المفاوضات بين المغرب والبوليساريو مطلع ديسمبر يبدوبأنّ الرئيس الألماني السابق هورست كوهلر، الذي عُيّن في 2017، مبعوثاً للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، عازم بجدّ على إخراج القضية الصحراوية من حالة الجمود، ومصرّ على إعادة بعث المسار السياسي الأممي الذي يعرف جمودا فعليا منذ عشر سنوات بسبب تعنّت الاحتلال المغربي وإصراره على وضع العقدة في المنشار لعرقلة كلّ محاولات تصفية الاستعمار من آخر مستعمرة بالقارة الإفريقية. كوهلر، وخلافا للمبعوثين الأمميين السابقين الذين إنساق بعضهم وراء الأطروحات الاحتلالية المغربية ودافع عنها بعيدا عن أيّ حياد أو مهنية، واصطدم البعض الآخر بجدار منيع من العراقيل التي قادته للفشل، أخذ على عاتقه بكلّ شجاعة استئناف العملية السلمية المتوقفة منذ 2012، لحل القضية الصحراوية حلاّ عادلا منصفا، واضعا الاحتلال أمام الأمر الواقع، والأمم المتحدة أمام مسؤوليتها لتفرض التسوية المتفق عليها من جانب طرفي النزاع، وتطوي بذلك فصول هذه القضية التي تجاوز عمرها أربعة عقود. وحتى يكون جهده مثمرا ومسعاه مبنيا على أسس سليمة، التقى كوهلر طرفي النزاع في بداية 2018، لكن كلاً على حدة، وفي نهاية جوان وبداية جويلية الماضيين، قام بجولة إقليمية شملت الجزائر العاصمة ونواكشوط وتندوف ورابوني والرباط والعيون والسمارة والداخلة ما سمح له بالاطلاع الجيّد على الملف الصحراوي ليخلص في النهاية إلى حتمية اجراء مباحثات مباشرة قبل نهاية السنة. وفي السياق، وجّه المبعوث الأممي الجمعة الماضية دعوات إلى المغرب والبوليساريو، طرفي النزاع ، وإلى الجزائر وموريتانيا لعقد مباحثات في جنيف السويسرية يومي 5 و6 ديسمبر المقبل؛ تبحث مستقبل الصحراء الغربية على أمل دفع عملية السلام المتوقفة منذ سنوات. وتم تسليم الدعوات الى كلّ من البوليساريو والمغرب على اعتبارهما في القضية والنزاع، كما سلّمت دعوات مماثلة إلى كلّ من الجزائر وموريتانيا على اعتبار أنهما بلدان جاران، ومُنح الأطراف الأربعة حتى 20 أكتوبر الجاري، للردّ على الدعوة. ورغم الغموض الذي يكتنف مستوى لقاء جنيف المرتقب، أي هل يتعلّق الأمر بمفاوضات مباشرة، أم هو مجرّد لقاء تشاوري، فإن السؤال الكبير المطروح اليوم، هو معرفة ردّ المغرب على الدعوة الأممية على اعتبار أنه الخاسر الكبير من استئناف العملية السياسية، والتي يشدّد كوهلر وباقي المدعوين على ضرورة أن تكون بعيدة عن أي شروط مسبقة، في حين أن الاحتلال المغربي يصر على أن ينحصر التفاوض على خيار الحكم الذاتي الذي فصّله على مقاسه بعيدا عن قرارات الشرعية الدولية التي توصي لوائحها بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، كما يصرّ على إقحام الجزائر في نزاع لا يعنيها إلا من جانب أنه قضية تصفية استعمار ولا يمكن للجزائر إلا أن تدعمها، كما أنها تعني شعبا جارا وشقيقا يجب مساندته حتى يسترجع حقّه المسلوب. دعوة كوهلر هي انتصار آخر للقضية الصحراوية، وضربة قاصمة للاحتلال المغربي الذي يجد نفسه اليوم في مأزق حقيقي، إما أن يقبل الانخراط في مفاوضات حقيقية مباشرة، نتائجها معروفة مسبقا وهي الإقرار بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، أو المراوغة ووضع العراقيل والعقبات لنسف الجهود الأممية وإبقاء الوضع على ما هوعليه كسبا لمزيد من الوقت وقتلا للقضية الصحراوية بالتقادم. المؤكد أن المغرب سيلجأ الى كل الأساليب وسيستنجد بالدول التي تزكي احتلاله للإقليم الصحراوي مقابل مشاركته نهب ثرواته، لكي يجد وسيلة يضرب بها جهود كوهلر وينسف بها لقاء جنيف قبل أن ينعقد، لكنني أعتقد أن مراوغاته ومناوراته ستذهب سدى هذه المرة لأن العالم أجمع يريد حلاّ عادلا للقضية الصحراوية.