صورة للحركى او عملاء فرنسا تحول الاحتفال بعيد الثورة إلى محطة تتنازعها فئتان: فئة تجعل من تلك الثورة كتابا مُقدّسا محرم التساؤل عن الأخطاء التي تكون قد صاحبت مسيرته، في حين سعت فئة أخرى إلى تشويهه والنيل من أبطاله، عبر الحديث عن قضايا "المجاهدين المزيفين" و"النقاط السوداء لتاريخ الثورة" و"أعداء الثورة والمناهضين لها"، ليس بطريقة علمية، وإنما بطريقة سياسية، تُرفع شعارا في المناسبات للتوظيف السياسي والاستغلال المصلحي، ثم تُطوى في دهاليز النسيان لتعاود الظهور عند مناسبة تاريخية أخرى. * "منتدى الشروق" حاول أن يسلط الضوء على بعض القضايا المرتبطة بتاريخ الثورة، ومن ذلك قضية الحركات المناوئة لها، لمعرفة من كان يُحرّكها والدوافع التي كانت تقف وراءها. * وفي نفس السياق، حاولنا أن نستنطق ممثلي الحركة الثورية والمؤرخين والأكاديميين، لمعرفة الدور الذي لعبته جمعية العلماء المسلمين والزوايا في دعم الاستقلال ومسيرة الجزائر التحررية، بعد أن حاولت بعض الأطراف النيل من رواد النهضة الفكرية والعلمية، عن طريق اتهامهم بالتخاذل عن مساندة الكفاح من أجل استقلال الجزائر. * * مصاليون وشيوعيون وكوبيس والبشاغا بوعلام حركات أخرت استقلال الجزائر ب3 سنوات * يؤكد الرائد لخضر بورقعة بأن الحركات المناوئة للثورة كانت متعددة وكثيرة، خاصة في الولاية التاريخية الرابعة، التي كان أحد قيادييها، نظرا لأهميتها الاستراتيجية، ومنها الشيوعيون و"ال "كوبيست" وال "شيريفيست" وال "مصموديست" والباشاغا بوعلام، لكن المصاليين يأتون في مقدمة المناهضين "فقد كانوا أكثر تنظيما وتجربة من الشباب الذين فجروا ثورة نوفمبر". * يصر بورقعة على اعتبار المصاليين، نسبة إلى مصالي الحاج مؤسس حزب الشعب والذين أنشأوا فيما بعد الحركة الوطنية الجزائرية، من أهم المناوئين لثورة نوفمبر، "فهم الذين سبقونا إلى صعود الجبال، وقبل انعقاد مؤتمر الصومام كانوا قد أحكموا انتشارهم على أرض الميدان، كما كانت لهم خبرة سياسية وذكاء فائق في ربط العلاقات مع أفراد الشعب". * ويذكر ضيف منتدى "الشروق" بأن "المصاليين كانوا يسيطرون بشكل شبه كلي على الميدان حين اندلاع الثورة، لذلك كانت مواجهتهم من قبل الوطنيين تبدو أصعب من مواجهة العدو نفسه في كثير من الأحيان"، قبل أن يضيف "بل كان المصاليون يظهرون بمثابة الجبهة الأولى التي كان ينبغي مواجهتها"، مضيفا: "كان على مفجري الثورة أن يقنعوا الشعب رغم الجهل والفقر والعزلة التامة بجدواها، لكن ساعدتهم في ذلك الوطنية التي كان يتمتع بها أفراد الشعب، فمنهم من كان يشتري جريدة ويكلف شخصا آخر بقراءتها له مقابل استضافته على فنجان قهوة". * في حين كان الشيوعيون، يقول سي لخضر، وهم من المناهضين للثورة في بداياتها، أكثر تكوينا وتنظيما من المصاليين لكنهم لم يكونوا على نفس المستوى من القوة، "ومع ذلك كان المصاليون أكثر دهاء منهم، فقد كنا نتصل بأفراد الشعب عبر المداشر عن طريق محافظ سياسي، قصد توفير المؤونة والأكل للمجاهدين، لكن المصاليين كانوا يسبقوننا في كل مرة ويستولون عليها". * ويحصر بورقعة الحركات المناوئة في أربع، أهمها حركة المصاليين والشيوعيين الذين كانوا قلة لكن أكثر تنظيما، غير أن بعضهم التحقوا بصفوف الثورة من بينهم المجاهد مصطفى سعدون من شرشال، ما يزال على قيد الحياة، وعلى العموم هم لم يحاربوا الوطنيين. * * كوبيس سبق ال "شريفيست" وال "مصموديست"..الخائن الذي تأسست المنظمة السرية في بيته * إلى جانب ذلك هناك الحركة التي كان يقودها عبد القادر بلحاج، المدعو "كوبيس"، من منطقة عين الدفلى، وهو أحد مؤسسي المنظمة السرية، بل إن هذه الأخيرة تأسست في بيته، لكن سرعان ما انقلب عليها، وكان يضم إلى جانبه أزيد من 1500 جندي، وكان ينشط في رواق الشلف حتى خميس مليانة، حسب رواية لخضر بورقعة، وكان يحارب المجاهدين إلى جانب فرنسا فنصب الكمائن لهم، من خلال تضليلهم بوضع العلم الجزائري على مستوى بعض المواقع، وانتهى أمره بقتله من قبل عناصره الذين انقلبوا عليه وانضموا إلى الثورة. * إضافة إلى كوبيس، يقول بورقعة، هناك حركة "شريفيست"، نسبة إلى شريف بن سعيد الذي كان ينشط على مستوى سيدي عيسى والمسيلة قائدا لأزيد من 2000 جندي، وكان هو أيضا يحارب تحت العلم الفرنسي، واستمر في ذلك إلى غاية وقف إطلاق النار. في حين كانت حركة "المصموديست" أقل تأثيرا بالنظر إلى قلة العناصر التي كانت منضوية تحت لوائها، أما الباشاغا بوعلام فكان ينشط على مستوى جبال الونشريس، ويجند أفرادا من عرشه ويعمل ضد الثورة. * * قصة المصالي صابري الذي انتحر * أوضح بورقعة بشأن المصاليين بأنهم "لم يحاربوا فرنسا، لكننا اكتشفنا أمرهم، لقد كان لديهم سلاح الحركة الوطنية.. كنا نأسر الكثير منهم، لكننا كنا نعجز على ملء الاستمارات الخاصة بهم، لأننا كنا نجهل القراءة والكتابة، وأذكر بأننا سألنا أحدهم عن سوابقه السياسية، فذكر مشاركته في مؤتمر أورنو، ولكننا لم نكن نعرف معنى كلمة أورنو وكنا نعتقد بأنها اسم قرية أو جبل". * ويذكر بورقعة بأن "المصاليين كانوا يقومون بذبح أسراهم من المجاهدين"، وهو يروي تفاصيل حادثة مثيرة وقعت في العام 56، وبالضبط في منطقة باليسترو قرب بني عمران، حينما قصد المجاهدون وفدا عن مصالي الحاج كانوا قد جاءوا من فرنسا على متن باخرة، وأرادوا معرفة كل ما يتعلق بالثورة، وكان يقودهم المدعو صابري الذي جمعته محادثات بالمجاهدين، لكنه فور أن عاد إلى المصاليين قال لهم: "نحن مخطئون، كنت أعتقد بتأجيل خلافاتنا إلى ما بعد التحرير"، وعندما لم يجد آذانا صاغية انتحر، حيث أطلق على نفسه رصاصة، وكان ذلك في شهر رمضان من العام 56. * * أجمعوا على أنه "لم يناهض الثورة من داخلها" * * بورقعة: "عبان أنقذ الثورة بمؤتمر الصومام" * * عباس: "شخصية عبان غذت نزوعه نحو التسلط" * * فراد: "سجن عبان دليل وطنيته" * قال الباحث في شؤون الحركة الوطنية، محمد عباس، "إن مواقف عبان رمضان، التي كانت سببا في تصفيته سنة 1957، لا يمكن تصنيفها ضمن التوجهات المناهضة للثورة التحريرية من داخل الثورة ذاتها"، وأدرجها الباحث في سياق "السباق الذي تفجر بين قادة الثورة حول من يسيطر عليها، بعد اشتداد ساعدها". * وأوضح محمد عباس بأن "عبان رمضان عمل منذ خروجه من السجن في جانفي 1955 على تغيير استراتيجية الثورة وفق خطة كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى تحييد الشخصيات التاريخية الست، مثل بن بلة ومحمد بوضياف وآيت أحمد.. ومن ثم فرض نفسه على رأسها". * وذكر المتحدث أن هذه الاستراتيجية "تجلت من خلال حرصه على تنظيم مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، في غياب أبرز الوجوه التاريخية في الحركة الوطنية، باستثناء الشهيد العربي بن مهيدي، وكذا القرارات التي خرج بها المؤتمر، مثل وضع اسمه على رأس لجنة التنسيق والتنفيذ، وإعطاء توجه جديد للثورة، يقوم على أساس أولية الداخل على الخارج، وأولوية السياسي على العسكري، وهي القرارات التي فهمها القادة التاريخيون على أنها سحب للبساط من تحت أقدامهم". * وأضاف المؤرخ بأن "مواقف عبان رمضان هذه غذتها شخصيته القوية، وثقافته الواسعة ومستواه العلمي الرفيع مقارنة بنظرائه، باعتباره من الشخصيات النادرة في الثورة، التي تحصلت على شهادة البكالوريا، ومن كان يرى أن مكانه في قيادة الثورة.. غير أن القادة التاريخيين لم يهضموا هذه التوجهات، ورأوا فيها ضربا من ضروب الزعامة، وبالتالي خطرا على الثورة، التي وضعت مبدأ القيادة الجماعية، أحد ركائزها الأساسية، بعد فشل فلسفة الزعيم التي جسدها زعيم الحركة الوطنية، مصالي الحاج". * ونظرا لخطورة ما قام به عبان، في نظر قادة الثورة بالخارج، فقد عمدوا إلى تنظيم مؤتمر بالقاهرة، أعادوا من خلاله النظر، في قرارات مؤتمر الصومام، وفي مقدمتها تقزيم دور عبان كمسؤول أول لمجلس التنسيق والتنفيذ، وهي القرارات التي لم يهضمها عبان، فزاد من تصعيد الموقف من خلال كتابته في جريدة "المجاهد"، لسان حال جبهة التحرير، الأمر الذي انتهى بتصفيته في المغرب. * ولم يترك الرائد لخضر بورقعة، القيادي بالولاية الرابعة، هذه التصريحات تمر دون أن يرد عليها، مؤكدا بأن ما قام به عبان يهدف إلى الحفاظ على الثورة بعد سنتين من اندلاعها، نافيا أن يكون تنظيم مؤتمر الصومام قد حركته حسابات الزعامة المنسوبة للشهيد عبان. * وذكر المتحدث بأن مؤتمر الصومام عصم الثورة من التشرذم، مشيرا إلى أنه لو كانت أهداف هذا المؤتمر موجهة لتقزيم دور القادة التاريخيين للثورة لما حضره الشهيد العربي بن مهيدي، وهذا دليل آخر، كما قال، على حسن نية الراحل عبان، وهو الموقف ذاته الذي عبر عنه الباحث أرزقي فراد، الذي دافع عن عبان، رافضا الطعن في وطنيته، وقال إن "الرجل (عبان) خرج من السجن واتجه مباشرة للثورة". * * بورقعة يصف مصالي ب "المرتد".."كان الأب الروحي للحركة الوطنية لكنه انقلب عليها" * لم يتوان سي لخضر بورقعة لدى استضافته بمناسبة منتدى "الشروق" عن وصف مصالي الحاج ب "المرتد"، حينما قام بإسقاط تاريخي على شخصية القائد التاريخي خالد بن الوليد، "الذي حقق العديد من الانتصارات لصالح المسلمين، فأطلق عليه رسول الله اسم سيف الله المسلول، لكنه لو لم يلتحق بالمسلمين لوصف بالمرتد، والأمر نفسه الذي ينطبق على مصالي الحاج، الذي رفض الانضمام إلى صفوف الثورة، إذن فهو في خانة المرتدين". * ومع ذلك يصر الرائد بورقعة على التحلي بالموضوعية، رافضا إنكار ما قام به مصالي الحاج "قبل الانقلاب على الثورة"، قائلا بأنه "كان وما يزال الأب الروحي للحركة الوطنية، وكان يتمتع بشعبية كبيرة، فقد كان مناصروه ومؤيدوه يصومون حينما كانت تلقي فرنسا القبض عليه وتدخله السجن، كأسلوب منهم للتعبير عن غضبهم، ذلك أن أسلوب الاحتجاج والمظاهرات كان من الممنوعات حينذاك". * ويضيف بورقعة بأن مصالي الحاج رغم درجة تكوينه وحنكته السياسية إلا أنه "طعن الثورة من الخلف، وكان دائما يقول عن الثورة حين يسأل عنها بأنها لا تعنيه، وكان يكن الكراهية لجبهة التحرير الوطني". * * فراد يحذر من "اختزال التاريخ في مواقف":الشيخ ابن باديس استعمل المهادنة ك "تقية" * اعتبر الأستاذ محمد أرزقي فرّاد بأن "جمعية العلماء المسلمين هي المؤسسة للبعد الفكري للثورة ويقابلها حزب الشعب وقبله نجم شمال إفريقيا اللذان توليا البعد السياسي لها، إذ أنها كانت لا تتحدث إلا عن الهوية التي تعني بالضرورة الوطنية، وهي الجوهر الذي يعارض الاستعمار. فمدرسة أحرير تأسست في 1948 بأيادٍ من فرنسا، ذلك أن فرع الجمعية كان نشطا جدا في فرنسا والمهاجرون قاموا باتصالات وأرسلوا أموالا لتأسيس هذا الفرع". * من هذه المدرسة، يضيف ضيف "منتدى الشروق"، تخرجت قافلة من الطلبة وقافلة من الشهداء سقطوا في ساحة الشرف، منهم ضباط ما زالوا إلى الآن في الجيش وعددهم يزيد عن 12 ضابطا تخرجوا من هذه المدرسة بالذات وساهموا بعد الاستقلال في بناء الوطن"، ويضيف الأستاذ أرزقي بأن "الجمعية من منظور الباحثين في التاريخ شاركت في ثورة التحرير 1954 باستثناء بعض الحالات". * وأوضح فراد "عملت الجمعية على تخريج الكثيرين من شيوخ الزوايا، فزاوية "اتيتصورا" التي تخرج منها سي الفضيل محمد، الذي أسس "المجاهد"، كتب مقالا من أروع ما يكون يروي فيه قصة تتلمذه في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين". * ووصف فراد جمعية العلماء والزوايا، المنتشرة عبر القطر الوطني، بكونها "أركان الثورة الجزائرية، ناهيك عن الأجيال التي نوّرتها مدارس الجمعية ومحوها للجهل والأمية". * وبخصوص الاتهامات التي وجهت إليها من طرف البعض اعتمادا على مجموعة من كتابات الشيخ عبد الحميد بن باديس التي كانت تدعو إلى الاندماج، وردا على ذهاب الأستاذ محمد عباس إلى أن جمعية العلماء لم تؤسس إلى الثورة ولم تكن تعلم تاريخ انطلاقها أصلا، أوضح محمد أرزقي فرّاد بأن "الشيخ ابن باديس كان يستعمل تلك الكتابات ك "تقية" يخفي بها مواقفه النضالية"، قبل أن يضيف بأن "لكل مرحلة وسائلها وطرق التعامل معها، وفي نفس الاتجاه فإن النضال الفكري يمر بمراحل، وكل مرحلة تفرض متطلباتها مداهنة أو عداء أو غيرهما من طرق التعاطي". * وفي حديثه عن الاختلافات حول الذي كان يفترض أن يرأس جمعية العلماء المسلمين من بين أعضائها المؤسسين، دعا محمد أرزقي فرّاد إلى ضرورة تجاوز الجانب التنظيمي والتركيز على البعد الفكري الذي عملت الجمعية من أجل تكريسه، قبل أن يضيق بأننا "لا يمكن أن نختزل التاريخ في مواقف، لأن الجميع ساهم في الثورة بقدر من الوعي الذي يضمن نجاحها". واستشهد في ذلك بكون "العمل في الأوساط الريفية أصعب بكثير من العمل في المدينة، حيث أن الزوايا كانت دائما موضوعة تحت الرقابة". * * أحمد محساس يروي استغلال الاحتلال ل "المرتزق بلونيس":"نقدر جهود جمعية العلماء ثقافيا لكننا نؤاخذ مواقفها من الثورة" * قال المجاهد أحمد محساس إن "الحركة الوطنية الجزائرية (التنظيم المسلح الذي أنشأه أنصار مصالي الحاج) غداة اندلاع الثورة، شكلت خطرا عظيما على الثورة، نظرا لقوة هذه الحركة المستمدة من شخصية زعيمها مصالي الحاج". * وأوضح محساس بأن "مصدر خطورة هذه الحركة نابع أيضا من استغلال الجيش الاستعماري لقائد جناحها المسلح وهو المدعو بلونيس، الذي وجد من الثقة التي يحظى بها شخص مصالي في منطقة القبائل أرضية خصبة لاستمرار وقوفه في وجه الثورة". * وقال محساس "إن فرنسا عرفت كيف تستغل بعض الخلافات التي نشبت بين قياديين سابقين في الحركة الوطنية، لتوظيفهم في خدمة مصالحها، وذلك بالتضييق على الثورة"، مستدلا بشخص بلونيس "الذي كان من الأوائل الذين رفعوا السلاح في وجه الجبهة"، ولم يتردد في وصفه ب "المرتزق". * وعن نظرته هو وغيره من مفجري الثورة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قال محساس "كنا نحترم كثيرا الجمعية، نظرا للجهود التي قدمتها على المستويين الثقافي والحضاري"، غير أنه قلل من توجهاتها الثورية، وقال "كانت الجمعية تختلف كثيرا عن التوجهات الثورية لمفجري الثورة التحريرية، فهم إلى غاية الأربعينيات لم يكونوا يؤمنوا باستقلال الجزائر". * ولم يكن هذا الموقف من الجمعية، بحسب محساس، نابعا من رفض زعمائها استقلال البلاد وإدماجها بفرنسا، وإنما نابع من اعتقادهم بأن الجزائريين على اختلافهم، لا يملكون من القوة ما يمكنهم من هزم أعتى جيش استعماري في العالم آنذاك". * وبرأي أحمد محساس، فإن "موقف الزوايا (كمؤسسات) من الثورة لم يكن يختلف كثيرا عن موقف الجمعية، غير أن الفرق بينهما يكمن في أن الكثير من المنتسبين للزوايا التحقوا بالثورة في بداياتها الأولى، على عكس المنتسبين للجمعية". * * الشيخ عبد الرحمان شيبان يرد على محساس:"شعب الجزائر مسلم" رد على كل المشككين * رفض الشيخ عبد الرحمان شيبان ما جاء على لسان أحمد محساس بشأن مواقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي يرأسها من الثورة التحريرية، وعلق على كلامه بقوله "لم يقل حقا"، وأكد شيبان أن الجمعية كانت خزانا للثورة بإطاراتها، ودعما قويا لمسيرتها بالمواقف والبيانات. * وانتقد شيبان الذين يروجون لهذا الطرح، مؤكدا بأن "مواقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كانت منذ بداياتها تدعو الجزائريين إلى عدم الخنوع والخضوع للاحتلال والسكوت على الظلم، الذي يجسده الاستعمار الفرنسي". واستشهد رئيس الجمعية في هذا الصدد بما قاله رائد النهضة في الجزائر، عبد الحميد بن باديس في سنة 1937، في نشيد "شعب الجزائر مسلم"، وبالضبط في المقطع الذي يقول فيه "وأذق نفوس الظالمين السم يمزج بالرهب.. واقلع جذور الخائنين فمنهم كل العطب.. واهزز نفوس الجامدين فربما حيي الخشب.. هذا نظام حياتنا بالنور خط وباللهب.. هذا عهدي لكم به حتى أوسد في الترب.. فإذا هلكت فتحيا الجزائر والعرب". ويعلق شيبان على هذه الأبيات ويقول بأنها "دعوة صريحة للثورة على فرنسا". * ويضيف المتحدث إلى ذلك البيان الذي أصدره ممثل جمعية العلماء في القاهرة الفضيل الورتلاني يوم انفجار الثورة التحريرية، مؤكدا بأنه "حرر بيانا في الفاتح من نوفمبر يؤيد فيه الثورة التحريرية ويدعو من خلاله الدول العربية لمساعدتها، لكن ظهوره في الصحف تأخر إلى الثالث من نوفمبر 1954". * وأشار شيبان في هذا الصدد إلى ما قاله الرجل الأول في الجمعية، الشيخ البشير الإبراهيمي، يوم 15 نوفمبر 1954، بعنوان دعوة للإشهاد "إن الناس يعيشون للدين والدنيا، وأنتم الجزائريون لم تترك لكم فرنسا لا دينا ولا دنيا، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها". * وقال تلميذ ابن باديس "هناك أحقاد حزبية يذهب صاحبها بها إلى القبر"، وللرد على هؤلاء لفت المتحدث إلى أن "فكرة تأسيس الجمعية في حد ذاتها جاءت ردا على الحفل الذي نظمه الفرنسيون بمناسبة مرور قرن على احتلال الجزائر، وهو الحفل الذي حضره سياسيون وعسكريون ورجال دين مسيحيون، وتغنوا بحلول الفرنسية محل العربية والمسيحية محل الاسلام، فجاءت الجمعية، كما قال، لترد عليهم بأن الجزائر عربية ودينها الإسلام..". * * محمد عباس:"العلماء والزوايا درسوا التاريخ تحت غطاء الفقه" * ذهب الأستاذ محمد عباس، الباحث في التاريخ، من خلال منتدى "الشروق اليومي"، إلى أنه "يجب الاعتراف بدور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الوطني التي أخذت على عاتقها تعليم الأجيال، وكفاها فضلا أن الأستاذ توفيق المدني الذي كان أوّل من درس جغرافية الجزائر وكتاباته في هذا الشأن ساهمت في عودة الوعي بالوطن لدى جزء كبير من الجزائريين"، ليضيف "علينا أن لا نغفل السياق السياسي الذي أسست فيه الجمعية ونشأت، حيث كانت الجمعية وكذا الزوايا تقدم دروسا في التاريخ تحت غطاء الدين كانت تعنونها بالفقه وهي حقيقة دروس في التاريخ والجهاد وباقي الحقائق التي كان ينبغي أن تعرفها الأجيال". * * أ. محمد العلمي السائحي:"ابن باديس الصنهاجي لم يكن يهادن" * دافع الأستاذ محمد العلمي السائحي، نجل الشاعر الراحل محمد الأخضر السائحي، والعضو القيادي في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عن هذه الأخيرة، وتحديدا عن مؤسسها الشيخ عبد الحميد بن باديس، عندما برر بعض المقالات "المداهنة" للاحتلال الفرنسي في أعداد من مجلة "الشهاب" بكون "فكر جمعية العلماء المسلمين مرّ بمراحل، فكانت المرحلة الأولى مرحلة التأسيس والتأكيد على تجذير وتثبيت الجمعية، وهي مرحلة تميزت بمجاراة فرنسا، لكن وبعد 1936 عرف فكر الجمعية تحولا جذريا، خاصة بعد مشاركة الإمام عبد الحميد بن باديس في المؤتمر الإسلامي بفرنسا، فعاد بقناعة اليائس من إمكانية أي إصلاح، وهنا بدأ فكره يتّجه نحو خيار المواجهة مع فرنسا، فألقى خطابه المشهور بملعب 20 أوت بحضور مصالي الحاج". * وأضاف في مداخلته بمنتدى "الشروق اليومي" بأن الشيخ عبد الحميد بن باديس كان يوقع بتوقيعين اثنين، الأول باسمه المعروف بوصفه رئيسا للجمعية، وعادة ما تحمل هذه المقالات نوعا من المهادنة والمجاملة لفرنسا، أما التي كان يوقعها باسم الصنهاجي فكان يعلن فيها عن مواقفه السياسية وآرائه بشكل صريح ولا مجاملة فيه". * * آيت عمران تحمس لكفاح فرنسا بعد قراءة كتاب المدني * في غمرة الحديث عن كتابات أحمد توفيق المدني في جغرافيا الجزائر وتاريخها، الذي سبق للأستاذ محمد عباس الإشارة إليها، ذكر الأستاذ محمد أرزقي فراد بالذي كان يردده محمد أودير آيت عمران "أنا لم أملك الوعي وتحمست لكفاح فرنسا بعد أن قرأت كتاب توفيق المدني الذي بعث في الحماسة، وهذا دليل الدور الفكري الكبير الذي لعبته الجمعية، لأن الجميع ساهم في بعث هذا الوعي كل من جهته". * * حريق زاوية سيدي عبد الرحمن الأيلول استمر أسبوعا كاملا .."المستعمر خطط لضرب الزوايا والتخلص منها" * لعبت الزوايا دورا هاما في التحضير للثورة التحرير الوطنية وكان مفهوم الزاوية في بلاد القبائل مرادفا للجهاد، في حين حاول البعض ترسيخ أن الزاوية تساوي الاستعمار، لكن هذا الأمر غير صحيح لأن من انشأوا جمعية العلماء المسلمين هم من خريجي الزوايا. * أكّد الباحث في التاريخ محمد أرزقي فراد، في منتدى "الشروق اليومي"، على أن "ارتباط الجهاد بالزوايا في الجزائر بدأ منذ الاحتلال الإسباني لمدينة بجاية في 1510 م بدليل معركة اسطاوالي". * ويعود الأستاذ فراد إلى ما قاله جوزيف ميل روبان من كون "الداي حسين بعث للزوايا في »ثي معمري« بمنطقة القبائل وأرسلت في هذه المعركة سنة 1830 جند 50 من المائة القوات التي قامت التي جنّدها الداي حسين، بما لا يقل عن 25 ألف مجند وشارك الزعماء الروحانيون الذين قدموا يحملون رايات الزوايا في المعركة". * وتعمّدت فرنسا، حسب فراد، القيام بالدراسات الاجتماعية لفهم بنية المجتمع الجزائري والوصول إلى تكسيره "وتوصل الباحثان الفرنسيان رين وهالنتوا إلى أن الزوايا بالجزائر تشكل حجز الزاوية في المقاومة الجزائرية ولذلك وجب تحطيمها وذلك بتشويه صورتها من جهة وكذا تفكيكها". * وأضاف ضيف المنتدى، بأن »هناك من الزوايا من تواطأت مع الفرنسيين مثل زاوية "اشلاضن"، وهي أكبر زاوية بآقبو فلم يكن لها موقف إيجابي من الجهاد وهي حالة شاذة تحول شيخها إلى بشاغا، وعدا هذه الزوايا فإن البقية كلّها خدمت الجهاد والدليل ثورة 1871 التي قامت بها الزوايا لوحدها". * ووجهت فرنسا ضربة موجعة للزوايا، يقول فراد، بمحاصرتها ماديا "من خلال استيلائها على الأوقاف التي كانت تعد المصدر الرئيسي لتمويل الزوايا بالجزائر ككل، حيث لا يستطيع الطالب ولا المدرس الاستمرار بطلب العلم في ظل الجوع وانعدام الإمكانات البسيطة التي كانت تمنحها أموال الأوقاف، بالنظر إلى أنه لا يوجد تمويل آخر خارج هذا الإطار". * ويضيف محمد أرزقي فراد "بأن ذلك جاء نتاجا للدراسات التي قدمها الباحثان رين وهالنتوا، وبدأت خطتها لإضعاف قوة المجتمع الجزائري. أكثر من ذلك، كلّفت فرنسا محمد سعيد بن زكري، الذي كان منفيا من العاصمة وهو من منطقة أزفّون، بإعداد دراسة تمكن من السيطرة على الزوايا بالجزائر حتى لا يكرروا ثورة 1871، وألف بالفعل كتابا "أوضح الدلائل على وجوب إصلاح الزوايا ببلاد القبائل« في 1903 وهو عبارة عن مشروع سياسي لفرنسا للسيطرة على الزوايا". * وأضاف فراد "المقصود بالإصلاح هنا ليس الإصلاح الفكري بل كيفية السيطرة التنظيمية على الزوايا من خلال متابعة كل زاوية ونشأتها بتسجيل كل واحدة منها في دفتر خاص ومراقبة كل ما يتعلق بها من مدرسين وطلبة ومداخيل". * ويذكر محمد أرزقي فراد كيف كانت الزوايا تشكل خطرا على فرنسا وحوربت بشتى الطرق "بدليل تعرض زاوية سيدي عبد الرحمن الأيلول وهي أكبر معهد لعلم القراءات إلى الاحتراق، حيث بقيت أسبوعا كاملا وهي تحترق في 1956". قبل أن يضيف "قدمت الزاويا ما لا يقل عن 100 شهيد وتم اغتيال الشيخ الطاهر من زاوية تيمليليل في أكتوبر 1956، و ردّ المجاهدون على اعتداءات فرنسا ضد شيوخ الزوايا، وبالضبط على مقتل الشيخ الطاهر بمنطقة القبائل بعد تأكدهم من أنه مساند للثورة، بقتل قسيس بمزرعة آزفون تاركين رسالة مفادها أن المساس بالزوايا وشيوخها نقابله بالانتقام من رجال الكنيسة، وهذا أكبر دليل على ارتباط الثورة والجهاد بالزوايا". * * رفض وصف العلماء والزوايا وكل المصاليين ب"الخونة"..بورقعة يدعو إلى عدم الخلط بين النخبة والقاعدة * يصر بورقعة على ضرورة الفصل بين النخبة والقاعدة حين الحديث عن الحركات المناوئة لثورة التحرير، مؤكدا على أن "إثارة موضوع المناهضين للثورة لا يجب أن يستهدف مباشرة القاعدة، وهو ما يجب الالتزام به عند الحديث عن علاقة جمعية العلماء المسلمين مثلا بثورة نوفمبر، وأيضا عند تناول موضع علاقة الزوايا بثورة التحرير، لأن ما كانت تبديه النخبة من مواقف، كان يختلف في كثير من الحالات عن قناعات القاعدة، التي أثبتت في الكثير من المواقف مساندتها العميقة للثورة". * ويرفض ضيف منتدى "الشروق اليومي" أن يتم الجزم بأن كافة المصاليين "خونة" فالمذنبون هم الذين كانوا في القيادة، وليس المناضلون أو الأشخاص الذين كانوا يتعاطفون معهم«، والأمر نفسه ينطبق في تقدير بورقعة، على جمعية العلماء المسلمين، التي اتهمت بتخلفها عن الالتحاق بصفوف الثورة، وكذا بوقوفها ضدها عند اندلاعها. * كما يرى بورقعة بأن "النخبة نفسها لم تكن على نفس المستوى، فجمعية العلماء المسلمين مثلا كان فيها أناس بارزون دافعوا باستماتة عن الثورة، من بينهم الشيخ العربي التبسي، فهؤلاء كانوا في الطليعة للدفاع عن الثورة، وقد كان لآخرين مواقف مختلفة". * ويؤكد سي لخضر بأنه لا يقصد محاسبة جهة بعينها "فحتى الزوايا التي قيل عن بضعها بأنها لم تقف مع الثورة، احتضنت المجاهدين في اللقاء التحضيري لمؤتمر الصومام، وكان منهم عبان رمضان وبن مهيدي وكذا عمارة رشيد إلى جانب قائمة أخرى من المجاهدات، وكانوا جميعهم يقيمون في زاوية بوزنة بنواحي بوقرة بالبليدة، ويختم بورقعة كلامه بضرورة التحري والبحث في صفحات التاريخ قبل الحكم على أي طرف كان«. * * و يصف التشكيك في عدد الشهداء ب"المؤامرة المكشوفة والاستقلال الحقيقي كان في الفاتح نوفمبر 1954 * اغتنم الرائد لخضر بورقعة منتدى "الشروق اليومي" ليفتح النار على الأصوات التي تتعالى كلما تزامن الظرف مع إحياء ذكرى اندلاع الثورة التحريرية، معتبرا أن "الغرض من ورائها الإنقاص من قيمة الثورة". * ووصف بورقعة الأقاويل التي شككت في العدد الحقيقي للمجاهدين وكذا الشهداء، ب"المؤامرة المكشوفة التي تطفو على السطح كلما اقترب موعد الاحتفال باندلاع الثورة"، وقال: "لو سألني أيٌّ كان عن تاريخ الاستقلال، لقلت له دون تردد بأن ذلك كان في الفاتح نوفمبر من العام 54، عندما تغلب الجزائريون على الشعور بالخوف من المستعمر، فهبوا إلى المشاركة في إطلاق الشرارة الأولى للثورة المجيدة، سواء عن طريق حمل السلاح أو تخريب خيوط الهاتف، أو هدم عمود كهرباء". * ويؤكد بورقعة بأنه عند اندلاع الثورة، لم يكن أحد يعلم متى تنتهي، لكن من يتعمّق في تفاصيلها وفلسفتها، يتيقن بأن "الشعب لم يكن يخلو من نخبة في مستوى عظمة نوفمبر، قادرة على تسيير تلك الثورة في الاتجاه الصحيح، وإيصالها إلى بر السلام، مصرّا على أن الرد على هؤلاء المشككين ينبغي أن يكون بالدليل، ولا ينبغي أن ينتظر الواحد منا أن يختار الجملة الجيدة كي يرد على ادعاءاتهم". * وفي تقدير سي لحضر "فإننا لحد الآن لم نعط للتاريخ حقه وقيمته، والتاريخ يشبه في نظره الخريطة التي تحدد موقع كل شخص أثناء الثورة، وهؤلاء ليسوا في الخريطة"، في تلميح إلى الأصوات المشككة في الحقائق المتعلقة بثورة نوفمبر. * * محمد عباس: "الاستعمار استعمل العلماء لبث النعرات بين الجزائريين" * أكد الباحث محمد عباس على أن "حيل الجيش الاستعماري، في تقويض الثورة، لم تتوقف عند تجنيد الجزائريين واختراق الحركات الوطنية وتوجيهها للوقوف في طريق الكفاح ضد فرنسا، بل تعدتها إلى استعمال رجال العلم والباحثين في بث النعرات بين الجزائريين". * واستشهد المتحدث بما قام به الباحث الفرنسي جون سيرفيي، المتخصص في علم الأنتروبولوجيا، حيث عمد إلى تأليب قبيلة أولاد عبدي بشرق البلاد ضد قبيلة مصطفى بن بولعيد، مفجر الثورة بمنطقة الأوراس، حيث أوهم الأولى بأن قبيلة أولاد عبدي هي من فجرت الثورة لأغراض قبلية، مستغلا معرفته بسكان المنطقة من خلال البحوث العلمية التي قام بها في الإيقاع بين أبناء المنطقة والبلد الواحد. * كما لفت عباس إلى أن "النظام الاستعماري استغل أيضا السلك الديني الرسمي، ممثلا في بعض الزوايا مثل زاوية مازون