أنصفت جريدة «الشعب» ذكرى يوم العلم المصادفة لذكرى وفاة رائد النهضة الجزائرية الإمام عبد الحميد بن باديس بتنظيم ندوة قيمة أمس حضرها شقيق تلك الشخصية الوطنية البارزة والأصيلة ومجموعة من تلامذته من أساتذة باحثين حاملي جانب كبير من رسالة الهوية الوطنية باعتبارها صمام أمان المستقبل في ظل العولمة وما تستهدفه أسس الانتماء أو بالأحرى اسمنت السيادة الوطنية. المناسبة أعادت طرح مسألة الغاية وما هو منتظر من إحياء ذكرى يوم العلم ومدى التعاطي بروح مسؤولة وايجابية مع المناسبة التي لا تزال تختصر في مجرد مراسم بروتوكولية يعاد إنتاجها كل سنة بينما تتطلب التحديات التي تقف أمام مسار المستقبل، التأسيس لنهضة علمية جديدة ومتجددة وشاملة طالما أن خير ضامن للسيادة الوطنية بالمفهوم الكلي بما فيه الأمن الوطني بمفهومه الشامل وبالذات الغذائي والصحي والتكنولوجي هو التحكم في العلوم والمعارف في شتى الميادين. والمفروض أن لا صوت يعلو فوق صوت العلم ومن ثمة التفات جميع القطاعات المعنية بالتنمية للدور الذي يلعبه العلم مهما كان المستوى في تأمين القدرة على امتلاك عناصر التنافسية ومزاحمة الكبار في الأسواق بل وجعلهم يفكرون مليا في التعامل مع الجزائر ويعدون معها بشأن كل ما يتعلق بمصالحها ومجالها الحيوي. إن الرسالة التي أطلقها العلامة عبد الحميد بن باديس منذ أن أدرك خطورة الاحتلال الفرنسي للجزائر وهو في سنوات الشباب الأولى تتلخص في أن يتعاطى الشعب الجزائري مع العلوم والمعارف والتعليم بلا انقطاع على اعتبار أن شعبا متعلما لا يمكن استعباده مهما كان فقيرا وليس لديه موارد مادية. وبالفعل بالعلوم والتحكم في خباياها فقط يمكن أن تنمو وتيرة عجلة التنمية ويؤسس لبناء ديمقراطي سليم وتعددية لا مجال فيها للانتهازيين وتجار السياسة بل ولعدالة اجتماعية حقة تبرز فيها روح المواطنة المرتكزة على تكافؤ الفرص واعتماد الجدارة في مقياس التكليف وتختفي بشكل كبير مظاهر فساد الجهوية والقبلية أمام قيمة الانفتاح المحلي والإقليمي والقدرة على مقارعة الغير بسلاحه أولا وأخيرا ألا وهو سلاح العلم والابتكار بدءً بمكافحة الأمية من قراءة وكتابة بالأمس وتطويع للتكنولوجيا في الظرف الراهن. لقد كان للدور الكبير الذي لعبه بن باديس من خلال جمعية العلماء المسلمين التي تحل ذكرى تأسيسها في الخامس ماي القادم الأثر البالغ والايجابي في مقارعة الاحتلال وإحباط برامجه المستهدفة لضرب الهوية الوطنية ومن ثمة تدمير الإنسان باعتباره جوهر المعادلة في المقاومة ورفض الأمر الواقع بالأمس وبالتالي لا غرابة في أن يكون الإنسان نفسه لب اهتمام فكر وبناء ابن باديس من منطلق أن العلامة الفذ هو حلقة نوعية مكملة لمسار الحركة الوطنية وقد لعب نضاله دورا رائدا في تهيئة بذرة جيل نوفمبر الذي جسد كل تلك الطموحات بآلامها وأحلامها المشروعة في استرجاع السيادة الوطنية ورد الاعتبار للهوية الوطنية بكافة جوانبها من لغة وانتماء وعقيدة والانطلاق فورا في بناء الدولة الجزائرية الحديثة التي يرتكز مفهومها بالأساس على تلك المنظومة من المبادئ والقيم المستمدة من تلك الحقبة التاريخية النيرة والتي أضاءت الطريق وسط ظلمة الاستعمار الفرنسي العنصري وهو حقيقة نظام استعماري عنصري لأنه استهدف تدمير وتحقير الإنسان بالدرجة الأولى وهو نفسه الإنسان الذي رفض الخنوع وقاوم جيلا بعد جيل إلى أن حقق الانعتاق.