يمتلك جيل السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ذكريات جد جميلة مع أنشطة التربية الفنية والفكرية التي كانت تنظم بالمؤسسات التربوية وفي الأطوار الثلاثة، فكانت الموسيقى، الرسم، والأنشطة اليدوية والمسرح تستقطب المواهب الفتية المتألقة والتي غالبا ما تتألق في اللغة العربية وحتى الفرنسية، من جانب حسن التعبير والحفظ وسلاسة الإلقاء. كانت تنظم، في كل نهاية موسم دراسي، حفلة كبيرة يقدم فيها تلاميذو المدارس المتوسطة، الثانوية والابتدائية، نتاج ابداعاتهم من الفن التشكيلي وعروضهم المسرحية وقصائدهم الشعرية. كان هذا الشق من التكوين الخاص في البرنامج الدراسي يهدف إلى تنمية الحس الفني وتقوية القدرات الفكرية وتعزيز الثقة في النفس عند الطفل أو المراهق، وبذلك تشجيع الموهبة وغرس فيها بوادر المضي قدما في مجالات الفنون والأدب مستقبلا. وللأسف فقد استغنت جل مؤسسات المنظومة التربوية عن هذا التكوين الفني والأدبي منذ التسعينيات ولم يتبق من تقليد مسرح الطفل أو الفرقة الموسيقية بالمدرسة سوى بعض المبادرات التي يتبناها بعض الأساتذة والمعلمين، هنا وهناك، والذين يحاولون من خلال ذلك إبراز اسم المدرسة وتشجيع البراعم الفنية الصاعدة . أما اليوم ومع وجود مسرح للطفل إزدادت العروض والأعمال التي تحاكي الطفل وتتحدث عنه حاملة بين مشاهدها رسائل متنوعة منها: زرع القيم والمبادئ الفاضلة ومعالجة آفات العصر الاجتماعية، يكون الطفل عرضة لها، وتكوّن الناشئة جمهورها من خلال الأنشطة الترفيهية التي تبرمجها المؤسسات الثقافية أيام العطل وفي المناسبات. لكن أين موهبة الطفل هنا، وأين مشاركته هو كصانع أو فاعل في العمل المسرحي؟ وكيف له أن يقف ليعبر بنفسه عن أحاسيسه وإبداعاته أمام الجمهور؟ شهدنا في الأسابيع الماضية اهتمام كل من وزارتي الثقافة والتربية الوطنية بتشجيع بعض المواهب الشابة، خاصة في الكتابة الأدبية، ومد يد العون لها للمساهمة في المعرض الدولي للكتاب وسيكون من الجيد أن تتواصل هذه المبادرات الطيبة ضمن إستراتيجية التشجيع على تكوين أساتذة ومعلمين في المسرح والمجالات الثقافية الأخرى، والعمل على اكتشاف المواهب الصاعدة في المدرسة وفتح آفاق التكوين أمامها لصقل موهبتها، وذلك داخل المؤسسات الثقافية كالمسارح البلدية والولائية والوطنية، وكذا تفعيل دور التعاونيات والجمعيات الثقافية الفاعلة، وهو المشروع الذي لا يحتاج في تجسيده على أرض الواقع سوى إرادة قوية وتطبيق متصل ومتواصل في الزمان والمكان.