العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 41 ألفا و870 شهيدا    تونس: انطلاق عملية التصويت للانتخابات الرئاسية    رئيس الجمهورية: متمسكون بالسياسة الاجتماعية للدولة    رئيس الجمهورية يؤكد أن الجزائر تواصل مسيرتها بثبات نحو آفاق واعدة    الشروع في مراجعة اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي السنة القادمة    المطالبة بمراجعة اتفاق 1968 مجرد شعار سياسي لأقلية متطرفة بفرنسا    صدور مرسوم المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي    تنظيم مسابقة وطنية لأحسن مرافعة في الدفع بعدم الدستورية    مراد يتحادث مع المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة    الكشف عن قميص "الخضر" الجديد    محلات الأكل وراء معظم حالات التسمم    المعارض ستسمح لنا بإبراز قدراتنا الإنتاجية وفتح آفاق للتصدير    انطلاق الطبعة 2 لحملة التنظيف الكبرى للجزائر العاصمة    عدم شرعية الاتفاقيات التجارية المبرمة مع المغرب.. الجزائر ترحب بقرارات محكمة العدل الأوروبية    ماكرون يدعو إلى الكف عن تسليم الأسلحة لإسرائيل..استهداف مدينة صفد ومستوطنة دان بصواريخ حزب الله    رئيس الجمهورية: الحوار الوطني سيكون نهاية 2025 وبداية 2026    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: فيلم "ميسي بغداد" يفتتح المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة    للحكواتي الجزائري صديق ماحي..سلسلة من الحكايات الشعبية لاستعادة بطولات أبطال المقاومة    البليدة..ضرورة رفع درجة الوعي بسرطان الثدي    سوق أهراس : الشروع في إنجاز مشاريع لحماية المدن من خطر الفيضانات    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يعود بعد 6 سنوات من الغياب.. الفيلم الروائي الجزائري "عين لحجر" يفتتح الطبعة ال12    الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية : ندوة عن السينما ودورها في التعريف بالثورة التحريرية    رئيس جمهورية التوغو يهنئ رئيس الجمهورية على انتخابه لعهدة ثانية    بيتكوفيتش يعلن القائمة النهائية المعنية بمواجهتي توغو : استدعاء إبراهيم مازا لأول مرة ..عودة بوعناني وغياب بلايلي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف، مولودية قسنطينة ونجم التلاغمة في المطاردة    اثر التعادل الأخير أمام أولمبي الشلف.. إدارة مولودية وهران تفسخ عقد المدرب بوزيدي بالتراضي    تيميمون: التأكيد على أهمية التعريف بإسهامات علماء الجزائر على المستوى العالمي    بداري يعاين بالمدية أول كاشف لحرائق الغابات عن بعد    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص وإصابة 414 آخرين بجروح خلال ال48 ساعة الأخيرة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 41825 شهيدا    البنك الدولي يشيد بالتحسّن الكبير    لبنان تحت قصف العُدوان    شنقريحة يلتقي وزير الدفاع الإيطالي    بلمهدي يشرف على إطلاق بوابة الخدمات الإلكترونية    يوم إعلامي لمرافقة المرأة الماكثة في البيت    إحداث جائزة الرئيس للباحث المُبتكر    أسماء بنت يزيد.. الصحابية المجاهدة    دفتيريا وملاريا سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل القاطنين    سايحي: الشروع قريبا في تجهيز مستشفى 60 سرير بولاية إن قزام    الجزائر حاضرة في مؤتمر عمان    طبّي يؤكّد أهمية التكوين    استئناف نشاط محطة الحامة    بوغالي يشارك في تنصيب رئيسة المكسيك    افتتاح الطبعة ال12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف, مولودية قسنطينة و نجم التلاغمة في المطاردة    صحة: تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    رابطة أبطال إفريقيا (مرحلة المجموعات-القرعة): مولودية الجزائر في المستوى الرابع و شباب بلوزداد في الثاني    الجزائر-البنك الدولي: الجزائر ملتزمة ببرنامج إصلاحات لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة    ديدوش يدعو المتعاملين المحليين للمساهمة في إنجاح موسم السياحة الصحراوية 2025/2024    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطاطون الإسلاميون المجددون يتخطون عقبات الأصول الكلاسيكية
المهرجان الثقافي الدولي للخط العربي في تلمسان
نشر في الشعب يوم 14 - 05 - 2011

اختتم مهرجان الخط العربي أيامه في تلمسان، وبدأ رحلة حضارية معاصرة أرسى قواعدها الخطاطون المجددون في العالم الإسلامي، وصادقوا على شرعيتها في عاصمة الثقافة الإسلامية، إيمانا منهم بضرورة التجديد في عصر المتغيرات الكبرى، والخروج من بوتقة المدارس الكلاسيكية المعبرة عن زمن غير هذا الزمن، وبيئة غير هذه البيئة، وإنسان غير إنسان الألفية الثالثة التي بدات قرنها الواحد والعشرين بمبادئ السماح والانفتاح.
واكد الفنان مصطفى بلكحلة محافظ مهرجان الخط العربي ان التجديد في مدارس الخط العربي كان خيارا أكيدا تبناه المهرجان في دورته الجديدة التي ترافقت مع إنطلاق فعاليات تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية وهذا ما جسده الباحثون الإسلاميون والنقاد الفنيون الذي قدموا طروحاتهم الفكرية وقراءاتهم الفنية التي اغنت مهرجان الخط العربي، وجعلت منه إنطلاقة جديدة ومعاصرة لفنون الخط العربي الإسلامي التي ظلت مقيدة بقواعد المدارس القديمة لحقب ظويلة من الزمن.
وذكر ان الجوائز التي منحها مهرجان الخط العربي في تلمسان أكدت المنحى التجديدي في روح الخط العربي القابل للتطور ومواكبة روح العصر، حيث قسمت هذه الجوائز بين الخطاطين المجددين والخطاطين الكلاسيكيين من اجل ايجاد هذا القاسم المشترك بين الأصول والمعاصرة في طريق تحقيق الإضافات الحضارية اللازمة في العصر الحديث.
وكشفت دائرة الحوار الفكري المجسد في محاضرات اكاديمية وفنية تضمنها المهرجان الثقافي الدولي للخط العربي عن جماليات البعد الاجتماعي الذي طالما ظل معناه مجهولا في مكونات الوجود اليومي، دون إدراك مضامينه المؤثرة في المتلقي المنغمر في تفاصيل سلوك يومي، يحعله غير آبه بقواعد الأصول التي تحكم صياغات فنون الكتابة المعبرة عن هاجس إجتماعي ما، فيجعل من الجدران فضاءات تعبير حر، لا تخضع لمبادئ مذهب فني، ولا تأخذ بقواعد بنائه التقني، وتزيح عمدا الغطاء الأخلاقي الذي يكبت صرخة إنفعال ذاتي تنتظر إرجاع صداها.
وهنا اثار الناقد الفني عبدالرحمن الكناني السؤال عن معنى هذه الكتابة بأبعادها المهملة في أي جهد نظري في محاضرته الموسومة الخط على الجدران جماليات البعد الاجتماعي .. في مساءلة فكرية، لها افق استشرافي على الصعيدين الذاتي والموضوعي، ليتسنى لنا تعريف النص المكتوب على الجدران والكشف عن جمالياته و رموزه ودوافعه.
ويعد الخط على الجدران ممارسة إنسانية تتحرك بفاعلية إجتماعية لها قدرة التأثير باكتسابها خصائص اللغة الإشارية التي جعلت من الخط المتداول في مجتمع ما فن العفوية الدارجة في السلوك الشعبي المنفتح على الزمن في إطار المكان ذاته، تتضمن تجلياته خطابا تعدديا هدفه التبليغ او التحريض، لا يرتقي إلى مثالية الفن التشكيلي، رغم انفتاحه على الجنس الفني الكاشف عن ثنائية العلاقة بين ''مبدع'' و متلقي.
وأضحى الخط على الجدران خطابا يوميا متواصلا ، تتلقاه دون استئذان، وتقراه رغما عنك حين تلاقيه على امتداد البصر، فهو لغة التواصل التي تبدد كل الفوارق الطبقية، وتقرب المسافات الفاصلة بين المستويات الإجتماعية المتباعدة، بإعتباره احدى واجهات الأدب الشعبي الموجه إلى كل فئات الشعب دون استثناء .. والآداب ترتقي دائما بجمالياتها المؤثرة، بتنوع اجناسها.
لكن جماليات الخط على الجدران التي تكشف عن بعدها الإجتماعي، لم يضعها أحد في إطار نظري بعد، يستحضر مفاتيح فك رموزها، ويدرك دوافعها الإنفعالية وسر قدرتها في إطلاق المعنى المكبوت وصياغته في نص مقروء.
جماليات عفوية مهملة عمدا، اهملها اولئك المثاليون الذين لايعتقدون بوجود جماليات كامنة حتى في بركة مياه آسنة، فالجمال في عالم معاصر متغير لم يعد يقتصر على المثالي في الاشياء، والحرية في رسم الأحرف جمال بحد ذاته لا يخلو من المعنى الذاتي الذي لا يصاغ بقواعد فن مطلق، لا يأذن المتطرفون بالاقتراب منه.
الخط يجسد جوهر الإنسان، رؤاه، انفعالاته المشحونة بالغضب او الفرح، القبول او الرفض، لذا قال عنه الأسيويون قولتهم المتوجة في المثل الياباني :

الخط هو الإنسان نفسه
إذن هو خارطة الطريق المؤدية إلى عمق الذات التي تفصح عن دواخلها في تشكيل الحروف و أسلوب خطها وما تحمله من مضامين.
هو يدون وجهة نظره كإنسان حر متمرد على التقليد المثالي، حين يجعل من الجدار المفتوح خامته غير آبه بالأدوات التي يلجا إليها الفنان في الواقع:
الخامة، اللون، الأسلوب و التقنية
لا تعنيه خصائص المدارس الفنية، و لا أساليب الانطباعية أو السريالية أو التجريدية أو التكعيبية أو الوحشية، فهو الفطري الشعبي الذي لا يحرك ريشته العشوائية على هدى الخط الكوفي او الديوان، ولا تتعدى قدرته التقنية التلوين المسطح لما يخطه من كلمات على الجدران قد تعيد له التوازن المفقود باهتزازات حركته الانفعالية.
وقد تتحقق هنا المعادلة الفنية، إذا ما ادركنا ان الفن التشكيلي هو الذي يعيد اكتشاف الواقع ممزوجا بالهواجس والرؤى التي تثير تأملات المتلقي وتساؤلاته على جوانب تشكل واقعا كان يجهله.
يرتقي المتلقي المتحرك في فضاءات مفتوحة بقدرته على تحريك قواه العقلية و الحسية بقراءة بصرية خاطفة تتجلى فيها ابعاد النص المخطوط على الجدران المنتصبة في خارطة وجوده الواسع، كاشفا المعنى الأبعد من جماليات تشكيليات حروفية لخطاط محترف تمثل في أغلب الأحيان نصوصا جاهزة حفظتها الذاكرة، أو ضمتها بطون الكتب.
والجدران فضاءات تعبير حر منذ بدء الخليقة، جعل منها الإنسان البدائي رقاعا تدون الحدث الذي عاشه فقرأناه في زمن معاصر، اجتهد المؤرخون في فك رموزه.
وكان الخط على الجدران دلالة الكشف عن حضارات إنسانية دونت نصوصها الإدارية والرياضية والفلكية وحررت رسائلها وكتبت قواميسها وقصص ملاحمها، وجدارية الملك البابلي حمورابي او مسلته هي الدليل الأقرب إلى عمق الكتابة على الجدران بما حفظته من تدوين لأول قانون مدني عرفته البشرية في أول خلقها.
ويعود فن الخط على الجدران إلى عصور ما قبل التاريخ حيث كانت الجدران منذ البدء ملاذا للإنسان الذي يريد التعبير عن أفكاره وانفعالاته ومحاكاته لطبيعة كان يجهل سرها حتى يسمو به الخيال إلى إبداع أشكال لم يرها كما ظهر في كهوف تاسيلي الجزائرية حيث تجلى العجب في نقوش ورسوم يعود تاريخها إلى 20 الف عام تصور مخلوقات بشرية تطير في السماء ونساء يرتدون ثيابا حديثة كالملابس التي يرتدينها ألآن.
ويبرز القاسم المشترك في القدرات التعبيرية بادوات الخط على الجدران على امتداد حقب التاريخ التي افرزت حضارات إنسانية متعددة هي محاولات الإنسان بإختلاف الزمان والمكان في تطوير وجوده والارتقاء بقدراته العقلية التي تحفزه على انتاج النص الذي يخطه على الجدران الأقرب إليه من أي مشغل فني.
و أخذ فن الخط على الجدران شكلا معاصرا سمي في اللغات الاوروبية ب «غرافيتي» عرب عام 1979 على يد الباحث خليل احمد خليل بمصطلح: Graffiti
''الخط على الجدران''
وأخذت الظاهرة المعاصرة شكلا آخر في نيويورك حيث نشأت حركات شبابية مارست فن ''الغرافيتي'' باعتباره نوعا من الهزل والمزاح فاستخدمت الجدران للتعبير عن ذاتها واحاسيسها ورغباتها، وارتبط هذا الفن بحركة ال''هيب هوب'' التي ظهرت في نيويورك في السبعينات اذ شكلت الجدرايات احدى العناصر الاساسية للتعبير عن ثقافاتها المتمثلة في الشعر والغناء والرقص.
ويبقى النص المرسوم على الجدار يواكب زمنه، يرصد تفاصيله، في قراءة راهنة، تعكس واقعا معاشا، محسوسا إلى درجة الإدراك العقلي،مجهول كاتبه، حتى يبدو الكاتب المجهول في شكل مجتمع عبر بحرية عن هواجسه أو انفعالاته.
فالرؤية تبقى قاصرة حين تقف عند شكل الاشياء، والرؤية الحق هي دعوة إلى تقصي حقيقة ما وراء الشكل المخطوط على جدار أصم خربشته التعاويذ والطلاسم والحروق وفوضى الالوان .. بغية اكتشاف سر الجمال المجهول ببعده الاجتماعي في إطار الارتقاء بمعادلة الفن التشكيلي الذي يعيد اكتشاف الواقع ممزوجا بالهواجس والرؤى التي تثير تأملات المتلقي وتساؤلاته حول واقع كان يجهله.
وذهب الباحث الاردني ابراهيم ابوطوق إلى إعتبار الكتابة بمثابة التغيير المحوري للحضارة الانسانيةن مستشهدا بالكتابات الموجودة على اهرامات مصر ومسلات الفراعنة و ما قبلها من الحضارات القديمة على هيئة صور ورسومات ذات دلالة، اتسبدلت فيما بعد بحروف الكتابة مع اتساع الحياة وتغير متطلباتها.
ويقول الخطاط المجدد ابو طوق ان البعد الثالث شغلني كثيرا ولم اكن قادرا على ادخاله في الخط العربي رافضا ان يقف الفن والخط عند حد معين و إلا اصبح حرفة وليس فنا، فكل الوابط المعمول بها في الخط والزخرفة قابلة للتغيير، وقادرة على احداث التطور الذي يواكب المتغيرات.
وكشف الباحث الجزائري يحيى بودودة بدوره عن النهضة الخطية التي صاحبها اهتمام بالغ باداب الصنعة من تقنيات صناعة الادوات التقليدية والاهتمام بموازين الخط الكلاسيكية والاختلافات المدرسية إلى جانب الاهتمام بالاشكاليات النقدية.. مبرزا النواحي التجديدية في مدارس الخط العربي في محاضرته الموسومة ب «الجوازات في فن الخط».
وكان المهرجان الدولي للخط العربي في دورته الجديده أهم مهرجان على الإطلاق حين أقر في فعالياته الفكرية والفنية مبدأ وضع الفن الإسلامي في دائرة النسيج الفني العالمي دون التخلي عن خصوصية الزمان والمكان في اول انقلاب فني معاصر يعلن عن ولادته في تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.