهم سوى بحوالي 5 % من القيمة المضافة الإجمالية للسنة المنصرمة أي أقل من حصة الخدمات الإدارية. وتلكم وضعية غير معقولة في وقت يتنامى فيه الطلب المحلي على المنتوجات المصنعة أكثر من أي وقت مضى، وهذا أمر غير مقبول أيضا بينما تتوفر الجزائر على قاعدة صناعية هامة لا تحتاج إلا إلى الإنعاش والمهارة. كما أن الصعوبات التي تواجهها الأداة الصناعية الوطنية ليست قدرا محتوما. إنها الضريبة الباهظة التي دفعتها نفس هذه الأداة العمومية والخاصة جراء الأزمة الاقتصادية والمأساة الوطنية. ومن هذا المنطلق فإن الصناعة الوطنية في كل القطاعات هي بحاجة لمهلة قصيرة لكي تتكيف وتتأهب لمنافسة شرسة في السوق المحلية وفي المبادلات الدولية مع بعض الحظوظ في النجاح. أما في المقام الرابع، فإن الاستثمار الأجنبي الذي ما انفكت الجزائر تدعو إليه بإلحاح وتطالب به دوما مقابل انفتاح أوسع لسوقها لم يستجب بعد لهذه النداءات. إن البعض يدعي بأننا سنمنع الاستثمارات الأجنبية من المجيء. وتؤكد الأرقام الصادرة عن بنك الجزائر والتي أبلغت لكم بالتفصيل، أن بلادنا خارج المحروقات قد تلقت أقل من 500 مليون دولار كاستثمارات أجنبية في سنة 2005 وأقل من 1 مليار دولار في سنة .2007 وكانت المؤسسات الأجنبية تعتقد أن إبقاء الجزائر مجرد سوق ذات جاذبية كبيرة أمرا مشروعا بما أن هذه الأخيرة بدا لها أنها في متناولها دون بذل أي مجهود. بل أكثر من ذلك فإن بعض المستثمرين الأجانب الذين حققوا نجاحات في السوق المحلية سعوا في البداية وراء الربح عن طريق المضاربة حتى وإن تطلب ذلك تجاهل سلطات البلاد وسيادتها أو محاولة مخالفة قوانينها دون عقاب. وجدير بالذكر أن النمو السليم لا يكمن في اقتصاد الخدمات إن لم تنتج عنها قيمة مضافة حقيقية للبلاد ولا سيما إذا كانت حصة الخدمات في القيمة المضافة الوطنية متأتية من تجارة الاستيراد. إن الرفاهية التي تشهدها الجزائر حاليا هي ثمرة القرارات الإستراتيجية الحكيمة التي اتخذها السيد رئيس الجمهورية وينفق من أجل بقائها من ميزانية الدولة التي تتأتى مواردها من عائدات المحروقات. بل أكثر من ذلك فإن حوالي 100 % من واردات البلاد تدفع بعملات صعبة متأتية من المحروقات التي هي ثروة كل الأمة. ولهذه الأسباب إذا فإن دور الحكومة هو السهر على الحفاظ على ركائز الاقتصاد الوطني في مجمله كما يتمثل واجبها الذي تتمسك به في المساعدة على تنمية المؤسسات وكل أشكال استحداث الثروات في البلاد. ولكن لا يمكنها أن تنساق وراء منطق المصالح المعزولة أو اللوبيات مهما كانت. وبهذا الشأن فإن الرهان لا يكمن في الانضمام إلى مسعى الحكومة من عدمه، بل يتمثل في مصير الاقتصاد والتشغيل كما يتمثل حاليا في الرفاهية التي تمول من ميزانية الدولة والتي يستفيد منها الجميع. أما الرهان مستقبلا فيكمن في تحقيق الاستقلالية المالية واستقرار البلاد. وذلكم هو ما جعل الحكومة تدعو إلى وحدة وطنية من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية. وتلكم هي السيد الرئيس والسادة النواب الأفاضل والسيدات والسادة، الأسس التي يرتكز عليها المسعى الوطني في مجال ترقية التنمية الاقتصادية والتي أذكر هنا ثلاثة معالم رئيسية منها: أولا: ستستفيد الفلاحة من دعم هام أقره السيد رئيس الجمهورية بمبلغ سنوي يقدر ب 200 مليار دينار. وهكذا فإن هذا الدعم المقترن بتأمين مستثمري الأراضي الفلاحية العمومية يرمي إلى تعزيز الأمن الغذائي للبلاد واستحداث مناصب شغل عديدة وتحسين مداخيل المواطنين في الريف. كما يرافقه برنامج هام لضمان وفرة المدخلات والأسمدة والآليات الضرورية للفلاحة وتحسين الري ووضع ترتيب ناجع لضبط المنتوجات الزراعية لفائدة الفلاح والمستهلك. وجدير بالذكر أن الإعانات العمومية للفلاحة التي ما تزال نسبتها أقل من تلك المطبقة في البلدان المتقدمة يمكن أن ترتفع مستقبلا بما يتماشى وارتفاع الإنتاج الزراعي، ولا سيما المنتوجات الإستراتيجية وانخفاض فاتورة الواردات الغذائية وبما يتناسب والوتيرة التي يساهم بها الاقتصاد الفلاحي في حماية القدرة الشرائية للمستهلكين. ثانيا: ستتم مرافقة كل مؤسسات البلاد وتشجيعها لتحقيق تطورها. وهكذا ستتم إعادة تأهيل المؤسسات العمومية التي تتوفر على حصة في السوق من قبل الدولة المالكة وستتحصل على التمويل البنكي الضروري لتحديثها، مع الإشارة إلى أن أكثر من 100 مؤسسة عمومية قد استفادت من هذا الإجراء وستليها مؤسسات أخرى. ومن جهة أخرى، تعمل الدولة على تجنيد شركاء وفق الشروط التشريعية الجديدة بهدف المساهمة في عصرنة هذه المؤسسات العمومية. أما فيما يخص المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فقد اتخذت ترتيبات كثيرة، لا سيما من أجل ضمان قروضها البنكية والتخفيف من أعبائها الجبائية وحتى التخفيف من أعبائها شبه الجبائية مقابل التوظيف. وقد اعتمدت الحكومة حاليا برنامجا هاما للدعم العمومي الموجه لتأهيل هذه المؤسسات يمكن أن يشمل 20.000 مؤسسة صغيرة ومتوسطة إذا ما أبدى أصحابها رغبتهم في ذلك. علاوة على ذلك تستفيد المؤسسات الجزائرية العمومية والخاصة حاليا من هامش تفضيلي قد يصل إلى 25 % من قيمة الصفقات العمومية. كما ستستفيد كلها من مهلة في رفع الحماية التعريفية الذي شرعت فيه الحكومة بالتشاور مع شركائها في المنطقة العربية الكبرى للتبادل الحر والاتحاد الأوروبي. ثالثا: فإن الدعوة موجهة مجددا بإلحاح إلى الشركاء الأجانب وأولهم البلدان الشقيقة والصديقة والمؤسسات التي تنشط في سوقنا من أجل المساهمة في تنمية الجزائر وعصرنة اقتصادها. وجدير بالتوضيح، أن الجزائر ليست حاليا بحاجة بالضرورة إلى رؤوس أموال أجنبية بقدر ما هي في حاجة ماسة إلى المهارة والتكنولوجيا والتسيير العصري وشركاء قادرين مستقبلا على فتح أسواق أخرى لمنتوجات في إطار الشراكة. وفي المقابل، فإن الجزائر التي أصبح إطارها القانوني للاستثمار مدعما ومستقرا، تمنح لمن هم على استعداد لمرافقتها في تنميتها مزايا عديدة. فالأمر يتعلق أولا بسوق ميسرة وهامة يعززها إنفاق عمومي للاستثمارات يزيد مبلغه عن 280 مليار دولار على مدى خمس سنوات. ويتعلق الأمر أيضا بشبكة من المنشآت القاعدية في توسع مستمر وقروض متوفرة محليا ومزايا مقارنة أكيدة من حيث كلفة الطاقة واليد العاملة المؤهلة وحتى أعباء جبائية دائما أقل من تلك المطبقة في البلدان المتطورة. كما تمنح الجزائر للمؤسسات المختلطة التي تنشأ مع شركائها المزايا الهامة التي ينص عليها قانون الاستثمارات والتي تعادل إعفاء شبه تام من الجباية خلال فترة الإنضاج، وكذا الحصول على الصفقات العمومية وفق الشروط التفضيلية التي أقرت للمؤسسات الوطنية. وفي المقابل تنتظر الجزائر من الشركات المختلطة التي ستقام على ترابها اللجوء إلى السلع والخدمات المحلية وتطوير نسبة الاندماج الوطني وإعادة استثمار نظير المزايا الجبائية الممنوحة وتحقيق ميزانيات إيجابية من العملة الصعبة من خلال استبدال الواردات بمنتوجات محلية أولا ثم تصدير منتوجاتها بعلاماتها الخاصة. وكذا ومن أجل تثمين مؤهلاتنا الوطنية أكثر فأكثر، ينص قانون الصفقات العمومية على أنه من الآن فصاعدا يتعين على كل مؤسسة أجنبية ترغب في الحصول على صفقة عمومية بالجزائر للسلع أو الخدمات، أن ترافق عرضها باقتراح يرمي إلى المساهمة في تحديث مؤسسة جزائرية أو الاستثمار في بلادنا وفق المعايير المعمول بها حاليا والمتمثلة في حيازة الطرف الجزائري نسبة 51 % من رأس المال ونسبة 49 % لصالح الطرف الأجنبي. ومثلما يعلم الجميع، فإن استعمال هذه الدعامة للنفقات العمومية من أجل تطوير الاستثمار والاقتصاد يعد قاعدة معتمدة بشكل واسع في العالم بما في ذلك البلدان الأكثر تقدما. ومن خلال هذا المسعى كله، تتوخى الحكومة ثلاثة أهداف كبرى يتعلق أولها برفع نسبة النمو في القطاع الفلاحي إلى 8 % سنويا بشكل مستقر ومستمر، ويتعلق الهدف الثاني برفع حصة الصناعة من 5 % حاليا إلى حوالي 10 % سنة 2014 في القيمة المضافة التي يتم تحقيقها سنويا في الجزائر، ويتعلق الثالث والأخير بمواصلة تقليص نسبة البطالة إلى أقل بكثير من 10 % خلال السنوات الخمسة المقبلة. السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني السادة النواب الأفاضل أيتها السيدات أيها السادة: تكلم هي إذا الحصيلة والآفاق التي تتشرف الحكومة باستعراضها أمامكم في إطار بيان سياستها العامة. وقد تبدو هذه الآفاق متفائلة بالنسبة للبعض وذلك من شأنه أن ينسي التشاؤم الصادق أحيانا الذي نظر به البعض إلى الآفاق التي حددتها السلطات العمومية في إطار البرنامج الخماسي السابق للاستثمارات مثلا. إن الحكومة تعتز بالعمل تحت سلطة قائد تكون في مدرسة الكفاح من أجل التحرير الوطني وأقصد هنا السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وخدمة شعب فاجأ دوما بقدراته التي لا يشوبها أي شك، على غرار انتصاره على طغيان الاستعمار أو مقاومته في الآونة الأخيرة لوحده وبشكل رائع لدوامة الفتنة والإرهاب. لقد سبق للسيد رئيس الجمهورية في خطابه الموجه للأمة سنة 1999 وأن اقترح على الشعب خصوصا استعادة الثقة وبعث الأمل. واستجابة لنداء الشعب سنة 2009 من أجل مواصلة المسيرة، دعا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى بناء جزائر قوية وآمنة. وإن هذه الجزائر لجديرة بأن تتطلع إلى تحقيق طموحات تليق بوسائلها وأبنائها. وقد اقترح رئيس الدولة المسعى الذي يحقق ذلك ووافق عليه الشعب السيد بصفة ديمقراطية وتعكف الحكومة على تجسيده بنتائج ملموسة في الميدان. إن هذا المسعى بحاجة إلى دعم وتأييد القوى السياسية والاجتماعية التي تؤمن به أو تلتف حول تحقيقه أو تشاطر أهدافه على الأقل. وتلتمس الحكومة من العمال الذين تحييهم من خلال الاتحاد العام للعمال الجزائريين، مساهمتهم القيمة في إنعاش المؤسسة مصدر رزقهم وتفادي الديماغوجية أو المناورات السياسوية التي قد تؤدي إلى نسيان ضرورة تحقيق المردودية التي بدونها لن تؤتي الجهود المبذولة اليوم ثمارها في المستقبل. وإذ تحيي الحكومة أيضا منظمات أرباب العمل في بلادنا دون أي استثناء، فإنها تؤكد مجددا تمسكها بالثلاثية كإطار مفضل للحوار واستعدادها لمناقشة أي اقتراح أو مبادرة من شأنها أن تعزز المصلحة العامة وبطبيعة الحال مصلحة الاقتصاد وأملها في أن يتم إثراء العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي وتجديده. كما تدعو الحكومة جمعيات أرباب العمل الوطنية إلى تجنيد المنخرطين فيها للمساهمة أكثر فأكثر في الاستثمار المنتج وتوفير الثروات واستحداث مناصب الشغل والمشاركة في النمو. أما أنتم معالي السيد رئيس المجلس والسيدات والسادة النواب الأفاضل، فإن الحكومة إذ تجدد لكم تقديرها العميق، فإنها تلتمس آراءكم السديدة ودعمكم الثمين. وفي انتظار ذلك أشكركم على جميل صبركم وكرم إصغائكم.